زلزال الحوز وشماتة البيجيدي بالدولة وبالضحايا.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 7745 - 2023 / 9 / 25 - 22:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أصدرت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، بتاريخ 23 شتنبر 2023، بلاغا عقب اجتماعها الذي عقدته حول كارثة زلزال الحوز. وجاء البلاغ مكرّسا للنهج الأخلاقوي الذي دأب عليه الحزب منذ تأسيسه ولم تبذل قيادته أدنى جهد لتصحيحه. بل إن الأمانة العامة للحزب لم تراع أجواء الحزن الذي عم كل جهات المغرب ولا حرمة أرواح الضحايا لما صاغت البلاغ إياه وكله شماتة بالشعب وبالضحايا من جهة، وبالدولة ومؤسساتها الدستورية من جهة ثانية. ذلك أن الأمانة العامة للحزب سمحت لنفسها أن تعتبر زلزال 8 شتنبر 2023 انتقاما إلهيا من المواطنين لفساد أخلاقهم وعظم ذنوبهم وآثامهم بسبب ابتعادهم عن الله وهجرانهم لدينه. وهذا البلاغ هو كبيرة من عظائم الكبائر لكونه يرمي الضحايا وعموم المواطنين بالفساد والبعد عن الله كالتالي "وعلينا أن ننتبه إلى أن من معاني “الرجوع إلى الله” ما يفيد أننا مبتعدون عنه في أمور معينة، وعليه وجب أن نرجع إلى الله سبحانه وتعالى كي يضمد جراحنا ويعوضنا عن مصيبتنا خيرا، ولكن يجب أن نراجع كذلك كي نرجع الى الله لأن كل شيء يصيب الإنسان فيه إنذار".
سخافة الأمانة العامة للبيجيدي.
إن لجوء قيادة البيجيدي إلى التفسير الأخلاقوي للظواهر الطبيعية، خاصة الزلازل والفيضانات، يدل على جهل فظيع بنواميس الكون التي لم يربطها الله تعالى بأحوال الناس وتصرفاتهم. فما الله بظلاّم للعبيد، ولا يجوز في حقه تعالى أن يأخذ الأبرياء بذنوب ومعاصي غيرهم وهو القائل في محكم كتابه (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، (وما ربك بظلاّم للعبيد). إن ضحايا زلزال الحوز هم من بسطاء الفلاحين والكسابين الذين يكسبون قوتهم بجهدهم وعرق جبينهم في مواجهة قساوة الطبيعة ووعورة تضاريسها. لا يترك لهم كدّهم المعيشي اليومي أدنى فرصة لارتكاب المعاصي؛ وأي معصية سيرتكبها فلاح فقير يقضي يومه بين الماعز والخرفان يطوف بها أعالي الجبال بحثا عن خشاش الأرض؟ إن هؤلاء المواطنين البسطاء بحاجة إلى سواعد تفك عزلتهم وأيادي بيضاء تكفكف دموع الثكالى والمكلومين، وعبارات المواساة تخفف أحزانهم وليس بلاغ الشماتة الذي يجعل منهم أصل الشرور والمحن. فالله تعالى أمر عباده بالقول الحسن (وقولوا للناس حسنا)، لكن قيادة البيجيدي استحسنت الشماتة عن المواساة.
الرقص على آلام وأحزان الضحايا.
من جهالة الأمانة العامة للبيجيدي أنها تشمت بالدولة ومؤسساتها لما ربطت بين تاريخ حدوث الزلزال (8 شتنبر2023) وتريخ أجراء الانتخابات التشريعية والمحلية (8 شتنبر2021). فقد عزَت الأمانة العامة ،في بلاغها، الفشل الذريع الذي مُني به البيجيدي في الانتخابات إلى الفساد السياسي في بُعده الفردي أو معناها العام والسياسي؛ أي أن خسارة البيجيدي للانتخابات هي بمنزلة الذنوب والمعاصي والكبائر التي تستوجب العقاب الإلهي"، هكذا نقرأ في البلاغ: "والصواب هو أن نراجع كأمة ونتبين هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي ولكن بمعناها العام والسياسي، لأن السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي وتلك الموجودة في الحياة السياسية عامة والانتخابات والمسؤوليات والتدبير العمومي وغيرها". شماتة مقيتة من حزب ترأس الحكومة لولايتين متتاليتين تجاه الدولة ومؤسساتها، ولسان حاله يقول "سُحْقا لمن لم يصوت على البيجيدي أو لم يهيئ له سبيل الولاية الثالثة".
طبيعي، إذن، أن يتخذ البيجيدي موقف الشامت من الدولة والشعب والمؤسسات، لأن العقيدة التي تشبع بها أو الإيديولوجيا التي تأسس عليها لا تؤمن بالوطن ولا بالشعب ولا بالمؤسسات ولا حتى بالدستور. فكل شعوب العالم عبرت عن تعاطفها مع المغرب وأبدت حكوماتها الاستعداد لتقديم الدعم والمساعدة بدافع الإنسانية والوازع الأخلاقي، أما من جعلوا الإيديولوجيا دينا والشماتة خُلقا، فليس أبلغ من القول لهم:
فقل للّذي يبدي الشماتة جاهلا ... سيأتيك كأسٌ أنت لا بدّ شاربه.
إن ما تجاهلته قيادة البيجيدي في بلاغها هو تحمل الحزب المسؤولية الأولى في معاناة ساكنة الحوز من العزلة وانعدام الخدمات أو ضعفها في أحسن الأحوال. فالحزب الذي ترأس الحكومة لعقد كامل من الزمن، وتحمل حقيبة وزارة التجهيز لولايتين دون أن يدرج تنمية تلك المناطق المعزولة ضمن أولوياته رغم تعهد أمينه العام ورئيس الحكومة حينها، عبد الإله بنكيران، تخصص جزء من عائدات تحرير أسعار المحروقات لتقريب وتجويد الخدمات الاجتماعية لفائدة الفئات التي تعاني الهشاشة والإقصاء والعزلة. لقد فضح الزلزال الفشل الذريع للبيجيدي في قيادة الحكومة والاستجابة لانتظارات الناخبين؛ بل إنه أجهز على كثير من الحقوق والمكتسبات. ودون أدنى شعور بالخجل، تأتي قيادة الحزب تشمت بالضحايا وترقص على آلامهم وهي التي عمّقتها.