كتاب دراسة في برنامج الحزب الشيوعي السوداني


تاج السر عثمان
الحوار المتمدن - العدد: 6100 - 2018 / 12 / 31 - 08:39
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     



تقديم:
معلوم أن البرنامج هو الوثيقة التي يعلن بها الحزب أهدافه بإيجاز ووضوح ودقة لفترة أو مرحلة تاريخية محددة ، ثم يتابع توضيح وشرح هذه الأهداف الموجزة في دراسات تفصيلية ، كما أن البرنامج ليس جامدا ، بل يتغير ويكتسب جوانب جديدة ويفقد جوانب قديمة مع المتغيرات المحلية والعالمية ، كما يحدد البرنامج الأهداف العامة أو الاستراتيجية ، ويوضح الوسائل والأساليب لتحقيق تلك الأهداف ، أي تكتيكاته والقوى الاجتماعية التي تعبر تلك الأهداف عن مصالحها ، ويناضل الحزب معها دفاعا عن مصالحها ، فضلا عن أن البرنامج يطرح لكسب ثقة الجماهير ، كما أن البرنامج يجيزه مؤتمر الحزب ويدخل عليه تعديلات تراعي المتغيرات الجديدة في مؤتمرات لاحقة .
وفي حالة الحزب الشيوعي السوداني، يمكن أن نشير إلى الآتي في تطور برنامج الحزب
. 1 – برنامج الحركة السودانية للتحرر الوطني التي تأسست في أغسطس عام 1946، وكان الهدف المباشر تحقيق الجلاء وتقرير المصير.
2 – برنامج الجبهة المعادية للاستعمار ( 1954 )، والتي خاضت على أساسه أول انتخابات برلمانية عام 1954.
3 – برنامج ً سبيل السودان لتعزيز الاستقلال والديمقراطية والسلم ً الذي أجازه المؤتمر الثالث للحزب الشيوعي السوداني ( فبراير 1956 ).
4 – البرنامج الذي صدر عقب المؤتمر الرابع ( اكتو بر 1967 )، وصدر في كتيب مع النظام الداخلي بعنوان ً دستور الحزب الشيوعي السوداني ً، وذلك كان آخر مؤتمر مجاز من مؤتمر للحزب.
5 – خلال التحضير للمؤتمر الخامس عام 1971 كتب الشهيد عبد الخالق محجوب وثيقة ً حول البرنامج ً والتي صدرت في كتيب عام 1974، وصدرت في طبعة ثانية عن دار عزة للنشر 2002 م.
6 – بعد وثيقة حول البرنامج صدرت وثائق من ا للجنة المركزية عبرت عن فترات هامة في تاريخ الحزب مثل ً جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن ً – أغسطس 1977 .
وبعد انتفاضة مارس أبريل 1986 صدر برنامج الحزب الانتخابي والذي خاض على أساسه انتخابات 1986 .
7 – خلال التحضير للمؤتمر الخامس بعد انتفاضة مارس – أبريل 1985، تم تكوين لحنة لاعداد البرنامج ، إلا أن انقلاب يونيو 1989 قطع الطريق أمام عقد المؤتمر .
8 – هذا إضافة للبرامج التي وقع عليها الحزب الشيوعي في تحالفاته الواسعة ضد الاستعمار والأنظمة الديكتاتورية العسكرية والمدنية ومن أجل الحرية والديمقراطية مثل : جبهة الكفاح ضد الجمعية التشريعية ( 1948 ) ، الجبهة المتحدة لتحرير السودان ( 1952 ) ، جبهة أحزاب المعارضة ضد ديكتاتورية عبود ( 1959 ) ، ميثاق اكتو بر 1964 ، جبهة الدفاع عن الديمقراطية ( 1965 ) ، ميثاق اتحاد القوى الاشتراكية ( 1968 ) لخوض انتخابات الجمهورية الرئاسية ، برنامج التجمع الوطني الديمقراطي لإنقاذ الوطن ( إبريل 1985 ) ، برنامج التجمع الوطني الديمقراطي ضد نظام الإنقاذ ( اكتو بر 1989 ) .
وخلال المناقشة العامة التي فتحها الحزب الشيوعي السوداني حول متغيرات العصر ، مطروح تجديد البرنامج بهدف أخذ المتغيرات المحلية والعالمية في الاعتبار عند صياغة برنامج الحزب الجديد ، وصدرت مساهمة من السكرتير العام الأستاذ / محمد إبراهيم نقد بعنوان ً مبادئ وموجهات لتجديد البرنامج ً نشرت في الصحف وصدرت في طبعة عن دار عزة للنشر 2001 .
وفي دورة اللجنة المركزية ( ديسمبر التي أجازت الإطار العام للمناقشة العامة ، تم تكوين لجنة لاعداد مشروع البرنامج الجديد ورفعه للجنة المركزية ، ومن ثم لعرضه على أعضاء الحزب للمناقشة .
ننتقل بعد ذلك إلى عرض تطور برامج الحزب الشيوعي السابقة والتي تعكس تطور الحزب السياسي والفكري ومستوى دراسته للواقع والاشتباك معه ، ومدى تحليله للتطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان .
الهدف من هذه الدراسة هو متابعة المراحل المختلفة التي مر ّ بها برنامج والتي تساعد القارئ في المسك بالخيوط الرئيسية لتلك المراحل والمنعرجات التي مرّ بها البرنامج والتغيرات المختلفة التي مرت بها البلاد والتي استوجبت تجديد البرنامج ليواكب المتغيرات المحلية والعالمية ، وباعتبار أن البرنامج وثيقة متجدد ة ، لابد أن تلبي احتياجات الشعب السوداني المتجددة ، ورغم المتغيرات التي حدثت ظل الحزب الشيوعي مدافعا عن مصالح الكادحين والديمقراطية والسيادة الوطنية والبعث الوطني الديمقراطي في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .


مقدمة :
عندما تأسست الحركة السودانية للتحرر الوطني في أغسطس 1946 ، كان السودان قد خرج من الحرب العالمية الثانية مثخنا بالجراح ويواجه عددا من المشاكل كان لابد من حلها ، لخصها عبد الخالق محجوب في كتابه ً لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني في الآتي :
- كان يواجه قضيته المركزية في ذلك الوقت : قضية تحرره من الاستعمار .
- كان يواجه مشاكل البؤس والفقر والتخلف الاجتماعي التي فرضها الاستعمار على البلاد. وزادت تعقيدا وعمقا بسبب النهب المنظم لثروات البلاد خلال سنوات الحرب .
- كان يواجه مشكلة إبعاده عن توجيه حياته وفق نظام ديمقراطي يختاره وفق رغبته ومصلحته.
- وكان فوق ذلك بحاجة إلى قيادة حديثة تواجه تلك المشاكل وتنظم صفوف الشعب وتقوده في معاركه ضد المستعمر – العدو الرئيسي للبلاد.
- كان بحاجة إلى قيادة تستفيد من دروس الماضي وتجعل من الفشل الذي لحق بالحركة الشعبية في معاركها الماضية عاملا من عوامل النصر.
وبالاستعانة بالماركسية كمنهج استطاعت الحركة السودانية للتحرر الوطني ( الحزب الشيوعي فيما بعد ) منذ تكوينها عام 1946 أن تضع أساسا سليما لمستقبل البلاد حيث:
- رفعت شعار النضال ضد الاستعمار بوصفه القضية المحورية للبلاد.
- أوضحت أن مشكلة السودان ليست بين دعوة وحدة وادي النيل تحت التاج المصري أو دعوة الانفصال من مصر بل هي مشكلة الاستعمار نفسه، وطرحت شعار الجلاء وحق تقرير المصير.
- ولاول مرة في تاريخ بلادنا وضعت حركة منظمة سياسية العلاقات المصرية السودانية على أسس صحيحة قائمة حقا على مبدأ الكفاح المشترك ضد العدو المشترك ، وبهذا أسهمت في تحرير شعار ً حق تقرير المصير ً من الشكل المضلل الذي كان يكتنفه آنذاك .
- شرعت فورا في النضال العملي ضد المستعمرين، وأصبح هذا صفة من صفاتها الثابتة حتى اليوم.
- جعلت العمل والنضال وسط الجماهير خطا ثابتا لاستراتيجياتها ، بل هي نفسها وليد لذلك النضال وقد أصبحت هذه الحقيقة سرا من أسرار بقاء الحزب الشيوعي السوداني ونموه ومنعته وتأثيره المباشر على مجمل الحياة السياسية في السودان ، رغم ما تعرض له من ملاحقة وبطش من كل الأنظمة والحكومات منذ العهد الاستعماري .


أولا : : برنامج الجبهة المعادية للاستعمار ( 1954 ) .
لم يكتف الحزب الشيوعي في برنامجه بشعار التحرير بل طالب أيضا بالتعمير على أساس ً لاتحرير بدون تعمير ً .
كان برنامج الجبهة المعادية للاستعمار عام 1954 من أوائل البرامج التي ركزت على مطالب الشعب التاريخية في مستوى المعيشة والتعليم والصحة والضمانات الاجتماعية الحريات الديمقراطية التي لازالت تنتظر الحل.
ويمكن أن نلخص أركان هذا البرنامج في الآتي:
- سياسة خارجية مستقلة.
- نظام جمهوري برلماني ديمقراطي.
- الحريات الديمقراطية: حرية الصحافة، العقيدة، التعبير، الخطاب، الاجتماع، التظاهر، الإضراب، تكوين الأحزاب، كفالة الحريات النقابية، إلغاء القوانين المقيدة للحريات.
- حماية التجمعات القومية من القهر القومي واعطائها حق الحكم الذاتي وتنظيم قوانينها المحلية وفق إرادتها في نطاق وحدة البلاد ومصلحتها العامة وتصفية الحكم القبلي .
- تحسين أحوال العاملين، زيادة الأجور، تحديد ساعات العمل، التأمين ضد التشريد، الضمان الاجتماعي، تحريم تشغيل الأطفال دون الثانية عشرة.
- المزارعون: تعديل لوائح المياه لمصلحة المزارعين واعتبارهم شركاء في جميع المشاريع الزراعية وتحريم الربا وإلغاء الضرائب المجحفة بهم وتأمين الأرض والمياه لكل مزارع، ورفع المستوى الصحي والثقافي وتحسين كل مظاهر الحياة في القرية.
- تخفيض الضرائب عن جميع الفئات الشعبية ورفعها على الشركات الأجنبية وأصحاب الأملاك الأغنياء وإلغاء ضريبة الدقتية
- بناء اقتصاد وطني مستقل : صناعة وطنية ، إنتاج زراعي ، بنك للتسليف الزراعي ، تنشيط العلاقات التجارية مع كل دول العالم على قدم المساواة .
- الشباب: الاهتمام بالحركة الرياضية، الأندية الثقافية والرياضية وتشجيع حملات محو الأمية وقيام مكتبات وطنية.
- حماية وتطوير تراث البلاد الفكري ومكافحة الخرافة والثقافة الاستعمارية وثقافة الانحلال وسط الشباب .
- المرأة: الأجر المتساوي للعمل المتساوي، حماية الأم والطفل، ا يجاد الوسائل اللازمة لتأمين ذلك، دور توليد، حضانة، علاج مجاني، ... الخ.
- توسيع الخدمات الصحية والتعليمية.
- تحسين أوضاع ومرتبات الجنود والبوليس .
( برنامج الجبهة المعادية للاستعمار 1954 ) .
ثانيا : برنامج ً سبيل السودان نحو تعزير الاستقلال والديمقراطية والسلم ً 1956 .
انعقد المؤتمر الثالث للحزب في فبراير عام 1956 ، وتم تعديل اسم الحزب إلى ً الحزب الشيوعي السوداني ً وصدر برنامج ( سبيل السودان ... ) .
جاء في البرنامج ص 6 ما يلي :
ً إن السودان يسير إلى الاشتراكية عن طريق دولة ديمقراطية شعبية بقيادة الطبقة العاملة السودانية المناضلة في حلف وثيق مع جماهير المزارعين ، إن الدولة الديمقراطية الشعبية تضع السلطة الأساسية في أيدي الطبقة العاملة والفلاحين ، تلك الطبقات التي ليست لها روابط مع الاستعمار الأجنبي مثل طبقات ملاك الأراضي والرأسمالية وتسير ببلادنا في غير طريق التحكم الرأسمالي وديكتاتورية الطبقات المتملكة التي تنضم في النهاية إلى جبهة الاستعمار العالمي ً .
ويلاحظ القارئ أن الصيغة أعلاه مستمدة من مفهوم لينين لتحالف العمال والفلاحين بقيادة الطبقة العاملة ، وبها حديث عن الديمقراطية الشعبية التي كانت توصف بها نماذج بلدان شرق أوربا والصين يومئذ ، وهى صيغة مستمدة من فترة الجمود والركود في الفكر الماركسي .
ورغم تلك الصيغة المنقولة من الكتب، أشار البرنامج إلى قضايا حية ذات ارتباط واشتباك بالواقع السوداني مثل:
- جهاز الدولة القمعي الذي شيده الاستعمار لقهر الشعب السوداني وتأمين مصالحه .
- الاقتصاد السوداني يعتمد على محصول نقدي واحد ( القطن ) ، ويستوجب إصلاح هذا الخلل .
- تخلف الصناعة والزراعة وعبء الضرائب على الكادحين .
- أشار البرنامج إلى ضرورة قيام دولة ديمقراطية شعبية، يتم فيها تجديد الحياة ووضع الأساس للاشتراكية.
- كما أشار البرنامج إلى حق تقرير المصير للقوميات السودانية وهي إشارة مبكرة إلى حق تقرير المصير في أدبيات الحزب الشيوعي السوداني.
- طالب البرنامج بتصنيع البلاد وقيام بنك لتمويل الصناعة وتوسيع الجامعة السودانية والمعهد الصناعي .
- أشار البرنامج إلى الإصلاح الزراعي .
- كما أشار البرنامج إلى تجديد حياة الكادحين ورفع مستوى المعيشة وتأمين الخدمات الصحية والأجر المتساوي لعمل المتساوي دون تمييز بين الجنس والعرق.
- تعميم التعليم الإلزامي.
( سبيل السودان .... ، البرنامج المجاز في المؤتمر الثالث، فبراير 1956 ).
ونلاحظ أن الحزب الشيوعي طور خطوط هذا البرنامج، كما جاء في برنامج الجبهة المعادية للاستعمار الانتخابي للوحدة الوطنية، المنشور في مجلة الفجر الجديد الصادر في أول ديسمبر 1957، جاء في البرنامج:
- سياسة خارجية لتعزيز الاستقلال الوطني والسلم وتلتزم بالحياد الإيجابي وروح مؤتمر باندونج .
- في ديمقراطية الحكم أشار البرنامج إلى وضع دستور وطني ديمقراطي يؤكد المبادئ التالية : 1 – السودان جمهورية برلمانية تكون السيادة فيها للشعب وهى جزء من الوطن العربي والكيان الأفريقي . 2 – رئاسة الدولة تتكون من خمسة أعضاء . 3 – كفالة الحريات العامة ( تنفيذ قرارات البرلمان السابق بإلغاء القوانين المقيدة للحريات ) .
- الاحتفاظ للتجمعات القومية المختلفة بحق التطور وحق إنشاء وحدات ذات حكم ذاتي مستقل في نطاق السودان الموحد.
- كما أشار البرنامج إلى زيادة الخدمات والعلاج المجاني ، والتوسع في التعليم الصناعي والزراعي بما يناسب خطة منظمة للتصنيع والزراعة ، وكفالة التعليم الأولى للبنين والبنات وجعله إجباريا وقبول كل التلاميذ الذين اجتازوا الامتحان في المدارس الوسطي والثانوية والجامعة وتقليل المصاريف المدرسية ، وتوسيع حركة محو الأمية ، وفي التعليم الجامعي أشار البرنامج إلى إعادة النظر في قانون الجامعة الأساسي حتى يكفل : أ – مراجعة جميع برامج التعليم الحالية حتى تتمشى مع احتياجات البلاد الوطنية . ب – تخليص الجامعة من قبضة الإدارة البريطانية . ج – تعميم اللغة العربية في التدريس .
- كما أشار البرنامج إلى التنمية الاقتصادية وتطوير الزراعة والصناعة وتعديل قانون الشركات لعام 1925 وتحسين أوضاع العاملين . ( برنامج الجبهة المعادية للاستعمار ، 1957 ) .


