هل كانت قد نضجت الظروف للثوره؟


عبد المطلب العلمي
الحوار المتمدن - العدد: 5671 - 2017 / 10 / 16 - 10:55
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا     


بدأت ثورة شباط على شكل احتجاجات جماهيريه عارمه، ولكن نجاحها اصبح ممكنا بسبب أزمة سياسية حادة في القمة، الاستياء الحاد في الدوائر البرجوازية الليبرالية على سياسة القيصر. انتفاضات الخبز والمظاهرات المناهضة للحرب والمظاهرات والإضرابات في المؤسسات الصناعية في العاصمه ، كذلك حاله الاستياء بين آلاف الجنود من حاميات المدينه الذين انضموا إلى الجماهير الثورية التي هرعت الى الشوارع. في 27 شباط 1917، تحول الإضراب العام إلى انتفاضة مسلحة. احتلت القوات التي انضمت الى جانب الثوار، أهم نقاط المدينة والمباني الحكومية فيها. في ظل هذه الظروف، أظهرت الحكومة القيصرية عجزها عن التصرف بسرعة وحسم. كانت القوى المتناثرة والقليلة التي بقيت موالية لها غير قادرة على التعامل بشكل مؤثر مع الفوضى التي اجتاحت العاصمة، والعديد من الوحدات التي سحبها القيصر من الجبهة لقمع الانتفاضة لم تتمكن من الوصول إلى المدينة.
النتيجة المباشرة لثورة فبراير كانت تنازل القيصر عن الحكم، وتشكيل الحكومة المؤقتة برئاسة الأمير لفوف. ارتبطت هذه الحكومة ارتباطا وثيقا بالمنظمات التي نشأت خلال الحرب (اتحاد زيمسكي في جميع أنحاء روسيا، اتحاد المدن، اللجنة الصناعية العسكرية المركزية). واحتكرت الحكومة المؤقتة السلطة التشريعية والتنفيذية، وحلت محل القيصر، ومجلس الدولة، ومجلس الدوما، ومجلس الوزراء، و اخضعت المؤسسات العليا (مجلس الشيوخ والسينود). كذلك أعلنت الحكومة المؤقتة العفو عن السجناء السياسيين ، و اطلاق الحريات المدنية، واستبدال الشرطة بميليشيات الشعب، وإصلاح الحكم الذاتي المحلي .
في نفس الوقت تقريبا، تشكلت هيئة موازيه من قبل القوى الثورية الديمقراطية - سوفيت بتروغراد – مما ادى إلى وضع يعرف باسم ازدواج السلطة.
مع بداية ثورة شباط، كانت الدوما الرابعة هي المركز الرئيسي لمعارضة الحكومة القيصرية. الغالبية الليبرالية في الدوما، في بدايه عام 1915، اسست ما اسمته الكتلة التقدمية التي عارضت علنا القيصر. تكونت الكتله من حزب الكاديت و حزب ألأوكتوبرين. خارج الكتلة بقى فقط النواب النبلاء ويمين اليسار (المناشفة و مجموعه العمل)، اما النواب البلاشفه فقد تم اعتقالهم سابقا لعدم تايدهم للحرب.
المطلب الرئيسي لمجلس الدوما كان تشكيل وزارة مسؤولة ، أي حكومة يعينها مجلس الدوما ومسؤولة أمام مجلس الدوما. في الواقع، هذا يعني تحويل نظام الدولة من قيصري إلى ملكية دستورية.
دخول الإمبراطورية الروسية في الحرب العالمية تطلب تحويل الصناعة الروسية إلى صناعه عسكرية. على خلفية الوضع العاجز للدوله بدأت تظهر مختلف اللجان و الاتحادات العامة، الذي أخذت على عاتقها تنظيم الحياه اليوميه، من رعاية الجرحى والمشوهين، الى توريد المؤن الى المدن والجبهة. في عام 1915، بدأ اصحاب المصانع الكبار بتشكيل لجان صناعية عسكرية كذلك اللجنة العامة للنقابات الريفية والحضرية لعموم روسيا اللتان تحولتا إلى لسان حال للقوى البرجوازيه الثوريه. كذلك ظهرت حركة واسعة مطالبه بالحكم الذاتي .
