إنها حكومة الإهمال والحڴرة .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4653 - 2014 / 12 / 5 - 14:53
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

عاشت المناطق الجنوبية للمملكة فواجع مؤلمة كان من المفروض في الحكومة أن تسارع إلى الإعلان عن ثلاثة قرارات :
أولها : اعتبار المناطق التي اجتاحتها الفيضانات والسيول الجارفة مناطق منكوبة ، مع تقتضيه الوضعية من تدخل عاجل لإعادة إيواء المنكوبين وتوفير كل ما يحتاجونه من خيام وأغطية وأغذية وملابس وأدوية لهم ولمواشيهم . مئات المساكن جرفتها السيول وعشرات القرى والدواوير والمداشر في عزلة تامة وقد فقد السكان كل أسباب العيش .
ثانيها : إعلان حالة الحداد الوطني تعبيرا عن تداعي الجسم المغربي بكل جهاته ومناطقه للمآسي التي حلت بعشرات الأسر جراء غرق أفرادها أمام أنظار وكاميرات آلات التصوير التي عرّت عن إخلال الحكومة ومصالحها الخارجية بمسئولياتها الوطنية والإنسانية التي يفرضها الوضع المأساوي الذي كان عليه الضحايا وهم داخل السيارات وعلى سطوحها أو متشبثين بأغصان الأشجار أملا في الإنقاذ .
ثالثها : تشكيل لجنة للتقصي تضم مختلف الفاعلين للوقوف على حجم وطبيعة الاختلالات وكذا لتحدد المسئوليات والأطراف المتحملة لها .
أمام المشاهد المؤلمة التي تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي لأشخاص عالقين على الطرقات لأكثر من ثلاث ساعة أو يقل عنها بقليل ، قبل أن تجرفهم المياه ، أو تلك التي يرويها أهل الضحايا ، وخاصة النسوة اللائي كن رفقة أطفالهن داخل سيارات الأجرة وهن يتصلن هاتفيا بذويهن يستنجدن قبل أن تجرفهن السيول إلى مصيرهن الذي ارتضاه لهن المسئولون عن المأساة ؛ أمام هذه المشاهد التي تدمي القلوب ، لا يملك المرء إلا يدين بشدة الأسلوب الذي تعاملت به الحكومة مع النشرات الإنذارية لمديرية الأرصاد الجوية ، والتي اعتبرتها الحكومة ، في تصريح وزير الداخلية أمام البرلمان ، أنها تعني المواطنين وهم وحدهم يتحملون مسئولية الفاجعة لمغامرات السائقين وتهورهم . بل المفجع أن يعلن مسئول بقطاع حكومي عزمه مقاضاة السائقين الذين غامروا بأرواحهم وأرواح الضحايا لولا "المحاكمة الإلهية" التي سلبت أرواحهم . تصريح غير مسئول ويستوجب مقاضاة مصدره لأنه استهتار بالمسئولية . ذلك أن النشرات الإنذارية لم تكن موجهة فقط للمواطنين ، بل أساسا للحكومة وكل قطاعاتها ومصالحها الخارجية حتى تتخذ الإجراءات والاحتياطات الضرورية لمواجهة الفيضانات والسيول الجارفة . وأولى تلك الإجراءات : أ ــ وضع حواجز على الطرق والمحاور التي قد تغمرها المياه يشرف عليها الجيش والدرك الملكي والقوات المساعدة وممثلي وزارة التجهيز لمنع السائقين من عبور القناطر التي تعلوها المياه ، حواجز على شاكلة الحواجز الثلجية . ب ــ استنفار القوات المسلحة بكل معدات التدخل السريع : طائرات الهيلكوبتر ، شاحنات ، جرافات ، خيام ، أغطية وأدوية ومواد غذائية ، لإيواء المسافرين الذين تقطعت بهم السبل وإنقاذ المحاصرين بالمياه . فكثير من الضحايا كان يمكن إنقاذهم باستعمال الجرافات على النحو الذي تم به إنقاذ سياح من موت محقق .ج ــ إقامة مستشفيات ميدانية لمواجهة الحالات المستعجلة ( غرقى ، حوامل ، إصابات مختلفة ) . فالذين غامروا بأرواحهم من السائقين والمسافرين لم يفعلوا حبا في المغامرة ، ولكن مضطرون بسبب انعدام أماكن الإيواء وغياب الجهات الرسمية التي تطمئن المواطنين وتقدم لهم يد المساعدة . وقد أشار نواب برلمانيون ، في ردهم على وزير الداخلية يوم 25 نونبر ، إلى انعدام علامات التشوير التي تدل المواطنين على مستوى ارتفاع المياه على الطرق والقناطر أو تلك التي تحذر من انقطاع الطرق وانهيار القناطر . وكلها عوامل ساهمت مباشرة في ارتفاع عدد الضحايا ، وتتحمل الأطراف المتدخلة كامل المسئولية في التقصير والإهمال .
هذا التقصير والإهمال لم يزد المواطنين إلا شعورا بالغبن والحڴ-;---;-----;-------;----رة وهم يرون بأم أعينهم حجم المساعدات التي يرسلها المغرب في إطار التضامن الدولي والإنساني مع الدول التي تجتاحها الكوارث ، بينما لم يصلهم شيء منها وهم يعيشون النكبة في وطنهم وبين أهليهم . غبن وحڴ-;---;-----;-------;----رة والمواطنون يرون تدخلا بمعدات ثقيلة لإنقاذ سياح أجانب بينما نصيب المواطنين الضحايا الإهمال المطلق ، في حياتهم ومماتهم . وكم كانت مرارة الغبن والحڴ-;---;-----;-------;----رة شديدة وقاسية بسبب الطريقة المهينة التي تم بها جمع جثت الغرقى في شاحنة لجمع الأزبال ، ما يوحي للمواطنين أن قيمتهم عند المسئولين ، محليا ومركزيا ، لا تزيد عن قيمة النفايات والأزبال ، أحياء كانوا أو أمواتا . كل هذا العتاد العسكري والمعدات المدنية التي تقتنيها الدولة من أموال الضرائب التي يدفعها المواطنون لم تسخّر لإنقاذهم ولا لحمياتهم من المخاطر الطبيعية ، ما أشعرهم أنهم ليسوا مواطنين ، بل ولّد فيهم الحنين إلى عهد الاستعمار وتمنوا لو أنه عاد لإنقاذهم بعدما تخلت عنهم حكومة بلدهم . بئس الحكومة التي تُجنّد كل أجهزتها العسكرية والأمنية لقمع المحتجين ولا تفعل لإنقاذ المنكوبين . وبئس الدولة التي تُجرّع مواطنيها مرارة الحڴ-;---;-----;-------;----رة وتبعث فيهم مشاعر الغبن والحقارة . فليس غريبا على حكومة تتمنى الموت للمتقاعدين ألا تفعل الأمر نفسه مع بقية المواطنين .