ثالثا : البرنامج المجاز في المؤتمر الرابع ( اكتو بر 1967 ) :
انعقد المؤتمر الرابع في اكتو بر 1967 ، وأجاز وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية وبرنامج الحزب ونظامه الداخلي والذي نشر باسم دستور الحزب الشيوعي ، جاء برنامج ( 1967 ) في ظروف عالمية كانت تتميز بوجود المعسكر الاشتراكي وتحالفه مع حركة التحرر الوطني ، كما تناول البرنامج قضايا حركة التحرر الوطني في الستينيات ن القرن الماضي مثل التعاون مع المعسكر الاشتراكي لتحقيق استقلالها السياسي ، كما أشار البرنامج إلى التنمية غير الرأسمالية التي تتلخص أهدافها في : -
الانعتاق من التخلف ، دعم الاستقلال الوطني ، الارتفاع في مستوى معيشة الجماهير ، الاعتماد على القطاع العام والتعاوني والتخطيط ، الإصلاح الزراعي ، بناء صناعة وطنية ، نشر العلم والمعرفة .
كما أشار البرنامج إلى قضايا ما زالت حية في ص 7 مثل : ً النظرية الماركسية علم مفتوحة لمساهمة الإنسان وترفض الجمود الذي يحولها إلى عقيدة لاتقبل المعرفة الجديدة ، إنها علم المجتمع الذي تضيف إليه الشعوب والفكر الإنساني ما يكتشف من المعرفة ، تماما كما يضيف عمل الإنسان في الطبيعة معارف أوسع للفروع المختلفة للعلوم الطبيعية ، ومن هذه الزاوية ، فإن الاشتراكية العلمية – أي الماركسية متجددة لاتقبل الانغلاق إلا إذا قبل عقل الإنسان التوقف ، إلا إذا عجزت المعرفة عن الصعود في سيرها الذي لا يتوقف والذي لاتحده حدود . غير أنه مهما اختلفت الطرق التي تصل بها الشعوب ، فإن للنظام الاشتراكي معالم مشتركة وثابتة وهى تلبي حاجتين ظلت الإنسانية عبر التاريخ تناضل من أجل تلبيتهما في طريق اختطته تحيط به الآلام والتضحيات : تحرير الإنسان من الحاجة ، وتحقيق حريته كانسان ً .
كما أشار البرنامج إلى أن: -
ً الديمقراطية الاشتراكية مرتكزة على ما حققت الشعوب من حرية للفرد والجماعة في التعبير وحرية الفكر.. الخ ، ستكمل هذا البناء بتحرير الإنسان من سيطرة رأس المال ، ومن اغترابه عن مراكز النفوذ بإلغائها للميزات الطبقية وبتحويلها لثروات المجتمع للشعب المنتج للثروة فتحق المساواة وفق قدرة الإنسان على إثراء مجتمعه ماديا وأدبيا ، وتحقق لأول مرة في تاريخ البشرية مكافأة الإنسان حسب عمله ، وبهذا تتحول أيضا الديمقراطية إلى حقوق في العمل والتعليم والراحة وتوفير الفراغ اللازم لتنمية حياة الإنسان الروحية ( البرنامج ص 8- 9 ) .
كما أشار البرنامج إلى أن :
ً النظام الاشتراكي يستوجب توفير الشروط اللازمة لتصبح المرأة عضوا فعّالا في المجتمع ومركزا لبناء العائلة المتحررة من الخوف، من المستقبل ومن الجهل. ولا تقوم هذه المساواة بين المرأة والرجل في المجتمع الاشتراكي على طريقة النفاق، بل بتهيئة فرص التعليم والرزق الشريف للمرأة، وبتهيئة الظروف الملائمة لها لمواصلة نمو الجنس البشري ً ( ص 9- 10، البرنامج ).
كما أشار البرنامج إلى أن الديمقراطية الاشتراكية تشترط ً تحرير الإنسان من لعنة الاضطهاد القومي والتمييز بين الأجناس القائم على الاستغلال، فالاشتراكية لا تقبله، بل تقيم مكانه اتحادا اختياريا بين القوميات في داخل الشعب الواحد ( ص 10 ). كما أشار البرنامج إلى تنوع الطرق للوصول إلى الاشتراكية واعتماد كل بلد على تقاليده السياسية والاجتماعية والثقافية ً البرنامج ص 10 ).
كما أشار البرنامج إلى نقطة هامة هي: -
ً أن قيادة الحزب الماركسي للنظام الاشتراكي لايعني وجوب نظام الحزب الواحد ، فعلى الصورة التي تصل بها الجماهير إلى السلطة ومدى اتساع الدوائر الاجتماعية التي تقتنع بالنضال من أجل الاشتراكية ، فإن طرق الاشتراكية تتعدد ومنظماتها السياسية تتنوع ً ( البرنامج ص 12 ) .
أشار البرنامج إلى سياسة التفتيت التي سلكها الاستعمار في بلادنا والرامية لفصل جنوب البلاد عن شمالها ، إن وحدة السودان ليست قضية محلية ، بل لها أثر كبير بين حركتي التحرر الوطني العربية والإفريقية ، ومن هذه المواقع يجب أن نعالج هذه القضية على الوجه التالي : -
أ – سير البلاد في طريق الثورة الوطنية الديمقراطية .
ب – تحالف قوى الثورة السودانية في الشمال مع شعوب وقبائل جنوب البلاد على أساس ديمقراطي ومناهض للاستعمار بقيام حكم ذاتي في الجنوب تحت قيادة جنوبية ربطت مصيرها بهذا التحالف ً ( البرنامج ص 19 ) .
أشار البرنامج إلى الاشتراكية والدين بقوله :
ً تواجه حركة الثورة العربية محاولات دائبة من قبل الإمبريالية العالمية وحلفائها المحليين من كبار الرأسماليين والإقطاعيين والعناصر العميلة لوقف تطورها ولهدم استقلالها الوطني لتحريف الدين الإسلامي الذي تؤمن به أغلبية الجماهير في هذه الحركة ، إنهم يحاولون تصوير الدين الإسلامي بوصفه عقيدة تؤمن بالفوارق الطبقية وتعادي الاشتراكية ، ينحاز إلى جانب الاستعمار الحديث ويرفض الاستقلال الوطني ، يدفع شعوبه إلى قبول العيش تحت ظل الاستعمار ً المؤمن ً ضد الاشتراكية ً الملحدة ً .. الخ . وعلى الأرض العربية نشب هذا الصراع حادا ، وما زال خدمة للمصالح الطبقية والاستعمارية القائمة ، إن الشعوب العربية ترفض هذا التزييف للإسلام ، وترى في دينها قوة للجماهير الكادحة المناضلة في سبيل الكرامة والحرية الوطنية ، وفي سبيل الاشتراكية بوصفها النظام الوحيد الذي يسمو بالقيم الروحية ويقيم العدالة والمساواة بين البشر ، والحزب الشيوعي السوداني يقف إلى جانب قوى الثورة السودانية والشعوب العربية في نضالها ضد هذه المحاولات الاستعمارية والرجعية ويجاهد بحزم وبصبر لتحرير الدين ن هذه الصورة القاتمة بوضعه في مجري تطوره الحقيقي – دينا يناضل ضد التمييز الطبقي وحكم الطاغوت ، ومن أجل السير بالحضارة الإسلامية إلى عالم القرن العشرين ( البرنامج ، ص 19 – 20 ) .
كما أشار البرنامج إلى الآفاق الجديدة التي ولجتها الثورة السودانية بعد ثورة اكتو بر 1964.
أشار البرنامج أيضا ، إلى الوزن الكبير للقطاع التقليدي في الاقتصاد ، كما أشار إلى حصيلة التنمية الرأسمالية وأوجه قصورها وضعف قاعدة القطاع الحديث الزراعي والصناعي والاعتماد على تصدير المنتجات الأولية ، والقروض وتراكمها ذات الفوائد العالية والهجوم على القطاع العام ، وتبلور الفئات الرأسمالية في المشاريع الزراعية المروية وفي الزراعة الآلية والاستثمار في العقارات ، في تجارة الصادر والوارد ، وفي الصناعة ، وانتقال كبار البيروقراطيين من المناصب الحكومية إلى النشاط الرأسمالي في التجارة أو الزراعة أو الصناعة .
وتوصل البرنامج إلى تدني وتائر نمو الإنتاج والخل القومي ونصيب الفرد من السكان ، كما تناول البرنامج النمو العددي والنوعي للطبقة العاملة بفضل قيام صناعات خفيفة مثل النسيج وغيره .
كما أشار البرنامج إلى أهم أركان برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية وقضاياها وسبل إنجازها ، حيث كان واقع الاقتصاد السوداني يومئذ يتميز بسيطرة البنوك الأجنبية ( رفع البرنامج شعار تأميم البنوك ) وتصدير الأرباح للخارج ، انخفاض الدخل القومي ، التكلفة العالية لجهاز الدولة ، الاستهلاك التفاخري ، وخلص البرنامج إلى ضرورة تصفية السيطرة الأجنبية .
كما أشار البرنامج إلى الدور القيادي للقطاع العام واشراك العاملين في إدارته ، وأن يؤدي القطاع العام وظيفته حسب طبيعة السلطة ، أشار البرنامج إلى ضرورة التخطيط ، ودور الدولة في توجيه التجارة الخارجية ، ودور القطاع الخاص والمختلط والتعاوني في التجارة الداخلية . كما طرح البرنامج الإصلاح الزراعي ، وضرورة شروط أفضل في التعامل مع رأس المال الأجنبي ، أشار البرنامج إلى الثورة الثقافية التي تسهم في بعث التراث القومي ، وخلق ثقافة سودانية معادية للتعصب تستند إلى الفكر الإنساني العلمي ، ومحو الأمية وتستمد الثورة الثقافية جذورها من التراث العربي الإسلامي ومحاربة التفسخ والانحلال .
كما أشار البرنامج إلى الثورة السياسية ، بتناول الحياة السياسية وأشكال الحكم ، وأشار إلى أن القضية المحورية أن السلطة الوطنية الديمقراطية تخرج من بين حركة العاملين بأجر والمزارعين والمثقفين والرأسمالية الوطنية ، وتوسيع الديمقراطية في قاعدة الحكم المحلي وتطوير النظام البرلماني ودعم الديمقراطية السياسية بالديمقراطية الاقتصادية وأشكال الديمقراطية المباشرة ، وإعادة بناء جهاز الدولة ليصبح أداة لخدمة مصالح الشعب . عموما ، كان المؤتمر الرابع وما صدر عنه لوثيقة ً الماركسية وقضايا الثورة السودانية ً والبرنامج ، قد وضع المنهاج للعمل النظري – على حد تعبير الشهيد عبد الخالق محجوب – استرشادا بالماركسية كمنهج ، وليست عقيدة جامدة ، وخلافا للمؤتمر الثالث الذي عالج قضية التكتيك ، عالج المؤتمر الرابع قضايا الاستراتيجية والتكتيك ، وتوصل إلى أنه من المستحيل أن نرسم استراتيجيتنا اعتمادا على المنقول من الكتب أو النقل الأعمى لتجارب البلدان الأخرى ، كما وضعت وثيقة ً الماركسية وقضايا الثورة السودانية ً منهاجا لدراسة الطبقات من الباطن ، ودراسة استراتيجية الثورة السودانية بناءا على دراسة الطبقات في البلاد ، كما عالجت قضايا الخط التنظيمي وقضايا بناء الحزب على أساس العلم والتخطيط .


