كيف كانت أشكال المعارضة للمهدية (2 /3)


تاج السر عثمان
الحوار المتمدن - العدد: 7876 - 2024 / 2 / 3 - 22:13
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية     

ثالثا : المعارضة الداخلية ( الصراع على السلطة) :
المقصود بالمعارضة الداخلية هو الصراع بين قيادات الثورة المهدية من أجل السلطة أو صراع تيار ضد آخر، فالثورة المهدية ضمت أنصارا من أصول اجتماعية وطبقية وقبلية وفكرية متنوعة ومتباينة، وهذا التنوع والتفاوت والتباين كان له انعكاسه في الصراع داخل طائفة الأنصار أو حزب السلطة، كما كان له انعكاسه في الصراع من أجل السلطة .
معلوم أن الصراع شئ طبيعي ومحرك للتطور، وليس غريبا، وتتباين أساليب إدارته، فمنها العنيفة والقمع الوحشي للمخالفين وإبعادهم أو قتلهم أو سجنهم، ومنها أساليب الإغراء، وعلى طريقة "سيف المعز وذهبه"، ومنها أساليب الإقناع والحوار في إدارة الصراع . وفي إطار هذا الصراع نعلم أن الخليفة عبد الله اختار أسلوب القمع للمعارضين له، فقد كان الصراع بينه وبين الأشراف صراعا من اجل السلطة ومراكز النفوذ في قيادة الثورة المهدية، وهذا شئ لم تنفرد به المهدية، وإنما شهدته معظم الثورات الاجتماعية التي جاءت بعدها، والتي كانت مماثلة أو مختلفة عن الثورة المهدية .
لفهم طبيعة هذا الصراع يجدر بنا أن نحدد الأصول الاجتماعية والدينية والطبقية والقبلية التي انحدر منها ابرز قيادات الثورة المهدية التي دار بينها الصراع أو قادت الصراع الداخلي في المهدية. وسوف نعتمد في سيرة هذه الشخصيات على المعلومات التي قدمها د. ابوسليم في مؤلفه الحركة الفكرية في المهدية 1970، وموسوعة ريتشارد هل : أكسفورد 1951 .
1 – الياس باشا أم برير: تاجر ثرى من تجار الأبيض، انضم إلى المهدية بعد خلافاته مع منافسه احمد دفع الله، وبعد أن أعفته الحكومة من منصب مدير شكا، مال إلى جانب المهدي وقدم له خدمات كبيرة، وهو من قبيلة الجعليين، سُجن في عهد الخليفة بتهمة الاتصال بالحكومة المصرية ومات في سجنه في سنة 1898 م. 2 – المنا إسماعيل : من أعيان الجوامعة، اتصل به المهدي منذ زيارته لكردفان، وقد انضم إلى المهدية في أيامها الأولى، وفتح مركز التباره ، ولعب دورا خطيرا في وقائع كثيرة وفي حصار بارا، كان جيشه عظيما، بعد فتح الأبيض وقع خلاف بينه وبين المهدي حول منصب خلافة عثمان التي طالب بها المهدي وحول منافسته مع الخليفة عبد الله، وعلى الاثر خرج المنا بجيشه وعسكر بقرية دار الجوامعة، رفعه المهدي عن الإمارة، ولم يقبل المنا ذلك، فأرسل جيشا للقبض عليه وقد تم ذلك وسيق المنا مع بعض معاونيه إلى القيادة حيث جرى إعدامهم، وكان ذلك في جماد آخر سنة 1300 ه / مايو 1883 م .
3 – المك آدم عمر: مك جبال تقلى ، كان أبوه عمر مكا لتقلى عند وفاته خلفه أخوه ناصر الذي كان رهيبا، وقد أخذ آدم الملك عنه عنوة بتأييد الناس، وكانت علاقته بالإدارة المصرية علاقة جافة إذ لم يدفع الجزية، دخل المهدي دياره إثناء هجرته إلى قدير، وحماه من هجوم محمد سعيد ولكنه اعترض على التبعية له ثم أذعن له وعيّن أميرا، هاجر إلى المهدي في سنة 1884 بعد واقعة هكس بناءً على طلبه وصحب جيش المهدي في طريقه إلى الخرطوم ، وهو مرغم ، وقد توفى في شيشه في أواخر سنة 1884 م، اخلص ابنه عمر للمهدية واحتل مكانا مرموقا في عهد الخليفة عبد الله.
