دَرْسٌ من الثورة السورية!


جواد البشيتي
الحوار المتمدن - العدد: 4396 - 2014 / 3 / 17 - 14:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

جواد البشيتي
"يبرود" سقطت؛ وفي الوقت نفسه، سقطت "القرم"؛ أمَّا الولايات المتحدة وحلفائها، وفي مقدَّمهم الاتحاد الأوروبي، فيتكلَّمون عن "السياسة" بـ "لغة التجارة"؛ إنَّهم يتوعَّدون "روسيا بوتين" بـ "رَفْع الثَّمَن"، وكأنَّهم يقولون لسيِّد الكرملين إنَّكَ لن "تشتري" شبه جزيرة القرم "مِنَّا" إلاَّ بـ "ثَمَنٍ باهظ (وباهظ جدَّاً)"؛ وهذا "الثَّمَن" هو الان مدار تَكَهُّن كَهَنَة السياسة، أكانوا ساسة أم مثقَّفين سياسيين؛ وأحسبُ أنَّ المعنيين (مِنْ سوريين وعرب) بثورةٍ سوريةٍ تُحرِّر سورية من بشار الأسد، و"مُنْقذيه" الإقليميين والدوليين، يتوقَّعون الآن، وكأنَّهم يَتَمنون، أنْ تكون "يبرود" آخر انتصار يحرزه بشار وحلفائه، وأنْ تكون سورية هي الموضع الذي فيه تَدْفَع روسيا بعضاً من "الثَّمَن المرتفع" لاستيلائها على القرم.
"الثَّمَن الباهظ" لم تَدْفَعه روسيا بَعْد، على افتراض أنَّها يجب أنْ تَدْفعه؛ لكنَّ الثورة السورية هي التي دَفَعَتْه؛ لا بَلْ إنَّ ثورات "الربيع العربي" جميعاً هي التي دَفَعَتْه، وتَدْفعه.
ولقد دَفَعَت الثورة السورية "ثَمَناً باهظاً" إذْ حادت عن المبدأ الثوري السليم، ألا وهو أنْ لا ثورة تُحرِّر شعبها إذا لم تكن قيادتها حُرَّة (مستقلة).
الشعب في سورية هو الان، وأكثر من ذي قَبْل، يَكْرَه ويَمْقُت ويعادي بشار الأسد، شخصاً وزمرة حاكمة، وطريقةً في الحكم؛ لكنَّ ما ينال من "القوَّة الشعبية" للثورة السورية الآن هو أنَّ الشعب فَقَدَ كثيراً من ثِقَتِه بقيادة الثورة، أو بالقيادة السياسية لها، والتي اتَّخَذت من عواصم إقليمية وعربية وغربية مراكز لها، وما عاد مُتقَبِّلاً لها على أنَّها البديل الذي يريد؛ وفَقَدَ ثِقَته، أيضاً، بـ "إنسانية" المجتمع الدولي، وبما يسمَّى "أصدقاء سورية"، وفي مقدَّمهم الولايات الولايات المتحدة، التي بَدَت له تَبْحَث دائماً، مع قوى غربية أخرى، عن ذريعة لعدم فِعْل أي شيء يُعْتَدُّ به لنصرة الثورة السورية، التي حاربها بشار وحلفائه بما جَعَلَها تبدو مَصَدَراً لكلِّ أنواع الشرور؛ وكأنَّ الغاية الكامنة في كل هذا الجنون الحربي الفاشي لبشار هي أنْ يقول لشعبه الثائر عليه: إنَّ ثَمَن عدم ثورتكم أقل بكثير، وبكثيرٍ جدَّاً، من ثورتكم.
سورية الآن، وبسبب اجتماع الجنون الحربي الفاشي لبشار، مع انتهازية وغدر وخيانة الولايات المتحدة، وقوى غربية أخرى، ومع استخذاء القيادات السياسية للثورة في الخارج لمشيئة قوى دولية وإقليمية تدَّعي نصرة الشعب السوري، هي مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعتقلين ومجهولي المصير، والملايين من اللاجئين والنازحين والمشرَّدين، والملايين من المنازل والمنشآت المدمَّرة، وعشرات الآلاف من المقاتلين الذين يُقاتِلون ويُقتِّلون ويَقْتتلون بما يجعل سورية اليوم أسوأ بكثير من سورية الأمس؛ وهي المكان الذي فيه تتصارع وتتصالح قوى دولية وإقليمية، وهو الذي كان مِنْ قَبْل مسرحاً لثورة شعبية سلمية تنادي بالحرية والديمقراطية.
الثورة السورية افتَقَدَت "النظرية الثورية"، وافتَقَدَت قيادة سياسية منظَّمة تتمثَّل هذه النظرية، وتلتزمها، وتحرص كل الحرص على بقائها حُرَّة مستقلة، مُحْتَفِظَةً، في الوقت نفسه، بحقِّها في أنْ تَسْتَثْمِر الصراع الإقليمي والدولي، بما يعود بالنفع والفائدة على الثورة، وبما لا يُلْحِق ضرراً بحريتها واستقلالها.
كان ينبغي للقيادة السياسية (والعسكرية) للثورة السورية أنْ تبدي من قوَّة الالتزام الثوري ما يدرأ عن خطر أنْ تُؤسَّس لها مصالح شخصية وفئوية تُشدِّد لديها المَيْل إلى التبعية للقوى الإقليمية والدولية التي قيَّدتها بهذه القيود الذهبية، متِّخِذةَ منها، من ثمَّ، مَدْخلاً وممرَّاً لها إلى الثورة السورية نفسها، حتى كادت هذه الثورة تَسْتَمِد كثيراً من قوَّتها (التي ليست بقوَّة ثورية) من مصادِر التمويل والتسليح والدعم (السياسي والإعلامي والإنساني) الإقليمي والدولي؛ وهذا ما يُنْذِر بتحوِّلها إلى "ورقة" في لعبة صراع المصالح الإقليمية والدولية.
ومع ذلك، أرى أنَّ هذا "المسار الهابط" لثورات "الربيع العربي" هو نفسه الذي سيُهيِّئ من الأسباب والظروف ما يُحوِّله إلى "مسار صاعد"؛ فـ "الحقائق" لا تَشُقُّ طريقاً لها إلى رؤوس الناس إلاَّ بَعْد، وبفضل، اختبار الناس لأوهامهم، وَهْماً وَهْماً.