-الربيع العربي-.. ثورةٌ مغدورة!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4457 - 2014 / 5 / 19 - 15:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جواد البشيتي
في "السياسة"، وفي "الثورات"، ينبغي لنا أنْ نَعْرِف، أوَّلاً، "ماذا نريد"، أيْ ما هي الغاية، وما هو الهدف؛ وأنْ نَعرِف، من ثمَّ، "كيف نَصِل، أو نتوصَّل، إلى ما نريد".
والآن، لا بدَّ لنا من أنْ نَعْتَرِف بأنَّنا، شعوباً ومجتمعات وقوى ومنظمات وجماعات سياسية، عِشْنا وخُضْنا تجربة "الربيع العربي"، من غير أنْ نَعْرِف "ماذا نريد"، و"كيف نَصِل إلى ما نريد"؛ والدليل على ذلك هو الواقع والنتائج والعواقب؛ فإنَّ معظم ما تمخَّض، ويتمخَّض، عنه الصراع الذي نخوض من أجل "الحرية السياسية"، و"الحياة الديمقراطية"، كان من السوء بمكان، ولم يكن له من وجود في الشعارات والمطالب والرؤى..؛ وكأنَّها الطريق إلى جهنَّم بُلِّطَت بنيَّاتنا الحسنة الطيبة!
في كلِّ دولة من دولنا التي شملها "الربيع العربي"، كان ينبغي لنا أنْ نَعْرِف كيف نَحِلُّ ما يبدو تناقُضاً بين أَمْرَيْن: الحفاظ على وحدة الشعب والمجتمع والوطن والدولة، وإنجاز جُمْلَة من الإصلاحات التي لا بدَّ منها لِجَعْل كل جماعة (دينية أو طائفية أو مذهبية أو عرقية أو قومية أو جهوية) تَشْعُر أنَّها غَدَت حُرَّة، سيِّدة نفسها، تعيش في أمنٍ وأمان، ونالت حقوقها كاملةً، في مجتمعٍ يتساوى أبناؤه جميعاً في الحقوق والواجبات؛ فَضَمَر فيها، وتلاشى، من ثمَّ، كل مَيْل انفصالي، أو كل مَيْل إلى الحراك والصراع بما يُضْعِف، أو يُقَوِّض، وحدة الشعب والمجتمع والوطن والدولة، وبما يُهَيِّئ الظروف لتَدَخُّل قوى إقليمية ودولية لها من المصالح والأهداف ما يتنافى مع ما من أجله كان "الربيع العربي".
الأمر الذي لا ريب فيه هو أنَّ الشعب (ولا أعني بـ "الشعب" كل المواطنين الشباب"، ولا "غالبيتهم العظمى") قد نَزَل إلى الشارع؛ وكان نزوله عفوياً في معظمه؛ وأنَّ مُنْزِلَه إلى الشارع كان رغبته العارمة في الخلاص من الحكم الاستبدادي؛ وأنَّ الدَّوافع والحوافِز الشعبية لا شَبَه بينها وبين ما نُعاينه، ونُعانيه، الآن من عواقب؛ لكنَّ هذا الحراك الشعبي "الأخيلي (نِسْبَةً إلى البطل الأسطوري الإغريقي أخيل)" كانت له نقطة ضعفه القاتلة؛ وكانت هذه النقطة هي "عدم وجود التَّنْظيم"؛ فهو "حِراكٌ بلا رأس"، أطاح "الرأس" فحسب. هذا الحراك كان ينقصه قوى سياسية منظَّمة، تشبهه، لها ثِقَلٌ شعبي، عابِرة، في بُنْيَتِها وتكوينها، لكلِّ مكوِّنات المجتمع.
"الحكم الاستبدادي (وحكم الفرد)" كان له تناقضه؛ فهو حَرْبٌ دائمة على الحقوق السياسية للشعب؛ لأنَّه متأتٍّ من اغتصاب السلطة، ومتوفِّرٌ دائماً على إدامة هذا الاغتصاب؛ لكنَّه، في الوقت نفسه، كان يُزاوِج بين بقائه وبين إبقاء كل انقسام (ديني أو طائفي أو مذهبي أو عرقي أو قومي أو جهوي) في المجتمع تحت السيطرة، وإنْ جَنَح، غير مرَّة، لِلَعِب لعبة "فَرِّقْ تَسُدْ".
هذا التناقض، مع غياب الأحزاب السياسية التي في مقدورها أنْ تُنَظِّم وتقود حراكاً شعبياً عفوياً واسعاً، هو ما أغرى قوى التَّفْتيت والتقسيم والتجزئة (أيْ قوى "الفوضى الخلاَّقة"، و"الشرق الأوسط الجديد"، وراسمي "الخرائط الجديدة") بقبول "المجازَفَة"؛ فسقوط "الحاكم الفرد" قد يَصْلُح مَدْخلاً إلى "الفوضى الخلاَّقة"، مع ما يَكْمُن فيها من أهداف وغايات ومآرب لا وجه للشبه بينها وبين الدوافع والحوافز الشعبية الكامنة في "الربيع العربي".
ولقد لَقِيَت هذه القوى الخارجية، مع أعوانها في الداخل، دَعْماً موضوعياً من كل القوى المتضرِّرة من "الربيع العربي"، وفي مقدَّمِها قوى الحكم الاستبدادي التي بقيت محتفظة بكثيرٍ من النفوذ؛ وهكذا تهيَّأ "المسرح الداخلي" لأعمال وأفعال، مدارها جميعاً، جَعْل العيش المشترَك (بين مكوِّنات المجتمع) مستحيلاً، وجَعْل كل جماعة تعيش في الحرب، وبالحرب.