أبعدوا خطباء الكراهية عن منابر المساجد.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 7945 - 2024 / 4 / 12 - 23:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لا تكف أصوات عدد من خطباء المساجد المعروفين بتشددهم الديني عن التحريض على الكراهية والسباب واللمز في حق الهيئات النسائية وعموم المواطنين والمواطنات الذين طالبوا بمراجعة مدونة الأسرة وقدموا أو دعّموا مقترحات التعديل التي ترفع الظلم عن النساء وتتجاوز الاختلالات والعوائق التي أبان عنها تطبيق المدونة خلال عقدين من الزمن. لقد تحول هؤلاء الخطباء إلى دعاة فتنة وشقاق وكراهية وتكفير لفئة واسعة من المواطنات والمواطنين والهيئات النسائية والحقوقية والحزبية والنقابية ضدا على الضوابط التي حددها "دليل الإمام والخطيب والواعظ"، وفي تناقض تام مع توجيهات أمير المؤمنين لعلماء الأمة وخطبائها. إن هؤلاء الخطاب يهددون الأمن الروحي للمغاربة، يحرضون على نكث العهود والمواثيق الدولية، يخالفون ثوابت الشعب المغربي ويخونون، بالتالي، أمانة تمثيل إمارة المؤمنين.
دعاة فتنة يهددون الأمن الروحي للمغاربة.
إن خطباء الكراهية والتكفير يستغلون مناسبة دعوة جلالة الملك إلى مراجعة مدونة الأسرة فيحولون منابر المساجد إلى أبواق لبث الشقاق بين المواطنين والتحريض على الحقد والبغض والكراهية. لقد أعادوا المغرب إلى أجواء الشحن الإيديولوجي التي سادت سنة 2000 عقب صدور مشروع خطة إدماج المرأة في التنمية، وهي الأجواء التي وفرت العوامل النفسية والفكرية والإيديولوجية لأحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، حيث تحولت منابر المساجد إلى منصات التكفير والتحريض والكراهية. فلم تعد المساجد بيوت أمان وسكينة وطمأنينة بعد أن حوّلها هؤلاء الخطباء إلى مقرات للشحن الإيديولوجي والتحريض الطائفي؛ إذ باتوا يهددون مباشرة الأمن الروحي للمغاربة ويشكلون خطرا على وحدة "الأسرة الوطنية" التي شدد عليها "دليل الإمام والخطيب والواعظ" وجعل من الضوابط المنهجية الواجب على الخطيب الانضباط إليها أن "إمارة المؤمنين دعامة للأمن الروحي". وينص هذا الضابط على التالي: "فبوجود إمارة المؤمنين يشعر المواطن المغربي بأمنه الروحي؛ بسبب ما يجد من ضمانٍ لممارسة حقوقه الدينية، والتعبير عن مواجيده الإيمانية. فهذه المساجد المغربية، بعمارتها الأصيلة الراسخة، تعلن - وهي ترفع الأذان خمس مرات في اليوم للناس، كل الناس، الأمنَ والأمان، وتنشر السلم والسلام. وبذلك تنزل السكينة على القلوب؛ لأنها تشعر أن عقيدتها في حمى أمير المؤمنين". إن آفة هؤلاء الخطباء أنهم تملصوا من مسؤولياتهم الدينية والوطنية والأخلاقية فاقتعدوا لهم على المنابر مقعدا جعلهم يعتقدون أنهم خارج كل مراقبة أو محاسبة لمخالفتهم دستور البلاد ودليل الإمام الذي ينص على أن "الواعظ والخطيب يجب ألا تغيب عنهما هذه الحقيقة الراسخة، وهما يؤديان مهمتهما كواجب ديني ووطني في الآن نفسه. بل يجب أن تكون هي المؤطر الأساس إلى جانب الخصائص الأخرى لخطابهما الديني".
