الإشكالية في تقدير -عُمْر الكون-!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4493 - 2014 / 6 / 25 - 12:06
المحور: الطب , والعلوم     

جواد البشيتي
الأرض هي كوكب يدور حَوْل نجم يسمَّى "الشمس"؛ وهذا النجم، مع الأرض (وقمرها) وسائر الكواكب الشمسية، هو "عائلتنا (الكونية)". والشمس هي نجم من آلاف الملايين من النجوم التي تضمها مجرَّتنا (مجرَّة "درب التبانة"). ومجرَّتنا هذه هي "عشيرتنا (الكونية)". و"درب التبانة" هي مجرَّة من آلاف الملايين من المجرَّات التي يضمها "عنقود من المجرَّات"؛ وهذا "العنقود" هو "قَبيلَتُنا (الكونية)".
فضاء فسيح يمتد، أو يفصل، بين كلِّ "عنقوديْن"؛ وهذا الفضاء يتمدَّد (يتَّسِع) في استمرار؛ وسرعة تمدُّده تزداد في استمرار؛ والتفسير الافتراضي لتمدُّده، وازدياد سرعة تمدُّده، هو "الطاقة الداكنة"، التي تتخلَّل هذا الفضاء، فاعِلةً به فعلها هذا، أيْ "التمدُّد"، و"زيادة سرعة التَّمدُّد". والاستنتاج الافتراضي هو أنَّ هذا الفضاء البَيْني (أي الممتد بين كل "عنقودين") كلَّما تمدَّد، ازدادت سرعة تمدُّده؛ وكأنَّ "الطاقة الداكنة"، التي تتخلَّله، يقوى فعلها ويشتد مع كل تمدُّد جديد.
ويُفْتَرَض أنَّ سرعة تمدُّد هذا "الفضاء البيني" هي نفسها في كل الكون؛ فالفضاء بين كل "عنقودين (أو قبيلتين)" يتمدَّد بالسرعة نفسها.
ويُفْتَرَض أيضاً أنَّ كل "عنقود" لا يتحرَّك، ولا يَنْتَقِل، في الفضاء، أو عَبْره؛ فالفضاء بين كلِّ "عنقودين" هو الذي يتمدَّد، فيرى المراقِب في أحد "العنقودين" أنَّ "العنقود" الآخر (وسائر "العناقيد" في الكون) هو الذي يبتعد، ويرتد، عن "عنقوده" في استمرار، وبسرعة متزايدة.
والاستنتاج الافتراضي هو أنَّ أي مراقب في الكون لن يرى أبداً مجرَّةً (أو نجماً، أو كوكباً) تَنْتَقِل في الفضاء الممتد بين "العناقيد"؛ فكل مجرَّة تتحرَّك (فحسب) في الفضاء الداخلي لـ "عنقودها"؛ وكل نجم يتحرَّك (فحسب) في الفضاء الداخلي لـ "مجرَّته".
تأمَّلوا جيِّداً هذا التَّصَوُّر الكوني"، المعمول به في المجتمع الكوزمولوجي العالمي، وفَكِّروا فيه مليَّاً.
إنَّكم ستصطدمون أوَّلاً بمشكلة "اُفْق الكون"؛ فهذا التَّصَوُّر إنَّما يعني أنَّ ثمَّة أماكِن ومواقع ("عناقيد"، أو "مجرَّات"، أو "نجوم"، أو "أجسام كونية أخرى") بعيدة في الكون لن نراها أبداً، ولن يكون لنا أي صلةٍ بها أبداً؛ لأنَّ "السرعة النسبية" لابتعادها، وارتدادها، عنَّا تَفُوق سرعة الضوء؛ وليس ممكناً، من ثمَّ، أنْ يصلنا منها أي ضوء (أو تأثير فيزيائي). إنَّها موجودة؛ لكنَّها موجودة في خارج "أُفْق الكون"؛ ونحن لا يمكننا أنْ نرى إلاَّ ما يَقَع ضمن "أُفْق كوننا".
ومن هذه "المشكلة" تتفرَّع مشكلة أخرى تتعلَّق بـ "عُمْر الكون"؛ فنحن نقول إنَّ عُمْر الكون 14 بليون سنة؛ لأنَّ أبْعَد جسم كوني نراه ضِمْن "أُفْق كوننا" يَقَع على بَعْد 13 بليون سنة ضوئية (مثلاً) عن كوكب الأرض؛ وهناك، على ما رَاَيْنا نظرياً، "عناقيد" تَبْعُد عن الأرض أكثر بكثير من ذاك الجسم؛ لكننا لا نراها؛ لأنَّ "السرعة النسبية" لابتعادها عن الأرض تَفُوق سرعة الضوء؛ فإذا افْتَرَضْنا أنَّ بعض هذه "العناقيد (غير المرئية)" تَبْعُد عن الأرض 30 بليون سنة ضوئية (مثلاً) فكيف لنا أنْ نظل مُسْتَمْسِكين بهذا العُمْر (الرَّسمي) للكون، الذي بعضه، وليس كله، يَقَع ضِمْن "الأُفق"؟!
يكفي أنْ نُفَكِّر في ذاك "التَّصَوُّر الكوني"، وفي هذه الطريقة، حتى نَقِف على كثيرٍ من النَّواقِص، وأوجه الخلل، في نظرية الانفجار الكبير" Big Bang.