إنَّه -نَصْرٌ-.. لكنَّهم يَطْلبون دليلاً على وجود النهار!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4556 - 2014 / 8 / 27 - 14:05
المحور: القضية الفلسطينية     

جواد البشيتي
ما أَسْوَأَه مِنْ مَشْهَدٍ؛ فدماءٌ غزيرة تَسيل من رؤوس بعض العرب، ودموع الأَلَم تَنْهَمِر من عيونهم؛ مع أنَّ المُصَاب هو رأس نتنياهو؛ فهؤلاء ارتضوا أنْ يَنْتَصِروا مع نتنياهو إذا ما انتصر، وأنْ يُهْزَموا معه إذا ما هُزِم؛ ولقد هُزِمَ، فهُزِموا؛ لكنَّ إنصاف الحقيقة يُلْزِمنا أنْ نقول إنَّ كثيراً من هؤلاء العرب لم يَقِفوا، في السِّرِّ والعَلَن، مع حرب إسرائيل الثالثة (والتي هي في جُلِّها جرائم حرب) على قطاع غزة، وعلى المقاوَمَة الفلسطينية التي تقودها حركة "حماس"، حُبَّاً بإسرائيل؛ وإنَّما نكاية بـ "حماس"، أو بخَصْمٍ لهم، يَعْتَبِرونه مِنْ "أهل" حركة "حماس"، أو مِنْ "أقربائها"!
كم عجيب وغريب أَمْر هؤلاء؛ فَلَمَّا هُزِموا مع جيوشهم شَرَّ هزيمة في حرب 1967، اعْتَدُّوا هزيمتهم المنكرة "نكسةً"؛ و"نِصْف الهزيمة" في حرب 1973، اعتَدُّوه "انتصاراً"؛ أمَّا هذا النَّصْر المبين المؤزَّر الذي جاءت به المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والذي تمخَّضَت عنه الحرب الأولى المباشِرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، والحرب الأعنف والأطول التي تخوضها إسرائيل في تاريخها، فَجَعَلوه مدار تشكيك؛ لا بَلْ مدار دَحْض وتفنيد وتكذيب، حتى أنَّ إعلامهم لم يَرَ مِنْ عنوان أَفْضَل لـ "الخَبَر" إلاَّ العنوان الآتي: "حماس" تَعْتَبِر الهدنة انتصاراً.
إنَّه انتصارٌ، وانتصارٌ مبين، ولو كَرِه الانهزاميون، الذين كانوا ينتظرون على أحر من جمر رؤية عَلَمٍ أبيض يُرْفَع في غزة، لِيُرْفَع في مكانه، بعد حين، علم إسرائيل؛ فإذا بعَلَم إسرائيل يَفْقِد "نجمته"، ثمَّ، "الأَزْرَقَيْن" منه، متحوِّلاً إلى راية (إسرائيلية) بيضاء!
أليس انتصاراً أنْ يعود نتنياهو إلى المفاوضات غير المباشرة في القاهرة ليُفاوِض تحت النار (الفلسطينية) وهو الذي أعلن، مِنْ قَبْل، أنَّه لن يُفاوِض أبداً تحت النار؟!
أليس انتصاراً أنْ يتجرَّع نتنياهو "السُّمَّ"، والذي هو كناية عن قبوله معظم مطالب وشروط المقاومة، بعد خَلْطِه بشيءٍ من "العسل"، والذي هو كناية عن "المبادرة المصرية"، التي غَدَت لبوساً ارتدته تلك المطالب والشروط؟!
أليس انتصاراً ألاَّ يَجِدَ نتنياهو في نفسه من الجرأة ما يكفي لِعَرْض الأمر (اتفاقية وقف إطلاق النار) على مجلسه الوزاري المُصَغَّر قَبْل أنْ يُبْلِغ إلى القاهرة موافقته عليه؟!
أليس انتصاراً أنْ يَفْشَل جيش الدفاع الإسرائيلي (الذي جَعَلَتْه الانهزامية العربية جيشاً لا يُقْهَر) في احتلال متر مربع واحد من قطاع غزة (الذي مساحته 360 كم مربع) في خمسين يوم من حربٍ هي الأشرس والأعنف، وهو الذي في أقل من ستة أيام هَزَم سبعة جيوش عربية، واحتل أرضاً عربية مساحتها 70000 كم مربع؟!
أليس انتصاراً أنْ يغدو نتنياهو في جنوب إسرائيل المحاذي لقطاع غزة يَمْلك ولا يَحْكُم، وأنْ تغدو "حماس"، التي لا تملك هناك، هي التي تَحْكُم؟!
لقد دعا نتنياهو عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين تركوا بيوتهم هناك إلى العودة؛ لكنَّهم لم يعودوا، وظلُّوا ينتظرون أنْ "تَأْذَن" لهم المقاومة بالعودة!
أليس انتصاراً أنْ تُقْنِع المقاومة نتنياهو، وبالتي هي أسوأ، أنَّ "الحرب البرية" هي خيار إسرائيلي أحمق، وأنْ تَنْقُل شيئاً من قتالها، في الوقت نفسه، إلى ما وراء الحدود، أيْ إلى أراضٍ إسرائيلية؟!
أليس انتصاراً أنْ يتفاجأ الجيش الإسرائيلي بتَرَكُّز الوجود العسكري والقتالي للمقاومة وأسلحتها وذخيرتها وقيادتها.. تحت الأرض؛ فلم نَرَ في هذه الحرب ولو فيلماً إسرائيلياً واحداً يَظْهَر فيه "هَدَف (للمقاومة)" قبل ضربه، وبعد ضربه؟!
أليس انتصاراً أنْ يتحدَّث الجيش الإسرائيلي عن "النِّسَب" من غير أنْ يأتي على ذِكْر "الأرقام"؟
لقد تحدَّث في بياناته عن نِسْبة الصواريخ التي دَمَّرها، وعن نِسْبَة الأنفاق التي دَمَّرها؛ لكن من غير أنْ يَذْكُر (لأنَّه يَجْهَل) عدد الصواريخ التي تملكها المقاومة، وعدد الأنفاق التي حَفَرَتْها وابْتَنَتْها!
أليس انتصاراً أنْ تُرْغِم ملايين الإسرائيليين على العيش وقتاً طويلاً في الملاجئ، وأنْ تَجْعَل الاقتصاد، وكل مناحي الحياة اليومية، في إسرائيل مَحْكومة بـ "قانون الرُّعب"؟
أليس انتصاراً أنْ تُعَلِّم هذه الحرب إسرائيل أنَّ أَمْر إنهاء أي حرب تشنها على قطاع غزة ما عاد، من الآن وصاعداً، في يدها؟!
أليس انتصاراً أنْ تأتي هذه الحرب بما يُقْنِع كل عصيٍّ على الإقناع أنَّ المقاومة خيارٌ مُجْدٍ، وغير عبثيٍّ، وأنَّ التفاوض لن يكون خياراً مُجْدِياً، وغير عبثيٍّ، إلاَّ إذا تَمَثَّل القائلون به معاني تجربة الوفد الفلسطيني المفاوِض في القاهرة؟
وأخيراً، إذا اتَّفَقْنا على أنَّ تدمير اﻷ-;-براج السكنية والجوامع والبيوت ومنشآت البنية التحتية.. ليست حرباً، وليست انتصاراً؛ وإنما جرائم حرب؛ فهل هناك من يستطيع أنْ يأتي إلينا ولو بنصرٍ واحدٍ صغيرٍ أحرزه جيش الدفاع اﻹ-;-سرائيلي؟!