4 – على ود حلو: خليفة الراية الخضراء، وهو من قبيلة دغيم، اتصل بالمهدي قبل المهدية ثم انضم إليه وتنخرط في سلك الدعوة عند بدايتها، وكان تحت لوائه دغيم وكنانه والحسنات والعمارنه واشتهر من جماعته أخوه موسى الحلو الذي استشهد مع الخليفة وجماعة آخرين من المشاهير في واقعة أم دبيكرات في سنة 1899 م .
5 – محمد شريف: خليفة الراية الحمراء وابن عم المهدي، اشترك في حركة المهدية منذ أوائلها وهو صغير السن وعُين خليفة للرآية الحمراء ، وهى رآية أبناء النيل، ثم صار خليفة الكرار في المرتبة الدينية ، اختلف مع الخليفة عبد الله بعد وفاة المهدي ووقع ما يعرف بفتنة الإشراف الأولى والثانية فسجنه الخليفة وصفى نفوذه وقتل معظم أعوانه الكبار، ظل في سجنه حتى احتل الجيش المصري بقيادة كتشنر دنقلا، سلم للجيش الفاتح في نوفمبر 1898 ومعه بعض أبناء المهدي وأقام في الشكابة ، قُتل غدرا هو وبعض أبناء المهدي في سنة 1899 م
6 – أحمد سليمان : صديق المهدي وأمين بيت المال، وهو من قبيلة المحس، ومن أوائل أنصار المهدي، وكان من المعارضين للخليفة عبد الله، تولى أمانة بيت المال في قدير وظل يحتلها حتى وفاة المهدي حيث رفعه الخليفة عبد الله لاشتراكه في فتنة الإشراف، وكان على رأس هذه الفتنة، قُتل في فشودة على يد الزاكى طمل بعد أن أرسل أليه محبوسا، وكان ذلك في 1889 م .
7 – احمد ود محمد جبارة: جاءت أسرته مع جيش إسماعيل واستقرت به، وقد كان ممن انضم إلى المهدي في أوائل الدعوة وعُين قاضيا للإسلام في قدير وظل في هذا المنصب إلى أن استشهد في واقعة الأبيض الأولى في 24 شوال سنة 1299 ه 8 / سبتمبر / 1882 م ..
8 – محمد خالد زقل : ابن عم المهدي ومن كبار قادة عهده، بدأ حياته تاجرا ثم صار موظفا في دارفور ، عين مديرا لشكا في 1879 م، وعاون في القضاء على سليمان الزبير، وعند قيام الثورة المهدية مال إليها، ثم وفد إلى المهدي واستقر إلى جانبه، ، وعُين أميرا على عموم دارفور وأرسل على رأس قوة احتلت دارفور دون صعوبة وسلّم له سلاطين باشا، استدعاه الخليفة اثر فتنة الأشراف وصفى قوته في بارا ثم سجنه مدة في امدرمان، أفرج عنه وأُرسل في وفد للنظر في النزاع بين عثمان دقنه وأبى قرجه ، فاقام بالشرق مدة ونظّم الإدارة فيه ثم أرسل عاملا على دنقلا، إلا أن مقامه بها لم يطل إذ استدعى إلى امدرمان اثر فتنة الأشراف الثانية في سنة 1889 م، ونُفى إلى الرجاف حيث ظل مسجونا حتى أطلق سراحه البلجيكيون في سنة 1897 م فذهب إلى دارفور وقام بها إلى أن قتله على دينار في سنة 1903 م .
9 – كرم الله محمد كركساوى: أصله دنقلاوى ، ذهب إلى بحر الغزال للتجارة، ثم انضم إلى المهدي وهاجر إليه ثم عاد إلى بحر الغزال أميرا عاما عليها من قبل المهدي وكانت المديرية تعانى من الثورات التي قام بها أنصار المهدي وخلفاؤه وهى تشبه حرب العصابات فسهل ذلك مهمة كرم الله الذي دخل المدينة في سنة 1884 م دون قتال وسلم له لبتن بك الذي أُرغم على التسليم . اعد كرم الله العدة لاحتلال الاستوائية إلا أن وفاة المهدي وثورة الرزيقات اضطرته إلى إخلاء بحر الغزال، وقمع ثورة الرزيقات ثم دخل في صراع مع الأمير يوسف إبراهيم الذي كان عاملا على دارفور منذ غادرها زقل أفل نجمه بعد ذلك اثر سياسة التخلص من الدناقلة، اشترك في واقعة فركه ( 1896 م ) وجُرح فيها وبعد سقوط المهدية ذهب إلى دارفور وأقام بها إلى أن قتله على دينار في سنة 1903 م .
