أثر التصوف في المبالغة فى الحزن، والنوم فى المساجد وفي التسميات والألقاب


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 4898 - 2015 / 8 / 16 - 08:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كتاب : أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الرابع : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية
المبالغة فى الحزن
1 ــ ( الوجد ) من شعائر التصوف ، وبه يُطلق الصوفى لعواطفه العنان صخبا وصراخا وبكاء وفرحا ، (الوجد ) هو تطرف فى إعلان العواطف ، وايضا فى إعلان العقائد تحت مصطلح ( الشطح ). وفى كل الأحوال يجد الصوفى ( المتواجد ) من يعذره ، بل من يقدره وربما يقدسه . وعندما خيّم التصوف بظلاله على العصر المملوكى إنتقل ( الوجد ) الى الحياة العاطفية ، فارتفعت الأصوات بالصراخ فى حفلات السماع ، وامتدت الى مناسبات العزاء ، فأصبحت المبالغة فى إظهار الحزن شعيرة إجتماعية أو عادة إجتماعية ، ومن خلالها أطلق المصريون فى العصر المملوكى لعواطفهم العنان لدرجة أوجبت تدخل السلطة فأمر السلطان المؤيد شيخ بمنع النساء من النياحة على الأموات في الأسواق، وفقا لرواية المؤرخ ابن حجر ،أى إمتدت النياحة على الموتى من البيوت والمقابر الى الأسواق . ويروى الصيرفى أنه توفى لامرأة ولد فألقت نفسها خلف ولده من اعلى الدار فماتت ..! .
2 ــ وأصبحت المشاركة فى النياحات عادة اجتماعية ، فالجماهير تنوح بحرقة على موت المشاهير مهما كانت مساوئهم ، وعندما مات المنصور أبو بكر حفيد قلاوون كان البكاء والعويل بالقاهرة مع أنه كان متهما بمجامعة حريم أبيه ) . وأصبح الحزن على المتوفى يوصف بالوصف الصوفى ( وجد )، فقيل عن موت السعيد بركة ابن الظاهر بيبرس أنه ( وجد عليه الناس وجدا شديدا ، وخرجت الخوندات حاسرات ، ولم تزل امراته حزينة عليه حتى ماتت ) . ويروى ابو المحاسن أنه في مأتم خليل ابن الناصر فرج ( أمعنوا في الحزن وأفحشوا فيه للغاية ، بحيث ماتت امرأة من اللطم على وجهها وصدرها ، ومنع السلطان من النعي في شوارع القاهرة وخلف الجنازات ) ، وهذا الموت حزنا كان تعبيرا بلاغيا فأصبح بالتصوف واقعا حقيقيا.
3 ــ وبالاضافة الى ( حفلات العزاء ) كانت العواطف تنفجر لأتفه الأسباب ، حتى من العوام الذين لا ناقة لهم ولا جمل ، يروى المؤرخ ابن حجر أن العوام فرحت بعزل القاضى الهروي وتعيين البلقيني محله ، وحين خلع علي البلقينى بالقضاء ( قامت قيامة من الصياح والعياط والدعاء للسلطان ) ...حالات غريبة ، إستحقت أن يلتفت اليها المؤرخون بالتسجيل ، والعادة أن العوام لا يأبه بهم المؤرخون إلا فى الأحداث الاستثنائية . وهذه أحداث إستثنائية .
النوم في المساجد ..
1 ـ وهي عادة لا تزال باقية حتى الآن من أثار التصوف في العصر المملوكي الذى إستحدث عادة الاقامة فى المؤسسات الدينية، فمكتب السبيل ــ مثلا ــ موقوف لإقامة الأيتام به ومؤدبهم ) . وانتقل هذا من الخوانق والرباطات والزوايا والتُّرب الى المساجد والجوامع ،فأصبح عاديا إتخاذها مكانا للراحة والمبيت . ويقول المؤرخ السخاوى أن القناديل كانت لا تنطفىء في المساجد في شهر رمضان إلا قبيل طلوع الفجر ، مراعاة للنائمين ، حتى لا يستيقظ أحدهم فيظن أن الأكل والشرب حرم ، وليس كذلك ) ،
2 ــ وكانت الأضرحة استراحة للنائمين حتى لغير الصوفية ، فنهى الدشطوطي البكري الذي استخلفه على عمارة الجوامع من أن يدخل في المقام أحد من أبناء الدنيا (يقصد من غير المتصوفة ) وقال له : (واجعل جميع وظائفه وخبزه للفقراء) ، أى جميع الوظائف والمرتبات للصوفية فقط . وامتثل البكري ذلك فكان يتفقد كل من ينام عنده في المقام. .
