|
غلق |
|
خيارات وادوات |
مواضيع أخرى للكاتب-ة
بحث :مواضيع ذات صلة: سعيد الكحل |
من يُنقذ حرية الفكر والتعبير من الاغتيال ؟
يدخل المغرب مرحلة خطيرة على مستوى حريات الفكر والتعبير ؛ الأمر الذي يجعلنا نسائل الحكومة والدولة والقوى السياسية والحقوقية والثقافية عن الجدوى من إقرار دستور ينص في ديباجته على التزام المملكة المغربية بـ (حماية منظومتي حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والنهوض بهما، والإسهام في تطويرهما ؛ مع مراعاة الطابع الكوني لتلك الحقوق، وعدم قابليتها للتجزيء). مناسبة هذا التحذير الحكم القضائي الذي أصدرته ابتدائية مراكش والقاضي بمصادرة كتاب " صحيح البخاري نهاية أسطورة" بأمر من عامل الإقليم .وخطورة هذا الحادث أنه يؤشر لدخول المغرب حقبة مظلمة على مستوى مصادرة الحقوق والحريات وضرب أسس الدولة الديمقراطية وفي مقدمتها فصل السلط واستقلالية القضاء . فالدولة لم تعد ذلك الجهاز المحايد الذي يتخذ نفس المسافة من كل القوى السياسية والمدنية ، بل انحازت بشكل سافر إلى التيار المتطرف وتخندقت معه في نفس الخندق وصارت الأداة التي بها يبطش (هذا التيار) ويصادر الحقوق ويقمع الحريات ويجهز على المكتسبات . إن الدولة انخرطت في إستراتيجية التيار الأصولي المتشدد واستسلمت لمخطط "الدعوشة" الذي يتغلغل داخل المؤسسات الدستورية بمختلف مستوياتها التشريعية والقضائية والدينية والتربوية والإعلامية ؛ بحيث لم يعد التيار الأصولي وحده يهاجم ، بشيوخه التكفيريين وأتباعه المتطرفين ، قيم الحداثة والتنوير ويستهدف المثقفين والفنانين والسياسيين والإعلاميين والهيئات النسائية والحقوقية ، وإنما تخندقت معه الدولة بمؤسساتها لتقوية هذا التيار وكبح مسار الانفتاح والتنوير . فالحكومة وخلفها الدولة المغربية اتخذت موقفين خطيرين : أولهما المزايدة والتنافس مع التيار الأصولي ،من جهة ، والتواطؤ معه من جهة ثانية على تبني ونشر ثقافة التكفير وحماية شيوخه من كل متابعة قانونية بسبب ما ينشرونه من فتاوى التكفير والتحريض ضد المثقفين والفنانين والسياسيين الذين يحملون قيما وأفكارا تنويرية تحلم بآفاق أوسع للفكر وللإنسان . إذ التكفير لم يعد حصرا على شيوخ التطرف ودعاة الكراهية ، بل صار عقيدة رسمية عبّر عنها المجلس العلمي الأعلى لما أفتى بقتل المرتد . ثانيهما ، شرعنة "الحسبة" وجعلها ممارسة قانونية لمصادرة حرية التفكير والتعبير . هكذا تُخرج الدولة هذا النظام الموروث عن عصور ما قبل الدولة المدنية والذي كان بمثابة جهاز المحاسبة والمواريث ومراقبة المكاييل، تتولاه شرطة الأسواق والآداب ، لتجعله وظيفة من وظائف عمال وولاة وزارة الداخلية .بهذه الصفة أعطى عامل مراكش توجيهه للقاضي قصد إصدار حكم يمنع تداول كتاب "صحيح البخاري نهاية أسطورة". ومن ثم يصير رأي وموقف العامل موجّها للقضاء ومُلزِما للقاضي ومشرعنا لإجراء إداري يخرق القانون والدستور معا . وسكوت الحكومة على هكذا خرق للدستور وضرب لاستقلالية القضاء ، إنما تُدخل البلاد في نفق لازالت مصر تتخبط فيه وتقدم ضحايا تغوّل التطرف بعد أن كان النظام هناك يعتقد أن تفعيل نظام الحسبة ليشمل الفكر والإبداع من شأنه أن يضمن له السلم والاستقرار ويوسع قاعدته الاجتماعية لمواجهة قوى التحديث والدمقرطة ، فإذا به ألقى بالبلاد في أتون التطرف والإرهاب ، صار هو نفسه ضحيتهما.
|
|
| ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد | نسخ - Copy | حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | اضافة موضوع جديد | اضافة خبر | | |||
| نسخة قابلة للطباعة | الحوار المتمدن | قواعد النشر | ابرز كتاب / كاتبات الحوار المتمدن | قواعد نظام التعليقات والتصويت في الحوار المتمدن | | غلق | ||
المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الحوار المتمدن ، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الحوار المتمدن اي تبعة قانونية من جراء نشرها |