10 – محمد الخير عبد الله خوجلي: أستاذ المهدي وأمير أمرائه، واصله جعلي ، كانت عنده خلوة مشهورة في الغبش وتتلمذ عليه فيها بعض مشاهير المهدية ومنهم المهدي نفسه، وقد سعى المهدي بعد فتح الأبيض فعين أميرا على بربر وعدّل اسمه من محمد الضكير إلى محمد الخير فعُرف به بعد ذلك، حاصر بربر سنة 1884 م واستلمها في سنة 1885 م، اشترك في مقاومة حملة إنقاذ غوردون الانجليزية ثم طاردها عند انسحابها حتى استولى على دنقلا . وأصبح عاملا على دنقلا وبعد انكسار قوات محمد الخير في واقعة جسي في 20 / ديسمبر / 1885 م، عزله الخليفة من عمالة دنقلا وتولى الأمير ود النجومى عمالة دنقلا، ثم عاد الخليفة فعزل محمد الخير عن عمالة بربر واحل محله يونس الدكيم وهو من أبناء غرب السودان، وكانت تربطه بالخليفة صلة عائلية، توفي محمد الخير في سنة 1888 ( عزام : 81 ، وفي رواية ابوسليم ورد أن محمد الخير ظل عاملا على بربر حتى وفاته في سنة 1888 م ) .
11 – عثمان دقنه : هو عثمان بن أبي بكر دقنه يقول شقير ( انه من قبيلة الدقناى ) أصله من البجا ولد في سنة 1840 وعمل في مقتبل عمره بالتجارة، وقد قبضت عليه السفن البريطانية وسلمته إلى السلطات المصرية فسُجن وضاعت تجارته، وقد ظل يحمل ضغينة ذلك في نفسه، وعند قيام الثورة العرابية عطف عليها وحاول نصرتها وأُجبر على مغادرة سواكن إلى بربر ولما قامت الثورة المهدية هاجر إلي المهدي وأخذ عنه البيعة في الأبيض وعُين أميرا على شرق السودان وبتحالف مع المجاذيب استنفر البجا وهاجم النقط الحكومية وقضي عليها ماعدا سواكن، وفي سنة 1891 خسر عثمان طوكر التي استولى عليها قولد اسميث وعندما تقدم الجيش المصري أضيف عثمان إلى قيادة محمود ودا حمد واشترك في واقعة كرري وواقعة ام دبيكرات ، وقد فرّ بعد الأخيرة قاصدا الحجاز إلا أنه وقع في الأسر في سنة 1900 م ونفى إلى حلفا، أدى فريضة الحج وتوفي في سنة 1926 .
12 – محمد عثمان ابوقرجة: أصله من دناقلة القطينة، بدأ حياته تاجرا وعمل في شركة العقاد ومع الزبير باشا وإدريس ابتر . انخرط في سلك المهدية منذ أوائل المهدية وقاد القوة التي كانت تناوش هكس، ثم اشترك في واقعة شيكان . لقب بأمير البحرين، وأُرسل لمحاصرة الخرطوم فسلم له صالح المك، ثم حاصر الخرطوم حتى جاءه النجومى وظل مشتركا في الحصار حتى سقطت المدينة، كلف بجمع زكوات الشكرية ثم أُرسل إلى شرق السودان، وهناك حصلت منازعات بينه وبين عثمان دقنه وصار مسئولا عن الإدارة بينما صار عثمان مسئولا عن الجيش ثم أُرسل مسجونا إلى الرجاف حيث بقى حتى فك إساره البلجيكيون، ومن ثم ذهب إلى دارفور وأقام بها مدة ثم عاد إلى أم غنيم وأصبح عمدة بامدرمان في سنة 1916 م.
13 – عبد الرحمن النجومى : أمير أمراء الراية الحمراء، ومن أوائل المنتسبين إلى المهدي ، لعب دورا خطيرا في وقائع كرد فان ثم قاد الحملة على جبل الدائر، ثم أُرسل قائدا على المحاصرين لمدينة الخرطوم، فظل محاصرا لها حتى فتحت على يديه، وبعد الفتح ذهب إلى بربر ليتولى قيادة القوات المطاردة للحملة الانجليزية، ثم استدعى للاشتراك في محاصرة سنار، ألا أن المدينة سقطت قبل أن يشترك في وقائعها، عاد بعدها إلى الجبهة الشمالية ليهزم في واقعة جنس،تولى قيادة القوات في دنقلا، إلا أن القيادة لم تكن مريحة نسبة إلى المعاكسات إلى تعرض لها من قبل مساعد قيدوم ثم يونس الدكيم، تولى قيادة القوات التي أعدت لفتح مصر وسار بها حتى استشهد في واقعة توشكي في أغسطس 1889 م .