3 ــ واشتهر الجامع الأزهر بمبيت كثير من الناس فيه ، ما بين تاجر وفقيه وجندي وغيرهم ، منهم كان يقصد المبيت للبركة ، ومنهم من كان لا يجد مكانا يأويه ، وبعضهم (يستريح بالمبيت فيه خصوصا في زمن الصيف وأيام المواسم ، حيث يمتليء صحنه وأكثر رواقاته ) .
4 ـ وفي أخر العصر مع تعاظم الانخراط فى التصوف على مستوى الشيوخ والمريدين ، تكاثر الوافدون للقاهرة من الريف ومن خارج مصر ، وإزدحمت المساجد بأولئك القادمين من كل فج عميق ، وازدادت عادة المبيت فى المساجد ، فيوصي المرصفي الشعراني بألا يسكن أحد في جامع أو زاوية لها وقف ومستحقون ) ، ويجعل الشعراني من الآداب الواجب رعايتها عدم دخول المسجد بنية النوم والاستراحة . ومع هذا استمر المجىء والمبيت فى المساجد والاقامة فيها ، وعندما قدم البلتاجي من بلده إلى مصر نام في بعض المساجد )
5 ـ وفي الأمثال الشعبية (على قلبها الطالون )، قالها الفقراء المغاربة الوافدون في سفينة الى مصر ، وظنوا انها ستحملهم مباشرة إلى جامع أحمد بن طولون ، حيث سمعوا بكثرة المبيت فيه ، وصارت مثلا . وظلت عادة مصرية حتى الآن ، ومن الأمثال الحديثة (اللى مالوش بيت الجامع بيته ) ...
في التسميات والألقاب :ــ
1ــ كلمة سيد اطلقت على مشايخ الصوفية وكانت التسمية بسيدي مفضلة في الحديث عن الأولياء . وهذا كثيرا ما يرد في كتب المناقب وكتابات الشعراني بالذات .
2 ــ وقد لقب المماليك أحيانا بلقب الصوفي مثل الأمير جان بك الصوفي وازدمر الصوفي ويشبك الصوفي وحاجب الحجاب سودون صوفي والأمير بيرم الصوفى .
3 ــ وأثر التصوف يظهر في تسميات وألقاب أخرى ، فسمى الشيخ سليمان المعتقد بالقرافي لأنه يمشي في القرافة وأصبح لقبا شائعا ، فهناك أبو الفتح القرافي ، والشيخ محمد بن حسين القرافي خادم جامع الأولياء بالقرافة والشيخ القرافي صاحب كتاب المفارقات في الفقه الشافعي والقاضي شمس الدين القرافي ...
3ــ وهناك ألقاب أخرى مثل الشيخ شمس الدين الحرفي ، نسبة إلى علم الحرف الصوفي ومحمد السميساطي نسبة للخانقاه السيمساطية ، والشيخ السرياقوسي نسبة لخانقاه سرياقوس ، وسمى عبد النبي تأثرا بعقيدة المحمدية الصوفية ، ولقب بعضهم بقطب الدين من القطب الصوفى . وهناك القاضي ابن حشيش ، والحشيش اكتشفه واشتهر به الصوفة .
4 ــ والجعيدية طائفة اجتماعية ظهرت بتأثير التصوف ونسب لها الكثيرون ، فهناك ابن الجعيد وسنقر الخازندار المعروف بالجعيدي والشيخ أبو هاشم الجعيد وسنقر العايق الجعيدي .
5 ــ ولا تزال البيئات الشعبية المصرية تسمي بركة ومبروك وبركات ومبروكة وابو ابركات ، ونحوها وسموا بعض الناس أبا خطوة تأثرا بالكرامة الصوفية الشهيرة التى تجعل الولى الصوفى يصل الى أى مكان فى خطوة واحدة . .
6 ــ وتنتشر فى مصر ــ حتى الآن ـ أسماء غير مصرية مثل هندي عراقي بغدادي شامي مغربي .... إلخ ، وهذا أثر للقدوم الصوفي من هذه البلاد على مصر.. واشتهرت طنطا بضريح السيد البدوى ، فانتشر الانتساب الى طنطا ، فشاع إسم ( طنطاوى ) . وانتشر فى مصر ــ حتى الآن ــ التسمى بأسماء مشاهير الأولياء ، مثل الرفاعى والدسوقى وابراهيم الدسوقى ، والبرهامى ، والشاذلى ، والبدوى ، والسيد البدوى ، والأحمدى .