وحدة فلسطينية على قاعدة وحدة الخيارَيْن!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4567 - 2014 / 9 / 7 - 13:43
المحور: القضية الفلسطينية     

جواد البشيتي
إنَّ أحداً لا يتكلَّم الآن عن استئناف المفاوضات غير المباشرة في القاهرة بين إسرائيل و"الوفد الفلسطيني الموحَّد"، وكأنَّ المعنيين جميعاً بالأَمْر ما عادوا معنيين (الآن، أو إلى حين) بالتفاوض في أُمور "الميناء البحري" و"المطار" و"الأسرى"، ويفضِّلون بقاء الوضع على ما هو عليه الآن، أو على ما أصبح عليه الآن بعد هذا "المُنَفَّذ" من التَّفاهُم الذي توصَّلوا إليه في شأنْ وَقْف إطلاق النار؛ ويُمْكِن الاستذراع بالصَّدْع الذي اعترى، بغتةً، وِحْدة "الوفد الفلسطيني". وثمَّة مَنْ يسعى إلى بقاء قطاع غزة، مع مآسيه الجديدة، محاصَراً، من حيث الأساس، وبمنأى عن كل جهد حقيقي لإعادة البناء فيه. إنَّهم يبذلون الجهد الجهيد (سِرَّاً وعلانيةً) لمَنْع الفَشَل الكبير لإسرائيل (وحكومة نتنياهو) في حربها الثالثة على قطاع غزة من أنْ يُتَرْجَم بـ "نتائج سياسية جيِّدة للفلسطينيين"؛ ولعلَّ خير دليل على ذلك ما قالته إدارة الرئيس أوباما (ووزير الخارجية كيري على وجه الخصوص) للوفد الذي أرسله إليها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لـ "إقناعها" بأهمية وضرورة أنْ تَقِف موقفاً إيجابياً من النقطة الأولى من خطته (المؤلَّفة من ثلاث نقاط). لقد قالت له إنَّها، وعملاً بمبدأ "لا حلَّ إحادي الجانب"، لا يُمْكِنها قبول وتأييد ترسيم حدود "دولة فلسطين" من غير مفاوضات، واتفاقية خاصة بهذا الأمر، بين الطَّرَفَيْن الإسرائيلي والفلسطيني. وحتى تبدو الولايات المتحدة "مبدئية"، لا تكيل بمكيالين، أعلنت، في الوقت نفسه، أنَّها تُعارِض المُصادَرَة الإسرائيلية (الاستيطانية) الجديدة لأراضٍ واسعةٍ قُرْب مدينة بيت لحم في الضفة الغربية.
الولايات المتحدة لا تريد، ولا هي قادرة (على ما تبدو، أو على ما تريد أنْ تبدو) على جَعْل إسرائيل تريد، بدء مفاضات جديدة بين "دولتين"، مدارها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لـ "إقليم الدولة الفلسطينية"، والذي يشمل (من الوجهة القانونية، ومن حيث الأساس) كل "الأراضي الفلسطينية" التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران (يونيو) 1967، مع تعديل طفيف للحدود، وتَبادُلٍ (يقتضيه هذا التعديل) للأراضي، ومع تسوية، على هذا الأساس، لسائر المشكلات.
"المبدأ (السَّامي)" الذي تلتزمه الولايات المتحدة هو "لا حلَّ إلاَّ من طريق المفاوضات"؛ وعلى وجه التخصيص "لا حلَّ لمشكلة الحدود إلاَّ الذي يتَّفِق عليه الطرفان في نهاية المفاوضات"؛ ويتفرَّع من هذا "المبدأ" إنكار حق الفلسطينيين في المقاومة (أو في مقاومةٍ يُعْتَدُّ بها) ولو كانت غاية المقاوَمة إكساب "المفاوِض الفلسطيني" ثِقلاً، أو مزيداً، من الثقل السياسي والتفاوضي؛ فالمقاومة للاحتلال الإسرائيلي (ولو كانت لغاية تفاوضية) هي رجس من عمل شيطان الإرهاب!
والتزام الولايات المتحدة لهذا "المبدأ" تُتَرْجِمه بجُملة مواقف، تتمخَّض، دائماً، عن النتيجة العملية الواقعية الآتية: لا حلَّ من طريق المفاوضات ولو استغرقت عشرات السنين (مع سعيها الدائم إلى رَفْع منسوب الضعف السياسي لدى "المفاوِض الفلسطيني"). إنَّها تقول دائماً للفلسطينيين: طَلِّقوا خيار المقاومة (أو خيار الحل من طريق المقاومة) ثلاثاً؛ استمروا في المفاوضات؛ لأنْ لا حلَّ (تقبله هي وإسرائيل) من غير طريقها؛ استمروا فيها ولو ثبت لكم، وتأكَّد، أنْ لا حلَّ أبداً من طريقها.
بـ "الحل الإسرائيلي الأحادي"، سنة 2005، في قطاع غزة، والذي به أخرجت إسرائيل كل جنودها ومستوطنيها من القطاع، جُعِلَ أهل هذا الشريط الساحلي الفلسطيني الصغير والفقير، سجناء (لقوَّة الاحتلال الإسرائيلي) في هذا السجن الكبير؛ وبوقوف الولايات المتحدة وإسرائيل ضدَّ كل "حل فلسطيني أحادي"، جُعِلَ الفلسطينيون في الضفة الغربية سجناء أبديين لمفاوضات، لو كان لها أنْ تَنْطُق لقالت إنَّها كانت، وما زالت، خير غطاء تتغطَّى به كل "الإجراءات الإسرائيلية الأحادية"، وفي مقدَّمها الاستيطان، والتهويد، ومصادرة الأراضي، والجدار العازِل، وقَطْع صلات الوصل الجغرافي بين أجزاء الضفة الغربية، أو بين الضفة والقدس الشرقية؛ وكأنَّ "الأحادية الفلسطينية" شَرٌّ مستطير، و"الأحادية الإسرائيلية" خيرٌ عميم!
إنَّ كل من له مصلحة في بقاء وتثبيت الاحتلال الإسرائيلي، وفي جَعْلِه أداة تغيير للواقع بما يَجْعَل الحل النهائي للمشكلة الفلسطينية حلاًّ إسرائيلياً خالِصاً، لا بدَّ له من أنْ يسعى دائماً في إكراه الفلسطينيين على نبذ خيار المقاومة بكل صورها وأشكالها، وفي سجنهم في مفاوضات أبدية عبثية؛ وإنَّ واقع الفلسطينيين الآن يَتَحَدَّاهم أنْ يَتَّحِدوا، وأنْ يستمروا في الاتِّحاد، على قاعدة "السَّيْر دائماً في المسار المزدوَج: مقاومة وتفاوُض"؛ فَهْم، وعلى قاعدة اتِّحادهم، مَدْعوون إلى "إطلاق وتحرير خيار المقاومة (بكل صورها وأشكالها)"، و"الإفادة السياسية والاستراتيجية القصوى من مزايا الاعتراف الدولي بدولة فلسطينن على أنَّها عضو مراقِب في الأمم المتحدة"، و"إعلان استعدادهم الدائم للوصول إلى حل تفاوضي (ولبدء، أو استئناف، التفاوض"؛ فلا مفاوضات بلا مقاومة، ولا مقاومة لا تُعَزِّز المركز التفاوضي الفلسطيني.