حرية المعتقد بين المصادقة والدسترة .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4421 - 2014 / 4 / 11 - 18:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     



تركت مصادقة المغرب على القرار الأممي المتعلق بحرية المعتقد خلال الدورة الأخيرة لمجلس حقوق الإنسان ، انطباعا طيبا في الأوساط الحقوقية والسياسية اعتبارا لأهمية القرار في تحصين المكتسبات التي تضمنها دستور 2011 في مجال حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا . وإذا كان المغرب قد أضاع على نفسه فرصة الانتماء ـــ طوْعا واختياراـــ إلى نادي الدول التي تحترم حرية الاعتقاد والتدين ، بأن رضخ لضغوط التيار الأصولي الذي استقوى بحركة 20 فبراير لحمل اللجنة المكلفة بمراجعة الوثيقة الدستورية على إسقاط دسترة حرية المعتقد من المسودة ؛ فإن هذه المصادقة لن تكون ذات جدوى عملية إلا إذا عززتها رزمة من الإجراءات الضرورية التي بدونها ستظل صورية ؛ ما سيفتح باب التشكيك في جدية الدولة وخلفيات المصادقة . ذلك أن حرية المعتقد ليست مجرد تصويت ومصادقة في المحافل الدولية ، بل هي تشريعات وقوانين وإجراءات تحوّل القرار إلى ممارسة مشروعة وشرعية . لأجل هذا يتعين على الدولة الإسراع باتخاذ القرارات التالية :
1 ــ تعديل الدستور ليتضمن بندا أو فقرة تنص صراحة على حرية المعتقد وغير قابلة للتأويل . ومن شأن هذا التعديل أن يحمي حرية المعتقد ويعزز منظومة حقوق الإنسان في بعدها الكوني ، فضلا عن كونه يلغي كل التشريعات التي تقيّد أو تتنافى مع حرية المعتقد بعد دسترتها ؛ كما يقطع الطريق على التيار الأصولي الساعي لأسلمة المجتمع والدولة عبر فرض نمط من التدين مناهض للقيم الإنسانية السامية ومعاد لمبادئ وحقوق الإنسان .
2 ــ ملاءمة القانون الجنائي مع روح ومنطوق القرار الأممي الذي ينص "على حق كل فرد في حرية الفكر والوجدان والـدين أو المعتقـد، بما يشمل حريته في أن يكون أو لا يكون له دين أو معتقد أو في أن يعتنق دينا أو معتقـدا يختاره بنفسه، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعليم والممارسة والتعبد وإقامة الـشعائر، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة، بما في ذلك حقه في تغيير دينه أو معتقده". وهذا يستوجب أمرين أساسيين :
أ ــ تعديل فصول القانون الجنائي ذات الصلة بحرية المعتقد ، وخاصة الفصل 220 الذي يعاقب على ممارسة هذا الحق بتهمة "زعزعة عقيدة مسلم" ، مع الوقف العاجل لكل المتابعات القضائية وحفظ الدعاوى المرفوعة أمام محاكم المملكة على خلفية هذا الفصل .
ب ــ وضع تشريعات تجرّم فتاوى التكفير في حق الأفراد أو الهيئات أو المؤسسات ، أو تحرض على القتل أو تجيزه تحت أي ذريعة كانت . فالتكفير ينبغي تجريمه دستوريا وقانونيا مع تشديد عقوبته قصد حماية المجتمع من فتن التكفير وجرائم التطرف .
3 ــ تعديل قانون الصحافة والإعلام حتى يتلاءم مع القرار الأممي وحرية المعتقد ، وذلك بالتنصيص على عقوبات مشددة في حق المنابر الإعلامية والمواقع الإلكترونية التي تروج فتاوى التكفير أو تذيعها أو التي تفتح مساحات للمحرضين على الكراهية أو العنف للمساس بكرامة الأشخاص الذاتيين أو المعنويين .
4 ــ تجديد الخطاب الديني وملاءمته مع فحوى القرار الأممي بما يمنع حملات التشهير والازدراء في حق أتباع الديانات الأخرى وتسفيه معتقداتهم والدعاء عليهم بما تشمئز منه النفوس والضمائر السوية ؛ مع ضرورة تأهيل الفقهاء والأئمة والخطباء ليستوعبوا قيم حقوق الإنسان في بُعدها الكوني وينخرطوا بجدية في بناء المشروع المجتمعي الحداثي الذي يتأسس على قيم المواطنة وليس رابطة العقيدة . فما تبثه منابر الجمعة من تحريض ضد فئات من المواطنات والمواطنين على خلفية اللباس أو اللغة أو الأنشطة الفنية والثقافية أو مواقفهم السياسية وقناعاتهم الفكرية .. لجريمة تمس بكرامة المواطنين وتهدد سلامتهم البدنية ، ما يستوجب منعها وتأديب المتمادين فيها .
5 ــ إصلاح البرامج التعليمية بما ينسجم مع مقتضيات الدستور والمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان ، بالإضافة إلى تنقيح مضامينها من ثقافة الغلو وفقه البداوة الذي يكرس دونية المرأة ويشيع قيم اللامساواة بين المواطنين ، فضلا عن تسفيه عقائد الغير وتحقير عباداتهم . ومن شأن هذا الإصلاح أن يؤهل المدرسة حتى تساهم بفعالية في تكوين جيل متشبع بقيم الإنسانية في بعدها الكوني ويشعر بالانتماء إلى الإنسان العالمي الذي يحمل نفس القيم والمبادئ التي ترقى بوعيه وتنمي كل أبعاده الفكرية والإنسانية والعاطفية والروحية والحقوقية والثقافية والبيئية . فللثقافة دور مباشر في تشكيل وعي الأفراد وأنسنة مشاعرهم وتهذيب أخلاقهم ، فضلا عن تحديد مواقفهم من الآخر .