على هامش الهجمة الشرسة في حق الرفيق علي بوطوالة: ما هو مشكل اليسار واليساريين...؟


محمد الحنفي
الحوار المتمدن - العدد: 5993 - 2018 / 9 / 13 - 22:31
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

إن مشكل اليساريين، مهما كانوا، وأينما كانوا، وأنى كانت قناعاتهم اليسارية، هو أنهم:

1) يخلطون بين اليسار، والإلحاد، أو بين اليسار، والكفر، كما يخلط مؤدلجو الدين الإسلامي، بين الدين الإسلامي، وأدلجة الدين الإسلامي، وبين العلمانية، والكفر.

2) يعتبرون الدين الإسلامي، وأدلجة الدين الإسلامي، شيئا واحدا، لا فرق بينهما.

والواقع أن:

1) اليسار اقتناع بأيديولوجية معينة، وبفكر علمي معين، وبخطة نضالية، تمكن اليسار، في حالة تفعيلها، من انتزاع مكاسب معينة، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.

2) أن الدين الإسلامي معتقد، كباقي المعتقدات، التي يمكن أن يؤمن بأحدها، أي فرد من أفراد المجتمع، حتى وإن كان يساريا، لأن اليساري، ليس بالضرورة، لا دينيا، ويمكن أن يكون اليميني المتطرف، لا دينيا، مادام الإيمان بمعتقد معين، شأنا فرديا، وما دام من حق كل فرد في المجتمع، أن يؤمن بدين معين، أولا يؤمن بأي دين.

3) أن أدلجة الدين الإسلامي، توظيف للدين الإسلامي: أيديولوجيا، وسياسيا. وهذا التوظيف، هو الذي أنتج لنا أحزابا تسمي نفسها: (إسلامية)، على أساس تلك الأدلجة، من أجل تصريف المواقف السياسية، المنسجمة معها.

4) أن العلمانية، هي فصل بين كل المعتقدات، ومنها الدين الإسلامي، التي لها مجالاتها، وطقوسها المختلفة، وبين السياسة، التي لها مجالها، أو مجالاتها المختلفة، أيضا، حتى تبقى المعتقدات بعيدة عن التلوث بالسياسة، من أجل أن يبقى تلوث السياسة، خاصا بالسياسة، التي يمارسها رجال السياسة في إطار الدولة، أو في إطار الأحزاب السياسية، حتى يحاسب السياسيون، أمام أجهزة الدولة، أو أمام أجهزة الأحزاب الخاصة بذلك.

5) أن اليساري، عندما يؤمن بمعتقد معين، لا حق لأي يساري، كيفما كان، ومهما كان شأنه، أن يحشر نفسه في ذلك.

6) أن الإيمان بمعتقد معين، والالتزام بأداء طقوس ذلك المعتقد، شأن فردي، لا يحشر أحد أنفه فيه.

7) أن الرفيق علي بوطوالة، لم يطرح قط إيمانه، أو عدم إيمانه بالدين الإسلامي، للنقاش، مما يعني، أنه كان، ولا زال يدرك جيدا، أن إيمانه، أو كفره بالدين الإسلامي، يهمه وحده، ولا يهم أي يساري، حتى وإن كان هذا اليساري حزبيا.

8) أن الرفيق علي بوطوالة، واضح، وأن هذا الوضوح صار من مستلزمات حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، فكرا، وممارسة.

9) أن كون الرفيق علي بوطوالة، قائدا لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، لا يحول دون إيمانه بالدين الإسلامي، ودون التزامه بالشعائر التي يستلزمها هذا الإيمان، ما دام ذهابه، وإيابه من الحج، على حسابه الخاص، وليس ريعا مخزنيا، أو من ميزانية الحزب.

10) أن ذهابه لأداء شعيرة الحج، صحبة زوجته، واجب أسري، تقتضيه عشرة العمر، كما يقتضيه الوفاء المتبادل بينهما.

وكيفما كان الأمر، فإن الرفيق علي بوطوالة، القائد الطليعي، كان، وسيبقى اشتراكيا علميا، يفعل قوانين الاشتراكية العلمية، أفضل من أي يساري، مهما كانت مكانته في زمن الادعاء، وبدون منازع، كبقية مناضلي حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والاشتراكيين العلميين، في أي مكان من العالم.

ومع الاقتناع بالاشتراكية العلمية، فإن لكل فرد إيمانه، الذي لا حق لأحد في أن يتدخل فيه، إن كنا نحترم، كيساريين، حقوق الإنسان. وإلا، فإن تنميط اليسار، واليساريين، يفصله عن المجتمع، ويجعله منعزلا داخل دائرة الكفر، أو الإلحاد، يكفي فيه أن يوصف باليسار، حتى يتجنب أفراد المجتمع التعامل معه، مع أنه يحرص على تقدم المجتمع، وتطوره، كما يحرص على سعادته، من خلال الحرص على تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

يا ايها اليسار.

يا أيها اليساريون.

يا من يحسبون أنفسهم من اليسار.

فكفانا هرطقة، وكفانا مزايدة على حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، حزب الشهيد المهدي بنبركة، والشهيد عمر بنجلون، والفقيد أحمد بنجلون، والرفيق المناضل العظيم: عبد الرحمن بنعمرو، الذي يقتنع جميع مناضليه بالاشتراكية العلمية، كمنطلق لبناء أيديولوجية الحزب، باعتباره حزبا للطبقة العاملة.

إن العلمية في ممارسة اليسار، واليساريين، تقتضي أن نميز بين:

1) الدين الإسلامي كمعتقد، يشيع في المجتمع المغربي، الذي نعيش فيه، ويحق لأي فرد في المجتمع، أن يؤمن به، حتى وإن كان اشتراكيا علميا، باعتبار ذلك الإيمان شأنا فرديا، لا دخل لأي كان فيه.

