الحركة في المكان والزمان ما بين الفلسفة والفيزياء!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 5479 - 2017 / 4 / 2 - 00:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

الحركة" Motion هي جسم (أو جسيم) ينتقل في المكان من نقطة إلى أخرى، بسرعة معيَّنة، وفي اتِّجاه معيَّن؛ وبانتقاله (على سطحٍ ما، أو في الفضاء) يُغَيِّر الجسم موقعه، أو موضعه (بالنسبة إلى جسم آخر).
والحركة في المكان هي حركة (للجسم) في بُعْدٍ من أبعاد المكان الثلاثة (الطول، أو العرض، أو الارتفاع).
وحركة الجسم في المكان هي دائماً (أو هي في الوقت نفسه) حركة له في الزمان؛ فأنتَ لا يمكنكَ أنْ تسير على سطح الأرض، قاطعاً مسافة معيَّنة، من غير أنْ يستغرق سيركَ هذا زمناً معيَّناً (5 دقائق مثلاً). ومُضيُّ هذا الزمن (5 دقائق) هو انتقال وحركة في الزمان.
ولو سافَرْتَ في الفضاء بسرعة تزايدت، في استمرار، حتى قاربت سرعة الضوء، أو لو سافرت في الفضاء عابِراً مناطق منه شديدة الانحناء، أيْ تَغْمرها جاذبية شديدة، فلا بدَّ لكَ، عندئذٍ، من أنْ تسافِر (تنتقل، تتحرَّك) في الزمان؛ لأنَّ الزمان يتباطأ عندكَ، وإنْ لم تشعر أنتَ بهذا التباطؤ.
اجْلِسْ على كرسيكَ 10 دقائق مثلاً، فتنتقل في الزمان من غير أنْ تبارح مكانك. إنَّكَ، في هذه الحال، ومن وجهة نظركَ فحسب، انتقلتَ في الزمان، من غير أنْ تنتقل في المكان.
والآن، هل لكَ أنْ تشغل موضعاً ما، وأنْ تشغل غيره، في اللحظة نفسها؟
إنَّ في إجابة هذا السؤال ما يَصْلُح تعريفاً لـ "الحركة"، ولو فلسفياً؛ فإنَّ للحركة تناقضها، الذي إنْ ضَرَبْنا عنه صفحاً، لن نُحْسِن فهمها وتفسيرها.
لو نَظَرْتَ إلى "الحركة" بعينٍ فلسفية؛ فماذا ترى؟
ترى أنَّ الجسم المتحرِّك، وفي "اللحظة نفسها"، يكون، ولا يكون، في الموضع (الموقع) نفسه؛ وهذا "التناقض" هو "جوهر (وأساس) الحركة (في المكان)".
وفلسفياً (وجدلياً على وجه التحديد) يمكنني أنْ أَفْهَم "الحركة (في المكان)" على أنَّها "السكون إذا نُفِيَ واحتُفِظَ به في الوقت نفسه"؛ فـ "الحركة" هي ثمرة، أو نُتاج، نَفْيٍ للسكون، واحتفاظٍ به، في آنْ. إنَّهما (أيْ "الحركة" و"السكون") الضِّدان في وحدتهما التي لا انفصام فيها، وفي صراعهما الدائم.
وبعد سؤال الفلسفة ذاك، يأتي سؤال الفيزياء الآتي: هل تستطيع أنْ تقول إنَّ هذا الجسم متحرِّك، أو ساكن، من غير أنْ تُضَمِّن قولك عبارة "بالنسبة إلى"؟
قُمْ بهذه التجربة الذهنية حتى يتأكَّد لكَ أنَّ "الحركة نسبية"، وأنَّ "السرعة نسبية"، وأنَّ "اتِّجاه الحركة نسبي"، وأنَّ "السكون نسبي".
أنتَ الآن واقِف على سطح كوكب الأرض، تَنْظُر إلى السماء، ليلاً، فترى جسماً يتحرَّك (على نحوٍ ما) بسرعة معيَّنة. لقد اسْتَعْمَلْتَ أدوات وأجهزة وطرائق مراقبة ورصد واختبار في منتهى الدِّقة، فتوصَّلْتَ إلى نتيجة (علمية) مؤدَّاها أنَّ هذا الجسم يتحرَّك (على هذا النحو) وبسرعة 100 متر في الثانية الواحدة مثلاً.
لو كان كل المراقبين في الكون، يستطيعون رؤية هذا الجسم، ويستعملون الأدوات والأجهزة والطرائق نفسها، أيْ التي استعملتها أنتَ، فهل يتوصَّلون إلى النتيجة نفسها؟
كلاَّ، لن يتوصَّلوا إلى النتيجة التي توصَّلْتَ إليها أنتَ؛ فبعضهم سيكون متأكِّداً تماماً أنَّ هذا الجسم ساكن، لا يتحرَّك، وبعضهم سيختلف معكَ في سرعته؛ فهو قد يرى أنَّ هذا الجسم يتحرَّك بسرعة 200 متر في الثانية، أو 5 أمتار في الثانية، أو 200 ألف كيلومتر في الثانية.
تَصَوَّر كوكب الأرض على أنَّه قطار طويل يسير في الفضاء، وأنتَ تجلس في مؤخَّره. لقد دَفَعْتَ كرةً من حيث تجلس، فتحرَّكت متَّجِهةً نحو مقدَّمه، بسرعة 5 أمتار في الثانية.
