تغول المخزن وعناد الدولة .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 5571 - 2017 / 7 / 4 - 23:09
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

لم يمت المخزن كما سبق وبشر الأستاذ اليازغي ذات لقاء على القناة الثانية ، بل ازداد تغولا عبر تمظهرات شتى حتى صار أقوى من الدولة وبات مهددا لنظام الحكم ذاته . كان المخزن والنظام زمن الملك الراحل الحسن الثاني متناغمين بحيث ظل المخزن في خدمة النظام وأداته التي يبطش بها ؛فارتبط المخزن بالقهر والقمع . وعرفت سنوات التناغم هذا بسنوات "الجمر" "والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" . بعد تولي الملك محمد السادس العرش صدرت عنه إشارات وقرارات بشرت بنهاية المخزن وأفول القمع الممنهج ، وأبرزها : (رفع الحصار عن الشيخ ياسين ،عودة السرفاتي واستقباله ،إقالة إدريس البصري ، هيئة الإنصاف والمصالحة ، مدونة الأسرة ، تعيين رموز يسارية في مناصب مهمة داخل الدولة، التداول الرسمي لمفاهيم : المجتمع الحداثي الديمقراطي ، المفهوم الجديد للسلطة ،الريع الاقتصادي ...). حينها أدرك المخزن ،باعتباره العمود الفقري للنظام ، أن التوجه الجديد يروم تهميش دوره المركزي في الحياة السياسية العامة لصالح المجتمع المدني والسياسي الذي ظل ردحا من الزمن مخنوقا يعتمد النضال الديمقراطي كسبيل لدمقرطة الدولة والقطع مع الاستبداد . فالمخزن بنيات تقاوم بشراسة وعناد كل تغيير في إدارة الدولة والتأسيس لتجربة الانتقال الديمقراطي بما يكرس المصالحة بين الدولة والمجتمع وينهي زمن التقاطب والصراع .ستعرف هذه المرحلة تحالفا عضويا وإستراتيجيا بين المخزن والفساد الإداري والمالي /الاقتصادي ؛فكانت النتيجة : تحقيق أرقام قياسية على مستوى استفحال الرشوة ،نهب الثروات ،تهريب الأموال ، التهرب الضريبي ، تراجع مؤشر التنمية والشفافية والتعليم والحريات العامة والفردية ... تحالف المخزن والفساد أعفى الناهبين والفاسدين من كل متابعة قضائية وبرأ آخرين وأطلق يد الكثيرين في النهب والتهريب .وكان شعار "عفا الله عما سلف" الذي رفعه بنكيران عند توليه منصب رئاسة الحكومة ،عنوان الانبطاح التام لتحالف المخزن والفساد والإقرار بالهزيمة بعد أن ظل بنكيران وحزبه يرفعان شعار "محاربة الفساد والاستبداد". لقد تصالحت حكومة بنكيران مع الفساد وسلّمت بتغول المخزن وهيمنته على كل دواليب الدولة. أمام هذه العودة القوية للمخزن مسنودا بالفساد المالي والإداري ومتحكما في القضاء عبر سلسلة من الإجراءات على رأسها عزل القضاة الممانعين للتطبيع ، فقدت الخطب الملكية نجاعتها وامتداداتها في الحياة العامة ودواليب الإدارة . اعتاد المغاربة على اجتهاد المسئولين في تطبيق قرارات الملك الراحل الحسن الثاني زمن حكمه .هذا الاجتهاد توارى لفائدة التراخي ثم الإهمال فالتعطيل .كثيرة هي تعليمات الملك وقراراته التي طالها الإهمال والتعطيل .حينها أدرك المغاربة ان التناغم بين المخزن والنظام لم يعد قائما ،بحيث صار المخزن أقوى من النظام مجسدا في الملك وقراراته . تغول المخزن انعكس مباشرة على الحياة السياسية العامة وصار مهددا للنظام ذاته .لا شيء من توجيهات الملك وأوامره المتعلقة بتخليق الحياة السياسية وضمان نزاهة الانتخابات والقطع مع الفساد تحقق كما هو وارد في خطاب 20 غشت 2011 ( وفي هذا الصدد، يجب على السلطات الحكومية والقضائية، المعنية بحسن تنظيم الانتخابات، التقيد الصارم بالقانون، وتفعيل آليات تخليق العمل السياسي والبرلماني .. كما يتعين عليها التصدي الحازم لكل الخروقات، ومحاربة استعمال المال وشراء الأصوات لإفساد الانتخابات، واستغلال النفوذ، أو التوظيف المغرض للدين وللمقدسات في المعارك الانتخابية). وبينت احتجاجات سكان الريف ضد وضعية التهميش والإقصاء انفلات المخزن من رقابة النظام وضعف سريان قرارات الملك وتوجيهاته .
إن الدور المركزي للملك في الحياة السياسية سطا عليه تحالف المخزن والفساد فعطل القرارات وحتى المشاريع التي ترأس الملك حفل التوقيع عليها كما هو واضح بالنسبة للمشاريع التنموية التي تهم منطقة الريف .
وهذه ليست المرة الأولى التي يقف فيها الملك على الفساد في تدبير المرافق العامة وتعطيل إنجاز المشاريع أو محاسبة الفاسدين من المسئولين . لقد فتح المغرب ورش إصلاح التعليم وانتهى بأزمات أخطر من تلك التي أراد إصلاحها دون محاسبة المتورطين في الإفشال ونهب الملايير من الميزانية التي رصدت للإصلاح .وفتح ورش إصلاح العدالة فما كان من نسب الفساد والارتشاء إلا أن استفحلت وظلت وضعية الإفلات من العقاب هي السائدة وإقبار الملفات التي أحالها المجلس الأعلى للحسابات على القضاء ، رغم قلتها ، هي الطاغية .
صار الشعب يسمع عن غضبات الملك ضد مسئولين بعينهم دون أن ترافقها قرارات إدارية أو متابعات قضائية في حق المفسدين ،بل تمت ترقيتهم وتعيين كثير منهم في مراكز حساسة وهم المتهمون بالفساد.
لقد عجزت الدولة والحكومات عن محاربة الفساد واكتفى المسئولون الحكوميون بالترميز لهذه القوى المتغولة بـ"جيوب المقاومة" أو "العفاريت والتماسيح" . وحراك الريف يأتي تجاوزا لهذا العجز الحكومي حيث يتولى المواطنون بأنفسهم مواجهة تحالف الفساد والمخزن الذي تحكم في الدولة وحولها إلى أداة لتعنيف المحتجين رغم إقرار الحكومة والملك بشرعية الاحتجاجات وتعطل المشاريع التنموية . نحن أمام وضع لا يمكن تجاوزه إلا باصطفاف الملك إلى جانب الشعب لمواجهة تحالف المخزن والفساد الذي بات يهدد مصالح الشعب والوطن والنظام .