2) وأدلجة الدين الإسلامي، باعتبارها إطارا للتوظيف الأيديولوجي، والسياسي، للدين الإسلامي، لتحقيق أهداف منحطة، لا علاقة لها بحقيقة الدين الإسلامي، الذي قد يكون مؤدلجوه غير مؤمنين بالدين الإسلامي. وهؤلاء هم الذين سماهم القرءان ب: (الأعراب) في قوله تعالى: (الأعراب أشد كفرا، ونفاقا، وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله)، وهم الذين جاء فيهم أيضا قوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).

وانطلاقا من ضرورة تمييز اليسار، واليساريين، بين المستويين، عليهم، كذلك، أن يعتبروا:

1) أن الإيمان بالدين الإسلامي، أو عدم الإيمان به، شأن فردي، لا دخل لأحد فيه، مهما كان، ومهما ادعى وصايته على الدين الإسلامي، الذي لا وجود فيه لشيء اسمه: الوصاية على الدين الإسلامي.

2) أن من واجب اليسار، واليساريين، أن يتصدوا لأدلجة الدين الإسلامي، باعتبارها تحريفا للدين الإسلامي، واستغلالا أيديولوجيا، وسياسيا له، في أفق تحقيق أهداف منحطة، تتمثل في تأبيد الاستبداد القائم، أو العمل على فرض استبداد بديل.

3) أن على اليسار، أن يناضل من أجل الوقوف ضد تأسيس أحزاب سياسية، على أساس أدلجة الدين الإسلامي، ليصير استغلالا له، باسم الحزب، أو الأحزاب التي تسمي نفسها (إسلامية).

4) أن على اليسار أن يطالب ب:

ا ـ تحويل درس التربية الإسلامية، إلى دروس للأخلاق، في جميع المستويات التعليمية، سواء تعلق الأمر بالتعليم العام، أو التعليم الخاص، والتربية على المثل العليا، والقيم الرفيعة، مهما كان مصدرها، بما في ذلك: الدين الإسلامي.

ب ـ تجريم استغلال الدين الإسلامي أيديولوجيا، وسياسيا، مهما كانت الجهة التي تقوم بذلك الاستغلال، حتى وإن كانت هي الدولة نفسها.

ج ـ العمل على إنشاء مؤسسات للدراسات الدينية، والإسلامية، إلى جانب الساجد الكبرى، وخاصة منها: التاريخية، يختار للتدريس فيها المدرسون الشرفاء، الذين لا علاقة لهم بأدلجة الدين الإسلامي، ولم يسبق لهم أن انتموا إلى حزب، أو توجه مؤدلج للدين الإسلامي، على أساس: أن يتم التركيز في التدريس، على منظومة القيم الدينية، التي لا علاقة لها بقيم أدلجة الدين الإسلامي، وتحت إشراف (أهل الذكر)، كما سماهم القرءان، الذين لا يمكن أن يعتبروا علماء أبدا.

د ـ تكريس فصل الدين عن السياسة، وفصل المؤسسة الدينية: (المسجد، والمرافق التابعة له، بما في ذلك مؤسسة الدراسات الدينية، والإسلامية، في مستوياتها، وتخصصاتها المختلفة)، عن المدرسة، والجامعة، في مستوياتهما، وتخصصاتهما المختلفة.

ه ـ اعتبار الدين الإسلامي، لمن يؤمن به، ولا يحق لأحد أن يؤدلجه، ولا أن يستغله أيديولوجيا، وسياسيا، حتى وإن كانت الدولة التي تحكم، أو الأحزاب السياسية التي تنشأ على أساس الأدلجة.

و ـ عدم استغلال المناسبات الدينية، التي يحتفي فيها المؤمنون بالدين الإسلامي، لرفع الأسعار، من أجل الإثراء السريع، وضرورة الوعي، بأن ذلك الاحتفال، إنما هو تعبير عن مستوى معين من الشرك بالله، الذي يجب أن يحاربه اليسار، واليساريون، والمطالبة بأن نتعامل مع تقديس مختلف الأيام، على أنها شرك بالله.

ومعلوم أن الشرك بالله، لا يغتفر. فقد جاء في سورة الأعراف: (إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). بالإضافة إلى كونه مظهرا من مظاهر تحريف الدين الإسلامي.

ز ـ ضرورة إدراك اليسار، واليساريين، أن مظاهر التقديس التي ينهجها مؤدلجو الدين الإسلامي، ومحرفوه، تخرجهم من دائرة المؤمنين بالدين الإسلامي، وتبرز مدى صحة ما جاء في الآية الكريمة: (قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم).

ح ـ اعتبار أن من يعجز عن أداء فريضة الحج، فكأنما أدى تلك الفريضة، حتى لا يلتمس المؤمنون بالدين الإسلامي طرقا غير مشروعة لأدائها.

ط ـ اعتبار أن من يؤدي فريضة الحج، من المال العام، هو بمثابة ريع من المؤسسات المخزنية، ومن أموال حرم منها الشعب، الذي يعاني من الحرمان من العديد من الخدمات، التي صارت شبه مخوصصة.

ي ـ التعامل مع أي معتق،د كاختيار للأفراد، المؤمنين بذلك المعتقد، ولا شأن للمجتمع به، من أجل سحب البساط من تحت أرجل مؤدلجي الدين الإسلامي، الذين يعتبرون الإيمان بالدين الإسلامي، شأنا جماعيا، مما يجعلهم أوصياء عليه.

وفي الأخير، لا بد أن نؤكد: أن الإيمان بمعتقد معين، هو شأن فردي، وإقرار بشروط محددة، يعيشها الفرد.

ابن جرير في 13 / 09 / 2018

محمد الحنفي