سرعة الضوء ما بين -النسبية الخاصة- و-النسبية العامة-!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 5745 - 2018 / 1 / 2 - 23:39
المحور: الطب , والعلوم     

في أَمْر "سرعة الضوء"، نَعْلَم أنَّها "القصوى" في الكون؛ فلا شيء يسبق الضوء؛ ونَعْلَم أنَّها "محدودة"؛ فهي 300 ألف كيلومتر في الثانية تقريباً؛ ونَعْلَم أنَّها تتضاءل في مواد كالهواء والماء والزجاج؛ لكنَّ الضوء ما أنْ يَخْرُج من هذه المواد إلى "الفراغ" حتى يَسْتَأنِف السَّير بسرعته القصوى، والتي هي 300 ألف كيلومتر في الثانية تقريباً؛ ونَعْلَم أنَّها "مُطْلَقَة" أيضاً؛ لكنَّ هذه "الصِّفَة" قد تُفْهَم بما يجعلها تَلْتَبِس على بعض الناس.
إنَّها "مُطْلَقَة"؛ لكن هذا لا يعني أنَّ كلَّ المراقبين في الكون ينبغي لهم أنْ يروا السرعة نفسها (300 ألف كيلومتر في الثانية) في كلِّ ضوء ينتقل في الفضاء.
لو جِئنا بكلِّ المراقبين في الكون، ووضَعْناهم في منطقة من الفضاء، بعيدة عن كلِّ مصادِر وحقول الجاذبية، أيْ بعيدة عن النجوم والكواكب وسائر الأجسام والمادة؛ لو جِئنا بهم ووضَعْناهم مثلاً في منطقة من الفضاء الممتد (والمتمدِّد في استمرار) بين مجموعتين من المجرَّات؛ وهذا الفضاء (المستوي المنبسط) يسمَّى "الفضاء الفارغ" Empty Space؛ ولو جَعَلْنا بعضهم ثابتًا في مكانه، أيْ لا يتحرَّك في الفضاء؛ وبعضهم يسير في خطٍّ مستقيم، وبسرعة ثابتة، كأنْ يسير هذا بسرعة 1000 متر في الثانية الواحدة، وذاك بسرعة 100 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، وذلك بسرعة 280 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؛ ولو انطلقت نقطة من الضوء في هذا الفضاء، فإنَّ هؤلاء المراقبين جميعاً (وهُمْ مراقبون "غير متسارعين"، و"غير متأثِّرين بالجاذبية") سيَتَّفِقون على أنَّ سرعة هذه النقطة الضوئية 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة تقريباً. بهذا المعنى، ومع توافُر كل تلك الشروط، نقول إنَّ سرعة الضوء (في الفراغ) مُطْلَقَة.
كل مراقِب من هؤلاء يقيس سرعة هذه النقطة الضوئية فيجدها 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة تقريباً، مهما كانت سرعته؛ على أنْ تكون ثابتة، ومهما كان اتِّجاه حركته؛ على أنْ يظل سائراً في خطٍّ مستقيم، ومهما كان اتِّجاه حركة النقطة الضوئية، ومهما كانت سرعة مَصْدَرها. إنَّ سرعتها لا تزيد من طريق جَمْعِها مع سرعة أخرى، ولا تنقص من طريق طرح سرعة أخرى منها.
ومع افتراض أنَّ كل مراقِب من هؤلاء موجود في "حُجْرَة (مُخْتَبَر) شفَّافة"، نقول إنَّ كل مراقِب يرى حُجْرَته ساكنة، ثابتة في مكانها، لا تتحرَّك، ويرى كل شيء فيها يحدث كالمعتاد؛ أمَّا الحجرات الأخرى، فيرى بعضها ساكناً، لا يبتعد عن حجرته، ولا يقترب منها، وبعضها متحرِّكاً، يبتعد عن حجرته، أو يقترب منها؛ ويرى، أيضاً، بطء الزمن، وانكماش الطول، في كل الحُجرات المتحرِّكة (بالنسبة إلى حجرته).
افْتَرِضْ الآن أنَّ أحد هؤلاء المراقبين (غير المتسارعين، وغير المتأثِّرين بالجاذبية) قرَّر أنْ يتسارع، جاعلاً سرعة حجرته تزداد في استمرار؛ فهل يظل يرى سرعة تلك النقطة الضوئية 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة؟
كلاَّ، لن يظل؛ فهو قد يرى سرعتها الآن 400 ألف (أو 500 ألف أو مليون أو..) كيلومتر في الثانية الواحدة.
وهذا المراقِب، ولجهة قياسه سرعة تلك النقطة الضوئية، يشبه مراقِباً يقيسها من على مقربة من سطح "ثقب أسود"، أو من على مقربة من نجم هائل الكتلة، شديد الجاذبية، من ثمَّ. إنَّه يقيسها فيجدها دائماً تفوق سرعة الضوء، أيْ يجدها تزيد (قليلاً، أو كثيراً) عن 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة. والمراقِب الموجود على مقربة من سطح "ثقب أسود" قد يَجِد سرعة تلك النقطة الضوئية بليون أو 100 بليون أو.. كيلومتر في الثانية الواحدة.
وبعضٌ من أولئك المراقبين غير المتسارعين قد يجد سرعة نقطة ضوئية تسير على مقربة من سطح "ثقب أسود"، عند قياسه لها، بضعة أمتار في الثانية الواحدة.
سرعة الضوء هي 300 ألف كيلومتر في الثانية الواحدة، إذا ما كان هذا الضوء ينتقل في فضاء بعيد عن كل مصادِر وحقول الجاذبية، وإذا ما قاس سرعته مراقب غير متسارع، موجود في هذا الفضاء نفسه. عدا ذلك، تتغيَّر سرعة الضوء، زيادةً أو نقصاناً.