( عبد الله بن عامر ) قائد الفتوحات المجهول


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 7967 - 2024 / 5 / 4 - 14:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مقدمة
1 ـ من أسس البحث التاريخى أن تعطى الروايات ملامح الشخصية التاريخية متسقة مع نفسها بلا تناقض ، وأن تكون متسقة مع أحداث وثقافة عصرها فى مواقفها وفى أقوالها . ولكن بعض المؤرخين يخترع روايات إضافية عن نفس الشخصية ، وهنا يتعين على الباحث التاريخى تمحيص الروايات ومعرفة المؤرخ ومنهجه وطريقته فى التأريخ ومدى صدقيته ودقته فى ايراد الروايات التاريخية ، وبهذا الاساس يصل الباحث الى تحديد الملامح الأقرب الى حقيقة الشخصية التاريخية التى يحاول تجليتها . وفى نهاية الأمر يكون جهد الباحث التاريخى مجرد وجهة نظر مهما كان تمرسه بأدوات وأسس البحث التاريخى ، لأن الحقيقة التاريخية هى أخبار يمكن أن تكون صادقة أو كاذبة ، ولن نعرف تاريخنا الحقيقى إلّا يوم البعث يوم يصدر الناس أشتاتا ليروا اعمالهم .
2 ـ بهذا نفحص تاريخ شخصية مجهولة فى القرن الأول الهجرى هى ( عبد الله بن عامر) من خلال ما كتبه عنه محمد بن سعد فى موسوعته (الطبقات الكبرى ) وابن الجوزى فى تاريخه :(المنتظم ) . وقد عاشا فى العصر العباسى . مات محمد بن سعد عام 222 أو 230 ،ومات ابن الجوزى عام 597 . وكلاهما إصطنع لرواياته إسنادا وعنعنة ، أى حدثنا فلان عن فلان. وسنهمل هذا الاسناد إختصارا .
أولا :
المعلومات التاريخية عن عبد الله بن عامر فى الطبقات الكبرى لابن سعد :
1 ـ نسبه : ( عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ) ( ويكنى أبا عبد الرحمن )، أى ينتمى الى عبد شمس جد الأمويين ،( وأمه دجاجة بنت أسماء بن الصلت )
أولاده وزوجاته : ( فولد عبد الله بن عامر اثني عشر رجلا وست نسوة : عبد الرحمن لأم ولد ( أى أمه كانت جارية ) ، ( قتل يوم الجمل ) أى قتل فى معركة الجمل . ( وعبد الله مات قبل أبيه ، وعبد الملك ، وزينب ، وأمهم كيسة بنت الحارث بن كريز بن ربيعة )أى بنت عمه، ( وعبد الحكيم وعبد الحميد وأمهما أم حبيب بنت سفيان بن عويف..) (وعبد المجيد لأم ولد )(وعبد الرحمن الأصغر وهو أبو السنابل وعبد السلام ..وأمهما أم ولد ) ( وعبد الرحمن وهو أبو النضر لأم ولد ) ( وعبد الكريم وعبد الجبار وأمة الحميد وأمهم هند بنت سهيل بن عمرو بن عبد شمس ) أى بنت عمه أيضا . ( وأم كلثوم بنت عبد الله وأمها أمة الله بنت الوارث بن الحارث ) ( وأمة الغفار بنت عبد الله وأمها أم أبان بنت مكلبة) ( وعبد الأعلى بن عبد الله وأمة الواحد لأم ولد ) ( وأم عبد الملك وأمها من بني عقيل )
مولده واسلامه
( قالوا ولد عبد الله بن عامر بمكة بعد الهجرة بأربع سنين، فلما كان عام عمرة القضاء سنة سبع وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة معتمرا حمل إليه بن عامر وهو ابن ثلاث سنين فحنكه فتلمظ وتثاءب فتفل رسول الله في فيه ( أى فمه )، وقال : هذا ابن السلمية ؟ قالوا: نعم ، قال : هذا ابننا وهو أشبهكم بنا . ) . أى ولد بمكة بعد هجرة النبى منها بأربع سنوات ، وقالوا أنهم حملوه طفلا للنبى حين زار مكة معتمرا عام 7 هجرية . وبقية الخبر: (فحنكه فتلمظ وتثاءب فتفل رسول الله في فيه ( فمه ) بزعمهم ، أى تكريم لابن عامر فى طفولته . والكذب واضح فى الرواية ، لأن بنى عبد شمس والأمويين كانوا ألد أعداء النبى وقتها ، ولم يكن منتظرا منهم أن يرسلوا طفلا للنبى ليباركه لهم . ثم ينسب الخبر للنبى أنه قال عن الطفل عبد الله بن عامر : ( هذا ابن السلمية؟ قالوا : نعم . قال هذا ابننا وهو أشبهكم بنا )، وعبد الله ليس ابن السلمية ، وليس من بنى هاشم حتى يقول عنه النبى (هذا ابننا وهو أشبهكم بنا ).
