أكراد العراق في مواجهة الفرصة التاريخية!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4503 - 2014 / 7 / 5 - 15:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جواد البشيتي
لم يتحدَّد، حتى الآن، موعد دقيق لإجراء استفتاء شعبي في إقليم كردستان، يُقرِّر فيه سكَّان الإقليم، وغالبيتهم العظمى من الأكراد، موقفهم من "الانفصال (أو الاستقلال)" عن العراق "الاتِّحادي"، وإعلان قيام دولتهم القومية (الكردية) المستقلة؛ فرئيس الإقليم مسعود البرزاني، والذي بدا الآن مصرَّاً على انفصال الإقليم أكثر من ذي قبل، تحدَّث، فحسب، عن إجراء هذا الاستفتاء "في خلال أشهر"؛ ومن وجهة نظر دستورية صرف، مستمدَّة من الدستور العراقي المعمول به الآن، أو حتى الآن، والذي ما زال مدار خلاف حاد مع المعارَضَة من قيادات "العرب السنة العراقيين"، لا استفتاء جائز الإجراء (بعد تلبية بعض الشروط المنصوص عليها في الدستور) إلاَّ ذاك الخاص بما يسمَّى "المناطق المتنازَع عليها" بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، وفي مقدَّمها كركوك الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، والتي يَنْظُر إليها أكراد العراق على أنَّها "جوهرة التاج الكردي"، وتُريد لها حكومة الإقليم أنْ تُضَمَّ (بعد الاستفتاء، وبفضله) إلى الأراضي الكردية التي تبسط عليها سيطرتها؛ لكنَّ هذا الاستفتاء أصبح أثراً بعد عين، بعد تأكيد حكومة الإقليم أنَّ كركوك، التي سيطر عليها مقاتلو "البشمرجة" بعد انسحاب الجيش العراقي منها، لن تعود أبداً إلى ما كانت عليه قبل التاسع من حزيران المنصرم.
وقبل أنْ يسيطر مقاتلو "البشمرجة"، عن اضطِّرار على ما تزعم حكومة الإقليم، على كركوك "النفطية"، والتي يقطنها أيضاً عرب وتركمان، توطَّدت علاقة استراتيجية (مفاجئة) بين أربيل (عاصمة الإقليم) وأنقرة، اتَّخَذَت من النفط أساساً لها؛ فبواسطة أنبوب مستقل، يجتاز الأراضي التركية، شرعت حكومة الإقليم تنقل النفط المُسْتَخْرَج في الإقليم إلى ميناء تركي على البحر المتوسط ، ليُحَمَّل، بعد تخزينه في أراضٍ تركية، في ناقلات للنفط إلى شُراته (الذين ليست تركيا منهم). على رغم أنف بغداد، ولمصلحتهم هُم، شرع الأكراد يبيعون النفط (المُسْتَخْرَج من أراضيهم) بالتعاون مع تركيا (المعروفة بعدائها المزمن للمطامح القومية للأكراد). ومن هذه العلاقة الاستراتيجية الجديدة، تجني أنقرة فوائد أمنية وتجارية واقتصادية جَمَّة؛ وقد يستفيد أردوغان وحزبه انتخابياً من هذه العلاقة؛ فنحو 20 في المئة من مواطني تركيا هُم من الأكراد الذي يقطنون منطقة مهمة استراتيجياً هي جنوب شرق الأناضول؛ وإنَّ من الأهمية بمكان أنْ نشير إلى أنَّ انقرة، التي ما زالت، من الوجهة الرسمية، تَقِف ضدَّ تقسيم العراق، أعلنت أنَّها "قد" تقبل قيام دولة كردية في شماله "إذا" انقسم العراق؛ ويبدو أنَّ العراق سيَنْقَسِم، ويكتمل انقساماً، قبل إجراء ذاك الاستفتاء الشعبي الذي تحدَّث عنه البرزاني؛ وعندئذٍ، يفقد إعلان الأكراد "استقلالهم عن العراق" معناه؛ فكيف لهم أنْ يَسْتَقِلوا عن دولةٍ (اتحادية) انحلَّت وتفكَّكت، وكفَّت عن الوجود؟!
أكراد العراق استقلُّوا أوَّلاً بنفطهم؛ ثمَّ ضَمُّوا إلى إقليمهم كركوك (مدينةً ومحافَظَةً). وها هُمْ الآن يشجِّعون "العرب السنة" من "الشعب العراقي القديم" على إنشاء إقليم خاص بهم، يماثِل الإقليم الكردي، ويتوسَّط (جغرافياً وديمغرافياً) بين كردستان وجنوب العراق الغني نفطياً، والذي تقطنه غالبية من العرب الشيعة، ويتركَّز فيه النفوذ الإيراني؛ لكنَّ إقليم كردستان لا يريد لهذا الإقليم "السني" أنْ يسيطر عليه، ويتحكم فيه، "داعش"، الذي أعلن قيام دولة له على جانبيِّ الحدود العراقية ــ السورية؛ فهذا التنظيم، وإذا ما أحكم سيطرته (أو سيطر) على مصفاة بيجي قد تشتدُّ لديه الحاجة إلى تزويد هذه المصفاة نفطاً خاماً من آبار النفط في كركوك.
وإذا ما عَرَفت سورية تقسيماً مشابهاً لتقسيم العراق، فرُبَّما يُضَم شمال غرب سورية الكردي إلى "الدولة الكردية" في شمال العراق؛ لكنَّ أنقرة لن تكون أكثر مرونة في تعاملها مع هذا الأمر المزدوج (قيام دولة كردية في شمال العراق الذي تَقَسَّم، وضم شمال غرب سورية الكردي إلى هذه الدولة) إلاَّ إذا ضَمِنَت أمرين مهمين: أنْ يسوَّى النزاع (المستمر منذ 30 سنة) مع أكرادها بما يرضيها هي في المقام الأوَّل، وألاَّ تقوم بين هذه الدولة وإسرائيل علاقة لا ترضي أنقرة، ويمكن أنْ تتهدَّد الأمن القومي لتركيا.