رابعا : وثيقة حول البرنامج ( 1971 ) :
بعد انقلاب 25 / مايو / 1969، رفعت السلطة الجديدة شعارات وأجزاء من برنامج الحزب الشيوعي وشوهتها، على سبيل المثال أشار المؤتمر التداولي لكادر الحزب الشيوعي المنعقد في أغسطس 1970، إلى الآتي: -
- خطأ طرح الاشتراكية كمهمة مباشرة، أشار المؤتمر إلى أن ً الطريق المضمون للوصول إلى الاشتراكية ليس بتكرار الحديث عنها، وإنما بإنجاز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية، وما من طريق سواه.
- رفض المؤتمر نظام الحزب الواحد الذي يفضي إلى النظام الشمولي ، وأشار المؤتمر إلى ً أن الحزب الواحد ، بما في ذلك الحزب الشيوعي ، لا يصلح أداة للتحالفات المطلوبة لإنجاز مهام المرحلة الديمقراطية ً . أشار المؤتمر إلى أن ً الحزب الواحد في مرحلة الثورة الديمقراطية في بلادنا ، وبخصائصها القومية والسياسية والقبلية والاجتماعية وبالانقسام الطبقي فيها ، لا يصلح أداة لتوحيد القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في إنجاز المهام الراهنة للثورة ، واتخاذه أداة لهذا الغرض يؤدي إلى تشتيت هذه القوى ، ومن ثم الفشل في إنجاز مهام المرحلة انجازا كاملا ً .
- أشار المؤتمر التداولي إلى ً أن الجبهة الوطنية الديمقراطية ، إذن هي ، هي التحالف السياسي والتنظيمي بين الطبقة العاملة وجماهير المزارعين والمثقفين الثوريين والرأسمالية الوطنية والجنود والضباط الثوريين ، وفق برنامج عمل وطني ديمقراطي يعبر عن المصالح المشتركة لهذه الطبقات ، ووفق التزام واضح من قبلها باحترام هذا البرنامج والعمل لتنفيذه ، ولكي يقوم التحالف على أسس متينة ، فلا بد من ضمان استقلال أطرافه المختلفة ً .
- كما أشار المؤتمر التداولي إلى ً أن انفراد أية قوة من قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية بالسلطة يعوق تطور الثورة ويحمل في طيا ته عوامل انتكاسها ، أو على أحسن الفروض تجميدها ، في نقطة معينة ، وقد برهنت على هذه تجارب حركة التحرر الوطني العالمية ، ومن ضمنها التجارب العربية والإفريقية ً .
- أشار المؤتمر إلى أن التغيير تم بواسطة عملية عسكرية وسط الجيش النظامي قم بها الضباط الأحرار، كما أن التغيير تم في ظروف لم تكن فيها حركة الجماهير في حالة نهوض.
- أشار المؤتمر إلى ديمقراطية الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وذكر : - ( أ ) بالنسبة إلى المحاكم الأهلية التي تشكل موقع لنفوذ العائلات الإقطاعية وصاحبة الامتياز بين جماهير المزارعين ، ألغيت في كل من مديريات : الخرطوم والشمالية والنيل الأزرق نحو 280 محكمة واستبدلت بمجالس القضاة ( أكثر من مائة مجلس ) غير هذه المجالس تحتاج إلى تحسين ديمقراطي حاسم من ناحية قربها للسكان ، ومن ناحية رسوم القاضي ، ومن ناحية المشاركة الديمقراطية في تكوينها ... الخ ، ومازالت المحاكم الأهلية قائمة وما زال نفوذ تلك العائلات قائما بالطبع . ( ب ) طبق شكل انتقالي في تكوين الحكم المحلي جعله أكثر ديمقراطية، ولكن قضية المشاركة الجماهيرية في هذا التكوين وفعالية الحكم المحلي ما زالتا تنتظر الحل.
- أشار المؤتمر التداولي إلى أنه ً فيما يختص بالثورة الثقافية النابعة من المرحلة الوطنية الديمقراطية فالتوجيهات الأساسية في هذه القضية خاطئة : ( أ ) اقتصر المجهود على حيز التعليم المدرسي ، ولم تطرح قضايا الثقافة الشعبية من محو الأمية ومن بعث ثقافي يعبر عن ثروات شعبنا الحضارية ويسلهم في إزاحة المؤثرات المختلفة عن كاهل المواطنين . ( ب ) المجهود التعليمي لا يستهدف ديمقراطية التعليم من حيث إلزاميته ، من حيث توجيهه نحو أبناء الكادحين . ( ج ) لا يرتبط التعليم بحاجيات الخطة الخمسية وما ينتظر بلادنا من ثورة اقتصادية .
- كما أشار المؤتمر إلى ضرورة أن يعمل جهاز الأمن في حدود الشرعية ، وأن يخضع للقيادة السياسية والرقابة الديمقراطية .
- أشار المؤتمر إلى مهام استكمال الثورة الديمقراطية بإنجاز الآتي : ( أ) ديمقراطية جهاز الدولة .( ب ) إشاعة الديمقراطية في حياة أغلبية الكادحين السودانيين وهم جماهير المزارعين في القطاعين الحيواني والزراعي ، وذلك بتغيير العلاقات الاجتماعية لما قبل الرأسمالية ، وبإحداث إصلاح زراعي يدفع بعوامل التطور غير الرأسمالي خطوات إلى الأمام ويحسن من مستوى معيشة فقراء المزارعين والعمال الزراعيين . ( ج ) التطبيق الفعلي لنظام الحكم الذاتي الديمقراطي في جنوب البلاد . ( د ) تقنين الحرية السياسية للجماهير الثورية : من حقوق في التنظيم والتعبير وشرعية منظماتها الثورية وبينها الحزب الشيوعي السوداني .... الخ. ( ه ) تطبيق الديمقراطية في مؤسسات الإنتاج الحديث وذلك بالاشتراك الديمقراطي للجماهير العاملة في إدارتها . ( و ) الثورة الثقافية التي تغير جفاف الحياة في بلادنا وتوفر انتشار الوعي بين الجماهير مما يستحيل بدونه الإنجاز الشامل للثورة الديمقراطية والتوجه صوب البناء الاشتراكي. ( ز ) الشروع في بناء الاقتصاد الوطني المستقل بمنهج غير رأسمالي بعد إنجاز الخطة الخمسية . ( ح ) رفع مستوى المداخيل الحقيقية للجماهير الكادحة مما يجذبها بالفعل للدخول في ميادين النشاط السياسي والاجتماعي ويفجر من طاقاتها ويوسع من دائرة النشاط الديمقراطي الثوري في بلادنا . ( ك ) استنهاض الجماهير وتدريبها وتنظيمها في الجبهة الوطنية الديمقراطية ، مما سيؤدي بالفعل إلى نمو السلطة الوطنية الديمقراطية مرتكزة على تلك الجبهة ، وهذا سيقود إلى الإنجاز الحاسم لتطبيق الديمقراطية لتطبيق الديمقراطية الشاملة في بلادنا وتتهيأ الشروط الموضوعية والذاتية للدخول في مرحلة الثورة الاشتراكية .
كما واصل الحزب الشيوعي انتقاد تشويه برنامج الحزب في التأميمات والمصادرة التي تمت عام 1970 ، أشار الشهيد عبد الخالق محجوب في مقال له في أخبار الأسبوع – يوليو 1970 إلى أنه يجب أن تحاط المصادرة بالتالي : - ( أ ) وضع تشريعات دقيقة ومفصلة ومحكمة تشمل الجرائم التي تستوجب عقوبة المصادرة . ( ب ) تعرض الأموال المختلفة على دائرة قضائية لها القدرة على الحسم السريع في القضايا وذات قدرات سياسية أيضا .
يواصل عبد الخالق ويقول لماذا نقترح هذا ؟ ( أ ) لأن في هذا ضمان لانتفاء الفساد وتفادي القرارات الذاتية التي ربما طوحت في كثير من الأحيان عن الموضوعية. ( ب ) لإدخال الطمأنينة في قلوب أصحاب المال الذين تحتاج إليهم البلاد إلى استثماراتهم في هذه الفترة مدركين جيدا أن العلاقات الرأسمالية، ما زالت تمتد إلى أعماق مجتمعنا، إلى خلاياه الأساسية. ( عبد الخالق محجوب: حول المؤسسات المؤممة والمصادرة – أخبار الأسبوع – يوليو 1970 ) .
وكما عارض الحزب الشيوعي الاتحاد الثلاثي بين مصر وليبيا والسودان الذي أعلنه الرؤساء أنور السادات ومعمر القذافي وجعفر النميري يوم 8 / نوفمبر / 1970 ، أشار الحزب في بيان له إلى خطورة أن يؤدي هذا الاتجاه إلى محور يعادى أنظمة تقدمية أخرى في المنطقة ، كما أن إعلان قيام الاتحاد بين البلدان الثلاثة ستترتب عليه نتائج ضارة بتطور الثورة في بلادنا وبمستقبل الوحدة العربية فيها ، ودعى الحزب الشيوعي إلى طرح موضوع الاتحاد بين البلدان الثلاثة للاستفتاء الشعبي بعد مناقشة جماهيرية واسعة وحرة ، فهذا هو الطريق الوحيد للتعرف على رغبة لشعب ولضمان وحدته حول هذه القضية الحيوية . ( بيان الحزب الشيوعي السوداني حول الاتحاد الثلاثي – نوفمبر 1970 ) .
كما عارض الحزب حل التنظيمات لديمقراطية مثل اتحاد الشباب والاتحاد النسائي ، وحل الروابط القبلية ، وحل اتحادات طلاب المدارس الثانوية ، كما قاوم الحزب محاولة السلطة لتذويب الحزب الشيوعي في تنظيمها الواحد وتحويل كادره إلى موظفين في جهاز الدولة .
وثابر الحزب الشيوعي في تأكيد وجوده المستقل قولا وعملا .
تلك باختصار التشوهات في برنامج الحزب التي ثابر الحزب الشيوعي على نقدها وكشفها.
وجاءت وثيقة حول البرنامج التي صاغها الشهيد عبد الخالق في معتقله بمصنع الذخيرة بالشجرة ، لتطوير برنامج الحزب في الظروف الجديدة .
جاء في مقدمة الوثيقة :
ً نحدد بوضوح وبدقة الأهداف التي نرمى إليها من إعادة النظر في البرنامج: ( أ ) لا نهدف إلى رسم أهداف بطريقة ميكانيكية: أي فرز ما أنجز من البرنامج الراهن وتقويم ما تبقي منه، العملية جدلية ومتشابكة. ( ب ) نستهدف تصورنا وأهدافنا لمرحلة الثورة الوطنية ، وفي ظروف تطرح فيها تصورات وأهداف هذه المرحلة من قبل الشريحة البورجوازية الصغيرة ، بعض هذه التصورات والأهداف المشار إليها خاطئ ، ومزيف ، ومن ثم فإن برنامجنا سيكون في مستوى عال من الطرح الأيديولوجي والعملي في وقت واحد . ( ج ) تصور آفاق الاشتراكية ومعالمها وقضاياها الجوهرية من زاوية الشيوعية ، خلافا للتصور البورجوازي الصغير . ( د ) سيخدم البرنامج بهذه الصورة جذب القوى الديمقراطية لوجهة نظر الشيوعيين في هذه المرحلة ونضال هذه القوى من أجل الأهداف المحددة في البرنامج ، تصور الحزب الشيوعي في مجري أعمق للماركسية اللينينية ، وجذب قوى اجتماعية واسعة نحو الأفق الاشتراكي .
ولهذا فإن العملية التي نحن بصددها تمثل عصارة تفكيرنا وتجاربنا الثورية ، كما أنها امتحان لقدراتنا في تطبيق النهج الشيوعي على واقع الثورة السودانية .
فما هي القضايا التي طرحتها الوثيقة ؟ .
رغم أن وثيقة حول البرنامج كانت بنت وقتها وصدرت في سياق تاريخي معين كان فيه وجود المعسكر الاشتراكي ، وطرحت الوثيقة طريق التطور اللارأسمالي المستند على مساعدات المعسكر الاشتراكي ، إضافة إلى أنها كانت تعتمد على مفاهيم المنظرين السوفيت حول الصناعة الثقيلة .. الخ.
ولكن رغم ذلك، فإن الوثيقة لامست قضايا لازالت حية ومرتبطة بالتجربة السودانية، يمكن الإشارة إليها على النحو التالي: -
1 – أشارت الوثيقة إلى أنه ً في البلدان المتخلفة ، لاطريق لزيادة معدلات النمو بصورة تخرج الجماهير من حالة الفقر والإملاق ، إلا بمواجهة قضايا التغيير الاجتماعي السياسي الاقتصادي ( تركيب المجتمع ) ، وأيضا بمواجهة التركيب الفوقي لذلك المجتمع .
من أجل تنمية قوى الإنتاج ( الثورة الاقتصادية ) لابد من : -
• تصفية كل علاقات الإنتاج المعوقة لهذه التنمية .
• وجود سلطة سياسية من القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في الثورة .
• خلق المؤسسات الفكرية والقانونية والفلسفية المتلائمة مع هذا التغيير الاجتماعي .. الخ . وفي هذا الصدد أشارت الوثيقة إلى أن ً الثورة الاقتصادية ً هدفها بناء مجتمع سوداني صناعي زراعي متقدم ً .
• كما أشارت الوثيقة إلى معالجة مشكلة الفائض الاقتصادي وضرورة وقف استنزاف هذا الفائض بواسطة رأس المال الأجنبي، ونهوض الدولة كعامل اقتصادي يطور البلاد وفق متطلبات التخطيط، السياسية المالية والضريبية اللازمة لتفجير الفائض الكامن.. الخ. كما حددت الوثيقة مواقع الفائض الاقتصادي في القطاع الزراعي بشقيه الحديث والتقليدي، أي المصدر للوصول إلى الفائض الاقتصادي الكامن في الزراعة.
• كما حددت الوسائل إلى ذلك مثل: - ضرائب تصاعدية – لجم الاستغلال الرأسمالي في المشاريع التي استشرى فيها التطور الرأسمالي: مشروع الجزيرة مثلا، تقدم الدولة الخدمات ( الجرارات ) بأسعار تراعى فيها الوضع الطبقي في المشروع. – سياسة ضرائبية في الصناعة الرأسمالية وفي التوزيع والخدمات .
• كما حددت الوثيقة الموقف من الرأسمالية الأجنبية على النحو التالي : - اتخاذ التدابير التي تؤدي إلى ضخ فائض اقتصادي كبير خارج البلاد ، فيزداد الفقر وتضمر مشاريع التنمية الاقتصادية . – من المهم استثمار جزء من أرباحها داخل البلاد وفقا لمشاريع التنمية ، سداد قسم من الأرباح بالعملية المحلية لتنشيط الاقتصاد السوداني ( قانون الاستثمارات ، الصناعة ، ... ) .
• ركزت الوثيقة على توفير الغذاء ، وتقليل السلع الكمالية الاستهلاكية وتقليل حصة الاستهلاك من مجموع الدخل القومي ورفع حصة الاستثمار وتوفير الضروري من السلع المستوردة .
• وحول الصرف على الدولة أشارت الوثيقة إلى الآتي : - الاهتمام بالتعليم الفني لارتباطه بالإنتاج . – الصرف على القطاعات المنتجة في الدولة . – تقليل حجم نفقات جهاز الأمن . – تقليل نفقات جهاز الدولة وإشاعة الديمقراطية فيه . – كما أشارت الوثيقة إلى الاستثمار المرن في فروع الخدمات ( توسع في الخدمات مع توسع في الإنتاج ).
• أشارت الوثيقة إلى تنمية قوى الإنتاج : صناعة ثقيلة ( طاقة وتعدين ، تنمية الصناعات الاستهلاكية الصغرى الزراعية وتجديد علاقات الإنتاج وتنمية قوى الإنتاج .
• كما أشارت الوثيقة إلى أن الثورة الزراعية الحيوانية هى مدخل الثورة الصناعية ومصدر الفائض الاقتصادي .
• كما أشارت الوثيقة إلى تقوية الاتجاه السلعي – النقدي ورفع إنتاجية الثروة الحيوانية وإدخالها دائرة الاقتصاد السلعي – النقدي ورفع إنتاجية الثروة الحيوانية وإدخالها دائرة الاقتصاد السلعي – النقدي والاهتمام بالتكوينات الزراعية الحديثة – القطاع الزراعي الحديث .
• وتخلص الوثيقة إلى أن المحصول النهائي لهذه العملية هو : - تنمية قوى الإنتاج بما يؤمن الاستقلال الوطني ويسهم باستمرار في تحسين مستوى معيشة الجماهير الكادحة . – التصفية الكاملة لعلاقات الإنتاج التي تقف عقبة أمام إعادة بناء مجتمعنا على أسس ديمقراطية ثورية ( علاقات شبه إقطاعية ، علاقات قبلية عشائرية ، علاقات الإنتاج المعيشي ، وتنظيم الجمعيات في قيادة الاقتصاد الوطني ، ..... ) .
• كما أشارت الوثيقة إلى ضرورة التخطيط العلمي وإشراك الجماهير في عملية التنمية وحماسها ودعم الدولة للساسة المالية النقدية ، وتو فير الفوائض اللازمة للاستثمارات .
• كما أشارت الوثيقة إلى تقليل الاعتماد على الضرائب المباشرة في الميزانيات ، وتفادي التضخم الذي يلحق الضرر بالجماهير الكادحة ، كما تأخذ الضرائب وجهه طبقية تخدم أهداف التنمية .
• وحول الموقف من رأس المال الأجنبي ( والمساعدات الأجنبية ) حددت الوثيقة ذلك في النقاط التالية : – نقبل منها ما لا يتعارض وسيادتنا الوطنية وأهداف تطورنا الثوري مع ضمان التعويض العادل في حالة الإجراءات التي تطور بلادنا بطريق غير رأسمالية . – تحدد الدولة الديمقراطية السودانية ميادين الاستثمار لها . – إعادة استثمار جزء من الأرباح في أغراض الخطة الاقتصادية . – ضمان تدريب الكادر السوداني في مؤسساتها .
2 – أشارت الوثيقة إلى الثورة الثقافية الديمقراطية على النحو التالي : - المحو التام للأمية في البلاد عن طريق مجهودات التنظيمات الديمقراطية الشعبية ، والتوسع في قاعدة التعليم النظامي بما في ذلك المدارس المتنقلة مع الرحل حتى تستقر . – كما أشارت الوثيقة إلى ضرورة تغيير مناهج التعليم النظامي بحيث يستطيع التلاميذ الإلمام بشتي أصناف المعرفة خلال فترة التعليم العام ، ومن أجل نمو المثقف الجديد المتخصص نموا شاملا ، وتلقي التلاميذ تعليما شاملا ( تعليم أكاديمي ومهني ) يسمح باستيعاب التلاميذ في حياة القرية وبهذا يسهمون في تنمية قوى الإنتاج ، وبما يضمن تفادى الهجرة غير المنظمة للمدن قصد الاستخدام . هذا إضافة لتشجيع الميل العلمي والالتقاء بالتيارات التقدمية المؤمنة بمستقبل الإنسان وقدراته وكرامته . – كما أشارت الوثيقة إلى حرية الفن وحرية البحث العلمي. – أشارت الوثيقة إلى أنه ً بالفكر العلمي يتحرر الإنسان السوداني من الخوف والفزع من قوانين الطبيعة وتنكشف عنه غمة الجهل التي تراءت له عبر القرون وعيا مزيفا طبعه عليه وتركه فريسة للاستغلال الاجتماعي ً
كما أشارت الوثيقة إلى قضية المرأة على النحو التالي: - - يجب أن تكفل الدولة الوطنية الديمقراطية للمرأة السودانية مساواتها التامة مع الرجل أمام القانون. – أن تتحول هذه المساواة القانونية إلى مساواة فعلية وفقا للنمو المستمر بين قوى الإنتاج، وللتطور الثوري في علاقات الإنتاج، ولبروز القيم والعادات الجديدة للمجتمع الصناعي الزراعي المتقدم.
أما بالنسبة للتجمعات القومية والقبلية الأكثر تخلفا، وفيما يختص بالثورة الثقافية الديمقراطية فقد أشارت الوثيقة إلى الآتي: - لابد من التشجيع الفعلي للنمو الحر لثقافات هذه المجموعات. – ولن يكون هناك نمو فعلى في هذه الثقافات إلا إذا بعثت لغات ولهجات هذه المجموعات وعمدت الدولة الوطنية الديمقراطية بجدية إلى تشذيب تلك الأدوات والتوسل بها في التعليم ( وفقا للتجارب التربوية في هذا المضمار ) وفي النهضة الثقافية الشاملة. – أن تصبح هذه الثقافات جزءا من المكونات العضوية للثقافة السودانية .
3- أشارت الوثيقة إلى إشاعة الديمقراطية تغييرا شاملا للحياة في بلادنا ، وأن الثورة في بلادنا لن تصل إلى آفاق التغيير الاشتراكي باستكمال مهام الثورة الوطنية الديمقراطية الا عبر الديمقراطية : ديمقراطية في علاقات الإنتاج ، في الحقوق السياسية للجماهير ، وفي النظام السياسي . أشارت الوثيقة ً لقد كانت الديمقراطية البورجوازية قفزة هائلة في تاريخ الشعوب وهي تسعي لحكم نفسها بنفسها وتدفع الثمن غاليا في سبيل الانعتاق من أسر النظم الإقطاعية المتعددة الإشكال ، ولكن الثورة البورجوازية لم تستطع تحرير الإنسان والانتقال به من ساحة الحاجة إلى ساحة الحرية لأنها أفرزت الديمقراطية البورجوازية القائمة على حرية التملك ، على انقسام المجتمع بين من يملكون ومن لا يملكون ، على الملكية الفردية ً . أشارت الوثيقة إلى أن تغيير المجتمع إلى مرحلة اجتماعية أعلى ( إلى الاشتراكية ) ، لايعني نفيا كاملا لما أحرزت حركة الشعوب من حقوق قانونية إبان الثورة الديمقراطية البورجوازية ، لايعني تصفية الحقوق السياسية للجماهير ً .
كما انتقدت الوثيقة شعار الديمقراطية الثورية الذي رفضته دكتاتورية مايو 1969 ، وأشار إلى أن ً ما يسمي بالديمقراطية الثورية ، وهي ليست إلا ديكتاتورية شريحة من البورجوازية الصغيرة العسكرية ً .
أشارت الوثيقة إلى أن ً الثورة الوطنية الديمقراطية توفر حرية العقيدة الدينية وممارستها لجميع سكان بلادنا وذلك بناءا على الحقائق التالية : - إن تصور الإنسان لتكامل نفسه ووحدتها ولمستقبل الإنسانية أمور تنبع من اقتناع الإنسان نفسه ، ولا يمكن لأية قوة أن تفرض عليه إرادتها في هذا المضمار . – غض النظر عن الاختلاف في العقيدة الدينية أو الاتفاق حولها ، فإن الطبقات تتخذ مكانها وموقفها من الثورة الاجتماعية وفقا لمصالحها ، وبحكم مواكبتها لتطور حركة التاريخ أو لتخلفها عنه . إن الإنسان ً الاجتماعي ً هو الذي يحدد هذا الموقف ، ولا تحدده العقيدة الدينية . – يرفض النظام الوطني الديمقراطي استغلال الدين من أجل مصالح الطبقات الرجعية في البلاد والتي تسعي إلى إعادة العلاقات الإنتاجية القديمة، وهي بهذا إنما تسخر الدين من أجل الإنسان وسلبه من إنسانيته. هذا الاستغلال للدين يتعارض مع مصالح المجتمع ويتناقض مع المستقبل الأفضل للإنسان الذي يصيغه بعقله ويديه وهو ينتقل من ساحة الحاجة إلى ساحة الحرية .
أشارت الوثيقة إلى أن النظام الوطني الديمقراطي ينمو من الديمقراطية التي تتخلل كل خلايا الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في بلادنا ، فالسلطة الوطنية الديمقراطية لا تنفصل عن الجماهير الشعبية الكادحة ، ولا تضع نفسها بديلا لنشاط تلك الجماهير وإبداعها ، بل هي جزء من الجماهير تنبثق من نشاطها الخلاق وتصبح أداة في يد الكادحين لتحقيق مصالحهم وأهداف ثورتهم ً .
كما انتقدت الوثيقة شعار تطهير الكفاءات من جهاز الدولة لاسباب سياسية . أشارت الوثيقة إلى ديمقراطية جهاز الدولة ً وفي هذا الاتجاه يجب الاستفادة الكاملة من جميع الفنيين والمتخصصين السودانيين القادرين على العمل والبناء ما داموا مخلصين لعملهم، والاستفادة من جهود أولئك الفنيين لبناء المجتمع الجديد ً.
وأشارت الوثيقة إلى أن هذا يعني تغييرا في المفاهيم السائدة حول قضية تطهير الفنيين والمتخصصين.
كما أشارت الوثيقة إلى ضرورة أن تخضع أجهزة الأمن والاستخبارات لسيادة حكم القانون ووضع هذه الأجهزة تحت القيادة السياسية.
كما أشارت الوثيقة إلى ً توحيد الوطن على أسس ديمقراطية وذلك بتنمية وإمكانيات وثقافات التجمعات القومية المختلفة في حرية وبلا إرهاب أو ضغوط ، وتأتي على رأس هذه القضية مشكلة الجنوب ، النظام الوطني الديمقراطي يضع للعمل والتنفيذ ما ظلت تنادي به قوى الجماهير الثورية من حكم ذاتي لجنوب السودان ، وبنظرة فاحصة وناقدة لتجارب العمل منذ إعلانه شعارا رسميا في يونيو 1969 . بنمو عناصر النجاح والاكتمال لهذا الشعار يتم في مرحلة البناء الاشتراكي طرح شعار حق تقري المصير للقوميات ً
هكذا كانت وثيقة حول البرنامج محاولة لتجاوز شعارات ديكتاتورية مايو التي شوهت برنامج الحزب الشيوعي وصادرت الحريات والحقوق الديمقراطية باسم الاشتراكية.
بعد أحداث انقلاب 19 يوليو 1971 ، بدأ يترسخ في الحزب الشيوعي الطريق الديمقراطي الجماهيري للتغيير ، وأن التكتيكات الانقلابية ليست الأداة المناسبة للتغيير ولتحقيق البرنامج الوطني الديمقراطي . استطاع الحزب الشيوعي أن يصمد أمام أشرس حملة لتصفيته واقتلاعه من الحياة السياسية السودانية بعد انقلاب 22 يوليو الدموي . وكان لابد أن يبدأ الحزب الشيوعي في النضج بعد أن عجمت عوده الأحداث والتجارب ، وبدأ يتحسس الطريق السليم المجرب الذي لخصته وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية خلال ديكتاتورية عبود ، طريق استنهاض الحركة الجماهيرية وتجميع قوى المعارضة اليمينية واليسارية من أجل استعادة الديمقراطية وإنهاء حكم الفرد ، كما ترسخ مفهوم النضال الجماهيري وانحسر مفهوم التكتيك الانقلابي بديلا عن العمل الجماهيري .
وفي دورة اللجنة المركزية في يناير 1974 ، ونتيجة لتلخيص تجارب النضال الجماهيري بعد إضرابات ومظاهرات أغسطس 1973 ، طرح الحزب الشيوعي شعار الإضراب السياسي العام والانتفاضة الشعبية للإطاحة بديكتاتورية حكم الفرد واستعادة الديمقراطية وحماية النضال الجماهيري ، وكان ذلك استنادا لتجارب الإضراب السياسي في اكتو بر 1964 ، مع أخذ الظروف الجديدة في الاعتبار .
- في بيان أغسطس 1973 دعوة لوحدة قوى المعرضة من أجل إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، إرجاع المشردين، استقلال النقابات.الخ.
- كما أشارت دورة اللجنة المركزية في يوليو 1977 إلى الآتي : -* التحالف وضرورة إقامته على أسس ديمقراطية جماهيري * الحزب الواحد المفروض بالقانون والانفراد بالسلطة يقودان إلى مصادرة الحقوق الديمقراطية للجماهير ، غير أنه لايمكن الوصول للاشتراكية إلا عبر الديمقراطية . * التكتيكات الانقلابية غير مقبولة ولا بديل غير النشاط الجماهيري * كما طورت دورة اللجنة المركزية في أغسطس 1977 بعنوان ًالديمقراطية مفتاح الحل للازمة السياسية : جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن ً ، قضية الديمقراطية والتعددية ، ودعت إلى الجبهة الواسعة التي تقوم على استقلال أطرافها السياسي والتنظيمي والفكري من أجل استعادة الديمقراطية .
- وجاءت دورة اللجنة المركزية في ديسمبر 1978 لتعمق وتطور هذا الاتجاه : اتجاه الطريق الديمقراطي للتغيير . وبالتالي تم وضع الأساس المتين لصياغة هذه النقطة في برنامج الحزب القادم وهى : الوصول للنظام الوطني الديمقراطي بطريق ديمقراطي جماهيري ، وعن طريق الديمقراطية والتعددية السياسية .
واصل الحزب بعد انتفاضة مارس - إبريل 1985، تطوير البرنامج، كما جاء في برنامج الحزب الانتخابي الصادر من اللجنة المركزية في مارس 1986 بعنوان ً طريق الشيوعيين لإنقاذ الوطن وترسيخ الديمقراطية ً . أشار البرنامج في ص 2 إلى ً أن جذور الأزمات السياسية الطاحنة والمعاناة القاسية والمحن الأليمة والنكبات الدامية التي عرفها شعبنا تمتد في تربة الممارسات التي سادت منذ استقلالنا في مطلع عام 1956 ، والتي تتمثل في ثلاثة حقائق رئيسية هي : إتباع طريق التنمية الرأسمالية المشوهة ومصادرة الديمقراطية ووأدها ، والفصل المتعسف بين الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية ً .
ثم طرح البرنامج القضايا التالية : * الدستور الديمقراطي ( الواجب التاريخي أمام الجمعية التأسيسية * برنامج عمل عاجل للإنقاذ الوطني يتمثل في تصفية جرائم وموروثات حكم الفرد وخطة تنمية قصيرة المدى تفجر كل الطاقات العريضة من أجل إعادة تعمير الاقتصاد الوطني وإنقاذ الخدمات الأساسية ( تعليم ، صحة ، بيئة ، .... )، وسياسة خارجية تخدم مصالح السودان، والثورة الثقافية والنهضة الحضارية.
وأخيرا أشار البرنامج إلى وحدة قوى الانتفاضة والتمسك بأهدافها ومواثيقها وشعاراتها.
كما طرح الحزب في تلك الفترة التحضير للمؤتمر الخامس في دورة اللجنة المركزية ( اكتو بر 1985 ) ، وتم تكوين لجنة لاعداد مشروع البرنامج الجديد ، إلا أن أحداث انقلاب يونيو 1989 ، حالت دون انعقاد المؤتمر . وبعد انقلاب يونيو 1989 حدثت متغيرات في تركيبة المجتمع السوداني ، ومتغيرات عالمية ، بعد انهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق أوربا ، ودخل العالم الرأسمالي في مرحلة سيادة القطب الواحد .
وبعد انهيار التجربة الاشتراكية عام 1990 ، فتحت اللجنة المركزية مناقشة عامة حول متغيرات العصر ، وتم تحديد محاور المناقشة في دورة اللجنة المركزية ( ديسمبر 1997 ) في الآتي : -
• دروس انهيار التجربة الاشتراكية .
• الماركسية ومستقبل الفكر الاشتراكي في معطيات العلم وتجربة الشعب السوداني .
• الحزب وتجديد برنامجه ولائحته واسمه والتقويم الناقد لتجربته .
ودارت مناقشات ثرة حول البرنامج، ومن أهم الإسهامات هي وثيقة ً مبادئ موجهه لتجديد البرنامج ً التي قدمها الأستاذ / محمد إبراهيم نقد، أشارت الوثيقة إلى الآتي: -
• استبدال مبدأ تداول السلطة سلميا بمبدأ تداول السلطة ديمقراطيا ، وكذلك طرح إصلاحات ديمقراطية في جهاز الدولة بدلا عن طرح كلاسيكيات : تحطيم جهاز الدولة .
• كما أشارت الوثيقة إلي الديمقراطية المباشرة عبر جبهة الهيئات في اكتو بر 1964 ، وعاودت انتقالها في انتفاضة مارس إبريل ( اختيار مجلس الوزراء ) ، وضرورة صياغة ذلك في برنامجنا كركن من أركان الديمقراطية البرلمانية في السودان يضمنها ويصونها الدستور باعتبارها ممارسة جماهيرية توسع قاعدة الديمقراطية في السودان .
• كما أشارت الوثيقة إلى النظرة الناقدة لمفهوم تصفية الإدارة الأهلية.
• أشارت الوثيقة إلى أننا نجدد البرنامج بتأكيد أن السلطة الوطنية الديمقراطية تعتمد التعددية السياسية البرلمانية وتوسع قاعدة الديمقراطية المباشرة ( اكتو بر 1964 – إبريل 1985 ) ، وتمثيل أوسع للقوى الحديثة والأقليات القومية والاثنية المهمشة والمرأة والشباب . ونطور ذلك بديمقراطية سياسية في العلاقة بين القوميات وديمقراطية المواطنة صرف النظر عن العرق أو اللون أو المعتقد الديني ، ديمقراطية الثقافة ، العلاقات الدولية ، حق التنظيم وتشكيل الأحزاب . وتخلص الوثيقة في ذلك أن البرنامج هو وثيقة نضال من أجل الديمقراطية.
• أشارت الوثيقة إلى حق تقرير المصير كحق ديمقراطي إنساني .
• كما أشارت إلى أن تجديد المفاهيم والمصطلحات يستمد حيويته من حصيلة وعصارة ما أجمعت عليه الحركة السياسية السودانية خلال منعطفاتها لخلق سودان جديد : ميثاق اكتو بر 1964 ، ميثاق الانتفاضة 1985 ، ميثاق الدفاع عن الديمقراطية ، ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي ووثائق ومقررات مؤتمراته : إعلان نيروبي 1993 حول فصل الدين عن السياسة . كما أشارت الوثيقة إلى تجربة الإضراب السياسي والانتفاضة الشعبية في الحياة السياسية السودانية ، وأشارت إلى ضرورة أن نثبت ذلك في البرنامج كأداة لاستعادة الديمقراطية .
• في الجانب الاقتصادي أشارت الوثيقة إلى دراسة المجتمع السوداني والقسمات المؤثرة في القطاعات ومصادر الفائض الاقتصادي ومعادلة الاستثمار – الاستهلاك ، التمويل الخارجي ، إصلاح النظام المصرفي ، الإصلاح الزراعي ، وتجديد البنية التحتية للصناعة ، والاهتمام بالتعليم الفني ، ودراسة القوى العاملة ، ودراسة البترول وحجم المكتشف .
• أشارت الوثيقة إلى النظام العالمي الجديد وضرورة رفع وعي شعبنا بحقوق الإنسان وقضايا السلم، والتعامل مع وقائع الوضع الدولي العالمي المستجد، ونعتمد على التخصص العلمي في القضايا الدولية.
• كما أشارت الوثيقة إلى أننا نتمسك بميثاق التجمع حول الفترة الانتقالية لوقف التدهور والتخريب.
• كما أشارت الوثيقة إلى التحولات التي تمت في الرأسمالية الوطنية منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي : الرأسمالية الطفيلية المايوية ، الرأسمالية الطفيلية الإسلامية . كما أشارت الوثيقة إلى ضرورة إعطاء الأسبقية لحماية الرأسمالية السودانية المنتجة . كما أشارت الوثيقة إلى متطلبات التنمية ومصلحة الاقتصاد السوداني وما تستلزمه من ضوابط ومعادلات النفع المتبادل في التعامل مع رأس المال الأجنبي . كما أشارت الوثيقة إلى ضرورة الدفاع عن الذاتية الوطنية والحضارية ( ثقافية ، دينية ) في مواجهة جموح الرأسمالية العالمية لاعادة صياغة البشرية على نمطها ونموذجها . كما أشارت الوثيقة إلى أهمية وقف استنزاف الفائض الاقتصادي : الصرف البذخي ، تهريب الأرباح للخارج ، ...الخ. . كما أشارت الوثيقة إلى الأساليب الخاطئة التي تمت في الخصخصة مثل خصخصة مؤسسات رابحة . وفي حالة التأميم والمصادرة : تعويض عادل ، دون مساس لإجراءات التجمع لاعادة الأموال والممتلكات التي نهبتها الجبهة الإسلامية . كما أشارت الوثيقة إلى أن رأس المال الأجنبي عنصر لابد منه في التنمية على أساس النفع المتبادل .
• أشارت الوثيقة إلى ضرورة احترام الأديان والمعتقدات وصياغة ذلك في دستور ديمقراطي علماني ، لادعوة للإلحاد أو نفي للدين . كما أشارت إلى إعلان نيروبي حول فصل الدين عن السياسة ، كما انتقدت الوثيقة التجربة السوفيتية التي اتخذت من الإلحاد سياسة رسمية .
• كما أشارت الوثيقة إلى الثورة الثقافية الديمقراطية وإشاعة التعليم ومحو الأمية والتطور الحر للثقافات ، كما أشارت إلى ظلامية نظام الجبهة الإسلامية ، وضرورة مواكبة عصر الثورة العلمية التقنية . كما أشارت إلى ضرورة دراسات عميقة حول المرأة .
• واخيرا أشارت الوثيقة إلى الاشتراكية باعتبارها علم ولاتعرف الكلمة النهائية ، وتهدف إلى تحرير الإنسان من الحاجة والاستغلال والاستلاب وتظل حلم البشرية ، والوصول إلى الاشتراكية عبر الديمقراطية بطريق ديمقراطي جماهيري . ورغم انهيار النموذج السوفيتي يبقي منهج الماركسية ، يبقي الفكر الاشتراكي ، إسهام ماركس أحد المصادر ، وتبقي الرأسمالية كتشكيلة اجتماعية اقتصادية لها مآسيها وليست نهاية للتاريخ .