حياته العملية
كان واليا للبصرة وإنطلقت منها فتوحات لتصل الى خراسان ( أفغانستان حاليا ) :
( قالوا لما ولي عثمان بن عفان الخلافة أقر أبا موسى الأشعري على البصرة أربع سنين كما أوصى به عمر في الأشعري أن يقر أربع سنين ، ثم عزله عثمان وولى البصرة ابن خاله عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس ، وهو ابن خمس وعشرين سنة . وكتب إلى أبي موسى : إني لم أعزلك عن عجز ولا خيانة وإني حفيظ قيد استعمال رسول الله وأبي بكر وعمر إياك وإني لأعرف فضلك وإنك من المهاجرين الأولين ولكني أردت أن أصل قرابة عبد الله بن عامر ، وقد أمرته أن يعطيك ثلاثين ألف درهم . ) . الرواية كاذبة لأن أبا موسى الأشعرى اليمنى الأصل لم يكن من المهاجرين الأولين ، لم تكن فتوحات فى عهد النبى ، ولم يكن أبو موسى الأشعرى واليا لأبى بكر فى خلافته القصيرة .
إبن عامر وفتوحاته
( فوجّه إبن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس إلى ( سجستان ) فافتتحها صلحا .. ، ثم مضى إلى أرض ( الدوار) فافتتحها ، ثم كان ابن عامر يغزو أرض البارز وقلاع فارس . وقد كان أهل البيضاء من ( اصطخر )غلبوا عليها فسار إليها ابن عامر فافتتحها ثانية ، وافتتح ( جور والكاريان والفنسجان ) وهما من دار( ابجرد ) ، ثم تاقت نفسه إلى خراسان، فقيل له بها يزدجرد بن شهريار بن كسرى ومعه أساورة ( قادة ) فارس ، وقد كانوا تحملوا بخزائن إلى كسرى .. فكتب في ذلك إلى عثمان فكتب إليه عثمان : " أن سر إليها إن أردت " .. فتجهز وقطع البعوث ثم سار .. على طريق إصطخر ، ثم أخذ فيما بين ( خراسان وكرمان )حتى خرج على ( الطبسين )ففتحهما ... ثم توجه نحو ( مرو) فوجّه إليها حاتم بن النعمان الباهلي ونافع بن خالد الطاحي فافتتحاها كل واحد منهما على نصف المدينة، وافتتحا رستاقها ( حصنها ) عنوة وفتحا المدينة صلحا ، وقد كان يزدجرد قُتل قبل ذلك .. ثم سار ابن عامر نحو ( مرو الروذ ) فوجّه إليها عبد الله بن سوار بن همام العبدي فافتتحها ووجّه يزيد الجرشي إلى( زام وباخرز وجوين ) فافتتحها جميعا عنوة ، ووجّه عبد الله بن خازم إلى (سرخس ) فصالحه مرزبانهم ( قادتها ) ، وفتح إبن عامر ( أبرشهر )عنوة و( طوس وطخارستان ونيسابور وبوشنج وباذغيس وأبيورد وبلخ والطلقان والفارياب ) ثم بعث صبرة بن شيمان الأزدي إلى هراة فافتتح رساتيقها ولم يقدر على المدينة ثم بعث عمران بن الفيصل البرجمي إلى آمل فافتتحها ).
سفره للحج وقت الغزو وتفريقه الهدايا على الناس
( ثم خلف إبن عامر الأحنف بن قيس على خراسان .. ثم أحرم إبن عامر بالحج من خراسان .. حتى قدم على عثمان . فقال له : " صل قومك من قريش " ففعل ، وأرسل إلى علي بن أبي طالب بثلاثة آلاف درهم وكسوة ، فلما جاءته قال : " الحمد لله إنا نرى تراث محمد يأكله غيرنا "!! . فبلغ ذلك عثمان فقال لابن عامر: " قبح الله رأيك.! أترسل إلى علي بثلاثة آلاف درهم ؟ .. فبعث إليه بعشرين ألف درهم وما يتبعها . فراح علي إلى المسجد، فانتهى إلى حلقته وهم يتذاكرون صلات بن عامر .. فقال علي : " هو سيد فتيان قريش غير مدافع ." .! وتكلمت الأنصار فقالوا : " أبت الطلقاء إلا عداوة .! " فبلغ ذلك عثمان فدعا بن عامر فقال : " دار الأنصار فألسنتهم ما قد علمت." فأفشى فيهم الصلات والكسى ، فأثنوا عليه . فقال له عثمان : " انصرف إلى عملك " .. فانصرف والناس يقولون : قال بن عامر وفعل بن عامر . )
استئناف الفتوحات
( .. فكتب إلى عثمان يستأذنه في الغزو ، فأذن له ، فكتب إلى إبن سمرة أن تقدّم ، فتقدم ، فافتتح ( بست )وما يليها ثم مضى إلى (كابل وزابلستان ) فافتتحهما جميعا وبعث بالغنائم إلى ابن عامر . قالوا ولم يزل بن عامر ينتقص شيئا من خراسان حتى افتتح هراة وبوشنج وسرخس وأبرشهر
والطالقان والفارياب وبلخ . فهذه خراسان التي كانت في زمن بن عامر وعثمان ولم يزل بن عامر على البصرة .