14 – عبد الله النور: أصله من العركيين ومن أوائل أمراء المهدية ، اشترك في وقائع المهدية الأولي واشترك في حصارها ، قتل قرب بوابة برى في أواخر أيام الحصار 1885 م فحزن الأنصار لمقتله، له أخ يدعى مكين النور ، وهو من الأمراء الذين اشتركوا في حملة النجومي ومات متأثرا بجروحه.
15 – حمدان ابوعنجه: أمير الأمراء ، ولد حوالي 1835 م واشترك في حروبات الزبير والرزيقات، انضم إلى حركة المهدي في وقت مبكر وخدم تحت الراية الزرقاء، صار قائدا للجهادية بعد سقوط الأبيض ولعب دورا خطيرا في القضاء على هكس وقواته، اشترك في حرب الداير وتولى القيادة المباشرة في معركة امدرمان، أُرسل بعد فتح الخرطوم عاملا على جبال النوبة، فقضى على الخارجين، قابل محمد خالد زقل في بارا بناءً على أمر الخليفة وصفى قيادته وأرسله مسجونا إلى الخليفة، تولى قيادة الجبهة الشرقية في القلابات وغزا الحبشة في سنة 1887 م، ودخل مدينة غندار وغنمها ، توفى سنة 1888 م وخلفه في القيادة الزاكى طمل . ويضيف د .شبيكة إلى ترجمة أبى سليم أعلاه : أن حمدان ابوعنجه خدم في جيش ابنه سليمان ولم يسلم مع سليمان ولافر مع رابح، بل بقى في دار التعايشه فقبض عليه محمد خالد زقل مدير داره في ذلك الحين وزجه في السجن، ثم خرج من السجن وبقى في دار التعايشه وعلم المهدي بسالته وتعوده على إدارة الأسلحة النارية فجعله أميرا على الجهادية كما تقدم ( ابوسليم : 29 ، ود . شبيكه : السودان والثورة المهدية : 131 ) .
16 – المدثر إبراهيم الحجاز : كاتب المهدي وأمين سر الخليفة وأصله جعلي، ولد سنة 1855 م، ذهب إلى الحجاز صغيرا ثم عاد إلى السودان بعد قيام المهدية، كتب للمهدي ثم للخليفة وصار حامل ختم الخليفة بعد مقتل فوزي بادي، أرسله الخليفة في مهمة سرية إلى حمدان ابوعنجه إثناء فتنة الإشراف الأولى ، فاشترك معه في تصفية قوة محمد خالد زقل في بارا وإرساله مسجونا إلى أم درمان، سلم للجيش الفاتح الأوراق التي عنده ثاني يوم واقعة كرري، لعب دورا خطيرا في ثورة الشريف حسين في مكة ضد تركيا في سنة 1916 ، توفى في بربر سنة 1937 م .
17 – الزاكى طمل: أمير الأمراء، من مواليد التعايشه والمنضله، قاد الأنصار في دارفور ثم اشترك في وقائع الحبشة تحت قيادة أبى عنجه، وبعد وفاة حمدان عُين بدله أميرا على أمراء القلابات، قاد قواته بعد ذلك بقليل في معركة القلابات وانتصر على الأحباش وقتل الملك يوحنا إمبراطور الحبشة رغم تفوقهم في القوات والسلاح، انشغل بعد ذلك بمحاربة الشلك ثم وشى به الوشاة فقُبض عليه ومات جوعا وعطشا في سنة 1892 م ..
18 – إبراهيم عدلان: من قبيلة الكواهله، بدأ حياته تاجرا في الأبيض ثم في مدني، خلف أحمد سليمان في أمانة بيت المال في 1889 م ونظم إدارتها ورتبها في أقسام مختلفة واقنع الخليفة بإعادة التجارة مع مصر ، اعدم شنقا في 1891 م اثر منافسة بينه وبين يعقوب وفي ظروف الجو الذي ترتب على مجئ البقارة ، خلفه النور إبراهيم الجريفاوى ..