خامسا: المتغيرات بعد المؤتمر الرابع للحزب ( اكتو بر 1967 ) :
منذ انعقاد المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي السوداني، حدثت متغيرات في المجتمع السوداني ومتغيرات عالمية، لابد من أخذها في الاعتبار عند صياغة البرنامج الجديد للحزب. ويمكن تقسيم الفترة ( 1967 – 2005 م ) إلى الفترات التالية : -
1 – الفترة: ( 1967 – 1985 ).
11 – الفترة: ( 1985 – 1989 ).
111 – الفترة: ( 1989 – 2005 ).
1- الفترة : ( 1967 – 1985 ) :
كان من أبرز ملامح هذه الفترة انقلاب 25 مايو 1969، وما أحدثه من تغيرات كبيرة في المجتمع السوداني وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويمكن أن نشير إلى أبرز تلك المتغيرات في الآتي: -
عندما اندلعت انتفاضة مارس – أبريل 1985، ورثت البلاد تركة اقتصادية اجتماعية مثقلة بالخراب والتدهور يمكن أن نلخصها في الآتي: -
+ كان القطاع الزراعي متدهورا نتيجة للنقص في الوقود وعدم توفر مدخلات الإنتاج ( السماد ، المبيدات ، .. الخ ) ، انعدام الصيانة ، النقص في قطع الغيار ، عدم تحوط الحكومة للكوارث الطبيعية والاستعداد الكافي لها ، هذا إضافة لإهمال الحكومة للقطاع الزراعي رغم أنه المصدر الأساسي للفائض الاقتصادي اللازم للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، فقد كان الصرف على التنمية في القطاع الزراعي لا يتجاوز 22 % من جملة الصرف ، هذا إضافة لفتح الباب على مصراعيه للاستثمار في القطاع المطري وبشكل عشوائي ودون ضوابط ، مما أدى لتدمير البيئة وانهاك التربة والجفاف والتصحر من جراء القطع العشوائي للغابات .
وبدلا من تحقيق الشعار الذي كان مرفوعا : أن يتحول السودان إلى سلة غذاء العالم اجتاحته مجاعة 83 / 1984 ، وأصبح يطلب الغذاء من العالم !! .
كما ظلت صادرات السودان الأساسية مواد زراعية أولية ( القطن، السمسم، الفول السوداني، الذرة، الجلود، الماشية.... الخ )، و75 % من السكان يعملون بالزراعة، كما أن 90 % من المنشآت الصناعية كانت تستخدم المنتجات الزراعية كمواد أولية.
كما ساهم القطاع الزراعي – القطاع الرئيسي في الاقتصاد السوداني بحوالي 40 % من إجمالي الناتج القومي ، وظل القطن يمثل حوالي 60 % من قيمة الصادرات والحبوب الزيتية حوالي 20 % منها .
+ ظل القطاع الصناعي ، كما كان عليه الحال عام 1956 يساهم بحوالي 9 % من أجمالي الناتج القومي ، كما ظلت الصناعة في مراحلها البدائية ، وهي أساسا بدائل للسلع الاستهلاكية المستوردة وتحتل الصناعات الغذائية المرتبة الأولى في تركيب القطاع الصناعي ( حوالي 50 % من جملة الإنتاج ) ، كما تدهورت وتعمقت مشاكل الصناعات مثل : صناعة السكر ، الأسمنت ، الغزل والنسيج ، الزيوت ، الجلود ، الصناعات الغذائية .... الخ . هذا إضافة لتركز هذه الصناعات في الخرطوم والإقليم الأوسط ( مثلث الخرطوم – سنار – كوستي ) كما أوضح المسح الصناعي للعام 81/1982 ، فقد كانت 56,4 % من الصناعات بها 79 % من العاملين تبلغ مرتباتهم 80,9 % توجد في الخرطوم والإقليم الأوسط ، كما نلاحظ ضعف التعليم الفني اللازم للتنمية الصناعية والزراعية ، فقد كانت نسبة الطلاب في المدارس الفنية لا تتجاوز 20 % من مجموع الطلاب في التعليم العام ، كما أنها لا تتجاوز أيضا 21 % في التعليم العالي .
+ من حيث تركيب القوى العاملة ، كان 71,6 % يعملون في القطاع الزراعي ، والعاملون في مجالات الإنتاج غير الزراعي 12,6 % ، العاملون في الخدمات 7,6 % ، العاملون في البيع 4,5 % ( العرض الاقتصادي 76 /1977 ) .
+ كما شهدت هذه الفترة هجرة داخلية إلى المدن وهجرة إلى خارج السودان نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية ، وأشارت الإحصاءات إلى أن اكثر من 40 ألف باحث ومتخصص قد هجر السودان وفقا لإحصاء أجري عام 1984 ، وبالتالي حدث استنزاف للعقول السودانية من جراء هجرة العلماء والأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم .
+ كما ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير في هذه الفترة بشكل لا يتناسب مع الأجور ، على سبيل المثال في عام 1985 ، كان الحد الأدنى للأجور 60 حنيها ، بينما كان الحد الأدنى لتكاليف المعيشة 536,326 جنية حسب دراسة قامت بها الجبهة النقابية .
+ تدهور قطاع الخدمات بشكل غير مسبوق ، فقد انهارت البنيات التحتية التي خلفها المستعمر والتي كانت تعمل بشكل جيد مثل : السكك الحديدية ، النقل النهري ، الخطوط الجوية السودانية ، كما تفاقمت مشاكل الطاقة ( البترول ، الكهرباء ) نتيجة للفساد وسوء الإدارة . كما تدهورت خدمات الصحة والتعليم من جراء هجرة المعلمين والأطباء وضعف ميزانية خدمات الصحة والتعليم فعلى سبيل المثال كان الإنفاق على الصحة لا يتجاوز 9 % من جملة الإنفاق العام والإنفاق على التعليم لا يتجاوز 10 % من جملة الإنفاق العام ، بينما كان الإنفاق على الأمن والدفاع حوالي 21 % من جملة الإنفاق العام .
كما كانت نسبة التلاميذ الذين بلغوا سن التعليم الابتدائي الذين يقبلون في المدارس 52 % بينما يذهب 48 % إضافة لجيش الأمية . وحسب إحصاء 1983، كانت نسبة الأمية 64 % ( 52,9 % للذكور ، 74,6 % للإناث ) .
كما تفاقمت أزمة التعليم العالي وعدم توافق التعليم مع احتياجات التنمية مما أدى إلى نسبة عالية للعطالة وسط الخريجين على سبيل المثال عام 1980 كان نسبة العطالة وسط خريجي الكليات النظرية 36 % من إجمالي المسجلين ، ونسبة العطالة بين المهندسين 33 % ، وخريجي الكليات المهنية الطبية 10 % ( د . محمد ادهم على : توجهات الطلاب في التعليم العالي ، يونيو 1987 ) .
+ كما زادت تبعية السودان للنظام الرأسمالي العالمي وعلائق التبادل غير المتكافئة مع الدول الرأسمالية ( تصدير مواد أولية واستيراد سلع رأسمالية ومواد خام ، كيماويات ، آلات ومعدات ووسائل نقل ) ، والتي من نتاجها إعادة إنتاج التخلف .
ونتيجة لتدهور الميزان التجاري والعجز المتزايد والمستمر فيه تفاقم العجز في ميزان المدفوعات ولجأ النظام إلى الاستدانة لتلبية حاجات الاستهلاك والتنمية ، وفي نهاية هذه الفترة بلغت ديون السودان 9 مليار دولار .
لقد فتحت القروض للشركات متعددة الجنسيات والبنوك الأجنبية ( التي عادت منذ بداية النصف الثاني من السبعينيات من القرن الماضي بعد قرارات التأميم عام 1970 ) الباب لدخول السوق السوداني ( لورنرو – شيفرون – ترياد .. الخ ) ، التي أنهكت الاقتصاد السوداني بارتفاع تكلفة إنشاء المشروعات ( كنانة ارتفع من 120 مليون دولار إلى حوالي مليار دولار ) إضافة للفوائد العالية للقروض التي وصلت أحيانا إلى 16 % وما تبعها من فساد وعمولات ، كما ساعدت على نمو طبقة رأسمالية طفيلية استفادت من الارتباط الكثيف بالسوق الرأسمالي العالمي ، كما نالت الشركات والبنوك الأجنبية امتيازات عديدة متمثلة في قوانين تشجيع الاستثمار الصناعي والزراعي والخدمي .
+ وفي الفترة 78 /1979 – 84 / 1985 ، خضعت الحكومة تماما لتوصيات أو روشتة صندوق النقد الدولي ، وتم إجراء خمسة تخفيضات في قيمة الجنية السوداني ، ورغم ذلك فقد تدهور الميزان التجاري ، كما زادت حدة التضخم ( بلغ المتوسط 37 % في الفترة : 78 / 1979 – 84 / 1985 ، بينما كان المتوسط 22 % في الفترة 70 / 71 – 77 / 1978 ) . ( د . عبد المحسن مصطفي صالح : صندوق النقد الدولي في السودان ، الكويت فبراير 1988 ) .
+ كما شهدت الفترة : 78 / 1979 – 84 /1985 اكبر عملية تهريب لروؤس الأموال السودانية إلى الخارج ( تصدير الفائض الاقتصادي للخارج ) . وتم تقدير رأس المال الهارب بحسابات مختلفة 19 مليار دولار ، 16 مليار دولار ، 11 مليار دولار ، ومهما يكن من أمر إذا أخذنا المتوسط 15 مليار دولار ، نلاحظ أن رأس المال الهارب للخارج كان ضخما . وحسب د . على عبد القادر ً إن القطع المصرفي السوداني يقف متهما بتمويل عملية تهريب رأس المال من خلال تمويله لعمليات السوق السوداء للنقد الأجنبي ، ونلاحظ سريعا ، أن القطاع المصرفي مملوك للدولة بنسبة 60 % !!! . ( د . على عبد القادر على: حول سياسات التصحيح وهروب رأس المال، الكويت فبراير 1988 ).
وخلاصة الأمر ، في نهاية هذه الفترة استفحلت الأزمة الاقتصادية وفقد السودان استقلاله الاقتصادي وسيادته الوطنية ، فنجده يشترك في مناورات قوات النجم الساطع ، ويشترك رموز النظام في جريمة ترحيل الفلاشا ، ودفن النفايات النووية وغير ذلك من الهوان الذي ألحقه حكم الفرد بالسودان .
+ من حيث التركيب الطبقي تراجعت في هذه الفترة الرأسمالية التي نشأت بفضل مشاريع الإدارة البريطانية في النصف الأول من القرن الماضي ، بأقسامها المختلفة وبدرجات متفاوتة والتي تتلخص في الشركات الأجنبية والشركات المحلية من أصل أجنبي والرأسمالية السودانية ( آل أبو العلا ، البربري ، آل عبد المنعم ، .... الخ ) . وخاصة بعد قرارات التأميم والمصادرة في عام 1970.
ومن الجانب الآخر صعدت فئات جديدة من الرأسمالية المدنية والعسكرية ، وكان من أهم مصادر تراكم هذه الفئة هي : -
1 – العائد السريع من النشاط الطفيلي ( تخزين ، سوق سوداء ، ... الخ )
2 – التسهيلات التي كانت تلقاها من البنوك التجارية ولتجارة السوق السوداء والعملات، وبناء العقارات، ودعم تجارة الصادر والوارد.. الخ.
3 – الدخول العالية والعمولات التي كانت تستحوذ عليها من خلال إدارتها للدولة.
4 – دخول أعداد كبيرة من قيادات الخدمة المدنية والعسكرية بعد انتهائهم من الخدمة إلى ميدان الزراعة الآلية، وبالتالي حققوا أرباحا هائلة من هذه العملية.
ونلاحظ أن النشاط الطفيلي أصبح هو الغالب في هذه الفترة ، وفي الوقت نفسه تراجعت الرأسمالية الوطنية التي كانت تعمل في ميدان الإنتاج الزراعي والصناعي نتيجة لارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج ، أزمة الوقود والطاقة ، وانخفاض قيمة الجنية السوداني ... الخ.
وبالتالي سيطر النشاط الطفيلي على مختلف أوجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية ، وظهرت فئات السماسرة التي تعيش على العمولات ووكلاء البنوك الأجنبية والإسلامية والشركات الأجنبية ورؤوس الأموال البترولية . كما تدهورت أوضاع الفئات الوسطى المعيشية والاجتماعية ويتجلي ذلك من موجة الإضرابات التي نفذتها تلك الفئات خلال تلك الفترة ( الأطباء ، المعلمين ، المهندسين ، الفنيين ، القضاء ، ... الخ ) .
كما تميز تطور الطبقة العاملة في تلك الفترة بتدهور أوضاعها المعيشية ، مما أدى إلى هجرة الآلاف من العمال المهرة إلى بلدان الخليج إضافة لتدهور الإنتاج الصناعي وإغلاق العديد من المصانع أو العمل بنصف طاقتها أو ثلث طاقتها ، كما انضم إلى صفوفها آلاف المهاجرين من الريف من ذوى الوعي المنخفض ، هذا إضافة لتشريد وهجرة مئات النقابيين المتمرسين ، وأصبح اتحاد العمال جزءا من الدولة أو رافدا من روافد الاتحاد الاشتراكي ، وتمت مصادرة حق الإضراب .
كما تدهورت أوضاع المزارعين وخاصة الفقراء والمتوسطين نتيجة لتدهور القطاع الزراعي.
• هكذا كان حصاد نظام مايو الشمولي الذي بدأ بشعارات يسارية وانتهى بشعارات إسلامية عندما طبق قوانين سبتمبر 1983 بهدف وقف المقاومة والمعارضة الواسعة لنظامه وبهدف استكمال مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية باسم الإسلام. وكانت القوانين امتدادا لترسانة القوانين المقيدة للحريات منذ بداية دكتاتورية مايو 1969: الأوامر الجمهورية – قانون أمن الدولة – قانون ممارسة الحقوق السياسية 1974 – تعديلات الدستور في 1974، وأخيرا قوانين سبتمبر 1983.
كما واجه انقلاب مايو مقاومة عسكرية وجماهيرية عميقة ، عكست شمول وعمق الحركة الجماهيرية والسياسية السودانية المطالبة بالديمقراطية وإنهاء الديكتاتورية والتسلط وحكم الفرد ، وكان من عوامل ضعف الحركة السياسية والجماهيرية هو تشتتها ، ولم تتوحد إلا في أبريل 1985 ، أي في اللحظات الأخيرة لنهاية نظام مايو في ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي لإنقاذ الوطن .
كما انقلب نميرى على دستور 1973 وخرق دستوره بنفسه ، ومزّق اتفاقية أديس أبابا مما أدى إلى اشتعال نيران التمرد من جديد وازدادت هذه النيران اشتعالا بعد إعلان قوانين سبتمبر 1983 .
لقد أكدت تجربة ديكتاتورية مايو أن الديمقراطية هي المفتاح للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحل السلمي لمشكلة الجنوب ومشاكل الاقليات الأخرى ، وضمان وحدة وسيادة البلاد .
11 : فترة الديمقراطية الثالثة ( 1985 – 1989 ) :
تميزت هذه الفترة بالسمات الآتية : -
1 – انعقاد المؤتمر الاقتصادي في عام 1986 والذي خرج بتوصيات تتلخص في الآتي: -
أ – إعادة تعمير وتأهيل المؤسسات والمشاريع الإنتاجية والخدمية في القطاعين العام والخاص ، واعادة تعمير المناطق التي تأثرت بالجفاف والمجاعة .
ب – إصلاح النظام المصرفي وتصفية النشاط الطفيلي.
ج – إشاعة الديمقراطية واشراك العاملين في المؤسسات الإنتاجية .
د – تحسين أجور ومرتبات العاملين والمنتجين على أن يرتبط ذلك بزيادة الإنتاجية وتوفير مدخلات الإنتاج بالنسبة لمؤسسات القطاع العام والخاص الإنتاجية .
ه – إصلاح وتحسين خدمات التعليم والصحة.
و – لجم وسائل التضخم وتخفيض أسعار السلع الرئيسية واصلاح قنوات التوزيع .
ز – وضع خطة اقتصادية لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي تخضع جميع السياسات الاقتصادية والمالية بهدف الاستغلال الكامل للطاقات الإنتاجية المتاحة واصلاح مسار الاقتصاد السوداني .
2 – رغم قرارات وتوصيات المؤتمر الاقتصادي ، إلا أن السياسات التي سارت عليها حكومات تلك الفترة أدت إلى استمرار مظاهر الأزمة الاقتصادية التي تتلخص في الآتي : -
أ – ركود الإنتاج السلعي ( زراعة – صناعة ) وتضخم قطاع خدمات المال والتجارة ، أي أن وزن الطبقات الطفيلية الإسلامية والمايوية كان مؤثرا في النشاط الاقتصادي ، الشيء الذي عرقل محاولة أي إصلاح ، وبالتالي انعكس ذلك على النشاط السياسي وإجهاض الانتفاضة وتقويض الديمقراطية .
ب – استفحال المديونية الخارجية التي بلغت 14 مليار دولار .
ج – عجز مقيم في الموازنة الداخلية وميزان المدفوعات.
د – تزايد معدلات التضخم إذ بلغ اكثر من 45 % .
ه – تدهور متواصل في سعر صرف الجنية السوداني .
و – تزايد معدلات استهلاك الفئات الطفيلية، وارتفاع معدلات الاستيراد وانكماش الصادرات وتزايد المنصرفات.
كما استمرت حكومات ما بعد الانتفاضة في السياسة التقليدية التي تسببت في الأزمة الاقتصادية مثل: تقليص دور الدولة، إلغاء الضوابط على حركة المبلغ والسلع والتخلص غير المدروس والتدريجي من القطاع العام خاصة في مجال البنوك والتأمين والتجارة.
ز – التشجيع المفرط للقطاع الخاص المحلي والمختلط والأجنبي دون اعتبار للأولويات والسيادة الوطنية ، وذلك بالإعفاءات والتغاضي عن التهرب الضريبي .
ح – إطلاق العنان لقوى السوق بافتراض أن ذلك يساوى بين الأسعار وتكلفة الإنتاج ويقربها من مستويات الأسعار العالمية مما أدخل البلاد في حلقة تعديلات سعر الصرف دون تحقيق الأهداف المطلوبة.
ط – التوجه الخارجي للاقتصاد السوداني والاعتماد شبه الكامل على العون الخارجي ، فعلى سبيل المثال في الفترة : ( 1986 – 1989 ) ، تم تحقيق تمويل تنموي ( عن طريق العون الخارجي ) بلغ مجموعه 7 مليار دولار لتمويل التنمية والبترول والسلع التموينية والاستهلاكية ومعدات عسكرية كان تفاصيلها كالآتي : 3 مليار دولار للتمويل التنموي ، مليار دولار لسد العجز في كل سنة بعضه بترول وبعضه دعم سلعي ، 3 مليار دولار للمعدات العسكرية . _ الصادق المهدى : تحديات التسعينيات ، 1990 ) .
3 – تفاقم حرب الجنوب التي كانت تكلف 3 ملايين من الجنيهات يوميا ، إضافة للخسائر في الأرواح والمعدات والمجاعات وتوقف التنمية في الجنوب ، وبذلت محاولات كثيرة من قيادات الأحزاب والتجمع والنقابات والشخصيات الوطنية في شكل مبادرات وندوات حتى كللت هذه المحاولات بتوقيع اتفاقية الميرغني – قر نق التي أجهضها انقلاب 30 يونيو 1989 .
4 – ظلت مصادر الخطر على الديمقراطية موجودة كما حددها الحزب الشيوعي والتي تتلخص في الآتي :
أ – التخلي عن شعارات الانتفاضة بعدم تصفية أثار مايو .
ب – الإبقاء على القوانين المقيدة للحريات ( قوانين سبتمبر 1983 ) ، قوانين النقابات وغيرها من القوانين .
ج – عدم الجدية منذ بداية الانتفاضة في الحل السلمي لمشكلة الجنوب.
د – مغازلة الحزبين الكبيرين ( الأمة والاتحادي الديمقراطي ) للجبهة الإسلامية رغم موقفها المعادى للديمقراطية، حتى انقلبت على الديمقراطية وعضت اليد التي أحسنت إليها.
ه – قانون الانتخابات الهزيل الذي حرم القوى الحديثة من التمثيل . هذا إضافة لتواتر ظاهرة الإضرابات بسبب تدهور الأوضاع المعيشية .
5 – كما صدر في هذه الفترة الدستور الانتقالي ، وقانون الصحافة والمطبوعات وقانون الجامعة ، وقامت انتخابات 1986 بقانون انتخابي هزيل ، وتكونت حكومة ائتلافية بين الأمة والاتحادي الديمقراطي والأحزاب الجنوبية ولم تستمر طويلا ، وفشلت في حل قضايا الاقتصاد والجنوب وترسيخ الديمقراطية وتم تكوين حكومة ائتلافية أخرى في مايو 1988 من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية ، إلا أن تلك الحكومة أيضا فشلت في حل مشاكل البلاد .
وفي ديسمبر 1988 حدث الإضراب السياسي العام ضد زيادة الأسعار ، وبعد الإضراب ومذكرة القوات المسلحة التي خلقت جوا انقلابيا ، تم تكوين حكومة واسعة التمثيل ، وبعد تكوين الحكومة الموسعة ونجاح مبادرة الميرغني – قر نق لحل مشكلة الجنوب انعزلت الجبهة الإسلامية والتي رفضت التوقيع على ميثاق الدفاع عن الديمقراطية وكانت تسعى للحل العسكري والانقلاب على الديمقراطية ، وبعد تكوين الحكومة الموسعة ، كانت مواكب الجبهة الإسلامية تجوب الشوارع من أجل حكم الشريعة ، وقبل ذلك كانت مواكب الجبهة الإسلامية حول أمان السودان وتحت ستار دعم القوات المسلحة ، وكان د . حسن الترابي في لقاءاته الجماهيرية يدعوا علنا لقلب نظام الحكم ، وتواترت المعلومات لقيادات الأحزاب والحكومة عن تخطيط الجبهة الإسلامية لانقلاب عسكري ، وبسبب الغفلة والتهاون وقع انقلاب الجبهة الإسلامية في 30 يونيو 1989 .
111 : حصاد الفترة : يونيو 1989 – يونيو 2005 م
مضت 16 سنة على انقلاب 30 يونيو 1989 ، دخلت البلاد فيها في تجربة للتنمية في ظل نظام شمولي ، لم تخرج عن الطريق التقليدي الرأسمالي ، بل بأكثر الأساليب وحشية ، فهي تنمية رأسمالية رغم رفع الشعارات شعارات الإسلام ، مستندة على الفكر التنموي الغربي ( تحرير الاقتصاد والأسعار ، اقتصاد السوق ، الخصخصة أو تصفية مؤسسات القطاع العام ، لتخفيضات المتوالية للجنية السوداني ... الخ ) ولا يغير من ذلك كثيرا إدخال نظم مثل السلم في الزراعة والزكاة وتجربة البنوك الإسلامية وشركات الاستثمار الإسلامية ، فالبنوك الإسلامية كما يقول الصادق المهدي : استغلت الشعار الإسلامي للحصول على سيولة كبيرة اُستخدمت في صفقات تجارية قصيرة المدى بأسلوب المرابحة ، ولم تساعد الاستثمار ولم تقدم بديلا وظيفيا لسعر الفائدة .
فما هي حصيلة تجربة الإنقاذ ؟
1 – القطاع الزراعي:
تدهور القطاع الزراعي في هذه الفترة نتيجة لمشاكل المياه والرى في المشاريع المروية ونقص مدخلات الإنتاج والنقص في الجازولين والطاقة الكهربائية والقرار الخاطئ بالتوسع في زراعة القمح في مشروع الجزيرة على حساب القطن الشيء الذي أدى إلى فقدان البلاد لعائد كبير من العملات الصعبة باعتبار أن القطن محصول نقدي هام ، هذا إضافة لعدم استعداد الحكومة لمكافحة الآفات ( الجراد ، الفئران ، ... الخ ) كما ارتفعت تكلفة الإنتاج ( ارتفاع أسعار الماء والأرض والحصاد ) ، إضافة لمشاكل التسويق ، ومشكل التخزين ، وانخفض عائد المزارع بسبب الجبايات من المزارع التي فاقت جبايات العهد التركي ، كما انفض الإنتاج وتقلصت المساحات المزروعة وأصبحت البلاد على شفا المجاعة التي ضربت البلاد في الجنوب وشمال دار فور وشمال كردفان ... الخ، حتى أصبحنا نستورد الذرة من الهند مما يذكرنا بمجاعة عام 1914 التي استوردت فيها الحكومة الذرة من الهند.
كما تدهورت الغابات وتم استنزاف الثروة الحيوانية دون الاهتمام بمشاكلها وتنميتها وتوفير الخدمات البيطرية وغيرها ، كما انخفض العائد من الصمغ نتيجة للجفاف والتصحر وانتشار الجراد ( ساري الليل ) الذي أثر على أشجار الهشاب والطلح .
ورغم ذلك ظل القطاع الزراعي يساهم بنسبة 45,6 % في الناتج المحلي الإجمالي ( تقرير بنك السودان 2003 ) ، وتدهور القطاع الزراعي نلمسه في تراجع القطن الذي شكل نسبة 3 % من الصادر ، والسمسم 4 % والحيوانات 6 % ، أما البترول فقد شكل 78 % من الصادر ( تقرير بنك السودان 2003 ) ، وهذا يوضح تقلص المساحات المزروعة ، إضافة لمشاكل القطاع الزراعي الأخرى التي أفاض المتخصصون والزراعيون والمزارعون في مناقشتها في الصحف والندوات والسمنارات .
وسيظل القطاع الزراعي المصدر الأساسي للفائض الاقتصادي اللازم للتنمية رغم تدفق البترول، والذي يجب أن تخصص جزء من عائداته لدعم القطاع الزراعي .
2 – القطاع الصناعي:
نلاحظ ظهور قطاعات جديدة في الصناعة مثل قطاع البترول والتعدين ، ومدينة جياد الصناعية في مضمار الصناعة التحويلية الذي يشمل قطاع صناعة المتحركات ( ورش وستة خطوط لتجميع التراكتورات ووسائل النقل المختلفة ) وقطاع الصناعات المعدنية الذي يشمل مصنع الحديد والصلب ، مصنع الألمنيوم والنحاس والكوابل ومصنع المواسير ومجمع سارية الصناعي ( الذي بدأ بمصانع الأحذية والبطاريات والملبوسات الجاهزة وتحولت ملكية المجمع للقطاع الخاص ، وبدأ في إنتاج سلع مثل مصنع الأجهزة الكهربائية ، مصنع البلاستيك ومصنع التغليف ) .
رغم هذه التطورات الجديدة في القطاع الصناعي، إلا أنه ظل يعاني من مشاكل مثل: مشاكل الطاقة، ضعف القدرات التسويقية، مشاكل متعلقة بالتمويل سواء المكون المحلي أو الأجنبي لتوفير قطع الغيار، مشاكل القوانين المتعلقة بالاستثمار...الخ. .
كما أشار المسح الصناعي الأخير ( 2001 ) إلى توقف 644 منشأة صناعية ، ومن الأمثلة لتدهور بعض الصناعات : * صناعة الزيوت والصابون عملت بنسبة 16 % من طاقتها التصميمية ( تقرير بنك السودان 2003 ) * والمثال الآخر صناعة الغزل والنسيج : بلغ عدد مصانع الغزل 15 مصنعا ، العامل منها 6 مصانع فقط ، كما بلغ عدد مصانع النسيج 56 مصنعا ، العامل منها 4 مصانع فقط ، كما تعمل مصانع الغزل بنسبة 5,4 % بينما تعمل مصانع النسيج بنسبة 5 % من إجمالي الطاقة الإنتاجية ( تقرير بنك السودان 2003 ) .
هكذا نصل إلى حقيقة تدهور القطاع الصناعي بسبب تلك المشاكل وعجز الحكومة تماما عن مواجهتها ، رغم ذلك فقد ساهم القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 24,1 % وهذا يعود إلى ارتفاع نسبة البترول والتعدين التي بلغت 9,6 % في الناتج المحلي الإجمالي ( تقرير بنك السودان 2003 )
وبتدهور قطاعي الزراعة والصناعة تمت هزيمة الشعارات التي رفعتها الإنقاذ في أيامها الأولى ً نأكل مما نزرع ً ، ً نلبس مما نصنع ً .
3 – تصفية مؤسسات القطاع العام:
كما اتجهت الحكومة إلى تصفية مؤسسات القطاع العام أو خصخصتها ، وتم التخلص منها إما بالبيع أو بيع حصص من ملكية الدولة فيها أو تحويلها إلى شركات مساهمة عامة يشارك فيها القطاع الخاص المحلي والأجنبي أو بتأجير أصولها ، ومن السلبيات ، أنه تمت خصخصة معظم مؤسسات القطاع العام قبل أن تقام سوق للأوراق المالية تعرض فيها أسهم المؤسسات التي خصخصت للجمهور مما خفض أسعار البيع إلى نسبة ضئيلة ( د . محمد هاشم عوض : الأيام 11 / 7 / 2005 ) ، وعلى سبيل المثال مؤسسة المواصلات السلكية واللاسلكية التي قدرت أصولها ب 300 مليون دولار ، تم بيعها ب 60 مليون دولار ، كما تمت خصخصة مؤسسات ناجحة مثل مصنع أسمنت عطبرة ، كما صدر قانون لخصخصة مشروع الجزيرة . كما تم تقليص قطاعات النقل الأساسية مثل السكة الحديد التي تدهورت وأصبحت تعمل على أسس تجارية والنقل النهري والنقل الميكانيكي ... الخ.
4 – تدهور قطاع الخدمات :
تدهورت في هذه الفترة خدمات التعليم والصحة بسبب هجرة آلاف المعلمين والأطباء نتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية ، وضعف نسبة ميزانية التعليم والصحة ، إضافة لخصخصة التعليم والصحة حتى أصبحت تلك الخدمات للقادرين ، كما تم تشريد آلاف الأطباء والأساتذة في التعليم العام والعالي لأسباب سياسية .
كما تم التوسع في أعداد المقبولين للتعليم العالي بدون التوسع في توفير مقومات التعليم العالي ( أساتذة، مكتبات، قاعات مراجع، معامل... الخ ).
ورغم تدفق البترول وتمزيق الدولة لفاتورة وارد البترول الذي يشكل حوالي 400 مليون دولار ( 80 % من قيمة الصادر ) ، إلا أنه ارتفعت أسعار المواد البترولية وتدهورت خدمات النقل والمواصلات وارتفعت تكاليفها ، كما ارتفعت أسعار خدمات الكهرباء والمياه ... الخ.
5 – القطاع التجاري:
رغم استخراج البترول وتصديره ، استمر العجز في الميزان التجاري ، على سبيل المثال بلغ العجز في الميزان التجاري في العامين 2002 ، 2003 : 497,3 ، 339,7 مليون دولار على التوالي ، كما استمر العجز في ميزان المدفوعات .
كما نلاحظ تراجع النسبة المئوية للقطن في الصادر الذي بلغ 44,6 % عام 1989 ليصل إلى 3 % في عام 2003 م ( تقرير بنك السودان ) ، كما نلاحظ أن البترول احتل 78 % من الصادرات ( تقرير بنك السودان ) ، ورغم ارتفاع عائداته التي بلغت 1,5 مليار دولار على التوالي في العامين 2002 ، 2003 ، إلا أته لم ينعكس على دعم الزراعة والصناعة والخدمات ( التعليم ، الصحة ، المواصلات ، الكهرباء ، المياه ، ... الخ ).
أما عن التوزيع الجغرافي للصادرات فقد حدثت متغيرات في هذا الجانب حيث شكلت مجموعة الدول الآسيوية غير العربية اكثر الأسواق لصادرات السودان ( في معظمها سلعة البترول ) خلال عام 2003 حيث بلغت 2,057 مليون دولار بنسبة 80,9 % من إجمالي الصادرات مقارنة نسبة 73,7 % من العام 2002 ( تقرير بنك السودان 2003 ) .
كما تعتبر الصين الشعبية اكبر مستورد للصادرات السودانية حيث بلغت 1,761,9 مليون دولار بنسبة 69,3 % من إجمالي الصادرات تليها اليابان بقيمة 167,7 مليون دولار بنسبة 6,6 % ( المصدر السابق ) .
كما شكلت مجموعة الدول العربية اكبر مصدر لواردات السودان في عان 2003 حيث بلغت 1,146,4 مليون دولار بنسبة 39,8 % من إجمالي الواردات ( تقرير بنك السودان 2003 ) .