لقد خالف هؤلاء الخطباء ضوابط "دليل الإمام"، كما خالفوا التوجيهات الملكية، ومنها تلك التي تضمنتها الرسالة الموجهة إلى أعضاء المجالس العلمية في شتنبر 2008 وفيها: “إن جوهر رسالتكم الروحية العمل الدائم على إشاعة الطمأنينة والسلام والحث على التنافس في العمل البناء ومحاربة التطرف والانغلاق والإرهاب، بإشاعة القيم المثلى تحصينا لبلادنا من الآفات المقيتة للغلو والتعصب”.
الدعوة لنكث العهود والمواثيق.
تحريض هؤلاء الخطباء ضد المواطنات والمواطنين الذين طالبوا واقترحوا تعديلات على اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة لم يتوقف عند اتهامهم بالكفر ومحاربة الدين، بل تجاوزه إلى الإفتاء بكون الالتزام بالمواثيق والعهود وتنفيذها في مدونة الأسرة كفرا وتآمرا على الدين. وفي هذا مخالفة صريحة لدليل الإمام الذي يشدد في "ضابط الوفاء بالعهود والمواثيق" على التالي "إن هذه الشريعة عدل كلها ورحمة كلها جاءت بما يوافق مصالح الإنسانية جمعاء، ولا حرج ولا ضير إذا وافق الإسلام جميع عقلاء الأرض في تقرير الحقوق ورعاية المصالح والدفاع عن المظالم ونبذ الشرور من هذا العالم.
ذلك أن اعوجاج مفاهيم بعض الناس جعل بعضهم يتوهم أن الموافقة والمجانسة لما في المواثيق الدولية نوع من المداهنة والاستهانة بأحكام الشريعة، وليس الأمر كذلك كما نبه إلى ذلك غير واحد من العلماء ممن رصدوا هذه الأغاليط التي وقعت في الدين بسبب جهل الجاهلين".
من هنا فإن خطباء التكفير لا يتورعون عن مخالفة الدين وأوامر الله تعالى بالوفاء بالعهود:} وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا{ .الآية 34 سورة الإسراء. (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) المائدة. بل لم يكترثوا لخرقهم للدستور الذي ينص على "جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة."ومعلوم أن مطالب الحداثيين الذين يكفّرهم خطباء الكراهية، تنسجم مع الدستور المغربي من حيث كونها تدعو الدولة إلى ملاءمة التشريعات مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها. فلا يمكن السماح لهؤلاء الخطباء بأن يفرضوا وصايتهم على الدولة والشعب.
خيانة أمانة تمثيل إمارة المؤمنين.
لا شك أن الإمام أو الخطيب، وهو على المنبر، لا يمثل نفسه ولا يحق له هذا. فهو، بمقتضى "دليل الإمام" الذي يؤطر مهمته، يمثل إمارة المؤمنين، كما هو واضح في الدليل "ولذلك فالإمام أولى من يحفظ مقام القيادة الدينية في الناس؛ لأنه نائب عن الإمام الأعظم ومستأمن على دين الأمة، ولكي يضمن اجتماع كلمة الناس ووحدتهم، فإنه من الحكمة وكمال العقل أن يحترم اختيارات المجتمع السياسية والثقافية والدينية، وألا يثير نوازع الخلاف وما يسبب فتنة أو انشقاقا بين المسلمين". وكون هؤلاء الأئمة والخطباء باتوا يحرضون على الكراهية ويثيرون الفتن بين مكونات المجتمع، فقد خالفوا الوجيهات والضوابط التي على أساسها تم تعينهم في مهام الإمامة والخطابة؛ فخانوا، بالتالي، أمانة تمثيل أمير المؤمنين والنيابة عنه في ضمان الأمن الروحي للمغاربة. لقد تحول هؤلاء الخطباء إلى دعاة فتنة وفرقة بعد أن جعلهم "دليل الأئمة" "حراس ثغور هذا الدين، وحماة بيضة الأمة أن تدهمها من العلل والآفات، أو أن تفت في عضد وحدتها الفتن والخلافات، والواجب ألا تؤتى الأمة من قبلهم، فإنهم ملح البلد والصفوة المقتدى بها في المجتمع".
