أمريكا تزرع الإرهاب ولا تجتثه .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4576 - 2014 / 9 / 16 - 16:44
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     


تحل الذكرى 13 لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية التي ضربت أمريكا في كبريائها ، ويثار معها السؤال المركزي : هل نجحت أمريكا في حربها على الإرهاب ؟ قبل ذاك التاريخ كانت أمريكا هي الداعم الرئيسي لتنظيم القاعدة في حربها الإستراتيجية ضد الخطر السوفييتي . هكذا أعلنت هيلاري كلينتون (إن الذين نقاتلهم اليوم نحن أوجدانهم قبل 20 عاما . وفعلنا ذلك لأننا كنا عالقين في نضال ضد الاتحاد السوفييتي الذين غزوا أفغانستان ، ونحن لا نريد أن نراهم يسيطرون على آسيا الوسطى . وذهبنا للعمل بواسطة الرئيس ريغن وبمشاركة الكونغرس بقيادة الحزب الديمقراطي . وهو قال : أتعرفون؟ هذه فكرة جيدة جدا . دعونا نتعامل مع المخابرات الباكستانية والعناصر الباكستانية، ودعونا نذهب لتجنيد هؤلاء المجاهدين . هذا عظيم ، دعوهم يأتون من السعودية ومناطق أخرى . استوردوا هذه العلامة الوهابية للإسلام بحيث نستطيع التفوق على الاتحاد السوفييتي . وخمنوا ما حصل ؟؟ لقد انسحبوا وخسروا مليارات الدولارات ، وسوف يصفقون للاتحاد السوفييتي) . فتنظيم القاعدة ، إذن ، هو صناعة أمريكية وأداتها الفعالة في غزو الشعوب مثلما وقع مع أفغانستان ثم العراق وفق مخطط إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير . لكن الخسائر العسكرية في الأرواح والمعدات التي تكبدتها أمريكا في أفغانستان والعراق جعلتها تغير إستراتيجيتها وأدوات عملها خصوصا بعد أن استنفذ تنظيم القاعدة المهام المرسومة له ولم يعد يخدم الإستراتيجية الجديدة التي وضعتها الولايات المتحدة والمتمثلة في تقسيم الدول العربية على أسس إثنية ، مذهبية وطائفية . ففي كتاب لها أطلقت عليه اسم “خيارات صعبة”، كتبت هی-;-لاري كلينتون “ مصر هي قلب العالم العربي والإسلامي ومن خلال سی-;-طرتنا علی-;-ها من خلال الإخوان عن طری-;-ق ما ی-;-سمى بـ “الدولة الإسلامی-;-ة” وتقسی-;-مها، کان بعد ذلك التوجه لدول الخليج الفارسي وکانت أول دولة مهی-;-أة الكوی-;-ت عن طری-;-ق أعواننا هنا، من الإخوان فالسعودی-;-ة ثم الإمارات والبحری-;-ن وعمان وبعد ذلك ی-;-عاد تقسی-;-م المنطقة العربی-;-ة بالكامل بما تشمله بقی-;-ة الدول العربی-;-ة ودول المغرب العربي، وتصبح السی-;-طرة لنا بالكامل خاصة على منابع النفط والمنافذ البحری-;-ة، وإذا کان هناك بعض الاختلاف بی-;-نهم فالوضع ی-;-تغی-;-ر) . هي إستراتيجية واضحة تستهدف كيان الدول العربية ونسيج مجتمعاتها . وتنظيم القاعدة عجز عن مسايرة الأهداف الأمريكية في المنطقة ، لهذا تم صنع "داعش" في مختبرات أمريكا ، بريطانيا وإسرائيل . فقد كشف "إدوارد سنودن"، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية أن الأخيرة ،وبالتعاون مع نظيرتيها البريطانية "MI6 "ومعهد الاستخبارات والمهمات الخاصة" الموساد" مهدت لظهور "داعش".
ونشر موقع "ذي إنترسيبت" تسريبات عن سنودن تؤكد تعاون أجهزة مخابرات ثلاث دول هي الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني لخلق تنظيم إرهابي قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد في عملية يرمز لها بـ"عش الدبابير". وكشفت تسريبات "ذي إنترسيبت" :" إن البغدادي خضع لدورة مكثفة استمرت عام كامل خضع فيها لتدريب عسكري على أيدي عناصر في الموساد بالإضافة لتلقيه دورات في فن الخطابة ودروس في علم اللاهوت". فمنذ إعلان أمريكا الحرب على الإرهاب ، والتنظيمات المتطرفة تتناسل وتنتشر في المنطقة العربية أساسا ، ولم تزدها تلك الحرب إلا شراسة وهمجية لدرجة بات تنظيم القاعدة يتبرأ من وحشية تنظيم داعش ودمويته ، كما أدانه منظرو القاعدة وشيوخها . وليس عبثا ولا عرضا أن تصير داعش قوة ضاربة ومستقطبة لعشرات الآلاف من الجهاديين من مختلف الجنسيات والأعمار ؛ بل في الأمر مخطط مدروس بدقة وفق إستراتيجية سبق لرئيس المخابرات الأمريكية الأسبق "جيمس وولسي" أن حدد معالمها كالتالي (إن خطة تمزيق العرب تمضي في طريقها بالاعتماد على الشعوب نفسها التي تعاني بركاناً من الظلم في صدورها، حيث يتم استغلال هذه الشعوب بالتهيئة لها ومساندتها للثورة على حكامها، لضمان توتر الحكام) منبها إلى أن هذا (ما نريده نحن، ليأتي بعدها زحفنا) . الزحف الأمريكي على دول المنطقة لن يكون زحفا تقليديا يكلف الشعب الأمريكي المال والدماء ، بل زحف سياسي طائفي مذهبي يرهن مصير الشعوب ومقدراتها بيد أمريكا ومعها حلفاؤها الغربيون . فأمريكا تدرك جيدا أن الشعوب العربية تحلم بوحدة الأوطان وبعودة أمجاد الماضي ومنجزاته العسكرية في إطار إمبراطورية قوية ، كما تخشى أمريكا حنين المسلمين إلى دولة الخلافة وتأثير العقائد الدينية في خلق الاستعداد القوي "للجهاد" في سبيل هذا الحنين وذاك الحلم . وقد ذاقت أمريكا مرارة "غزوة" 9/11 التي كلفتها 3 آلاف قتيل في زمن قياسي . لهذا تقتضي خطة أمريكا توجيه الرغبة في الجهاد والعمل على تفريغها وإشباعها في بلاد العرب والمسلمين وفيما بينهم حتى تستنصر الشعوب العربية قوى الغرب بقيادة أمريكا لحمايتها من شرور عقائدها ودموية معتنقيها . أمريكا ، إذن ، تصنع الإرهاب وتنشره وتغذيه بأموال العرب ودمائهم فتجعلهم رهينة بيدها يطلبون صداقتها . وبهذا تصير أمريكا "صديقة الشعوب" بدل عدوتها . فلم تعد أمريكا هي "الطاعون" بل صارت الواقي منه بعد أن غدا الطاعون هو "داعش .