6– ديون السودان :
بلغت جملة ديون السودان حوالي 25 مليار دولار ، علما بأن أصل الدين 12 مليار دولار ، والزيادة عبارة عن فوائد تعاقدية وفوائد جزائية .
7 – تدهور سعر صرف الجنية السوداني:
في يونيو 1989 كان سعر الصرف 12 جنية، والآن بلغ سعر الصرف 2,650 جنية .
8 – الإيرادات والمنصرفات:
شكلت الإيرادات الضريبية عام 2003 م 37,9 % وغير الضريبية نسبة 62,1 % ( تقرير بنك السودان 2003 ) ، وفي المنصرفات يشكل الدفاع والأمن نصيب الأسد ( 60 % من الإيرادات العامة ) ، والصرف على الحكم الفدرالي والحزب الحاكم وتنظيماته يصل إلى 25 % من الموازنة العامة ( مشروع موازنة 2004 ) .
كما ازداد الفساد واختلاس المال العام ، على سبيل المثال بلغت جملة الأموال المختلسة من الوحدات الحكومية 160 مليار جنية عام 2003 ، بعد أن كانت 80 مليار جنية عام 2002 ( بزيادة 100 % ) .
9 – تزايد الفقر :
تمدد الفقر ليشمل 95 % من السكان ، إضافة للبطالة مع استمرار تشريد العاملين من وظائفهم ليصل العدد الكلي من المشردين اكثر من 122 ألف من 58 مؤسسة وشركة ، ولازال التشريد مستمرا ، هذا إضافة لضعف الأجور وعدم تناسبها مع تكاليف المعيشة التي ارتفعت ارتفاعا كبيرا . وعلى سبيل المثال : كان سعر رغيفة الخبز زنة 140 جرام عام 1989 : 14 قرشا ، الآن سعر الرغيفة زنة 70 جراما 175 جنية ، سعر جالون البنزين كان عام 1989 4,5 جنية ، الآن أصبح 5,500 جنية . كما زاد سعر رطل اسكر من 125 قرشا عام 1989 إلى 1400 جنية حاليا. وقس على ذلك بقية السلع والزيادة بالنسب المئوية الهائلة .
نخلص مما سبق إلى أن حصيلة فترة الإنقاذ في الجانب الاقتصادي :
أ – عجز في الميزان التجاري رغم تصدير البترول و الذهب ، وعجز في ميزان المدفوعات .
ب – تدهور قيمة الجنية السوداني وتفاقم التضخم والغلاء .
ج - تدهور الإنتاج الزراعي والصناعي وتفاقم النشاط الطفيلي والفساد .
ه – تبديد الفائض الاقتصادي في الصرف البذخي والاستهلاكي والاستفزازي وتهريب الأموال للخارج ، وتفاقم المضاربة في العقارات والأراضي والثراء الفاحش من قطاع الدولة والعمولات .



