هل نعرف معنى -الانتخاب-؟!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4467 - 2014 / 5 / 29 - 13:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

جواد البشيتي
كل جماعة من الناس لديها مهمَّات جماعية (لا فردية) معيَّنة، وينبغي لها إنجازها، أيْ التَّعاون في إنجازها. ومن هذه الحاجة (الواقعية الموضوعية) تُوْلَد، حتماً، حاجة أخرى، هي الحاجة إلى "قيادة"، تقود (وتُنَسِّق، وتُنَظِّم، وتُوجِّه) العمل الجماعي، توصُّلاً إلى إنجاز تلك المهمَّات.
إنَّ أفراد الجماعة يتواضعون ويَتَّفِقون على اختيار قيادة لهم، ومنهم، وعلى (مِنْ ثمَّ) التزام توجيهاتها، وأوامرها، وتعليماتها، لا لكونهم يُحبِّون الخضوع والاستخذاء لِفَرْد، أو لبضعة أفراد؛ وإنَّما لكونهم يَعُون جيِّداً "الضرورة" الكامنة في هذا الالتزام (أو الخضوع والاستخذاء). هذه القيادة يجب أنْ تكون منهم، ولهم؛ وعليه، ينبغي لهم انتخابها انتخاباً حُرَّاً؛ انتخاباً يَعْكِس إرادتهم الحُرَّة، ويُعبِّر عنها خير تعبير.
أوَّلاً، وقبل كل شيء، ينبغي لهم أنْ يدرأوا عن "إرادة" و"صوت" كل فَرْد ناخِب مخاطر الفساد؛ فسياسة "الترغيب والترهيب" للناخب يجب أنْ تُحارَب بلا هوادة، وأنْ تَعْرِف الجماعة كيف تحبطها؛ ثمَّ ينبغي لهم أنْ ينأوا بتلك القيادة المُنْتَخَبَة عن كل ما من شأنه تشديد المَيْل لديها، أو لدى بعض أفرادها، إلى الاستئثار بهذه السلطة، واغتصابها، والانفصال بها عن الجماعة التي اختارتها وانتَخَبَتْها.
كل فَرْدٍ من أفراد القيادة يجب أنْ يكون قابلاً للعزل والإقصاء، في أيِّ وقت، إذا ما أساء التَّصَرُّف، أو استغل لمصلحته الشخصية منصبه وسلطته؛ فلا بقرات مقدَّسة، ولا حصانه دائمة مُطْلَقَة؛ وينبغي له، أيضاً، أنْ يشعر دائماً أنَّ القيادة (أيْ العمل القيادي الذي يؤديه) تكليف، لا تشريف، لا تغنيه إذا ما أتاها فقيراً، وقد تُفْقِره إذا ما كان غنيَّاً، وأنَّه تحت المراقبة الدائمة، وعُرْضَة للمساءلة والمحاسبة والفضيحة؛ فلا يَقْبَل القيادة إلاَّ من وَطَّن نفسه لهذه المسؤولية الثقيلة.
و"بَيْتُ القصيد" في أَمْر انتخاب القيادة (أو السلطة، أو الحكومة، أو الرئيس) هو "الصِّلَة التي نتصوَّرها، أو نَفْتَرِضها، أو نقول بها، بين القيادة المُنْتَخَبَة وبين المهمَّات التي يُراد إنجازها"؛ فالناخِبون (أو الجماعة، أو المجتمع، أو الشعب) يَعْتَقِدون، على وجه العموم، وعن خطأ، أنَّ القيادة قد انْتُخِبَت، أو تُنْتَخَب، من أجل أنْ تضطَّلِع هي بمسؤولية أنْ تُلبِّي للناس مطالبهم واحتياجاتهم؛ وكأنَّ غاية الانتخابات هي أنْ يُتْرَك للقيادة، أو السلطة، المُنْتَخَبة، حرية التَّصَرُّف، توصُّلاً إلى أنْ تُنْجِز هي بنفسها، أو بالنيابة عن الشعب، أو في غياب الشعب، أو مع، وبعد، عودة الناخبين إلى بيوتهم، كل المهمَّات والأعمال.
كلاَّ، ليست هذه هي الغاية؛ فالقيادة المُنْتَخَبَة إنَّما هي هيئة لديها من السلطات والصلاحيات ما يسمح لها بتنسيق وتنظيم جهود ومساعي الجماعة، تَوَصُّلاً إلى أنْ تُنْجِز هذه الجماعة، وبنفسها، ولنفسها، تلك المهمَّات. إنَّ السلطة المُنْتَخَبَة ليست مدعوة، ويجب ألاَّ تكون مدعوة، إلى إنجاز المهمَّات (الجماعية) بنفسها؛ فهي مدعوة فحسب إلى أنْ تعمل وتتصرَّف بما يمكِّن الجماعة نفسها من إنجاز هذه المهمَّات؛ وإلاَّ انتهى الأمر إلى انتخاب أُناسٍ يعملون ويديرون بما يخدم مصالحهم الشخصية والفئوية الضيِّقة، والتي تتزاوَج، عندئذٍ، مع مصالح كبار المستثمرين وأرباب العمل والتُّجار.