تحالفات الحرب على -داعش-


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4554 - 2014 / 8 / 25 - 21:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جواد البشيتي
"داعش ـ الدولة" هي الآن، وعلى ما تقول الولايات المتحدة على وجه الخصوص، الخطر الدولي والإقليمي الأعظم، والذي يَفُوق كثيراً خطر تنظيم "القاعدة"، الذي مِنْ رَحْمِه خَرَج "داعش ـ التنظيم"؛ وينبغي لهذا الخطر، وعلى ما تقول الولايات المتحدة أيضاً، أنْ يُوَحِّد في مواجهته، وللتغلُّب عليه، قوى إقليمية ودولية كثيرة، يَصْعُب ويتعذَّر أنْ تتعاون وتَتَّحِد في مواجهة أي خطر (أو تهديد) آخر؛ لكنَّ بعضاً من القوى الدولية والإقليمية، الذي يَجْهَر الآن بعدائه لـ "داعش ـ الدولة"، يعادي ويحارِب هذا العدو، ويتشدَّد في معاداته ومحاربته، وهو يَعْلَم، في الوقت نفسه، أنَّ له مصلحة في بقائه، أو أنْ لا مصلحة له في القضاء عليه قضاءُ مُبْرَماً؛ وكأنَّه يريد القضاء على "داعش" الضَّارة به، مع الاحتفاظ بـ "داعش" المفيدة له!
"داعش" هي الآن "الدولة"، واسعة الإقليم، والتي يتَّسِع إقليمها في استمرار في سورية والعراق؛ فمساحة محافظة الرقة في سورية، والتي هي كلها الآن في قبضة "داعش"، ضعف مساحة لبنان؛ وملايين من السوريين والعراقيين يعيشون الآن في إقليم دولة "داعش"، التي بقيامها تغيَّرت (وتتغيَّر) الجغرافيا السياسية في المشرق العربي، وتغيَّرت (وتتغيَّر) أيضاً التركيبة الديمغرافية. وتستمدُّ هذه "الدولة" أهميتها الاستراتيجية من موقعها الجغرافي، ومواردها النفطية، وأنهارها وسدودها، ومن مخزونها الكبير من الأسلحة والذخائر، والذي ابْتَنَت معظمه "داعش" من غنائم حربها مع الجيشين العراقي والسوري.
حتى "خريطة التحالفات" شرعت تتغيَّر هي أيضاً؛ ويبدو أنَّها تتغيَّر بما يجعلها أكثر تَوافُقَاً مع ما اعترى استراتيجية الولايات المتحدة في الحرب على "داعش" من تغيير كبير؛ فالقوَّة العظمى في العالَم تريد أنْ تقود هذه الحرب من "الجَوِّ"؛ فخوضها، أو قيادتها، الحرب على "داعش"، بأسلحة ووسائل الحرب عَنْ بُعْد، وبالغارات الجوية على وجه الخصوص، هو خيارها الآن، أو من الآن وصاعداً؛ لكنَّ أخْذَها بهذا "الخيار" لن يُعْطي النتائج التي تتوقَّعها وتريدها إذا لم يتكامَل مع خيار آخر هو خيار التأسيس لشبكة من الحلفاء (العسكريين) على الأرض؛ فالحرب الجوية التي شنتها الولايات المتحدة على "داعش" في مناطق مجاورة لإقليم كردستان (في شمال العراق) ما كان لها أنْ تَنْتَزع بعض هذه المناطق من سيطرة "داعش" لو لم يَعْرِف المقاتلون الأكراد (البيشمركة) كيف يستفيدون ميدانياً من نتائجها.
هذه الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة (غارات جوية مع حلفاء عسكريين على الأرض) سمحت ببدء تغيير في "خريطة التحالفات"؛ فمع "البيشمركة" قاتَل حزب العمال الكردستاني التركي (الذي ما زالت واشنطن وأنقرة تَنْظُران إليه على أنَّه تنظيم إرهابي) وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي أقامه حزب العمال الكردستاني التركي في المناطق الكردية في سورية (في شمال شرق سورية).
وتسعى الولايات المتحدة الآن إلى إقامة تحالف مشابه مع جماعات من العرب السنة في المحافظات العراقية التي سيطر عليها "داعش"، وجَعَلَها جزءاً من إقليم دولته؛ لكنَّ ضم هؤلاء إلى الحرب على "داعش"، التي تكتفي الولايات المتحدة بضرب مواقعها من الجو، لم يَسْتَوْفِ حتى الآن شروطهم (للانضمام). ولم تَعْرِف الولايات المتحدة، حتى الآن، كيف تُرْضي هؤلاء من غير أنْ تُغْضِب حلفاء إيران من العراقيين؛ ولقد تحدَّثَت إيران، في وضوح أكثر، هذه المرَّة، عن شرطها للتعاون مع الولايات المتحدة في الحرب على "داعش" في العراق، ألا وهو أنْ تُحَل مشكلة برنامجها النووي بما يرضيها.
ومع قطع "داعش" لرأس الصحافي جيمس فولي (في الجزء السوري من إقليم دولتها) اشتدت الحاجة لدى الولايات المتحدة إلى شَنِّ غارات جوية على مواقع "داعش" في الأراضي السورية؛ لكن مع مَنْ ستتحالف على الأرض؟ مع بشار أم مع المعارَضَة السورية؟ مَنْ سيَحِل محل "داعش" في محافظة الرقة السورية مثلاً بعد، وبفضل، غارات جوية تشنها الولايات المتحدة على مواقع هذا التنظيم في هذه المحافظة؟
إذا تحالفت مع مقاتلي المعارَضَة فسوف تُغْضِب بشار (الذي ما زال لديه من السلاح المضاد للطائرات ما يكفي لتَصْعيب مهمة الغارات الجوية) وإيران وروسيا؛ ويكفي أنْ تَغْضَب إيران حتى تتعقَّد حرب الولايات المتحدة على "داعش" في العراق؛ أمَّا روسيا فلن تَقْبَل أنْ يكون بشار هو الحليف الأرضي الميداني للولايات المتحدة قَبْل أنْ تقبض منها الثَّمَن في أزمة أوكرانيا. ويكفي أنْ تأخذ الولايات المتحدة بخيار التعاون مع بشار حتى تَكْسَب عداء المعارَضَة السورية لها، وتَرْفَع منسوب القلق لدى السعودية على وجه الخصوص؛ فالحرب على "داعش" غدت مَدْخَلاً لتعاون استراتيجي (إقليمي) بين الولايات المتحدة وإيران، أو مَدْخَلاً لتعاون القوَّة العظمى في العالَم مع "الحلف الإيراني" على المستوى الإقليمي.
ولسوف يتأكَّد، في استمرار، أنَّ كثيراً من أعداء "داعش" لن يتطرَّفوا، أو يُفْرِطوا، في معاداته؛ لأنَّ مصلحتهم في بقائه تُخالِط مصلحتهم في محاربته.