10 – المتغيرات في التركيب الطبقي :
الرأسمالية الطفيلية الإسلامية:
في هذه الفترة هيمنت الفئات الغنية من طفيلية الجبهة الإسلامية على مفاتيح الاقتصاد الوطني ، وتجمعت لدي هذه الفئة ثروات ضخمة ، ومن المهم ونحن نحلل هذه الفئة أن نتناولها في تطورها التاريخي باعتبارها أحد روافد الرأسمالية السودانية التي تطورت خلال سنوات نظام النميري ، ويشير د . حيدر طه في كتابه ً الأخوان والعسكر ً ( القاهرة 1993 ) ، ص 55 إلى أن الأخوان المسلمين ً يملكون حوالي 500 شركة من كبيرة وصغيرة في عام 1980 ، وتصل حجم روؤس أموالهم لأكثر من 500 مليون دولار متداولة بين هذه الشركات في الداخل ً .
وترجع أصول أغلب قادة هذه الفئة أو أصحاب الثروات منها إلى خريجي الجامعات والمعاد العليا والمدارس الثانوية ، والذين أسسو تنظيم الأخوان المسلمين في أوائل الخمسينيات في جامعة الخرطوم والمداس الثانوية وبقية المعاهد التعليمية ، وبعد التخرج عملوا في جهاز الدولة والخدمة المدنية ، وبعد انقلاب 25 مايو 1969 ، تم تشريد بعض أفرادها ، وهاجر بعضهم إلى دول الخليج وولجوا ميدان العمل الاستثماري في التجارة وتجارة العملات ، كما كدسوا الأموال التي كانت تصلهم وهم في المعارضة في الخارج ، كما اشتركوا في محاولات انقلابية مثل : محاولة انقلاب سبتمبر 1975 ، وأحداث 2 يوليو 1976 ، كما هاجر بعضهم إلى أمريكا ودول الغرب الرأسمالي وتأهل بعضهم علميا في تلك البلدان ( ماجستير ، دكتوراه .. ) ، وعمل بعضهم في النشاط التجاري في يوغندا وبعض بلدان شرق افر يقيا ، واكتسبوا خبرات وتجارب في المهجر والعمل المعارض في الخارج .
وبعد المصالحة الوطنية ( 1977 ) ، عادوا للسودان وشاركوا في مؤسسات وحكومات نظام النميري ( مجلس الوزراء ، الاتحاد الاشتراكي ، مجلس الشعب ، ... الخ ) ، وتوسعوا في ميدان العمل التجاري والاستثماري وأسهموا في إدارة البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامية ومؤسسات الاستثمار الإسلامية ، كما تغير اسم التنظيم تبعا لتطور الحياة السياسية ، واتخذ اسم الأخوان المسلمين في الخمسينيات من القرن الماضي ، وجبهة الميثاق الإسلامي بعد ثورة اكتو بر 1964 ، والجبهة القومية الإسلامية منذ أواخر النظام المايوي ، ثم المؤتمر الوطني الذي انشطر عام 1999 إلى وطني وشعبي .
لقد كانت مؤسسات وبنوك وشركات التنظيم هي التي مولت كل نشاطاته وصرفه الكبير خلال فترة الديمقراطية الثالثة ( الانتخابات، شراء الأصوات.... الخ ) ، وكانت تلك المؤسسات وراء خلق الأزمات الاقتصادية والأزمات في المواد التموينية من اجل نسف استقرار النظام الديمقراطي ، وكانت وراء تخزين قوت الناس في مجاعة 83 / 1984 ، كما تغلغلوا وسط الجيش باسم دعم القوات المسلحة خلال فترة الديمقراطية الثالثة حتى نفذوا انقلاب 30 يونيو 1989 بالتحالف مع مليشيات الجبهة الإسلامية بعد تكوين الحكومة الموسعة والاقتراب من الحل السلمي لمشكلة الجنوب بع اتفاق الميرغني - قر نق .
وبعد انقلاب 30 يونيو 1989 تضاعفت ثروات هذه الفئة، ويمكن تلخيص أهم مصادر تراكم هذه الفئة في الآتي:
أ – نهب أصول القطاع العام عن طريق البيع أو الإيجار أو المنح بأسعار بخسة لأغنياء الجبهة أو لمنظماتها أو الأقمار التابعة لها، والتي كونت أكثر من 600 شركة تجارية تابعة لها ولمؤسساتها.
ب – إصدار قانون النظام المصرفي لعام 1991 م والذي مكن لتجار الجبهة ولمؤسساتها من الهيمنة على قمم الاقتصاد الوطني وامتصاص الفائض مما أدى إلى فقدان الثقة في النظام المصرفي ، إضافة لإجراءات تبديل العملة وتحميل المودعين التكلفة بخصم 2 % من أرصدتهم وحجز 20 % من كل رصيد يزيد عن 100 ألف جنية امتدت اكثر من عام وانتهاك قانون وأعراف سرية النظام المصرفي وكشف القدرات المالية لكبار رجال الأعمال أمام تجار الجبهة الإسلامية ( دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ، أغسطس 2001 ) .
ج – التسهيلات والرخص التجارية من وزارة التجارة والبنوك التجارية والإعفاء من الضرائب .
د – الاستيلاء على شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الإسلامية .
ه – المضاربة في العقارات والأراضي والاستثمار في مشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية واستيلاء شركات ومؤسسات الجبهة الإسلامية على مؤسسات تسويق الماشية.
و – من مصادر التراكم الرأسمالي لهذه الفئة أيضا عائدات البترول والذهب.
ز – من الأمثلة للنهب : طريق الإنقاذ الغربي الذي وصل قمة النهب ، وإفقار المزارعين عن طريق نظام السلم أو الشيل والضرائب والجبايات التي لم يعرفها الشعب السوداني إلا في العهد التركي .
ح – من مصادر التراكم والدعم لهذه الفئة رأس المال الإسلامي العلمي الذي دخل البلاد في التسعينيات من القرن الماضي والذي قدرته بعض المصادر ب 6 مليار دولار وأسهم في دعم النظام ومؤسساته الاقتصادية والمالية والحربية .
• الشاهد أن هذه المصادر جاءت نتيجة للنهب الاقتصادي والقمع السياسي ، وعاشت هذه الفئة الطفيلية في ترف وبذخ في الأفراح والاتراح وأقامت غابات الأسمنت محل الأراضي الزراعية .
• ومن الجانب الآخر تدهورت أوضاع الفئات الشعبية نتيجة للفقر والبؤس ، وانتشرت الرشوة والفساد في المجتمع وغير ذلك من التحلل الخلقي والاجتماعي الذي فرضه نظام الجبهة الإسلامية .
• كما تدهورت أوضاع الفئات الوسطى التي تشمل ( الموظفين ، المهنيين ، المعلمين ، الأطباء ، ضباط الجيش ، الحرفيين ، .... الخ ) ، وتفاقمت مشكلة البطالة ، وتم تشريد الآلاف من العمل ، وزادت وتائر الهجرة للخارج ، كما زادت الهجرة الداخلية إلى المدن بسب المجاعات وظاهرة الجفاف والتصحر وتدهور الإنتاج الزراعي والحيواني ، والنزاعات القبلية وحرب الجنوب ، والحرب في دار فور والشرق ، كما طرحت جماهير المناطق المهمشة مطالبها في التنمية والتعليم والصحة والخدمات واقتسام السلطة والثروة . هذا إضافة لتمركز الصناعات في المدن وخدمات التعليم والصحة ، فقد أوضح المسح الصناعي الأخير أن 64 % من المنشآت الصناعية الكبيرة في الخرطوم ( المسح الصناعي 2001 ) .
11 – وعن طبيعة نظام الجبهة الذي بدأ بانقلاب 30 يونيو 1989 ، فقد بدأ بحل الجمعية التأسيسية ومجلس رأس الدولة وحل الأحزاب السياسية والنقابات ولجنة الانتخابات وكل المؤسسات الدستورية التي كانت قائمة قبل انقلاب 30 يونيو 1989 ، وتم تكوين مجلس ثورة ( سلطة تشريعية ) ومجلس وزراء ( سلطة تنفيذية ) ، وتم اعتقال قادة المعرضة مع مسرحية اعتقال د . حسن الترابي ، وتم تشريد الآلاف من المعارضين السياسيين . كما تم مصادرة الحقوق والحريات الأساسية : حرية الصحافة والتعبير والنشر ومنع المواكب والمظاهرات والإضرابات ، وفرضت مراسيم جمهورية حددت عقوبات معرضة أو مقاومة النظام ( إضرابات ) بالسجن الطويل أو الإعدام ، كما تم عقد مؤتمرات كانت الدعوة فيها تتم على أسس فردية ومن الإذاعة مثل مؤتمرات الصحافة والإعلام والحوار الوطني .... الخ، كما تم إقامة نظام شمولي ( نظام المؤتمرات الشعبية ) مع روافد له ( الشباب، النساء، السلام، المجلس الوطني الانتقالي.... ) ، وكلها تنظيمات تابعة للدولة ، كما تمت مصادرة جميع مظاهر النشاط الثقافي المستقل عن السلطة ، والتزم بيان البشير في يونيو 1989 بالآتي :
أ – رفع المعاناة عن الجماهير ب – فك عزلة السودان الخارجية ج – تحقيق السلام د – دعم القوات المسلحة .
وبعد 16 عاما زادت المعاناة على الجماهير ، وازداد لهيب نيران الحرب في الجنوب والتي اتسعت لتشمل دار فور وشرق السودان ، حتى تم توقيع اتفاق السلام في نيفاشا يوم 9 / 1 / 2005 م ، وحدث التدخل الدولي بقرار الأمم المتحدة بتواجد اكثر من 10 ألف جندي لحماية اتفاق السلام ، واصبح السودان تحت وصاية الأمم المتحدة .
ومن جانب آخر اتسعت المعارضة الجماهيرية والعسكرية للنظام ، وتم توقيع ميثاق التجمع الوطني الديمقراطي في اكتو بر 1989 ، وكانت إضرابات عمال السكة الحديد 90 / 1991 ، وإضراب الأطباء في نوفمبر 1989 ، ومقاومة الطلاب التي بلغت ذروتها في انتفاضة سبتمبر 1995 ، وسبتمبر 1996 ، وانتفاضات المدن ومقاومة إرسال الطلاب إلى محرقة الحرب .. الخ.
وكان من نتائج المقاومة الداخلية وضغط المجتمع الدولي، إرغام الحكومة على توقيع اتفاقات السلام، لتبدأ معركة جديدة من أجل التحول الديمقراطي الشامل والتنمية والوحدة والسلام وتحسين أحوال الناس المعيشية.


