رسالة إلى إسلام البحيري


سيبال جوزيف سيبال
الحوار المتمدن - العدد: 5054 - 2016 / 1 / 24 - 16:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

عندما سمعت بما حصل معك شعرت بمظلمة.. ليست في حقك فقط وإنما في حق كلّ نور مسلّط على العتمة.. مظلمة يتجنّد فيها دعاة أسر العقول بسند لا يكاد أن يكون محدثا بطريقة الوراثة حفاظا على منظومة أعيت هذا الزّمان وأرهقته.. تجثم على طريق البحث ولا يعبر فيها إلا من كانت لديه تأشيرة العمى الفكري.. فلا يجوز السّؤال ولا يجوز تسليط الضّوء على شغور مراحل تاريخية وافتقارها للمنطق

كيف نفكّر والبحث محظور.. كيف نتقدّم وهناك من يكبّل امتداد العقل.. بصراحة وجدتك شجاعا.. شجاعا جدّا.. فأنا أعلم في أيّ قطر تكلّمت وأعلم في أيّ وضع التحف بالتّظليل نطقت جهرا بالحق.. على الأقل حق الفكر والرأي السّديد الذّي يحرّك شيئا ما فلم تكن من جموع من يكتبون أو يقولون أطنان الكلمات لكي لا تقول شيئا

شجاع يا إسلام.. وازددت احتراما رغم أسرك بين قضبان أخالها تسأل كلّ ثانية ماذا يفعل إسلام البحيري هنا وهي جدران ليست من أجلك

أعلم أنّك تدفع ضريبة عقلك النّير الذّي توّجه مباشرة نحو العلّة قصد المعافاة السّريعة وتشخيصك السّليم للمرض لا يستحسنه هواة الجمود وأعلم أنّك خضت رحلة أيّها المغامر البطل بين السّراديب وتوصلّت لحل شفرة محظور الكشف عنها
شغفك بارتقاء الفكر وتحريره وسعيك الدّؤوب للخروج من وضعيّات مزرية نهشت الوعي وجعلت العالم العربي بصفة عامّة يتمرّغ في الجهل وأعلم أيضا أنّ سجنك قرينة داحضة أن لا تخرج حقائق تاريخية للضّوء

لست ممّن يفهم أن سجنك هذا انصاف للدّين.. بل بالعكس مظلمة في حقّه وما حصل معك حصل مع الكثيرين من قبلك ويحصل مع كلّ واحد لا يتجاوب مع القوالب وعيش القطيع
دعني أصرّح لك أنّك عظيم وستبقى كذلك.. وأنا على يقين أنّ قناعاتك ستخفف وطأة الحصار عليك ولن يطول يا اسلام.. لن يطول.. فمصر في حاجة اليك ولن تسمح أن تفقد احد روادها.. لن يطول سجنك فهناك ملايين من اسلام البحيري في كافةّ أجزاء العالم وقد يسجن الشخص لكن أفكاره حرّه طليقة على الدّوام

العزيز والغالي على قلوب أحبّائك نحن في مجتمعات حرّم الله فيها التّقديس لغير وجهه وانحرفت المسألة وأصبح هناك من يقرّ بوكالة من الله وهذا هو المرض الذّي ينخر المجتمعات العربية ككل والتّصدي له واجتثاث جذوره لينمو جيل من الأصحاء..بات واجبا جيل يؤمن بتغيّر عجلة الزّمان وعلى وعي أنّ التغيير الحقيقي يكمن في السّؤال وعلى أن لا يطلب إذنا عند التّوجه لخالقه

واجب أن نحرّر الطّريق من كلّ تلك المنعرجات التّي تسطو على المسار الفكري ولا تصب الاّ في هوّة الجمود أن نفعل شيئا أمام تلك الرّمال المتحرّكة التّي تتربص بالتغيير وارتداء ثوب التجديد والازدهار.. الأجدر أن يكون الازدراء الحقيقي من الأديان هو الوقوف في نقطة الصّفر والنّهل من المهترئ.. أن يكون الازدراء الحقيقي هو كلّ ذلك العنف المباح ومعاملة الإنسان كالعبد لا يتحكم في شيء ولا يحتكم إلا لبنود غابرة ليحكمنا قانون الغاب

كلمة إنصاف في شخصك.. الفكر يفتقدك وأنّك إنسان راق نحبّه لأنّه يحمل مشعلا خاليا من الحسابات والمصلحة الفرديّة.. كلّ همّه قفزة نحو ركاب التّمدن والتّحضر بدل التّغلغل في المجهول
أيها الشّجاع أنت واع أنّه لا تقدّم بدون سؤال ولا سؤال بدون فكر ولا فكر بدون بحث ولا بحث بدون مجتمعات واعية بأنّ مأساتها الحقيقية تكمن في ذلك الثّوب الذّي يفرض ارتدائه على الجميع غصبا وشلّ كلّ تجديد أو ابتكار ليكون باهتا في زمرة الألوان المنطلقة ....

أيها الغسق لن يتخلّى عنك نور الفجر لإعلان صباح جديد ....