في نسبية -الآن-


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4691 - 2015 / 1 / 14 - 23:45
المحور: الطب , والعلوم     

جواد البشيتي
لمعرفة زمان ومكان حدوث حادث ما، لا بدَّ لنا من أنْ نجيب دائماً عن سؤالين متلازمين هما: "متى حدث؟"، و"أين حدث؟".
ولو جَمَعْتَ إجابات مراقِبين كونيين مختلفين عن السؤالين لوَجَدْتَّ أنْ لا تَمَاثُل (أو اتِّفاق) في إجاباتهم؛ لأنَّ "أُطُرهم المرجعية" مختلفة.
"التزامُن" Simultaneity هو أنْ ترى حادثين يحدثان في الوقت نفسه؛ وهذا ما يُمْكِن أنْ تراه عندما تَقِف في منتصف المسافة بين مكانيِّ (أو مَوْضِعَيِّ) الحادثين.
افْتَرِضْ أنَّ المسافة بين مكانيِّ الحادثين 1.2 مليون كم؛ وأنتَ تَقِف في منتصفها.
عندئذٍ، تستطيع أنْ تقول إنَّ الحادثين متزامنين؛ فأنتَ رأيتهما يحدثان في الوقت نفسه.
لكنَّكَ في قولك هذا تَضْرِب صفحاً عن أمْرٍ في منتهى الأهمية هو "الفَرْق في الزَّمن بين حدوث الحادث وبين رؤيتكَ له"؛ فكلا الحادثين حدث قبل ثانيتين اثنتين من رؤيتكَ له.
ولو أنَّ مراقباً آخر كان يقف على بُعْد أمتار من أحد الحادثين لَمَا رأى تزامناً في حدوثهما، ولقال إنَّ هذا الحادث (الأقرب إليه) قد حدث "قبل" ذاك بنحو 4 ثوانٍ.
إنَّ "الرؤية" هي "تأثير"؛ هي تأثير "الحادث" بـ "عَيْن المراقِب"؛ وهذا التأثير ينتقل (في الفضاء) بسرعة 300 ألف كم/ث؛ والناقِل (أو الحامِل) للتأثير (من مصْدَرِه، أو نقطة انطلاقه) إنَّما هو نوع من الجسيمات عديمة الكتلة، والتي تسمَّى "الجسيمات الحاملة للقوَّة (أيْ للتأثير)"؛ فلا وجود لـ "تأثيرٍ"، ينطلق من نقطة تبعد عنكَ (مثلاً) بضعة أمتار، فيَصِل إليكَ، وإلى مراقب آخر يبعد عنكَ بلايين السنين الضوئية، في الوقت نفسه. إنَّ كل "تأثير" ينبغي له (قبل أنْ يصِل إليك) أنْ يجتاز مسافة معيَّنة، وبسرعة معيَّنة، هي سرعة الضوء.
الحادثان حدثا في الوقت نفسه؛ ولقد حدثا قبل أنْ يراهما المراقِبَيْن: المراقِب الذي يقف في منتصف المسافة بينهما، والمراقِب الذي يقف على بُعْد أمتارٍ من أحدهما.
المراقِب الأوَّل قال إنَّهما "متزامنان"؛ والمراقِب الثاني قال إنَّهما "غير متزامنين".
لكن، هل كل حادثين أراهما "متزامنين" يجب أنْ يكونا قد حدثا في الوقت نفسه؟
أنا الآن أقف في مكان ما على سطح الأرض؛ ولقد رأيتُ حادثين متزامنين، أحدهما انفجار قنبلة على بُعْد 1000 متر من حيث أقِف، والآخر هو انفجار نجم يبعد عن الأرض 10 ملايين سنة ضوئية.
الحادثان متزامنان على ما أرى؛ لكنَّ انفجار النجم حدث قبل 10 ملايين سنة.
وهذا إنَّما يعني أنْ ليس كل حادثين أراهما "متزامنين" يجب أنْ يكونا قد حدثا في الوقت نفسه.
تخيَّل أنَّ نجماً يبعد عن الأرض 10 ملايين سنة قد انفجر "الآن"، وأنَّ انفجاره سيُخلِّف أثراً ما في كوكبنا الأرضي.
