تُونس :عندما تتحوّل العلاقة الشُّغليّة إلى عبوديّة


سيبال جوزيف سيبال
الحوار المتمدن - العدد: 5573 - 2017 / 7 / 6 - 03:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بديهي أن تشهد تونس اهتزازات في المجال الاجتماعي الّذي بدوره ينعكس على جميع القطاعات... وذلك لقصور العمل الميداني وانكماش الرُّؤية أمام منظار الحقائق التّي تعكس معاناة لا لبس فيها لعديد الطّبقات الاجتماعيّة أين يقع تهميشها عمدا باعتماد أساليب لا تليق ببلد شهد ثورة كرامة ولا بالهدف الجوهري الّذي يسعى للمضيّ نحو إرساء دولة مدنيّة ديمقراطيّة بركائز حضاريّة لتكون دولة القانون والمؤسسات في المقام الأوّل..
على ذلك لا تقدّم ونحن نشاهد تضارب بين الهدف السّامي المنشود تحقيقه وبين التّطبيق الفعلي على أرض الواقع ومن المشاكل الأساسيّة التّي يجب الخوض فيها وبجديّة كيف سيستوعب من وثق في الدّولة ويجد أمامه قانون العشيرة ؟ كيف يبارك من يدعم تطبيق القانون ويجد من يلقي به عرض الحائط؟ أين موقع من يريد خيرا بوطنه ويجد أمامه جميع أنواع التّجاوزات تمارس عليه..كيف سيستوعب من وثق في مسار المصلحة العامة ويجد تجبّر المصالح الشخصيّة وغطرستها تقوم بإذلاله.

كيف لحقوق لا يكفلها القانون فقط بل القيم الكونيّة من حق العيش بكرامة.. وحق الشغل.. والحق في الأجر أن تداس.. ليقف الأجير وجها لوجه مع مؤجر لا يعترف لا بحق ولا بكرامة إبان استئساده ودوسه للضّعيف بل وتجاهل حقّه المشروع وما ينص عليه القانون لحمايته.. تجاهل فظ وغطرسة أقلّ ما يقال عنها أنها انعكاس للعقليّة العشائريّة المتجذّرة عند جموع منطق القوّة ويتجلّى هذا عندما تهدر الحقوق علانيّة..وتستبدل بسلاسل العبوديّة والمهانة...

من المخجل أنّ هناك من يتعمّد نخر أسس وركائز جوهريّة من مقوّمات الدّولة لنجد منطق القوّة والتّسلّط الّذي يبقي حالة الفوضى التّي تعرقل التّقدم ويعدم الاستقرار الاجتماعي والتّعايش السّلمي.. وذلك عبر فرض فئات لسلطتهم الذاتية وتغليب مصالحهم الشّخصيّة التّي لا تنتشي بإقامة العدالة الاجتماعيّة وتأصيل كنه مفهوم دولة القانون والمؤسسات.. فنرى تفشّي الغطرسة لحد دوس كرامة من يكفل القانون حقوقهم وفرض أهواء مرضيّة عليهم وإخضاعهم قسرا وبشتّى الطّرق لقانون الغاب النّابع من تضخّم هرمونات النّرجسيّة والاستكبار على العنصر الضّعيف.

فئات لا تقتنع بعد أنّ الدّولة ليست ملكيّة خاصّة وانّ الأجير ليس عبدا يقع استغلاله ثمّ يلقى به في الشّارع وأنّ القطاع الخاص هو بدوره تحت رقابة وتنظيم القانون..
من المخجل ايضا أنّ قيمة القطاع الخاص تخترق من أناس لا همّ لهم غير الشّهرة والمال والنّفوذ وهذا أمر بديهي لمن تأصل فيهم منطق التّجبر ومن لا يفقهون أبجديّات الحوكمة ولا يريدون الاّ المزيد من الربّح حتّى لو تمّ تجويع الأجير وسلبه قطعة الخبز التّي يقتات منها...

