إضاءات سياسية من الحرب على غزة!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4546 - 2014 / 8 / 17 - 13:49
المحور: القضية الفلسطينية     

جواد البشيتي
في الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، تَسْتَوْقِف المرء جُمْلَة من النقاط المهمة، التي تنطوي على ملامح لحلول أوسع نطاقاً للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين.
أولى هذه النقاط تختص بمعبر رفح، لجهة وَضْعِه القانوني؛ فهذا المعبر (البري بين مصر وقطاع غزة، والحيوي للقطاع) اسْتُثْنِيَ من المفاوضات غير المباشِرة في القاهرة بين إسرائيل و"الوفد الفلسطيني المُوَحَّد"، والذي هو (حتى الآن) وفد "مُقاوِم" على شكل "مُفاوِض"؛ وكانت الحُجَّة هي أنَّ هذا المعبر شأنٌ فلسطيني ــ مصري خالص، لا دَخْل لإسرائيل (وغيرها) به؛ وكأنَّ "المعبر"، في بوابته الفلسطينية، جزء من إقليم دولة (فلسطينية) مستقلة ذات سيادة، تحرَّر نهائياً من الاحتلال الإسرائيلي. هذا موقف جيِّد (بالمعيار الفلسطيني) لكنَّه يتعارَض منطقياً مع فكرة مؤدَّاها أنَّ قطاع غزة ما زال (في القانون الدولي) جزءاً من "الأراضي الفلسطينية" التي تحتلها إسرائيل منذ حرب حزيران 1967، وأنَّ هذه الدولة (أيْ إسرائيل) ما زالت قوَّة احتلال في القطاع، وإنْ أخْرَجَت (من طرف واحد) جنودها ومستوطنيها منه. وليس ثمَّة ما يَمْنَع الآن، حيث توطَّدت المصالحة بين طرفيِّ النزاع الفلسطيني، وتألَّفت "حكومة التوافق" الفلسطينية، من أنْ تتولَّى السلطة الفلسطينية الإشراف على الجانب الفلسطيني من المعبر، وإدارة شؤونه، وجَعْله معبراً للاستيراد والتصدير أيضاً. وهذا التَّوافُق على كَوْن "المعبر" شأناً فلسطينياً ــ مصرياً خالصاً لا يُبْقي من سببٍ لدورٍ يضطِّلع به طرف ثالث (أوروبا).
وقياساً على ذلك، يمكن التعامُل مع المعابر البرية بين قطاع غزة وإسرائيل على أنَّها شأن فلسطيني ــ إسرائيلي خالص.
النقطة الثانية هي التَّداخُل بين متطلبات "إنهاء الحصار" ومتطلبات "إنهاء الاحتلال"؛ وهذا ما نراه جلياً واضحاً في مطالب الفلسطينيين الخاصة بـ "الميناء" و"المطار" و"المياه الإقليمية (للقطاع)"؛ فإنَّ جَعْل الانتقال (للأفراد والبضائع) من قطاع غزة، وإليه، عَبْر "الميناء" و"المطار"، حُرَّاً من الضغوط والعراقيل والعقبات الإسرائيلية كافة (مع تنظيم هذا الانتقال دولياً فحسب) هو أَمْرٌ يتأكَّد فيه أنْ لا إنهاء للحصار الإسرائيلي المضروب على قطاع غزة (بحراً وجوَّاً) إلاَّ مع إعلان إسرائيل أنَّها قد كَفَّت نهائياً عن كونها "قوَّة احتلال" في القطاع؛ وهذا الإعلان إنَّما يعني، ولو ضِمْناً، أنْ لا سيادة على قطاع غزة (في البر والبحر والجو) إلاَّ للفلسطينيين أنفسهم. وعلى ذلك يترتَّب معامَلَة "دولة فلسطين"، المعترَف بها دولياً (على أنَّها غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة) على أنَّها دولة تحرَّر جزء (هو قطاع غزة) من إقليمها من الاحتلال الإسرائيلي، وبقيت بقية إقليمها (الضفة الغربية والقدس الشرقية) مشمولة بهذا الاحتلال الذي لا بدَّ من رفعه وإنهائه. ولأسباب عِدَّة، يُفَضَّل نَقْل مقر الرئاسة الفلسطينية، مؤقتاً، من رام الله إلى قطاع غزة، مع بقاء مقر الحكومة الفلسطينية في رام الله.
والنقطة الثالثة والأخيرة هي أنَّ تَحَرُّر قطاع غزة على هذا النحو، وبهذه المعاني، وفي "اتفاقية" ذات طابع أمني، هي دون "معاهدة سلام"، يمكن، ويجب، أنْ يُسْتَنْسَخ في الضفة الغربية؛ فتُخْرِج إسرائيل جنودها ومستوطنيها من القسم الأكبر من الضفة الغربية، وبما يجعل هذا القسم خالِصاً من "الفواصِل الإسرائيلية" كافة، وبما يجعل المعابر البرية بين الضفة والأردن مشمولةً بهذا القسم.
وتَوَصُلاً إلى إقامة اتِّصال بَرِّي دائم وسلس بين القطاع والضفة يمكن أنْ تتولَّى الأمم المتحدة تنظيم انتقال الأفراد والبضائع بين الشطرين الفلسطينيين، عَبْر مَمَرٍّ يجتاز أراضٍ إسرائيلية بالضرورة. وفي جزءٍ من هذا التنظيم، يمكن أنْ تتولَّى وسائل نقل تابعة للأمم المتحدة، وترفع علمها، نَقْل الأفراد والبضائع بين الشَّطْرين.
عندئذٍ، تنال "دولة فلسطين" عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة؛ وعندئذٍ، تبدأ مفاوضات الحل النهائي بين إسرائيل وبين "دولة فلسطين" التي ما زال جزء (أصغر من ذي قبل) من إقليمها تحت الاحتلال الإسرائيلي؛ وغاية هذه المفاوضات التوصُّل إلى معاهدة سلام بين الدولتين، تشتمل على حلول نهائية لكل المشكلات الكبرى المتبقية؛ وقد تشتمل على بعض "الحلول الانتقالية المؤقتة المتَّفَق عليها".