سادسا: برنامج إسعافي عاجل :
من العرض السابق للتركيبة الاقتصادية والاجتماعية التي نشأت وتمخضت عن نظام الإنقاذ ، نلاحظ التركة المثقلة بالخراب والدمار والتشوهات التي حدثت في المجتمع السوداني في كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية . فالحزب الشيوعي عندما طرح برنامجه عام 1967 ، كان ينطلق من أرضية ثابتة في الاقتصاد السوداني ، وكان يطالب بالإصلاح والتطوير انطلاقا من تلك الأرضية : كان يوجد مشروع الجزيرة والمشاريع الزراعية الأخرى التي تسهم في توفير الغذاء ، وكان محصول القطن يشكل 60 % من الصادر إضافة للمحاصيل والصادرات الأخرى ، وكانت هناك بنيات تحتية ، صحيح كان لها مشاكلها ، مثل السكة الحديد ، النقل النهري ، الخطوط الجوية السودانية ، وكان هناك نظام تعليم مجاني وخدمات صحة صحية متوفرة للناس ... الخ. أما الآن، فإن الصورة قد تغيرت تماما، فقد انهارت المشاريع الزراعية بدلا من تطويرها باعتبارها الركيزة الهامة لتوفير الغذاء، والانطلاق نحو التصنيع، كما انهارت السكة الحديد والنقل النهري والجوى، وتدهورت خدمات التعليم والصحة. ولذلك ، فإننا نبدأ من نقطة متخلفة ، تتطلب برنامجا إسعافيا عاجل يتطلب إنجازه وحدة كل القوى السياسية والوطنية بمختلف أطيافها ومشاربها من أجل : -
1 – إعادة تأهيل القطاع الزراعي بحل مشاكل المياه والرى ومدخلات الإنتاج وتوفير الجازولين والطاقة الكهربائية ، واستعداد الحكومة لمكافحة الآفات ( الجراد ، الفئران ، الآفات الزراعية الأخرى ) ، وتقليل تكلفة الإنتاج ( تخفيض أسعار الماء والأرض والحصاد ) ، وحل مشاكل التسويق وتقليل تكلفة الترحيل ومشاكل التخزين ، ورفع تدخل الدولة وإلغاء الضرائب والجبايات التي تمحق عائد المزارع وتنفره من العمل بالزراعة ، وضمان توفير الغذاء . هذا إضافة إلى ضرورة إعادة الغطاء النباتي ونثر البذور حتى نحمى البيئة ونكافح الجفاف والتصحر ، التوسع في المساحات المزروعة ، رفع نسبة القطاع الزراعي في الصادر ، الاهتمام بالثروة الحيوانية وتنميتها وتوفير الخدمات البيطرية والمراعى والمياه وخدمات التعليم والصحة للرعاه ، هذا إضافة لضرورة إلغاء نظام الشيل وقيام بنك زراعي يخصص سقفا معلوما لتمويل صغار المزارعين بفوائد زهيدة حتى نتخلص من لعنة رمى المزارعين في السجون بسبب عدم تسديد السلفيات ، هذا إضافة لإنشاء بنك تعاوني تودع فيه الجمعيات التعاونية أرصدتها ويمدها بسلفيات زهيدة الفائدة .
2 – إعادة تأهيل القطاع الصناعي بتوفير الطاقة بأسعار زهيدة وحماية الصناعة الوطنية حتى نرفع القدرات التسويقية ، حل مشاكل التمويل والسلفيات بفوائد زهيدة لتوفير قطع الغيار وحتى تعمل المصانع بطاقتها الكاملة ، وتدب الحياة في المصانع التي توقفت ، هذا إضافة للتوسع في الرقعة الزراعية للحبوب الزيتية ( السمسم ، الفول ، القطن ، عباد الشمس ، .... الخ ) حتى تنتعش مصانع الزيوت والصابون ، والتوسع في زراعة القطن لمواجهة احيتاجات صناعة النسيج ، ...الخ. .
3 – إعادة النظر في كل المؤسسات التي تمت خصخصتها بهدف مراجعة كل التجاوزات القانونية التي تمت فيها، ورد ممتلكات الشعب إليه، ويتم ذلك أيضا بالنسبة لكل الشركات والمؤسسات والبنوك التي تم تأسيسها بعد انقلاب الجبهة.
4 – المطالبة بالشفافية في عائدات البترول والذهب، وتخصيص جزء منها لتنمية المناطق الأكثر تخلفا، ودعم القطاعين الزراعي والصناعي وخدمات التعليم والصحة والكهرباء والمياه وحماية البيئة، والتعويض العادل للذين تم تهجيرهم من مناطق البترول... الخ.
5 – إعادة تأهيل السكة الحديد، النقل النهري، الخطوط الجوية السودانية، ودعم وتطوير وتوسيع شبكة الطرق الداخلية..
6 – إعادة تأهيل نظام التعليم باعتباره استثمار مستقبلي وركيزة هامة لنهضة البلاد وهذا يتطلب ديمقراطية ومجانية التعليم العام فعلا لاقولا وتوفيره لكل مناطق السودان وبغض النظر عن النوع والعرق ، وتوفير مقومات التعليم الأساسية : مناهج قومية ، المعلم المؤهل والمستقر ماديا ، المدرسة الشاملة التي تلبي احتياجات التلاميذ الأكاديمية والثقافية والرياضية والفنية ، وتوفير المكتبات المدرسية التي تشجع التلاميذ على الدراسة من المهد إلى اللحد . وهذا يتطلب رفع ميزانية التعليم وإعادة النظر في خصخصة التعليم العام ومحاربة طريقة الحشو والتلقين الحالية التي تقتل روح الخلق والإبداع المستقل عند التلاميذ ، ورفع نسبة التعليم الفني في التعليم العام ، وضرورة المدرسة الشاملة التي تجمع بين التعليم الأكاديمي والفني ... الخ.
في التعليم العالي : فتحت حكومة الإنقاذ اكثر من 26 جامعة وكلية دون توفير مقومات التعليم العالي : أساتذة مؤهلين ، مكتبات ، قاعات معامل ، مراجع ، ميادين رياضية وقاعات للمنا شط الثقافية والاجتماعية ... الخ . وهذا يتطلب معالجة هذه المشاكل حتى يرتبط التعليم باحتياجات البلاد التنموية .
7 - في مجال الصحة : رفع ميزانية الصحة ، إعادة تأهيل المستشفيات ، تحسين شروط خدمة الأطباء والفنيين والممرضين والعاملين في القطاع الصحي باعتباره استثمار هام ، ولا يمكن الحديث عن تنمية بدون خدمات صحية وأجساد وعقول معافاة ، وهذا يتطلب توفير الدواء ووقف خصخصة الخدمات الصحية حتى لا يصبح العلاج للقادرين فقط ، وتوفير الخدمات الصحية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة .
8 – إعادة تأهيل القطاعين الزراعي والصناعي يسهم في حل مشكلة العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات ، ويسهم في التنويع الاقتصادي وحتى لا نعود إلي المربع الأول بالاعتماد على سلعة واحدة ( البترول الذي اصبح يشكل 80 % من الصادر ) ، علما بأن البترول ثروة ناضبة .
9 – إعادة التوازن في علاقاتنا التجارية الخارجية حيث تشكل الدول الآسيوية غير العربية نسبة 80,9 % من إجمالي الصادرات عام 2003 م ، كانت 73,7 % عام 2002 ، وتقليل الواردات الاستهلاكية البذخية من الدول العربية وأغلبها مواد استهلاكية غذائية .
10 – معالجة الديون الخارجية وإعادة التفاوض حولها مع الدائنين والشفافية ، والاشتراك بنشاط في الحملة العالمية المطالبة بإلغاء الديون الثقيلة على الدول الفقيرة ، فكل دولار تمنحه المؤسسات المالية العالمية والمؤسسات متعددة الجنسيات يعود عليها ب 2دولار على الأقل ، مما يجهض التنمية ويكرس التخلف في البلدان الفقيرة .
11 – تقليل الصرف البذخي على جهاز الدولة وتقليل الفساد إلى أقصي حد وكشفه ومحاربته ، وكذلك تقليل حجم جهاز الدولة وتحديد الوظائف والمناصب على ضوء احتياجات البلاد الفعلية ، وإعادة النظر في تقسيم الولايات والرجوع لنظام المديريات السابق :المديرية الشمالية ، مديرية كردفان ، دار فور ، الخرطوم ، الأوسط ( النيل الأزرق سابقا ) ، البحر الأحمر ، الاستوائية ، بحر الغزال ، أعالي النيل . وضمان الحكم الذاتي والمحلي في كل مديرية .
12 – حل مشكلة الفقر الذي أصبح نسبته تشكل 95 % من الشعب السوداني ، بتوفير فرص العمل للعاطلين وتسوية أوضاع المفصولين تعسفيا وكل من تم تشريده باسم الصالح العام ، ورد المظالم ومحاسبة كل الذين ارتكبوا جرائم في حق الوطن والمواطن .
13 – تحسين الأحوال المعيشية، وإعادة النظر في الأجور حتى تتناسب مع تكليف المعيشة، ودعم السلع الأساسية ( الكهرباء، الماء، الدقيق... الخ ) ، وتسديد ديون واستحقاقات العاملين .
14 – الاهتمام بالتنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة ، ورصد مبالغ معقولة للتنمية .
15 – إلغاء القوانين الاستثنائية مثل : قانون الأمن الوطني ، قانون الأحزاب والتوالي ، قانون الصحافة والمطبوعات ، قانون النقابات ، قانون الإثبات ، قانون العقوبات ، قانون الجمعيات الأهلية ، وإصدار قوانين ديمقراطية بديلة لها ، وبينها إصدار قانون ديمقراطي ولائحة لتنظيم عمل النقابات ، وتشكيل لجان قومية لمراجعة كل القوانين الأخرى في البلاد بهدف إزالة كل المواد المقيدة للحريات وتتعارض مع المواثيق الدولية .
16 – قيام الانتخابات العامة في موعدها الذي حددته الاتفاقية في نهاية السنة الثالثة، بقيام لجنة قومية تضع كل الخطوات اللازمة لنزاهتها ونجاحها، وان تجرى الانتخابات بحضور وإشراف دولي.
17 – بذل كل الجهود والتضحيات كيلا تعود البلاد مرة أخرى للحرب الأهلية في أى جزء منها ، تلك الحرب التي قضت على الأخضر واليابس ، وكانت على حساب التنمية وتحسين أحوال الشعب .
18 – ضرورة خلق أوسع جبهة من أجل توحيد البلاد وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تضمن تلك الوحدة ، ومخاطبة قضايا الجماهير ، والصراع السياسي والفكري ضد جماعات الهوس والتطرف الديني والإرهاب التي تهدد وحدة البلاد ، ومعالجة الثغرات في اتفاقية السلام ( سياسيا وفكريا ) مثل تطبيق الشريعة في الشمال ( والتي يجب ألا يحتكر تفسيرها تنظيم واحد ) ، ووجود نظامين مصرفيين واقتسام الثروة ووجود جيشين واقتسام السلطة في المركز والمناطق المهمشة .
19 – الاهتمام بالتنمية فعلا لا قولا في المناطق المهمشة .
20 – بعد حوالي خمسين عاما من الاستقلال تدهورت الأوضاع في السودان وتعمقت الحرب حتى أصبحت البلاد تحت حماية الأمم المتحدة ، وتم تحديد مهام ووظائف هذه القوات التي تقدر ب 10 ألف ، وتكلف هذه القوات سنويا مليار دولار قابلة للزيادة ، أي أن التكلفة في السبع سنوات القادمة ستكون على الأقل 7 مليارات ، ورغم تقدير جهد ودور المجتمع الدولي في مساعدة السودان في استتباب السلام واستعادة الديمقراطية وحماية الوحدة ، إلا أن هناك تخوفات لها ما يبررها من الآثار المالية والاجتماعية والصحية والأخلاقية ( تجربة الكونغو ) ، لهذا الثقل الكثيف للوجود الأجنبي في السودان ، وتجارب يوغسلافيا والصومال الفاشلة ما زالت ماثلة في الأذهان . ما العمل مع هذه القوات ؟
خلق أوسع جبهة من أجل جلاء الوجود الأجنبي من السودان في أسرع وقت ممكن ، وهذا يتطلب :
• ترسيخ وتعميق التحول الديمقراطي في البلاد.
• تصفية المليشيات في الشمال والجنوب وإطفاء نيران الحرب في الشرق والغرب .. الخ .
• منع تجدد الحرب حتى لا يكون هناك مبرر للبقاء لفترة أطول.
• الضغط لتقليص العدد كلما تحسنت الأحوال حتى الجلاء الكامل واستعادة الديمقراطية والسيادة الوطنية .
• أن يصمم أهل السودان ويعقدوا العزم على حل مشاكلهم بأنفسهم ، ومهما تصاعد الوجود الأجنبي ، فأنه لايغني عن الوحدة لحل مشاكلنا .
21 – تصعيد النشاط السياسي الجماهيري المستقل للأحزاب ، فالعمل الجماهيري المثابر هو العامل الحاسم في قلب موازين الصراع السياسي لمصلحة الشعب .
22 – ضرورة تحويل اتفاقيات السلام من ثنائية ( أو ثلاثية ) ، إلى اتفاق شامل ، باستكمال التفاوض مع جبهتي دار فور ومؤتمر البجا والأسود الحرة في الشرق ، والتفاوض مع حزبي الأمة والمؤتمر الشعبي ، حتى يتم تحويل الاتفاق من ثلاثي إلى شامل .
23 – المساواة الفعلية بين المرأة والرجل، وضرورة تمثيل المرأة العادل حسب ثقلها ووزنها وكفاءتها في أجهزة الدولة ( ( السلطة التشريعية، التنفيذية، .... الخ ) ، وفي الأحزاب السياسية والمنظمات الأخرى .
24 – خلق أوسع تحالف انتخابي لمواجهة مخاطر الفترة القادمة والتي تتطلب الإجماع الوطني الذي يشكل الضمانة الأساسية لاجتياز هده المرحلة بنجاح والضمان الوحيد لتحقيق السلام الدائم والشامل والتحول الديمقراطي والاستقرار والتنمية والوحدة.


سابعا: نقاط حول تجديد برنامج الحزب :
1 – البرنامج الوطني الديمقراطي
لاجدال ، أن برنامج الحزب الجديد لا ينفصل عن برامج الحزب السابقة ، بل أنه يستند على أفضل ما تبقي من القديم مثل الفقرات التي أشرنا إليها من البرامج السابقة والتي ما زالت نابضة بالحياة ، فالبرنامج يفقد جوانب قديمة ويكتسب جوانب جديدة مع المتغيرات المحلية ، فنحن لسنا بصدد برنامج جديد عدمي ليس له صلة بالماضي ، ولكن النفي هنا ديالكتيكي ، بمعنى أن الجديد يستند على أفضل ما في القديم القابل للاستمرارية والحياة .
لقد كانت تجربة السير في طريق التنمية الرأسمالية الغربية منذ احتلال السودان عام 1898 م، وبعد الاستقلال فاشلة وكان من نتائجها:
أ – تشويه وتدمير القطاع الزراعي الذي يعتبر المصدر الرئيسي للفائض الاقتصادي اللازم للتنمية والمصدر لتأمين الغذاء، وبالتالي تأمين قرارنا وسيادتنا الوطنية.
ب – استمرار وتعميق الفقر حتى وصل نسبة 95 % من السكان.
ج – تعميق التبعية للعالم الغربي ، ديون خارجية بلغت حوالي 26 مليار دولار .
د – إهدار الاستثمارات والموارد الوطنية في برامج التصنيع الفاشلة وفشل هذا الطريق يؤكد مشروعية برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية وضرورة طريق جديد للنهضة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ، وانتشال البلاد من التخلف .
2 – الجذور التاريخية للتخلف :
السمات الأساسية للتخلف الذي تعاني منه البلاد تتمثل في :
أ – في الجانب الدولي للتخلف الذي يشمل التبعية الاقتصادية للدول الرأسمالية الأجنبية وتصدير الفائض الاقتصادي للخارج .
ب – في الجانب الداخلي : الذي يتمثل في عدم الاستقرار والحروب والمجاعات والفقر وعدم تجانس المجتمع ( قطاع حديث وآخر تقليدي ) واقتصاد جامد ومفكك .
هذا التخلف ليس لعنة حلت بنا لافكاك منها ، ولكنه نتاج تطور تاريخي . ومعلوم أن السودان في العصور القديمة والوسطي شهد مولد حضارات ( كرمة ، نبتة ، مروي ، ممالك النوبة المسيحية ، الممالك الإسلامية : الفونج ، الفور ، تقلي ، .. الخ ) ، وكانت هذه الحضارات مزدهرة فيما يختص بالتطور الزراعي والصناعة الحرفية ، وكانت هذه الحضارات لاتقل شأنا عن الحضارات التي كانت معاصرة لها في بلدان الشرق والعالم الإسلامي وأوربا في العصر القديم والوسيط . ولكن من أين جاءت جذور التخلف ؟
لقد قطع الاحتلال التركي – المصري للسودان عام 1821 م التطور الطبيعي والباطني للمجتمع السوداني ، وبعد الاحتلال نشأت بنية اقتصادية – اجتماعية تابعة ومتوجهة خارجيا ، بمعني أن كل النشاط الاقتصادي والاجتماعي في تلك الفترة كان موظفا لخدمة أهداف دولة محمد على باشا في مصر ، وتم نهب وتدمير القوى المنتجة في السودان ( المادية والبشرية ) ، وكان ذلك جذرا أساسيا من جذور تخلف السودان الحديث . رغم ارتباط السودان بالعالم الخارجي وعرف المحاصيل النقدية مثل : القطن ، الصمغ ، والتعليم المدني الحديث والقضاء المدني ، .. الخ . وتم استنزاف ونهب موارد السودان ، وإرهاق الناس بالضرائب الباهظة حتى انفجرت الثورة المهدية . استمرت فترة المهدية لمدة 13 عاما كانت مشحونة بالحروب الداخلية والخارجية والمجاعات ، ولم تشهد هذه الفترة استقرارا حتى جاء الاحتلال البريطاني للسودان ( 1898 – 1956 ) ، وفي تلك الفترة عاد الاقتصاد السوداني للتوجه الخارجي ، أي أن الاقتصاد السوداني كان خاضعا لاحتياجات بريطانيا ومد مصانعها بالقطن الذي كان المحصول النقدي الرئيسي ويشكل 60 % من عائد الصادرات ، وتم تغليب وظيفة زراعة المحصول النقدي على وظيفة توفير الغذاء الأساسي في الزراعة ، هذا إضافة لسيطرة الشركات والبنوك البريطانية على معظم التجارة الخارجية ، وارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي ، وفي علاقات تبادل غير متكافئة ، هذا إضافة لتصدير الفائض الاقتصادي للخارج ، فعلى سبيل المثال في الفترة ( 1947 – 1950 ) كانت أرباح شركة السودان الزراعية أكثر من 9,5 مليون جنية إسترليني تم تحويلها إلى خارج البلاد ( تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان ) . كما كانت الصناعة تشكل 9 % من إجمالي الناتج القومي ، واجهض المستعمر أي محاولات لقيام صناعة وطنية ، وتم تدمير صناعات النسيج والأحذية التي كانت موجودة خلال فترة المهدية ، بعد أن عزت الأقمشة والأحذية المستوردة السوق السوداني . وكان نمط التنمية الاستعماري الذي فرضه المستعمر يحمل كل سمات و مؤشرات التخلف التي تتلخص في الآتي : -
- 90 % من السكان كانوا يعيشون في القطاع التقليدي ( المعيشي ) .
- قطاع تقليدي يساهم ب56,6 % من إجمالي الناتج القومي .
- القطاع الزراعي يساهم ب61 % من تكوين الناتج المحلي .
- ضعف ميزانية التعليم والصحة، تتراوح بين ( 4 –6 % ).
- نسبة الأمية حسب إحصاء 55 / 1956، كانت 86,5 % .
- دخل الفرد كان حوالي 27 جنية مصري في العام.
- اقتصاد غير مترابط ومضعضع داخليا ومتوجه خارجيا .
- تنمية غير متوازنة بين أقاليم السودان .
وبعد الاستقلال استمر هذا الوضع وتم إعادة إنتاج التخلف واشتدت التبعية للعالم الخارجي أو التوجه الخارجي للاقتصاد السوداني : ديون ، عجز غذائي
( مجاعات )، تصنيع فاشل، وغير ذلك مما وضحناه في الحلقات السابقة.