هنا لا بد من التعريج على دور الفلاحين في ثوره شباط ، فهو يختلف كليا عن دورهم في الثورات البرجوازيه الاوروبيه.اثناء الثورات البرجوازية هناك، لم تكن البروليتاريا نظراً لضعفها، قوة سياسية مستقلة بل كانت السيادة للبرجوازية الليبرالية. لم يتم الغاء النظام الإقطاعي على يد البروليتاريا الغير منظمة، بل تمّ على يد البرجوازية. في اوروبا تحالف الفلاحون ضد النظام مع البرجوازية الليبرالية مما الى إلى تقوية وزن البرجوازية السياسي. أما في روسيا فالثورة البرجوازية اعطت نتائج معاكسة لم تقوي البرجوازية، بل أضعفتها و أفقدتها الفلاحين.
قامت الثورة البرجوازية في روسيا، في حين كان النضال الطبقي فيها أكثر تطوراً مما هو عليه في اوروبا، و البروليتاريا الروسية قد تشكلت في قوة سياسية مستقلة، بينما البرجوازية الليبرالية التي أرعبتها الروح الثورية لدى البروليتاريا اتجهت إلى التحالف مع كبار ملاكي الأراضي، ضد الثورة.
و يجب لفت الانتباه الى خصوصيات الوضع الروسي التي مهدت الى بروز دور البروليتاريا . تمركز الصناعة الروسية، اكثر من نصف العمال في روسيا كانوا يكدحون في مشروعات يزيد عدد عمالها عن 500 عامل، إلى جانب وجود حزب ثوري كالحزب البلشفي، جعل الطبقة العاملة في روسيا أكبر قوة في الحياة السياسية. الاستغلال الفظيع في المصانع، و القمع البوليسي كانت تجعل من كل إضراب جدي للعمال عملاً سياسياً مهما. بقايا النظام الإقطاعي في الريف، و تسلط ملاك الأراضي نتج عنه إلقاء الفلاحين في أحضان الثورة. فالبرجوازية الليبرالية عدوتهم، و هذا شئ عرفوه من خبرتهم مع مجالس الدوما الأربعة. اما الاشتراكيين الثوريين فهم أفضل من الكاديت، وبرنامج الاشتراكيين الثوريين يمكن أن يقال انه برنامج فلاحي، لكن ماذا يستطيع الاشتراكيين الثوريين مستندين إلى الفلاحين فقط ؟، و لا قوه لهم في المدينة فلم يبقى إلا البروليتاريا الروسية القادره على النضال إلى النهاية للتحالف معها.
وجود أو غياب ظروف موضوعية لأجل الثورة البروليتارية في هذا البلد المتطور أو ذاك. كان ممكنا في القرن التاسع عشر، كان تحليل الظروف التي تسبق الثورة البروليتارية من منظار الوضع الاقتصادي لهذا البلد أو ذاك ، أما عشيه الثوره الروسيه ، في عصر الامبرياليه فإن هذا لم يعد كافيا. يجب البحث عن وجود أو غياب ظروف موضوعية لأجل الثورة في مجموع نظام الاقتصاد الامبريالي العالمي، فوجود بعض البلدان الغير متطورة بشكل كافي من الناحية الصناعية ، لا يمكن أن يكون عائقاً في وجه الثورة، ما دام النظام بمجموعه، قد نضج لأجل الثورة. لأن مختلف البلدان لم تعد وحدات مستقله، بل أصبحت حلقات في سلسلة واحدة هي الاقتصاد العالمي، الرأسمالية تطورت إلى الامبرياليه، التي هي نظام عالمي .
لن اكرر هنا مختلف الاستنتاجات التي توصل لينين لها في كتابه ( الامبرياليه اعلى مراحل الراسماليه)، فعلى الاغلب اطلع عليها معظم القراء، و ساكتفي بهذه الجمله من مقدمته الكتاب: الامبرياليه هي عشية الثورة الاشتراكية.
اذن أين يمكن خرق جبهة رأس المال؟ في البلد ذو الصناعة المتطوره، و الاكثريه البروليتاريه ، قبل ظهور الامبرياليه كنت ساقول نعم هذا صحيح ، اما ابان الثوره الروسيه فيمكن القول انها ستخترق في الحلقه ألاضعف، في عام 1917، كانت السلسلة في روسيا هي ألاضعف مقارنه مع البلدان الأخرى، وهناك تحطمت وفتحت الطريق للثوره. لأنه في روسيا كان على راس الثورة، البروليتاريا المنظمه في الحزب البلشفي و لها حليف جدي هو ملايين الفلاحين المضطهدين من قبل كبار ملاكي الأراضي. و لأن خصم الثورة كان ممثل الامبرياليه، اي القيصرية التي اجتمع على خلعها جميع السكان. السلسلة في روسيا كانت الاضعف، رغم أن روسيا كانت، من الناحية الرأسمالية، أقل تطوراً.