مراقِب في خارج القطار، ثابت في مكانه، قاس سرعة الكرة لَمَّا تجاوزه القطار؛ فهل يجدها 5 أمتار في الثانية؟
كلاَّ؛ فهو سيجد سرعتها تفوق سرعة القطار.
مراقِب آخر، في موضع بعيد جداً في الفضاء، يقيس سرعة هذه الكرة فيجدها (مثلاً) 100 ألف كيلومتر في الثانية.
والآن، افْتَرِضْ أنَّكَ في داخل حجرة مغلقة، لا ترى شيئاً مِمَّا في خارجها، وتسير في فضاء بعيد عن كل مصادر وحقول الجاذبية، في خطٍّ مستقيم، وبسرعة ثابتة (100 متر في الثانية، أو 100 كيلومتر في الثانية، أو 100 ألف كيلومتر في الثانية، أو..). إنَّ كل ما تستطيع إدراكه هو أنَّ حجرتكَ لا أثر فيها للجاذبية.
ومن غير أنْ تراها؛ لأنَّك لا تستطيع رؤيتها، جاءت يد قوية، وشرعت تدفع حجرتك في الاتِّجاه نفسه (أيْ في اتِّجاه سير حجرتكَ). ولقد دفعتها دَفْعاً متزايد الشِّدة، فسارت حجرتكَ بسرعة تزداد الازدياد نفسه كل ثانية. إنَّ كل ما تستطيع إدراكه الآن هو أنَّ حجرتكَ قد تولَّدت فيها جاذبية؛ أمَّا أنا الذي أُراقِب حجرتكَ من على سطح كوكب الأرض (مثلاً) فأرى أنَّ حجرتك كانت أوَّلاً تسير بسرعة ثابتة؛ ثمَّ تسارعت، أيْ سارت بسرعة متزايدة تزايداً ثابتاً؛ وفي كلتا الحالتين، كانت، وظلت، تسير في مسارٍ مستقيم. لقد رَاَيْتُها تسير مبتعدةً (مثلاً) عن نقطة ما في الفضاء، أو عن موضعي على سطح الأرض.
تمييز "الحركة (مع "السرعة" و"الاتِّجاه")" من "السكون"، إنَّما هو أمْرٌ نسبي، فلا بدَّ لهذا التمييز من أنْ يأتي من مراقِب ما؛ وهذا المراقِب يرى "الحركة" إذا ما رأى جسماً ما يبتعد عنه، أو يقترب منه، أو إذا ما رأى هذا الجسم يبتعد عن "نقطة ما (قد تكون جسماً آخر)"، أو يقترب منها.
و"المراقِب" إنَّما هو جزء من موضعه، أو موقعه؛ إنَّه جزء من "إطار مرجعي ما"، قد يكون كوكب، أو نجم، أو صاروخ كوني، أو مركبة فضائية في حركة منتظَمة في فضاء عديم الجاذبية. و"الإطار المرجعي للمراقب" إنَّما هو "مكانه وزمانه المتَّحدين اتِّحاداً لا انفصام فيه".
و"المراقِب" هو، أيضاً، أدوات وأجهزة، يقيس بها الزمن (الساعة) والأطوال والمسافات (المتر مثلاً). و"الساعة" و"المتر" يتغيَّران بالحركة (بالسرعة الهائلة المتأتية من التسارع) وبالجاذبية؛ فالسرعة الهائلة (المتأتية من تسارع) أو الجاذبية الشديدة (أي الانحناء الشديد للفضاء) تؤدِّيان إلى إبطاء الزمن (أيْ تمدُّده) وإلى انكماش وتقلُّص المتر (والطول).
ولا بدَّ للحركة (والسرعة) من أنْ تَعْكِس "تباطؤ الساعة" و"انكماش المتر"؛ فأنتَ ترى الحركة عندكَ، أو في خارج "إطارك المرجعي"، بعينيكَ المتَّحِدتين اتِّحاداً لا انفصام فيه مع "ساعتكَ" و"متركَ".
إنَّكَ، ونسبةً إلى "النقطة الثابتة التي تُعيِّنها"، تُميِّز "الحركة" من "السكون"، وتقيس السرعة، وتُحدِّد اتِّجاه الحركة. نسبةً إلى هذه "النقطة الثابتة (الثابتة نسبياً، أيْ من وجهة نظركَ)"، تقول إنَّ هذا الجسم يتحرَّك، وبسرعة معيَّنة؛ لأنَّه يبتعد عنها، أو يقترب منها.
كل الحركات نسبية؛ لأنْ ليس في الكون كله من "إطار مرجعي مطلق"، أيْ "نقطة (أو جسم) ثابتة لا تتحرَّك بالنسبة إلى الفضاء نفسه"؛ في الكون كله، لا وجود لسكون مطلق.
"عنقود المجرات" ثابت في مكانه، لا يتحرَّك "في" الفضاء؛ لكنه يتحرَّك "مع" الفضاء؛ لأنَّ الفضاء بين "عناقيد المجرات" يتمدَّد في استمرار، ويتسارع تمدُّداً. وهذا إنَّما يعني أنَّ "عنقود المجرات"، أيْ كل "عنقود"، لا يَصْلُح لاتِّخاذه "نقطة مرجعية مطلقة". ولو افترضنا أنَّه يصلح؛ فهل يستطيع كل مراقِب كوني رؤيته؟!