3 – فشل الرأسمالية السودانية في قيادة النهضة الوطنية :
هناك عوامل ومؤثرات وعقبات وقفت في طريق تطور ونمو الرأسمالية السودانية والتي حالت دون أن تتمكن من قيادة النهضة الصناعية والزراعية ، رغم أن بذور نشأتها كانت مبكرة ومعاصرة للثورة الصناعية في أوربا ، فقد نشأت في خضم عمليات التراكم البدائي لرأس المال التجاري في سلطنة سنار ، ويمكن أن نلخص أهم الأسباب التي أدت إلى إجهاض دور الرأسمالية السودانية في قيادة النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الآتي : -
- لم تستطع الرأسمالية التجارية أن تحقق نصرا حاسما في صراعها ضد الطبقة الإقطاعية في سلطنة سنار على السلطان الذي كان يحتكر سلعتي الذهب والرقيق ، وبالتالي فشلت في الانفراد بقيادة الدولة ، كما فعلت الطبقة الرأسمالية في أوربا ، هذا فضلا عن توقف التطور الباطني الطبيعي لهذا الصراع بسبب تدخل عامل خارجي هو الاحتلال التركي للسودان .
- في فترة الحكم التركي أصبح الاقتصاد السوداني متوجها لخدمة أهداف دولة محمد على باشا في مصر والذي كان يهدف إلى تحقيق نهضة صناعية وزراعية في مصر واللحاق بركب البلدان الأوربية ، وبالتالي حال ذلك دون أن تلعب الرأسمالية السودانية دورها في النهضة .
- تميزت فترة المهدية بعدم الاستقرار والحروبات المتصلة والصراعات الداخلية والخارجية وإهمال القطاع الزراعي بسبب التهجير الواسع للمزارعين وأسرهم تلبية لنداء الجهاد مما أدى إلى تدهور الزراعة وانتشار المجاعات مثل مجاعة : سنة 1306 ه ، وبالتالي لم يكن الجو مساعدا لنمو وتطور الرأسمالية السودانية .
- في فترة الاستعمار البريطاني للسودان ( 1898 – 1956 ) تصدت الدولة لإنشاء المشاريع الزراعية والخدمية مثل مشاريع القطن ( الجزيرة ، القاش ، طوكر ، جبال النوبة ، .... الخ ) ، السكك الحديدية والطرق الداخلية ، خزان سنار ، ميناء بور تسودان ، ... الخ. كما غزت بريطانيا السودان بالسلع الرأسمالية المستوردة، مما حال دون نمو الرأسمالية السودانية وقيادتها للنهضة الصناعية والزراعية.
- بعد الاستقلال لم تلعب الرأسمالية الوطنية دورها في النهضة رغم التسهيلات التي كانت تقدم لها، فقد ظل القطاع العام هو المهيمن.
- بعد انقلاب مايو 1969 تم تحجيم الرأسمالية الوطنية التي بدأت تلج ميدان الإنتاج الصناعي والزراعي بقرارات التأميم والمصادرة العشوائية ، ومنذ العام 1978 ، وبعد التخفيضات المتوالية للجنية السوداني انهار الإنتاج الصناعي والزراعي وتزايد النشاط الطفيلي الذي دمر الاقتصاد السوداني بتهريب الفائض الاقتصادي للخارج .
- وبعد انقلاب 30 / يونيو / 1989 سادت الرأسمالية الطفيلية الإسلامية على حساب الفئات الرأسمالية الوطنية الأخرى، وتم تدمير الإنتاج الزراعي والصناعي على النحو الذي أوضحناه سابقا.
- وخلاصة القول، أن الرأسمالية السودانية فشلت في قيادة النهضة الصناعية والزراعية.
4 – الدولة السودانية:
بدأ الشكل الحديث للدولة السودانية في فترة الحكم التركي – المصري ( 1821 – 1885 ) ، الذي شهد مولد السودان الحديث بشكله الحالي تقريبا بعد ضم دار فور وسواكن وإقليم التاكا والمديريات الجنوبية الثلاثة ( الاستوائية ، بحر الغزال ، أعالي النيل ) .
وكان جهاز الدولة منذ تشكل وتخلق السودان الحديث جهازا للقمع ، وكان الإنسان السوداني خلال الحقب التاريخية المختلفة للسودان الحديث يصارع ضد القهر والظلم ومن أجل الحرية ويتجلي ذلك في الثورة المهدية ضد الحكم التركي ، وثورة الاستقلال ضد الحكم الإنجليزي ، وبعد الاستقلال كانت ثورة اكتو بر 1964 ضد ديكتاتورية الفريق عبود ، وانتفاضة مارس – إبريل 1985 ضد حكم الرئيس نميري ، ومقاومة الشعب السوداني لنظام الإنقاذ وضغط المجتمع الدولي حتى تم توقيع اتفاقات السلام في 9 / 1 / 2005 ، والتي تشكل خطوة هامة تحو التحول الديمقراطي .
بعد الاستقلال واجهت الدولة الوطنية السودانية التحديات الآتية : - عدم استقرار واستمرارية التجربة الديمقراطية من جراء الانقلابات العسكرية ، ودخل السودان في الحلقة المفرغة : ديمقراطية – ديكتاتورية – ديمقراطية - ... الخ ، وتأثر جهاز الدولة بتلك الانقلابات ، وفقدت الدولة أغلب كادرها المؤهل بسبب التطهير ، وانهارت الخدمة المدنية ، والفشل في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية المنوط بها إحداث النهضة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، وتعزيز الديمقراطية والمؤسسات النيابية والدستورية ، رغم إمكانيات البلاد في القطاع الزراعي والحيواني ، وبعد اكتشاف البترول والمعادن لإحداث نهضة وطنية ديمقراطية عميقة تنتشل البلاد من الظلمات إلى النور ، وإلى آفاق التنمية والوحدة والسلام والتقدم الاجتماعي .
وبعد الإنقاذ رفعت الدولة يدها عن خدمات أساسية مثل التعليم والصحة الذين دخلا دائرة الاستثمار الخاص ، وأصبحت الدولة السودانية في مفترق الطرق ومهددة بالتمزق وتم التدخل الأجنبي ، فإما أن تصبح الدولة السودانية مدنية ديمقراطية تستوعب التنوع الديني والثقافي واللغوي والعرقي أو تتعرض للتشرذم ، كما فشلت تجربة الدولة الدينية في فترة قوانين سبتمبر 1983 ، وفترة الإنقاذ والتي أفرزت حكاما طغوا في البلاد واكثروا فيها الفساد ، استغلوا الدين في السياسة ، وقهروا الناس باسم الإسلام .
على أن الدولة المدنية الديمقراطية ليست وحدها هي الحل السحري والضمان لوحدة السودان ، فلا بد من استكمال ذلك بالتنمية المتوازنة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل أقاليم السودان وتوفير احتياجات المواطنين الأساسية في مستوى المعيشة اللائق والتعليم والصحة ، ..الخ.
5 – مفهوم التهميش والمناطق المهمشة :
التهميش هو نتاج تطور تاريخي ، ولكن تم تعميقه في فترة الحكم التركي وفترة الاستعمار البريطاني والذي خلق تنمية غير متوازنة وعزل المناطق المهمشة بإدخالها في قانون المناطق المقفولة ، وبعد الاستقلال لم تحل قضايا التهميش .
إن الانفجار النوعي الحالي في أطراف البلاد هو نتاج تراكم كمي من المظالم والقهر وإهمال تنمية تلك المناطق، والإحساس بضرورة الحكم الذاتي وتقرير المصير، وإحداث التنمية في ظروف تحول ديمقراطي تشارك فيه جماهير تلك المناطق، واقتسام السلطة والثروة.
على أن مفهوم التهميش اتسع بعد سياسة الإنقاذ التي شردت الآلاف من أعمالهم وانهارت المشاريع الصناعية والزراعية التي أدت إلى الهجرة داخل وخارج البلاد ، وتركزت السلطة والثروة في يد قلة ، وتعمق الفقر والإملاق في البلاد حتى أصبح يشمل 95 % من سكان البلاد ، كما عمقت سياسة الإنقاذ الأحادية التهميش الثقافي واللغوي والديني والاثني ، مما أدى إلى انفجار الحركات المسلحة بشكل اكثر عنفا في الجنوب ، وفي دار فور والشرق ، حتى تم توقيع اتفاق السلام في نيفاشا في 9 / 1 / 2005 ، والذي أكد على ضرورة الاعتراف بالتنوع الثقافي والديني واللغوي والاثني .
كما أصبح مفهوم التهميش يشمل الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والديني واضطهاد المرأة كجنس ... الخ.
إن الصراع ضد التهميش يعني القضاء على كل الاستغلال والاضطهاد والاستبداد والتمييز الجنسي والاثني والديني واقامة ديمقراطية حقيقية بأبعادها الشاملة : الاقتصادية والسياسية والثقافية واحترام الإنسان بوصفه أكرم الكائنات .
6 – المرأة:
تعاظم دورها وثقلها في الحياة العامة وفي النشاط الإنتاجي ، وفي التعليم الجامعي ، وبالتالي لابد من التحقيق الفعلي للمساواة بين المرأة والرجل وتمثيلها حسب ثقلها ووزنها وكفاءتها في المؤسسات التشريعية والتنفيذية للدولة وفي الأحزاب السياسية والنقابات وحماية الأمومة والطفولة ومحو الأمية ، وتجاوز مناهج التعليم التي تكرّس اضطهاد المرأة والاهتمام بالمرأة في الريف والمرأة النازحة وقوانين الأحوال الشخصية التي تكرّس إنسانية المرأة ومساواتها مع الرجال .

7 – ضرورة النهضة الوطنية الديمقراطية :
كما أشرنا سابقا إلى أن التدهور الشامل الذي يعيشه السودان الآن في مختلف الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية نحتاج لمواجهته بنهضة وطنية ديمقراطية، يساعد في ذلك:
أ – على المستوى المحلى : بدأت تستيقظ دوائر واسعة لتجديد الحياة في بلادنا ، فما عادت النهضة الوطنية الديمقراطية تهم الشيوعيين وحدهم ، بل أصبحت تهم قطاعات واسعة من الشعب السوداني على مختلف توجهاتها السياسية والفكرية ، وبالتالي ، فإن هناك حاجة لحوار جاد مع مختلف التيارات السياسية والفكرية الباحثة عن حلول لمشاكل السودان ولمشاكل النهضة الوطنية الديمقراطية دون الوصاية أو الادعاء باحتكار الحقيقة المطلقة . كما أن هناك حاجة لحوار جاد مع مختلف التيارات السياسية والفكرية الباحثة عن حلول لمشاكل السودان ولمشاكل النهضة الوطنية الديمقراطية دون الوصاية أو الادعاء باحتكار الحقيقة المطلقة ، كما أن هناك حاجة إلى تحالف ديمقراطي عريض من أجل انتشال البلاد من التخلف الذي جعل السودان في أخر قائمة الدول الفقيرة .
ب – على المستوى العالمي : أصبحت الشعارات التي كان يرفعها الحزب الشيوعي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي جزءا من المواثيق الدولية مثل التنمية ، القضاء على الفقر ، إلغاء الديون على البلدان الفقيرة ، المساواة التامة بين المرأة والرجل ، الأجر المتساوي للعمل المتساوي ، حماية البيئة ، حماية الأمومة والطفولة ، الحكم الراشد ( الحكم الوطني الديمقراطي ) ، الديمقراطية ، اتساع مفهوم الديمقراطية كحقوق سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ، توفير الاحتياجات الأساسية للناس : التعليم ، العلاج ، المسكن ، الملبس ، . الخ ، حماية حقوق الأقليات وتقرير المصير ، .... الخ. هذا إضافة لنهوض الحركة الجماهيرية في العالم المناهضة للعولمة وضد نهب موارد الدول النامية وإلغاء الديون على الدول الفقيرة وحماية البيئة ، وضد التدخل العسكري في البلدان الأخرى ( العراق ، ... الخ ) وضد الإرهاب والأمراض الفتاكة مثل الإيدز ، ورفع مستويات المعيشة ، وعالم خال من الحروب وأسلحة الدمار الشامل وغير ذلك من الشعارات التي رفعتها الحركة الديمقراطية العالمية بمناسبة اجتماعات الدول الرأسمالية الصناعية الثمانية ( G8 ) في سياتل ، جنوة ، .الخ.
أي أن هناك عوامل مساعدة على المستوين المحلي والعالمي للنهضة والتنمية ، كما نأخذ في الاعتبار أن طرق التنمية متعددة ويتم فيها تفاعل ما بين الأصالة والمعاصرة ، ومن الخطأ تصور نظرية عامة للتنمية أو النهضة تصلح لكل زمان ومكان ، كما أنه لابد من الوضوح حول أسباب التخلف أو الانحطاط ودراسة التبعية في منشئها وجذورها وفي امتداداتها الراهنة ودلالاتها وفي جوانبها الفكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية ، وكما أوضحنا سابقا إن التخلف ليس قدرا لا فكاك منه ، وانما هو نتاج تطور تاريخي . كما أنه عندما نتحدث عن تنمية مستقلة لا يعني ذلك الانعزال عن العالم ، بل يعني ذلك التفاعل مع المعطيات العالمية أخذا وعطاءا .
على أن النهضة الوطنية الديمقراطية هي التعبير الأعم والخلاصة لكل الخطوات التي بدأت منذ فجر الحركة الوطنية الحديثة في بداية العشرينيات من القرن الماضي والتي استهدفت تحريك راكد الحياة في السودان ، والخروج من ظلام القرون الوسطي والبدائية والتخلف إلى أنوار التقدم والنهضة والعمران .
كما أنه في ظروف العولمة الحالية وانفجار ثورة العلم والمعلومات ، تواجهنا تحديات مثل : كيف ننجز النهضة الوطنية الديمقراطية في ظل الثورة العلمية التقنية التي تجتاح العالم الآن ؟ كيف نتوجه إلى الداخل وننجز التنمية المستقلة ؟ كيف نربط التقنية بالبيئة المحلية ؟ كيف نخلق نظام التعليم الفعّال الذي يواكب التقدم العالمي ويتمشي مع احتياجات تطورنا ؟ كيف يتم تفجير طاقات البلاد الكامنة وتحقيق النهضة الوطنية الديمقراطية ؟ وكيف تلحق بركاب العالم المتطور وفقا لاحتياجاتنا الداخلية وخصائص شعبنا الثقافية الحضارية ؟ وغير ذلك من المحاور التي يمكن أن تثير نقاشا مثمرا في هذا الجانب .
8 – الخصوصية:
كما أشرنا سابقا، إلى أن البرنامج يحدد بدقة وإيجاز ما يريد الحزب تحقيقه خلال فترة تاريخية محددة. ولكن قضية البرنامج هي عملية فكرية وتتطلب تعميق وتوسيع معرفتنا بالواقع بهدف التأثير فيه وتغييره ، ويتطلب البرنامج تجاوز الشعارات العامة ، ويتم توضيح وشرح تلك الشعارات الموجزة بدراسات عميقة في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية للواقع السوداني ، نحتاج للرجوع للماضي بهدف فهم الحاضر بشكل أفضل ، وللانطلاق للمستقبل بثقة وثبات . وبالتالي نحتاج لأبحاث عميقة حول مختلف جوانب الواقع السوداني تشمل على سبيل المثال :
• تكوينات أو تشكيلات ما قبل الرأسمالية في السودان ( القديم والوسيط ) ، وما هي خصوصية وسمات تلك التشكيلات ؟ .
• خصوصية تشكيلات السودان الحديث .
هذه الدراسة تساعدنا في معرفة :
• تطور نظام ملكية الأرض في السودان .
• تطور القطاع الزراعي والرعوي.
• تطور التجارة والصناعة الحرفية .
• خصوصية وسمات نظام الرق والإقطاع في السودان.
• أنماط الملكية وخصوصية التفاوت الطبقي في السودان .
• تطور النظام السياسي والاجتماعي في السودان .
• خصوصية وسمات تطور الأديان في السودان.
• خصوصية تطور المرأة السودانية.
• الدولة السودانية: نشأتها وخصائصها.
• خصوصية تطور الثقافة السودانية..... الخ .
أن المعرفة التفصيلية بهذه الجوانب في تكوينات ما قبل الرأسمالية أو الماضي ، تساعدنا على فهم الحاضر بشكل أفضل ، وبالتالي استشراف المستقبل استنادا إلى أرضية صلبة ، أي من معرفة عميقة للواقع السوداني ، تتطور وتتجدد باستمرار .
وبالتالي، إن معرفة الخصوصية تعتبر هامة وضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واستنباط النظام السياسي الديمقراطي الفعّال.
9 – القطاع الزراعي: المصدر الرئيسي للفائض الاقتصادي:
رغم اكتشاف وتصدير البترول والذهب ، يظل القطاع الزراعي في السودان المصدر الرئيسي للفائض الاقتصادي ، وتبقى الإمكانات والقدرات الكامنة التي تنتظر التفجير والتي يمكن تلخيصها في الآتي : -
تقدر الأراضي الصالحة للزراعة في السودان بنحو 120 مليون فدان، المستغل منها الآن 16 مليون فدان، أي حوالي 13 % من المساحة الكلية الصالحة للزراعة ( العرض الاقتصادي 78 / 1979 ). وإذا استطاع السودان استغلال أل 87 % من المساحة المتبقية الصالحة للزراعة ، فإن ذلك سوف يحل مشكلة الغذاء ويخلق الفائض الاقتصادي اللازم للتنمية ، وهذا يحتاج إلى جهد ومبالغ ضخمة من النقد الأجنبي ، ويحتاج إلى تخصيص عائد معتبر من البترول ، ويحتاج إلى إقامة مشاريع الري التي تسهم في علاج النقص في المياه التي تعاني منها بعض الأراضي الزراعية ، كما تحتاج لطاقة بترولية وكهربائية وبنيات أساسية .. الخ . وفوق ذلك تحتاج إلى السلطة الوطنية الديمقراطية التي تقود تلك العملية بكفاءة وبخطة واقعية وممكنة التنفيذ .
كما توجد في السودان ثروة غابية وحيوانية وسمكية ، هذا إضافة لثروة البلاد من الحيوانات الوحشية والعائد الكبير الذي يمكن أن يأتي من قطاع السياحة .
وبالتالي، سيظل القطاع الزراعي في السودان هو المصدر الأساسي للفائض الاقتصادي اللازم للتنمية.


المصادر والمراجع:
أولا: الوثائق:
1 – برنامج الحركة السودانية للتحرر الوطني ( 1947 ) .
2 – برنامج الجبهة المعادية للاستعمار ( 1954 ) .
3 - برنامج الجبهة المعادية للاستعمار ( 1957) .
4 - برنامج سبيل السودان لتعزيز الديمقراطية والاستقلال والسلم ، المؤتمر الثالث ، فبراير 1956
5 - مشروع برنامج الحزب الاشتراكي ( 1966 ) .
6 – برنامج الحزب الشيوعي السوداني، المؤتمر الرابع، اكتو بر 1967.
7 – حول البرنامج ، عبد الخالق محجوب ، 1971 .
8 – دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ً جبهة للديمقراطية وإنقاذ الوطن ً ، أغسطس 1977 .
9 – برنامج الحزب الانتخابي ، 1986 .
10 – مبادئ موجهه لتجديد البرنامج، محمد إبراهيم نقد، ديسمبر 1997.
11 – وثيقة المؤتمر التداولي لكادر الحزب الشيوعي السوداني ، أغسطس 1970 .
12 – عبد الخالق محجوب: حول المؤسسات المؤممة والمصادرة، أخبار الأسبوع ، يوليو 1970 .
13 – بيان الحزب الشيوعي السوداني حول الاتحاد الثلاثي، نوفمبر 1970.
14 – الماركسية وقضايا الثورة السودانية، دار الوسيلة، الخرطوم 1987.
15 – مشروع الجزيرة : مشاكله وأفاق تطوره ، دار الفكر الاشتراكي ، 1968 .
16 – الإصلاح الزراعي في مشروع الجزيرة، مجلة الشيوعي 145.
17 – أزمة مشروع الجزيرة، دار الوسيلة، الخرطوم 1988.
18 – مقترحات حول الهيكل الراتبي ، دار الوسيلة 1989 .
19 – دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، أغسطس 2001.
ثانيا : كتب ومجلات وصحف :
20 – تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان ، ترجمة محمد على جادين والفاتح التجاني ، 1990 .
21 – تاج السر عثمان :
- ملامح من تاريخ سلطنة دار فور الاجتماعي، دار عزة 2001.
- تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي، دار عزة 2003.
- لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير ، 2004 .
- نشأة وتطور الرأسمالية السودانية، صحيفة الرأي الأخر من 30 / 5 / 1999 حتى 21 / 6 / 1999 ( 8 حلقات ).
- الدولة السودانية: النشأة والخصائص،الدار العالمية ، 2007 م .
- الجذور التاريخية للتهميش في السودان ، مكتبة الشريف الأكاديمية 2006
- خصوصية تطور المرأة السودانية،دار عزة 2007 .
- النفط والصراع السياسي في السودان ، مكتبة الشريف الاكاديمية ، 2006 ، بالاشتراك مع عادل احمد ابراهيم .
-خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الدار العالمية 2006.
22 – عبد الخالق محجوب :
- لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، دار الفكر الاشتراكي 1965 .
- طريقان للتنمية، دار الفكر الاشتراكي 1968.
23 – عبد الغفار محمد أحمد :
- الانثربولوجيا الاقتصادية وقضايا التنمية في السودان ، دار جامعة الخرطوم 1975 .
- السودان الوحدة في التنوع، برلين الغربية 1987 .
- تنمية واستقرار الرحل، مجموعة مقالات، جمع وإعداد.
24 – عبد الله على إبراهيم : الماركسية ومسألة اللغة في السودان ، دار عزة 2000 .
25 – صدقي عوض كبلو : مقدمة لدراسة التطور الرأسمالي في السودان ، مجلس الأبحاث الاقتصادية ، 15 / 4 / 1984 .
26 – كمال الجز ولي: الشيوعيون السودانيون والديمقراطية، دار عزة 2003.
27 - محمد إبراهيم نقد :
- علاقات الأرض في السودان ، دار عزة 2001 .
- علاقات الرق في المجتمع السوداني ، 1997 .
28 – محمد سعيد القدال :
- تاريخ السودان الحديث ، 1993 .
- معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، 1999 .
- الإسلام والسياسة في السودان ، 1992 .
29 – محمد سليمان: حروب الموارد والهوّية، 2000.

















تاج السر عثمان الحاج.
اللقب: السر بابو.
• تخرج في جامعة الخرطوم، ابريل 1978.
• باحث ومهتم بتاريخ السودان الاجتماعي .
• صدر له :
1 – تاريخ النوبة الاقتصادي – الاجتماعي، دار عزة 2003.
2 –لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مركز محمد عمر بشير 2004 3 – تاريخ سلطنة دار فور الاجتماعي ، مكتبة الشريف 2005 .
4 – النفط والصراع السياسي في السودان بالاشتراك مع عادل احمد إبراهيم ، مكتبة الشريف ، 2005 .
5 – خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية، الشركة العالمية 2006.
6 – الجذور التاريخية للتهميش في السودان ، مكتبة الشريف ، 2006 .
7 – التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي ، مركز محمد عمر بشير ، 2006 .
8 – تطور المرأة السودانية وخصوصيتها ، دار عزة 2006 .
9 – الدولة السودانية : النشأة والخصائص ، الشركة العالمية ، 2007 م .
10- تقويم نقدي لتجربة الحزب الشيوعي السوداني(1946- 1989م)، دار عزة، 2008م.
• تحت الطبع:
1 – دراسات في التاريخ الاجتماعي للمهدية
2 – أوراق في تجديد الماركسية.
3- الرأسمالية السودانية: النشأة والتطور.

• كاتب صحفي وله عدة دراسات ومقالات منشورة في الصحف السودانية ومشارك في العديد من السمنارات وورش العمل .
• عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني .
• متزوج وأب لطفل.