فكيف للإنسان العاقل أن يتقبّل العيش مع مفارقات وأضداد لحد الفجوة الشّاسعة والهوّة السّحيقة بين ما تنّظمه الدّولة وسلطة القانون وبين من لا يحترم هذه السّلطة.. بين الإدراك بحجم أزمة التّشغيل الحقيقية والتّي تتجسّد في البطالة ويبن إهدار حق العاملين...
أيّ معيار وأيّ مثال ستحتذي به الأجيال القادمة؟؟ أمام إزهاق لروح قيمة العمل وتعطيل صيرورة تقدّم بالبلاد..كيف ستقنع من يتجرّعون سمّ الظّلم أنّهم في دولة مدنيّة ديمقراطيّة؟

كيف سنسمو بالقيم الكونيّة التي تنبثق عنها المواطنة والانسانيّة والحق في العيش بكرامة ونحن عاجزون عن الخلاص من عقليّة من يعتبرون الأجير مجرّد عبد مستباح تنهتك كرامته وتهدر حقوقه وتلقي به مخالب التّعسف في الشّارع.. بل ويقع إقصائه كمواطن حر عندما يريد تبليغ صوته للرّأي العام والهياكل المعنيّة ويقطع أمامه طريق تعاطف المجتمع المدني وتمارس عليه جميع فنون التّنكيل المعنوي ليقع تجاهل صرخته المكتومة ويقع ترهيبه وتخويفه عن طريق تعمّد تشويه مطالبه المشروعة والتشويش عليه وقلب المسألة ضدّه حتى لو تطلب نعته بالمخرب وبالعنصر الشاذ الّذي يروم تعطيل دورة الكرة الأرضيّة لا الدورة الاقتصادية فقط...

أساليب قمعيّة ورخيصة للتّركيع ولّى عهدها.. واستغلال فزّاعة ومطيّة الأزمة الاقتصاديّة للبلاد لا يبيح إقحام من يطالبون بحقوقهم المشروعة التّي توّفر لهم سبل العيش الكريم..فالمنطق أنّ من أنتج يجازى على عمله لا أن يعامل مثل نكرة.. وأضعف الايمان الاعتراف بالجميل أنّ هناك من كانوا درعا حصينا لمؤسستهم في خضمّ الأزمة الحقيقيّة واعتبروها جزءا منهم وحافظوا عليها..
والإنسان الواعي يدرك تماما أنّ من سلاحه لا حول ولا قوى ليس في نفس وضعيّة من سلاحه يمكنّه من شراء الضّمائر والذّمم...ومهما وقع اعتماد فنون المراوغة فانّ دولة القانون والمؤسسات قائمة.. وهناك من لديهم عقول تميّز لا "قشر بطيخ"..

العاقل يتعلّم الدّرس كيف لنظام كامل سابقا تغلغل في مفاصل الدّولة وأسسها وأصبح مجرّد مهزلة تاريخيّة..أمام من دخل بابه الكبير ممن يقال عنهم مستضعفين.. ومن الغباء "إعادة تكرار نفس الأخطاء وانتظار تغيير جذري"...
زيادة على ذلك تباين موازين القوى بين الأفراد لا تكسب من لا يحترم جوهر الدّولة والتّعايش السّلمي شرعيّة النّفاذ إلى سلطة القانون والتّلاعب حسب ما تمليه أهوائه مهما كان موقعه.. فالفرد الذّي لا يحترم دستور بلاده ولا المعايير التّي تسمو بوطنه لتحقيق العدالة الاجتماعيّة والتّوعية بحس المواطنة هو شخص فاشل عاجلا أم آجلا.. انّ احترام القانون من احترام هيبة الدّولة واحترام هيبة الدّولة في احترام ما تمليه النّصوص التشريعيّة والاتفاقيّات للحد من التعسف والممارسات الغير مشروعة في حق الأجير.

أختم بمقولة شهيرة للمناضل الشّهيد فرحات حشّاد وسلاما على روح من اختار صف المستضعفين وتبليغ أصواتهم أيّام الجمر وشتّان بينه وبين من يزرعون الجمر في صدور المستضعفين ولا يعبؤون بشيء اسمه دولة القانون والمؤسسات بعد الثوّرة المباركة..

يقول الشّهيد فرحات حشّاد :
"أحبك يا شعب ... فأحبك حين تبحث وتكثر في البحث عن مجرى أمور بلادك وسير قضيتك وحين تنتقد وحين تصيح وحين تغضب وحين تدبر وأحبك حين تدافع عن مختلف النظريات التي تخطر ببالك في سلوك السياسة العامة و حين تستفسر وتستجوب وتناقش وتحاسب ولكنك تترك النزاعات جانبا عند الشدائد وتنسى التشاكس عند العواصف فتهب بكل قوتك حيث تتلاقى ببعضك صفا واحدا ... صف الشعب الموحد الهدف والكلمة ... صف الأمة المكافحة ... صف الحق المدافع عن كيانه والمناضل في سبيل تحريره"