إفراغ القدس من الحرم القدسي!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4633 - 2014 / 11 / 14 - 22:29
المحور: القضية الفلسطينية     

جواد البشيتي
وكأنَّ النزاع الجديد الذي انفجر بين الفلسطينيين (المقدسيين في المقام الأوَّل) والإسرائيليين في الحرم القدسي (الذي يضم المسجد الأقصى وقُبَّة الصخرة وساحاته) هو شأنٌ لا يخصُّ الفلسطينيين، ولا "دولتهم" المُعْتَرَف بها دولياً (حتى الآن) على أنَّها عضو مراقِب (غير كامل العضوية) في الأمم المتحدة، ولا حقهم السيادي في القدس الشرقية بصفة كونها عاصمة دولتهم المُنْتَظَرَة، والتي تَضُمُّ في القَلْب منها الحرم القدسي، والأماكن المسيحية المقدَّسة؛ فالاجتماع المُقَرِّر في هذا الشأن، والذي عُقِدَ في العاصمة الأردنية عَمَّان، كان ثلاثياً، ضَمَّ العاهل الأردني ورئيس الوزراء الإسرائيلي و"الوسيط" وزير خارجية الولايات المتحدة، وإنْ التقى "الوسيط"، في عَمَّان، الرئيس الفلسطيني والعاهل الأردني؛ وقد يُزْعَم أنَّ الرئيس الفلسطيني لا يريد "مشارَكَة" يمكن أنْ تُفسَّر على أنَّها "استئنافٌ (سابِقٌ لأوانه) للقاءات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي".
الفلسطينيون المسلمون يريدون (وهذا من حقهم الذي لا جدال فيه) أنْ يُصَلُّوا في حرية في "الأقصى" و"الصخرة"، ولا يريدون رؤية صِلَة دينية ما ليهودٍ في هذا المكان؛ وعلى وجه العموم، لا يريدون رؤية أي انتهاك لحقوقهم الدينية في الحرم القدسي، ولقدسيته الإسلامية؛ لكنَّهم الآن، ومن وجهة نظر سياسية، لا مصلحة لهم، ولقضيتهم القومية، في أنْ يَدْفَعوا ثَمَن هذا "التنازُل" الإسرائيلي، والذي يمكن تصويره، ولو من حيث "الشكل"، على أنَّه "استخذاء إسرائيلي لضغط أردني"، على شكل قَطْعٍ للطريق على انتفاضة (شعبية) فلسطينية جديدة، شَرَعَت براعمها تَظْهَر، وأشْعَل فتيلها (في القدس وسائر الضفة الغربية، وفي بلدات عربية، أيْ فلسطينية، في إسرائيل) هذا النزاع، بِبُعْديه الديني (الإسلامي) والقومي؛ فهذه "الانتفاضة"، ولجهة شحنها بمزيدٍ من الطاقة الثورية، هي ما كان ينبغي له أنْ يستأثر بالاهتمام الفلسطيني والعربي.
الأردن، وعن إضطِّرار، ولو ضئيل، تشدَّد في موقفه من الاعتداءات الإسرائيلية واليهودية في الحرم القدسي؛ فمشاركته في الحرب على "داعش" ستغدو أمْراً يصعب تبريره شعبياً لو لم يَقِف هذا الموقف من الانتهاك الإسرائيلي واليهودي للقدسية الإسلامية للحرم القدسي، والذي هو، في الوقت نفسه، انتهاك لـ "حقِّه في الوصاية" على الأماكن المقدسة، إسلامياً ومسيحياً، في القدس الشرقية، والمُعْتَرَف به إسرائيلياً وفلسطينياً (وعربياً).
وهذا "الإنجاز" الأردني سيُسْتَثْمَر في إضعاف حُجَج الدَّاعين إلى إلغاء معاهدة وادي عربة؛ فمؤيِّدو وأنصار هذه المعاهدة سيَزْعمون الآن أنَّ ما تضمَّنته من التزامات إسرائيلية في شأنْ صلة الأردن في الأماكن المقدسة في القدس الشرقية هو ما درأ عن الحرم القدسي مخاطِر التهويد (أو التقسيم الزماني للعبادة فيه بين المسلمين واليهود).
وربَّما يكون هذا "الإنجاز" أَوَّل الغيث؛ فتُتَّخَذ هذه "الثلاثية (أيْ "الاجتماع الثلاثي" المُقَرِّر)" طريقة لتسوية ما لـ "المشكلة الدينية" التي تنطوي عليها "مشكلة القدس الشرقية"، فيُنْزَع هذا "البُعْد الديني"، مع ما يعنيه "جغرافياً"، من "المشكلة الكبرى"، وهي مشكلة رَفْض إسرائيل جَعْل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية؛ وهكذا "تُنْقَذ" القدسية الإسلامية للحرم القدسي، لتبقى بقية القدس الشرقية (وإلى أنْ يقضي الله أمراً كان مفعولاً) على ما هي عليه الآن.