دول الربيع العربي بين الفتنة والكارثة.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4355 - 2014 / 2 / 4 - 01:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     


تحتفل دول ما بات يعرف والربيع العربي بمرور السنة الثالثة على قيام الثورات التي أدت إلى إسقاط الأنظمة الحاكمة . وكانت انتظارات شعوب هذه الدول تعكسها الشعارات المطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية . واليوم ، وبعد مرور هذه المدة وصعود الأحزاب الإسلامية إلى السلطة وتحملها مسئولية إدارة الشأن العام ، يمكن للشعوب إياها أن تسائل الأنظمة الجديدة التي أفرزتها "الثورات" عن مدى التزامها بالشعارات التي رفعها المحتجون وقضى من أجلها عدد هام من المواطنين .ذلك أن مدة ثلاث سنوات كافية لتقييم أداء حكومات "الربيع العربي" في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية . فهذه الحكومات لم ترث دولا خرابا ولا مؤسسات مفككة أو اقتصادات مفلسة أو على حافة الإفلاس . ورثت فعلا وضعية عامة تعتمل فيها مشاكل كثيرة لكنها لم تكن بالسوء الذي هي عليه اليوم بسبب ضعف أداء هذه الحكومات وافتقارها لإستراتيجية متكاملة وبرامج واضحة ومدققة قابلة للتطبيق ومترجمة للشعارات التي رفعتها نفس الأحزاب ، سواء في خضم "الثورة" أو أثناء الحملات الانتخابية ، من قبيل محاربة الاستبداد والفساد والنهب وتوفير الحرية والكرامة والديمقراطية . ولا يختلف الوضع العام بين تلك الدول سواء التي غيرت الأنظمة أو عرفت التغيير ضمن الاستمرارية كما هو الحال في المغرب . وتجدر الإشارة إلى أن إرجاع فشل حكومات "الربيع العربي" في إحداث تغيير حقيقي وإصلاح يلمس المواطنون نتائجه الإيجابية إلى قلة تجربة هذه الأحزاب في الشأن الحكومي بحكم كونها حديثة العهد به أمر غير مستساغ ؛ ذلك لأنها لم تبدأ من فراغ ولم ترث دولة بدون كفاءات وأطر . فكل الدول إياها تزخر بالأطر والكفاءات في كل التخصصات ، لكن الخلفية الإيديولوجية والإستراتيجية المحكومة بمبدأي "التمكين" و "الأخْونة " حتّمت على تلك الأحزاب تهميش الكفاءات الوطنية وتطبيق برنامج يقوم على التوزيع كبُعد أحادي ، أي أن هذه الأحزاب لها برنامج يقوم فقط على توزيع الثروة وليس إنتاجها . لهذا وجدناها في أدبياتها وبرامجها الانتخابية ترفع شعار محاربة الفساد والنهب اعتقادا منها أن مثل هذا الإجراء كاف وكفيل بتحقيق الوفرة وإشاعة الرخاء المعيشي . أما بخصوص تهميش الكفاءات فقد شكل ويشكل أكبر العقبات التي تحول دون تحقيق تغيير جذري اعتبارا لما راكمته هذه الكفاءات من خبرات واسعة ودراية دقيقة بأسلوب إدارة الدولة . فالنوايا الحسنة لا تحقق الرخاء ولا تجلب الخبز ولا تقيم نظاما ودولة على أسس متينة . لقد فشلت هذه التجارب السياسية التي قادتها الأحزاب الإسلامية في كل من تونس ومصر والمغرب .
1 ـ بالنسبة لتونس ، ظلت حركة النهضة تتردد في مواجهة المشاكل الحقيقية التي يواجهها المواطنون في مجال الأمن والشغل والحريات الفردية . بل إنها تواطأت مع التنظيمات الإرهابية وفتحت لها المساجد والمجال العام والإعلام لنشر تطرفها وإدخال الأسلحة وإقامة المعسكرات والقواعد . وقد بث موقع يوتوب شريط فيديو يجمع الغنوشي وممثلين عن أنصار الشريعة يعدهم فيه بالحماية القانونية لكل أنشطتهم وينصحهم باختراق المجتمع ومؤسساته الدينية والمدنية إلى حين التمكن من الأجهزة الأمنية والعسكرية التي لا زال العلمانيون متحكمين فيها . لكن سرعان من انقلب السحر على الساحر وعبث أنصار الشريعة بأمن تونس واستقرارها ، فعاثوا قتلا في صفوف الأمن والجيش واغتيالا للمناضلين ؛ وانتهى المطاف بإسقاط حكومة النهضة الأولى والثانية ،ثم إسقاط حكم النهضة كمخرج من الأزمة السياسية . وهاهي تونس تتلمس المنفذ للخروج من النفق بعد أن استفحلت الأزمة في كل أبعادها وغدا الإرهاب خطرا حقيقيا على الاستثمار كما على الاستقرار السياسي والأمني .
2 ـ أما في مصر فالوضع أكثر خطورة نظرا لتحالف الإخوان مع التنظيمات الإرهابية من أجل إحراق مصر كما سبق وهدد قادة الإخوان قبل قرار عزل مرسي إثر الثورة التصحيحية في 30 يونيو 2013 .وأثبتت الوقائع أن الإخوان لم يكن هدفهم محاربة الاستبداد وإقامة نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان ، بل سعوا بكل الوسائل للتمكن من السلطة والدولة وإقامة نظام موغل في الفرعونية . ولعل الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي كان مقدمة لمسلسل التمكين وإقصاء كل القوى السياسية الحليفة والمعارضة . فلم يكن من خيار أمام الشعب سوى الثورة من جديد على حكم الإخوان .
3 ـ تجربة الإخوان في المغرب رغم اختلاف المسار لكن النتيجة واحدة وهي الفشل الذريع في إدارة الدولة وتحقيق مطالب الشعب . بل إن المشاكل التي ترتبت عن السياسية التي انتهجتها حكومة بنكيران تتهدد المغرب في استقراره بسبب الزيادات المتتالية في الأسعار والإجهاز على حقوق الطبقة العاملة وتجميد الترقيات وتقليص مناصب الشغل ورفع الدعم عن المحروقات ، فضلا عن حماية التطرف ودعم شيوخه ، والإجهاز على الحريات الفردية والجماعية ، وإثقال كاهل الدولة بالديون الخارجية ما يرهن مستقبل الأجيال القادمة ويمس بالقرار السيادي للمغرب . حكومة تقود البلاد إلى الفتنة أو الكارثة .