هؤلاء الخطباء يشكلون عرقلة حقيقية أمام جهود إمارة المؤمنين في الارتقاء بالشأن الديني وعزمها على توفير الأمن الروحي للمغاربة كما جاء في الرسالة الملكية لأعضاء المجالس العلمية: "إننا لعازمون على المضي قدما، للارتقاء بالشأن الديني…باعتباره في صلب الإصلاحات الوطنية الحيوية التي نقودها، وفي مقدمتها توفير الأمن الروحي والحفاظ على الهوية الدينية الإسلامية المغربية، المتميزة بلزوم السنة والجماعة والوسطية والاعتدال والانفتاح والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وما يرتبط بها من مبادئ الإسلام السمحة”.
مخالفة ثوابت الشعب المغربي.
إصرار خطباء التكفير على إثارة الفتنة ونشر الكراهية ونقض العهود فيه مخالفة صريحة لنص الدستور وإقراره لثوابت الأمة التي حددها كالتالي "تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي". فمن أسس ومظاهر الاختيار الديمقراطي تعدد الأفكار والتصورات والبرامج ورؤى الإصلاح. لكن خطباء التكفير يصرون على تنميط المغاربة وقولبتهم في قالب فكري وسلوكي وقيمي واحد وأوحد. إنهم ضد اختيارات الشعب المغربي المذهبية والسياسية والدستورية، مما يجعلهم يخرقون ضوابط "دليل الإمام" التي تلزم الخطيب بتجنب المعارك الشخصية والسياسية والإعلامية وإثارة الفتن والشقاق، وتوجب عليه احترام اختيارات الشعب المغربي كالتالي: "ومن المعلوم أن لكل أمة اختيارات مذهبية وسياسية آثرت أن تكون أساس وحدتها ومدار اجتماع كلمتها في الشأن الديني والسياسي، فاحترامها وحفظها والدفاع عنها مما دعت إليه الشريعة، ودلت عليه الأصول والقواعد الكلية في الدين، لأنه لا تتم وحدة الأمة إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ومن المعلوم أن النزاع في هذه الأمور يفضي إلى اختلال نظام الأمن الروحي والسياسي ويفضي إلى ما لا يرضاه الله ورسوله من الخلاف والشقاق وانفلات الأمور وحدوث الفتن التي ذم الشرع من أيقظها."
من أجل تجنب الشقاق وإثارة الفتن والتحريض على الكراهية، فإن وزارة الأوقاف مطالبة بحمل الأئمة والخطباء والوعاظ على احترام ضوابط "دليل الأئمة" وما يتضمنه من توجيهات وتحذيرات ومنها: "فمن الخطأ الجسيم أن يزج الإمام بخطبته في الحساسيات الضيقة، من المعارك الشخصية والسياسية، والمشاحنات الإعلامية! وإنه ليس أفسد للعبادة من مثل هذا الصنيع السيء!"
لقد بات ضروريا على وزارة الأوقاف أن تعفي كل الأئمة والخطباء الذين لم يلتزموا بضوابط "دليل الإمام" وخالفوا توجيهات إمارة المؤمنين وأثبتوا أنهم يناهضون المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي الذي يتبناه جلالة الملك والشعب المغربي، وغير منسجمين ولا مخلصين لثوابت الأمة المغربية ومقدساتها، تنفيذا للتوجيه الملكي في رسالته غداة تنصيب أعضاء المجلس العلمي الأعلى، والمجالس العلمية المحلية يوم الجمعة 30 أبريل 2004 ، والتي جاء فيها: "فإننا قد وضعنا طابعنا الشريف على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية، في تركيبتها الجديدة، مكلفين وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنصيبها؛ لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني، بتدبير الشأن الديني عن قرب، وذلك بتشكيلها من علماء مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها، والجمع بين فقه الدين والانفتاح على قضايا العصر، حاثين إياهم على الإصغاء إلى المواطنين، ولا سيما الشباب منهم، بما يحمي عقيدتهم وعقولهم من الضالين المضلين).