جماعة العدل والإحسان في الذكرى 1 لرحيل المرشد.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4340 - 2014 / 1 / 20 - 23:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     


تحل الذكرى الأولى لرحيل الشيح ياسين رحمة الله عليه ، وتحمل معها نفس الأسئلة التي أثارتها وفاته : ما مصير الجماعة بعد المرشد ؟ وهل ستغير مواقفها من النظام ومن الانتخابات ؟ ستظل نفس الأسئلة تحير الذين يتعاملون مع الجماعة كهيئة سياسية يؤطرها قانون أساسي ولوائح داخلية ولا يجمع أعضاءها سوى الرابط التنظيمي القائم على التطوع والاختيار . بينما الجماعة هي أكبر من الحزب ، ولا تشكل اللوائح الداخلية سوى الشكليات التنظيمية التي لا أثر لها على طبيعة الروابط التي تشد العضو إلى الجماعة . فالروابط التنظيمية التقليدية هي أوهن الروابط ، بينما الروابط الروحية هي أقوى وأمتن وأدوم لأنها لا تخضع للمنطق أو للحسابات التنظيمية الداخلية . لهذا كان المرشد ، كما قال الأمين العام السيد عبادي (يحرص كل الحرص على أن تكون العلاقة بين المومنين قائمة على الصفاء والمحبة والتراحم والتكارم). ما يربط ، إذن ، أعضاء جماعة العدل والإحسان بهيئتهم ومرشدها يتميز بقدسية شبيهة بتلك التي تربط بين النبي والمؤمنين به . وليس بدعا المماثلة بين تجربة الجماعة وتجربة الإسلام الأولى ، فالشيخ ياسين كان يضرب لأتباعه الأمثلة بالأنبياء والرسل بغرض ، كما قال السيد العبادي بث( روح إيمانية جديدة في قلوب إخوانه وبما سطره من نظرية شمولية ترسم طريق الخلاص الفردي والجماعي، مستوحاة ومتساوقة مع ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من خطوات لتوطيد أركان الإسلام). في الحالتين ــ حالة الجماعة وحالة النبوة ــ معا تكون القيادة الروحية هي الجامعة والموحدة ، وتكون الطاعة في حقها واجبة ،والانقياد لها إيمانا والتحلل منها عصيانا وكفرا . إن هذه الروابط الروحية التي تجمع أعضاء الجماعة بعضهم مع بعض هي ما يحصن الجماعة ويحافظ على وحدة التنظيم . فالشيخ ياسين أقام بُنيان الجماعة على أركان لا يشكك فيها أي عضو تشبع بعقائد الجماعة . ومن أهم تلك الأركان : أ ـ طاعة ولي أمر الجماعة واجبة شرعا لأنها امتثال للأمر الإلهي (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) . والخروج عن طاعة ولي الأمر يستتبعها خروج عن الله والرسول . ولا يوجد مؤمن يقبل على نفسه عصيان الله ورسوله . ب ـ أن الخلافة الثانية بعد الملك العضوض حقيقة ثابتة ووعد من الله ، ولا يشكك في وعد الله إلا جاحد . ومعنى هذا أن زوال النظام الحاكم مصير محتوم . ج ـ أن النصر من الله لعباده المؤمنين آت لا ريب فيه . د ـ أن جماعة العدل والإحسان هي المأمورة بإقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة . بالتأكيد أن أي جماعة تتأسس على مثل هذه المعتقدات ستحافظ على كيانها ودوامها أبعد مدى زمني ممكن . لهذه الاعتبارات العقدية ، تكون الروابط الروحية أقوى من الروابط التنظيمية ، بل الثانية تزيدها الأولى قوة ومتانة . لذلك يكتسب أعضاء الجماعة هويتهم الدينية والسياسية والاجتماعية داخل الجماعة وبالارتباط العضوي والروحي ببقية الأعضاء . فمن فارق الجماعة فقد كفر واستحل دمه وفق الحديث المنسوب إلى الرسول (ص) (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة) . فالكفر يترصد أعضاء الجماعة من جهتين أساسيتين : الأولى مفارقة الجماعة ، والثانية يصير الشيطان لمن فارقوا الجماعة شيخا يُضلهم عن سواء السبيل ، لأن من لا شيخ له فالشيطان شيخه ، كما نص عليه مرشد الجماعة . فالشيخ المرشد سيظل على صلة بأتباعه أعضاء الجماعة حتى بعد وفاته . ذلك أن الصلة الروحية لا تنقطع بينهم وبين الشيخ الذي قوى فيهم هذا الاعتقاد في آخر أيامه بشهادة السيد العبادي ( كان يكرر على مسامعهم في لقاءاته، وكتب ذلك في وصيته، بأن البرزخ وإن حجب تواصل الأشباح فإنه لا يحجب الصلة بين أرواح المتحابين في الله) . من هنا يمكن التأكيد على التالي : 1 ـ إن الجماعة ستحافظ على وحدتها التنظيمية ، على المدى المتوسط في أقل تقدير . 2 ـ وفاة الشيخ تركت فراغا كبيرا انعكس على أنشطة الجماعة التي كان الشيخ ياسين سندا لها في كل خرجاتها بكاريزميته التي كانت الدولة وأجهزتها الأمنية تأخذها في الاعتبار ، الأمر الذي تفتقر إليه الجماعة بقيادة السيد العبادي الذي فشل في إعادة فتح منزله فأحرى حماية الجماعة . 3 ـ بسبب هذا الشعور "باليتم" وغياب مظلة كاريزما الشيخ ، تراجعت مبادرات الجماعة . 4 ـ مواقف الجماعة من النظام ومن المشاركة السياسية من داخل المؤسسات الدستورية ستظل ثابتة لأنها لا تخضع للتكتيك والحسابات السياسية ، بقدر ما هي من صلب العقائد التي تأسست عليها الجماعة . إذ كل مشاركة في الانتخابات دون شروط الجماعة هي "مصالحة مع النظام وترميم لصدعه" ، ومن ثم فهي تمديد في عمره ؛ وفي هذا عصيان للأمر الإلهي وجحود للبشرى النبوية بزوال الحكم العاض وعودة الخلافة الثانية . قد تقبل الجماعة تعديل مواقفها من الأحزاب الليبرالية واليسارية بغرض تأسيس "حلف" معارض للنظام يكون نواة لثورة شعبية تنتهي بإسقاط النظام ، لكنها لن تقبل بأية مراجعة تخص موقفها من النظام وعلاقتها به .