ما أَحْوَج شبابنا إلى هذه التجربة!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4459 - 2014 / 5 / 21 - 12:34
المحور: المجتمع المدني     

جواد البشيتي
مجتمعاتنا العربية ما زالت تَفْتَقِر إلى الرُّوح (والذهنية) الجماعية في العمل والنشاط والتفكير والتقرير؛ فالرُّوح (والذهنية) الفردية هي السائدة والمهيمِنة؛ ولا نرى من الجماعية (والآن على وجه الخصوص) إلاَّ أسوأ أشكالها، كالجماعية الطائفية والمذهبية والقبلية والعشائرية، والتي فيها من شِدَّة التَّعَصُّب البغيض الكريه ما يُلْغى عقل الفرد، ويُشَوِّه ويَمْسَخ مشاعره، غير مُبْقٍ له إلاَّ نَزْراً من مقوِّمات استقلال الشخصية، وحريتها.
إنَّ مشكلاتنا، بهذا المعيار، على نوعين اثنين: مشكلات فردية (شخصية) تَخُصُّ الفرد وحده، ويمكنه حلَّها، أو السعي إلى حلها، بجهوده وقواها وإمكاناته الشخصية، وبمعونة ومساعدة العائلة والأهل والأصدقاء والمعارِف؛ ومشكلات جماعية، أيْ مُشْتَرَكة بينه وبين أفراد آخرين (قليلي، أو كثيري، العدد). وهذه المشكلات، وبحكم طبيعتها الجماعية، لا يمكن حلها، أو السعي إلى حلها، إلاَّ بالتَّعاون مع أمثاله من المُعانين والمتضررين، وبالجماعية في العمل والنشاط والتفكير والتخطيط والتقرير.
وليس بالأمر الذي يشبه "الاكتشاف" أنْ نقول إنَّ لكل فرد، وشخص، ومواطن، احتياجات ومصالح ومطالب وغايات وتطلعات مُشْتَرَكَة مع أفراد آخرين، في الحيِّ الذي يسكن ويعيش فيه، وفي المدرسة، والجامعة، ومكان العمل، وفي المهنة، وفي غير ذلك من الصِّلات الاجتماعية؛ وينبغي له، من ثمَّ، أنْ يجتهد، مع مجموعة من أشباهه في ذلك، في البحث عن طريقة تسمح لهم بالتأسيس لجماعية تختص بالأمر مدار اهتمامهم جميعاً؛ فالتعاون (أو الاتحاد) قوَّة (جديدة، مُركَّبة، ليست بحاصِل جَمْع بين قواهم الفردية) ووسيلة لا بدَّ منها لحل المشكلة الجماعية؛ فطبيعة "الوسيلة (أيْ وسيلة الحل)" من طبيعة "المشكلة"؛ وهذا إنَّما يعني أنْ لا حلَّ لمشكلة جماعية، يعاني منها عدد من الأفراد، إلاَّ بوسيلة جماعية هي أيضاً؛ وَلَكَمْ ظلَّت مشكلاتنا الجماعية بلا حلول، وتفاقَمَت مع مرور الوقت، لكَوْننا لم نتعلَّم بعد أهمية وضرورة الجماعية في العمل والممارسة والنشاط!
لا بدَّ لفرد ما (من جيل شبابنا الجديد) من أنْ تستأثر فكرة "العمل (والحراك) الجماعي" باهتمامه، وأنْ يُبادِر إلى تدارسها (بدايةً) مع مجموعة صغيرة من رفاقه، الذين يشبهونه في المشكلة والحاجة والمصلحة والمطلب والغاية والتَّطلُّع..، ليَنْطَلِقوا، معاً، بعد ذلك، في ضمِّ مزيدٍ، ومزيدٍ، من رفاقهم إلى هذا الجهد، فيؤسِّسون لأداة اتِّصال وتنظيم لعملهم (وحراكهم) الجماعي، ضِمْن الحيِّ الذي يعيشون فيه، أو ضِمْن مكان عملهم أو مدرستهم، أو جامعتهم، أو ضِمْن المهنة التي يُزاولون.
ومع اللقاءات والاجتماعات المباشِرة، يمكنهم، وينبغي لهم، أنْ يستثمروا على خير وجه الإمكانات الهائلة التي تتيحها لهم مواقع التواصل الاجتماعي، في الاتِّصال والنقاش والحوار والتنظيم والتخطيط والتقرير..؛ ويستطيع هذا "المجتمع الخاص (أو هذه الجماعية)" أنْ يُنشئ صفحة خاصة به (لا يدخلها، وينشط فيها، إلاَّ الأعضاء) على أحد هذه المواقع، فيلتقي فيها، ويتحاور، الأعضاء جميعاً، توصُّلاً إلى التَّوافق والاتِّفاق على ما يعتزمون عمله وفعله خدمةً لمقاصدهم؛ وهكذا يمكن أنْ يجد الفرد الواحد نفسه في "صفحات عدة"، أيْ في "جماعات عدة"؛ فالمشكلات الجماعية (المشترَكة) المعني بها، وبأن يكون جزءاً من مساعي حلها، كثيرة، متكاثرة، ومتنوعة.
الأخذ بمبدأ "الجماعية" ينمِّي في الفرد الروح الجماعية، ويُحرِّره من كل جماعية تقوم على تعصُّب بغيض، ويجعله أكثر وعياً وتمثُّلاً لمعنى "المواطَنَة"، وأكثر ثِقَةً بأهمية وضرورة وجدوى "الجماعية (روحاً وتفكيراً وإرادةً وعملاً..)"؛ ومع مرور الوقت، وكثرة التجارب، تؤسِّس هذه "الجماعيات" لِمَا يشبه "البنية التحتية" للحياة الحزبية الحديثة، وللمجتمع المدني، الذي في رحمه تُبَرْعِم "الدولة المدنية (الديمقراطية الحديثة)"؛ فَلِمَ لا نبدأ هذه التجربة؟!