اعماله
( اتخذ السوق للناس بالبصرة ، اشترى دورا فهدمها وجعلها سوقا ، وهو أول من لبس الخز ( الحرير ) بالبصرة .زوهو أول من اتخذ الحياض بعرفة وأجرى إليها العين وسقى الناس الماء فذلك جار إلى اليوم .
دوره فى الفتنة الكبرى
( سيّر عامر بن عبد قيس العنبري من البصرة إلى الشام بأمر عثمان بن عفان . ) . التسيير كان عقوبة إبتدعها عثمان ، تعنى إعتقال الشخص وتسييره فى المدن تشهيرا .
( فلما استُعتب عثمان من عماله) أى عوتب ( كان فيما شرطوا عليه أن يقرّ إبن عامر بالبصرة لتحببه إليهم وصلته هذا الحي من قريش . فلما نشب بالناس في أمر عثمان ( أى بدأ حصار عثمان فى داره بالمدينة ) دعا إبن عامر مشاجع بن مسعود فعقد له جيشا إلى عثمان ، فساروا حتى إذا كانوا بأداني بلاد الحجاز خرجت خارجة ( فرقة من الجيش ).. فلقوا رجلا فقالوا ما الخبر ؟ قال : " قُتل عدو الله نعثل وهذه خصلة من شعره " ( نعثل هو لقب عثمان فى الجاهلية . . ثم رجع مجاشع إلى البصرة . )
هروب إبن عامر ببيت المال وتحريضه طلحة والزبير وعائشة ضد ( على بن أبى طالب ) :
( فلما رأى ذلك بن عامر حمل ما في بيت المال .. ثم شخص إلى مكة ، فوافى بها طلحة والزبير وعائشة وهم يريدون الشام ( أى ضد معاوية ) فقال : " لا بل ائتوا البصرة فإن لي بها صنائع وهي أرض الأموال وبها عدد الرجال .." ثم أجمع رأيهم على المسير إلى البصرة . ) ( فلما كان من أمر الجمل ما كان وهزم الناس .. فلحق إبن عامر بالشام حتى نزل دمشق ...ولم يزل عبد الله بن عامر مع معاوية بالشام ... ولكن معاوية لما بايعه الحسن بن علي ولى بسر بن أبي أرطأة البصرة ثم عزله فقال له بن عامر : " إن لي بها ودائع عند قوم فإن لم تولني البصرة ذهبت " فولاه البصرة ثلاث سنين ). كان الوالى يودع سرقاته عند من يثق فيهم .
ثانيا :
المعلومات التاريخية عن إبن عامر فى تاريخ ( المنتظم ) وفيات 59 :
1 ـ نقلها ابن الجوزى بإختصارعن ابن سعد مع تغييرات فى الاسناد ، أى لم يكن أمينا فى النقل ، إذ يصطنع أسانيد لنفس الروايات من عنده .
2 ـ وصنع إبن الجوزى روايات من عنده . أهمها :
2 / 1 : تطليق إبن عامر زوجته زوجته : (هند بنت معاوية). ويصنع له إسنادا مزورا عن : ( بعض القرشيين ) قال‏:‏ كانت هند بنت معاوية أبر شيء بعبد الله بن عامر وأنها جاءته يومًا بالمرآة والمشط - وكانت تتولى خدمته بنفسها - فنظر في المرآة فالتقى وجهه ووجهها في المرآة فرأى شبابها وجمالها ورأى الشيب في لحيته قد ألحقه بالشيوخ فرفع رأسه إليها فقال‏:‏ الحقي بأبيك‏.‏ فانطلقت حتى دخلت على أبيها فأخبرته فقال‏:‏ وهل تطلق الحرة‏.‏ قالت‏:‏ ما أوتي من قبلي وأخبرته خبرها فأرسل إليه فقال‏:‏ أكرمتك بابنتي ثم رددتها علي‏ ؟! .‏قال‏:‏ .. إن الله تبارك وتعالى مَنً علي بفضله وجعلني كريمًا لا أحب أن يتفضل علي أحد وإن ابنتك أعجزتني مكافأتها لحُسن صحبتها فنظرت فإذا أنا شيخ وهي شابة لا أزيدها مالًا إلى مالها ولا شرفًا إلى شرفها فرأيت أن أردها إليك فتزوجها فتى من فتيانك .. ! .‏ ) .
2 / 2 : خبر آخر عمّن جاء الى ابن عامر يطلب مالا ثم رجع .
2 / 3 : ، خبرا عن أبى ذر يعظ إبن عامر .
3 ـ كان ابن الجوزى أشهر القصاصين فى العصر العباسى ، وكان يضع أقاصيصه فى كتاباته التاريخية ، ويرصّعها بالأشعار .
أخيرا :
الواضح بين السطور أن المال كان الإله الأعظم لصحابة الفتوحات وحروبهم الأهلية . عليهم لعنة الله جل وعلا .