عندما -تُجَرَّم- المقاوَمة!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4511 - 2014 / 7 / 13 - 11:13
المحور: القضية الفلسطينية     

جواد البشيتي
اعتادت أذهاننا السياسية التعايش مع "الأسوأ" من مواقف الدول والحكومات العربية من كل حرب تشنها إسرائيل على قطاع غزة، بالمدنيين من سُكَّانه، وبيوتهم، وبقوى المقاوَمة فيه، وأذرعها العسكرية، وبالبُنى التحتية لاقتصاده الفقير؛ وكأنَّه أمر طبيعي وعادي أنْ تخلو تلك المواقف من عبارات التضامن مع المُعْتَدى عليه بصفة كونه قوَّة مُقاوِمة للاعتداء والاحتلال الإسرائيليين، ويحقُّ لها أنْ تُزاوِل النشاط العسكري، وأنْ تُزاوِل منه كل ما من شأنه أنْ يَرْدَع إسرائيل عن ضرب المدنيين وبيوتهم، والمنشآت المدنية، ولو كانت الصواريخ هي الأداة؛ كما يحقُّ لها أنْ تُعامَل عربياً على أنَّها "معتدى عليها"، ولو كانت هي المُبادِرَة بالضَّرْب؛ فـ "الاحتلال (وقطاع غزة جَعَلَتْه إسرائيل في وَضْعٍ أسوأ من الاحتلال المباشِر)" لا يمكن أنْ يكون أبداً في حال "المُعْتَدى عليه".
حتى المواقف "الإنسانية" للدول والحكومات العربية ما عادت "إنسانية" إلاَّ في الظاهِر؛ فإنَّ فيها يَكْمُن كثيرٌ من العداء (السياسي) للمقاوَمة، وجوداً وخياراً ومنطقاً؛ ولقد غدت "الإنسانية" في تلك المواقف ككلمة حقٍّ يُراد بها باطل؛ فإسرائيل، في البيانات والتصريحات الرسمية العربية، "تُفْرِط" في استعمال القوَّة العسكرية، مُلْحِقَةً خسائر فادحة بـ "المدنيين العُزَّل الأبرياء (وبالأطفال منهم على وجه الخصوص)"؛ وربَّما "تتمادى" بعض الدول والحكومات العربية في "تضامنها الإنساني" مع سكَّان قطاع غزة؛ فتَتَّهِم إسرائيل بـ "ممارسَة سياسة العقاب الجماعي"، أو بـ "شَنِّ حرب إبادة على المدنيين".
والآن، حيث تشتد وتَعْنُف وتتوحَّش أكثر الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم نسمع من عبارات التضامن الإنساني (للدول والحكومات العربية) مع أهل غزة إلاَّ ما يمكن أنْ يُتَرْجَم سياسياً بتضامُن مع إسرائيل في حربها على قوى المقاوَمة الفلسطينية ، في القطاع، وفي مقدَّمها حركة "حماس"، التي تُعاملها القاهرة على أنَّها رِجْس من عَمَل جماعة "الإخوان المسلمين"!
بياناتهم وتصريحاتهم الرسمية تُسْتَهَل (كالعادة) بالتَّنْديد بما تقترفه إسرائيل من جرائم (مختلفة الوصف) في حقِّ "المدنيين العُزَّل الأبرياء"، داعين إيَّاها إمَّا إلى عدم الإفراط في استعمال القوَّة العسكرية، وإمَّا إلى وَقْف حربها (أو وَقْفها فوراً). وبعد ذلك، يُضَمِّنون بياناتهم وتصريجاتهم ما يفيد في تعليل وتفسير تلك "الجرائم" الإسرائيلية على أنَّها "نتيجة" لـ "انعدام الحس بالمسؤولية" لدى قوى المقاوَمة في القطاع، ولنّشْر أسلحتها ومقاتليها بين المدنيين وبيوتهم. وقد "تَعْتَدِل" بعض الدول والحكومات العربية في عدائها للمقاوَمة؛ فتكتفي بتحميلها مسؤولية تزويد "المعتدي الإسرائيلي" ذرائع لاعتدائه. هذه المواقف الرسمية العربية كانت نسخة من قَوْل مفوَّضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بيلاي إنَّ استهداف الغارات الجوية الإسرائيلية بيوت المدنيين (الفلسطينيين في قطاع غزة) يُعَدُّ "انتهاكاً للقوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان ما لَمْ تكن تلك البيوت تُسْتَخْدَم في أغراض عسكرية".
ومع أنَّ هذا الزَّعم (وهو زَعْم إسرائيلي أوَّلاً) لا أساس له من الصحة، فإنَّ أصغر خبير في الشؤون العسكرية والقتالية لا يمكنه أنْ يَفْهَم كيف يمكن أنْ تَنْشُر المقاوَمة قواها العسكرية (أسلحتها ومقاتليها) في خارج المناطق السكنية، في هذا الشريط الساحلي الصغير (المساحة) والضَّيِّق، شديد الكثافة السكَّانية، والمنبسط بما يكفي لتمكين سلاح الجو الإسرائيلي من إبادة وتدمير تلك القوى في ساعات قليلة!
ولتصوير خيار المقاوَمة بالصواريخ والقذائف على أنَّه عديم الجدوى، ولا يأخذ به إلاَّ كل "مغامِر"، و"عديم الإحساس بالمسؤولية"، يُكْثِرون من الحديث (الإعلامي) عن ضآلة ما تلحقه تلك الصواريخ والقذائف من خسائر بإسرائيل؛ وكأنَّ "الحِكْمَة (العربية)" تقتضي عدم استعمال تلك الأسلحة، لا مَدَّ المقاوِمين بما يَلْزَم من معونة عربية لجعل هذه الأسلحة (الصواريخ على وجه الخصوص) أكثر كفاءة ودِقَّة وفاعلية!
إنَّ تظاهرهم بالتضامن الإنساني مع الضحايا من المدنيين الفلسطينيين لا يمكن فهمه وتفسيره إلاَّ على أنَّه جزء من سعي عربي رسمي لجعل قطاع غزة "حظيرة أغنام" في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بأوجهه كافة!