19 – الأمير يعقوب بن محمد : اخو الخليفة عبد الله وأمير أمراء الراية الزرقاء وساعد الخليفة الأيمن ، ولد في سنة 1855 م وانضم إلى المهدي بينما كان في طريقه إلى قدير سنة 1881 م ، اشترك في معظم الوقائع الكبيرة في كردفان وتولى قيادة الهجوم على امدرمان وبعد وفاة المهدي تولى القيادة العامة للجيش بالإضافة إلي قيادة الراية الزرقاء، ولكنه لُقب أمير جيش المهدية رسميا ، كما انه أصبح الرجل الثاني في نظام الخليفة وقد لعب دورا خطيرا في حوادث التصفيات الداخلية لأنه كان شخصا متوجسا، وُصف بالمقدرة الفائقة والكفاءة، نازعه السلطان في أواخر أيام المهدية عثمان شيخ الدين الابن البكر للخليفة عبد الله وقائد الملازمين، قتل في واقعة كرري في 2 / سبتمبر / 1898 م .
20 – احمد على قاضى الإسلام: تولى القضاء في الإدارة المصرية في إقليم دارفور، ثم تخلى عن وظيفته ولحق بالمهدي في سنة 1882 م، تولى منصب قاضي الإسلام بعد مقتل أحمد ودجبارة في واقعة الأبيض، لعب دورا رئيسيا في فتنة الإشراف وفي مقتل الزاكى طمل، حقد عليه الخليفة بوشاية من يعقوب وسجنه ثم مات بعد القبض عليه بأيام، وكانت وفاته في سنة 1892 م.
21 – ونكمل الصورة بالإمام محمد احمد المهدي ، وهو معروف من الدناقلة ، وينحدر من أسرة اشتهرت بصناعة المراكب ، وتلقى تعليما عاليا وثقافة دينية واسعة بمقاييس ذلك العصر. والمهدي هو خليفة رسول الله ومصدر التشريع والقائد الديني والدنيوي، ثم خلفه الخليفة عبد الله التعايشى، وهو من قبيلة التعايشه، ثقافته الدينية محدودة ، وهو خليفة الصديق وأمير الراية الزرقاء التي تمتلك الأسلحة النارية المتقدمة، وبالتالي فهي قوة ضارية وحاسمة في الجيش ، كما أن الخليفة عبد الله كان يمتلك قدرات تنظيمية وتنفيذية عاليه ، وأن المهدي كان يكلفه بتنفيذ أو مراقبة تنفيذها سواء كانت تلك الأوامر ذات صفة عامة أو خاصة ( فيفان أمينه ناجى : شخصية الخليفة عبد الله ، مجلة الدراسات السودانية ، اكتو بر 1988 ) . كما أن المهدي كان قد أصدر خطابا في يوم الجمعة 17 / ربيع أول 1300 ه عن الخليفة عبد الله ونهى عن الطعن أو الكلام في الخليفة عبد الله، جاء في ذلك المنشور ( وأعلموا أن جميع أفعاله – عبد الله – وأحكامه محمولة على الصواب لأنه أوتى الحكمة وفصل الخطاب ولو كان حكمه على قتل نفس منكم أو سلب أموالكم فلا تتعرضوا عليه فقد حكمه الله فيكم بذلك ليطهركم ويزكيكم من خبائث الدنيا لتصفى قلوبكم وتقبلوا إلى ربكم ومن تكلم في حقه ولو بالكلام النفسي جزما فقد خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ويخشى عليه من الموت على سوء الخاتمة والعياذ بالله لأنه خليفة الصديق ( انظر نص المنشور في د . شبيكة : السودان والثورة المهدية ، 168 – 170 ) .
وربط شقير بين إصدار هذا المنشور بشأن الخليفة عبد الله ومكانته في جهاز المهدية وبين منافسات بين الخليفة عبد الله وودعجيل ود الجنقاوية والمنا إسماعيل حيث قال ( وأمر المهدي بعد فتح الأبيض بقتل اثنين من أعظم أنصاره وهما المنا إسماعيل المار ذكره وعجيل ود الجنقاويه من كبار مشايخ الرزيقات لمنافسة حصلت بينهما وبين ألتعايشي فساء قتلهما جميع الناس وكثر الطعن على التعايشى وقومه سرا وجهرا، وكان التعايشى وزير المهدي وقائد جيشه وعينه سرا وخوفا من حصول الفشل في أنصاره أصدر منشوره الشهير بتاريخ 17 / ربيع أول سنة 1300 ه ، 26 / يناير سنة 1883 م ) ، ولكن مكي شبيكه يرى أن هذا المنشور عندما صدر كان المنا ما زال حيا يرزق أكثر من شهرين بعد صدور المنشور ( شبيكه : المرجع السابق ، ص 170 – 171 ) .
للمزيد من التفاصيل راجع: تاج السر عثمان الحاج، دراسات في التاريخ الاجتماعي للمهدية، مركز عبد الكريم ميرغني 2010).
نواصل