نحن الآن سكَّان كوكب الأرض لم نرَ (حتى الآن) هذا الانفجار (الذي حدث "الآن"). لكنْ لنتخيَّل أنَّ نبأ انفجاره قد أُخْبِرْنا به في طريقة سحرية.
إنَّ كوكبنا لن يتأثَّر به الآن؛ وإنَّما بعد 10 ملايين سنة؛ فتأثير هذا الانفجار يسير بسرعة الضوء، ولن يجتاز هذه المسافة الهائلة إلاَّ بعد 10 ملايين سنة (أرضية).
ماذا يعني هذا؟
إنَّه يعني أنَّ "الماضي الكوني" هو الذي يؤثِّر (أو يمكن أنْ يؤثِّر) في "حاضر (ومستقبل) الأرض".
وماذا يعني أنْ ترى الآن (وفي هذه الليلة) نجماً ينفجر بغتةً؟
إنَّه يعني أنَّ كل تأثير لهذا الانفجار النجمي قد وصَلَ الآن إلى الأرض؛ فلحظة رؤيتكَ الانفجار هي نفسها لحظة وصول تأثيراته (إليكَ).
أنتَ الآن تراقِب السماء (الليلية) من على سطح كوكب الأرض؛ ولقد رأيْتَ، بواسطة التليسكوب، كوكباً بعيداً جدَّاً (يَبْعُد عن كوكبنا 10 بلايين سنة ضوئية مثلاً). ورأيْتَ شخصاً يقف على سطح هذا الكوكب، الذي جاذبيته السطحية (أيْ الجاذبية عند سطحه) تفوق الجاذبية السطحية لكوكبنا بملايين المرَّات، وفي يده كرة، أفْلَتَها، فشَرَعَت تسقط إلى سطح الكوكب. ولسوف ترى، أيضاً، أنَّ وصول الكرة إلى سطح ذلك الكوكب قد استغرق (مثلاً) 100 ساعة، بحسب ساعتكَ أنتَ؛ لكنَّه استغرق، بحسب ساعته هو، ثانية واحدة.
متى حدث هذا الحادث؟
لقد حدث قبل 10 بلايين سنة (أرضية). إنَّ هذا الحادث، ولجهة رؤيتكَ له، يشبه "فِيلْماً"، أتاكَ به "مُصَوِّر"، قطع مسافة 10 بلايين سنة ضوئية، سائراً بسرعة 300 ألف كم/ث. وها أنتَ الآن تشاهد "الفيلْم"، الذي صُوِّرَ فيه ذاك الحادث (الذي استغرق حدوثه 100 ساعة بحسب ساعتكَ). و"المعلومة المهمة" التي يُخْبِركَ بها هذا "المُصَوِّر" هي أنَّه قد قطع (فعلاً) مسافة 10 بلايين سنة ضوئية. إنَّه "فيلْمٌ" رأيْتَ فيه حادثاً قديماً جدَّاً، وبطيئاً جدَّاً.
"الفيلْم"، مع مُصَوِّره، قطع (فعلاً) مسافة 10 بلايين سنة ضوئية؛ فهل هذا يعني أنَّ ذلك الكوكب يبعد الآن عن الأرض 10 بلايين سنة ضوئية؟
كلاَّ، لا يعني هذا.
هذا الكوكب ما أنْ انطلق منه "المُصَوِّر" في رحلته الطويلة هذه حتى ارتدَّ إلى الوراء (أي في الاتِّجاه المعاكس للاتِّجاه الذي سار فيه "المُصَوِّر"). وظلَّ هذا الكوكب في حركته الارتدادية هذه.
عند وصول "الفيلْم" إلى عينيكَ أصبح هذا الكوكب يبعد عن الأرض 15 بليون سنة ضوئية (مثلاً).
لكنَّ هذا افتراض؛ ذلك لأنَّ هذا الكوكب قد يكون اختفى من الوجود (لقد ابتعد، ثمَّ اختفى من الوجود).
عند انطلاق "الفيلْم"، قبل 10 بلايين سنة أرضية، كانت المسافة بين هذا الكوكب وكوكب الأرض أقصر؛ وفي خلال رحلة "الفيلْم" استطالت المسافة بين نقطة انطلاقه (انطلاق "الفيلْم") وبين كوكب الأرض، مثلما استطالت بين النقطة نفسها وبين ذلك الكوكب؛ لأنَّ الفضاء نفسه يتمدَّد.