الدواعش بيننا ويسيرون أمورنا .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 16:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

هل قدر المغرب أن يظل يسير بسرعات مختلفة ومتباينة ؟ هل قدره أن يظل يخضع للحسابات السياسوية التي تعطل مسيرته التنموية وتحجز طاقاته الإبداعية ؟ إنها وضعية مقلقة ومحرضة على التصدي لها حتى لا يسود الجمود بكل تجلياته ، ويغرق المغرب التواق إلى الحرية الفكرية والسياسية والإبداعية ، في بؤر التطرف والانغلاق التي توفر كل اسباب الاقتتال الداخلي والحروب الأهلية في كثير من الدول التي مكّن ساستُها تيار التطرف من فرض الوصاية على الشأن العام كما الفردي ، تارة باسم المقدس وأخرى باسم الهوية . إن خطورة هذا الوضع ، ليس في وجود التيار المتطرف في حد ذاته ، وإنما في مأسستها وتمكينه من فرض تصوره على الشعب وإخضاع السياسات العمومية لنفس التصور والعقائد . مناسبة هذا القول هو انتقال تيار التطرف الذي ظل يعيش على الهامش الاجتماعي والسياسي دون أن يكون له تأثير على اختيارات الشعب وقيمه النبيلة ، من منطقة الهامش هذه إلى مركز القرار السياسي . فلم يعد التيار المحافظ /المتطرف يكتفي بمواقف التنديد التي كانت تفرضها عليه وضعيته الهامشية حين تضع الحكومة تشريعات لصالح النساء أو ترفع تحفظاتها عن اتفاقيات دولية كما هو الشأن بالاتفاقيات المتعلقة بالقضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ، وخاصة مقتضيات المادتين 9 و16 من الاتفاقية ؛ حيث أصدرت حركة التوحيد والإصلاح بيانا بتاريخ 14 شتنبر 2011 يندد بموقف الحكومة ، معتبرا مقتضيات المادتين ( تتعارض مع أحكام الإسلام وتتناقض مع أحكام الدستور وتخالف صراحة بنود مدونة الأسرة وتجهز على مكتسبات ثابتة للمرأة) ؛ أو فيما يتعلق بمشروع خطة إدماج المرأة في التنمية ، أو ما يخص المهرجانات الفنية والثقافية التي جند التيار المحافظ كل أذرعه الدعوية ، الحزبية ، الجمعوية ، الإعلامية لمناهضة تنظيمها والإشراف عليها ؛ بل انتقل التيار إياه إلى موقع القرار السياسي بحيث لم تعد تكفيه تسجيل المواقف وإنما أجرأتها وتنفيذها من داخل مؤسسات الدولة الدستورية . وهنا تكمن خطورة هذا التيار الذي تلبّس بالدولة واخترق مفاصلها فصارت ذراعه الطويلة لكل ما لم يستطعه زمن المعارضة أو لم تمكّنه منه منطقة الهامش . صار التطرف ، إذن ، مُمَأسسا وناطقا باسم المؤسسات الدستورية والتشريعات القانونية وموظفا إيها لتحقيق أجندته . وضعيته هذه جعلته في غنى عن تنظيم الوقفات الاحتجاجية ضد الترخيص لعرض فيلم « الخروج: ملوك وآلهة » كما فعل من قبل مع أعمال فنية ، وإنما سارع إلى قرار المنع باسم القانون والمؤسسات الدستورية . وهذه كانت غاية التيار التي أعلن عنها صراحة في أطروحة المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية التي حددت استراتيجية الحزب من المشاركة في مؤسسات الدولة والأدوات الدستورية والقانونية لتنفيذ الاستراتيجية كالتالي: ( إن الاشتغال على قضايا المرجعية والهوية والقضايا الأخلاقية وجب أن يتم ضمن آليات الاشتغال وأدوات الخطاب السياسي أي باعتبارها من قضايا السياسات العمومية مما يقتضي التركيز على مقاربتها مقاربة قانونية وتشريعية ورقابية . فمقاربة الحزب لقضايا الهوية والأخلاق تتم بترجمتها إلى إجراءات عملية ومقترحات مفصلة مع آليات التنفيذ ، وهو ما يعني اقتراح سياسات عمومية في إطار برامج سياسية تطرح ديمقراطيا ضمن المؤسسات المنتخبة ذات الصلاحية ) . فالحزب الذي كان يناهض ويندد بخيارات الدولة فيما يتعلق بالانفتاح على حقوق الإنسان في كونيتها ، صار اليوم يمنع ويصادر بكل اطمئنان استنادا إلى الاختصاصات والصلاحيات الواسعة التي يمنحها له الدستور كحزب يقود الحكومة .
فمظاهر التطرف والدعوشة لا تتجسد فقط في إطالة اللحى وتقصير السراويل ووضع الكُحْل في العينين ، بل صارت تتخذ لها من الألبسة العصرية والماركات العالمية زينة حلالا وتضفي عليها المسحة الشرعية وتنفي عنها كل بدعة أو تشبه بالنصارى . وما يجمع الدواعش باللحى الطويلة والحليقة هو القتل المادي والرمزي للفكر وللإبداع وللإنسان . هدف كل الدواعش مصادرة كل الحريات الفكرية والفنية والسياسية وإخضاع الضمائر للرقابة كمدخل لأسلمة الدولة والمجتمع والأسرة والحياة العامة كما تبين أدبيات حركة التوحيد والإصلاح وميثاقها كالتالي: ( إقامة الدين على مستوى المجتمع يعني أن تنضبط هذه المؤسسات (= المنزل والمدرسة والجامعة والمستشفى والسينما والسوق والمسرح والمسجد والشارع والمقهى والنادي والفندق والحديقة والمتجر والإدارة والمزرعة والمصنع والطريق والسجن وغيرها ) أن تنضبط هذه المؤسسات بأحكام الإسلام وأن يكون مَنْ فيها ملتزمين بأحكام الإسلام في أنفسهم وعلاقاتهم ومعاملاتهم ) . أما إقامة الدين على مستوى الدولة ، فإن ميثاق الحركة ينص على التالي ( وإذا اعتبرنا الدولة هي مجموع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، والنظم الأساسية للمجتمع ومن أهمها في بلدنا (الدستور ) ، ويضاف إلى ذلك المؤسسات والإدارات التي تمارس من خلالها تلك السلطات أو تطبق تلك النظم فإقامة الدين على هذا المستوى تعني أن تكون هذه السلطات والنظم والمؤسسات صادرة عن الإسلام وملتزمة به ، وأن تكون السياسات العامة للدولة متفقة مع مبادئ الإسلام ومقاصده ). يتضح إذن ، أن منع الأعمال الفنية والسينمائية لم يأت عرَضا ، وإنما هو حلقة ضمن مخطط "أخْوَنة" المغرب الذي ظل عصيا على المتطرفين من موقع الهامش . لذا على القوى الديمقراطية والحداثية أن تعي خطورة هذا المخطط على الهوية المغربية المتميزة بالانفتاح على الكوني وتعدد مكوناتها العرقية واللغوية وغنى مشاربها الثقافية والفكرية ، فتتحرك لتطويقه .