تحريم الحب وتجريم التعبير عنه .


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4242 - 2013 / 10 / 11 - 00:56
المحور: حقوق الانسان     

أول مرة في تاريخ المغرب الحديث يتم اعتقال أطفال (البنت 14 سنة والولدين 15 سنة) بتهمة تبادل القبل .بل يحدث في ظل دستور جديد يقر بالحريات والحقوق ، كما يقر بسمو التشريع الإسلامي . فالنيابة العامة لم تلتزم بالدستور الذي ينص على احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا ، كما لم تلتزم بالتشريع الإسلامي الذي لا يعاقب على التقبيل بدليل أن الرسول (ص) لم يعاقب شخصا أقر بالقبل والعناق ؛ فقد روى الأئمة أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير من طرق : عن سماك بن حرب ، أنه سمع إبراهيم بن يزيد يحدث عن علقمة والأسود ، عن ابن مسعود قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني وجدت امرأة في بستان ، ففعلت بها كل شيء ، غير أني لم أجامعها ، قبلتها ولزمتها ، ولم أفعل غير ذلك ، فافعل بي ما شئت .. فلم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه ، لو ستر على نفسه ؛ فأتبعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصره ثم قال : " ردوه علي " . فردوه عليه ، فقرأ عليه ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل، إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين ) ،فقال معاذ ، وفي رواية عمر : يا رسول الله ألَهُ وحده، أم للناس كافة ؟ فقال : " بل للناس كافة ". الرسول الكريم يعفي كل الناس من كل عقاب عن القُبل وحيا من الله ، بينما النيابة العامة المغربية في ظل حكومة بنكيران تعتقل المتبادلين للقبل . وصدق الشاعر أحمد مطر :
لا تسخروا مني ، فحتى القبلة تعد في أوطاننا حادثة تمس أمن الدولة!!
لقد نبهت عملية اعتقال الطفلين إلى حجم المخاطر التي تحذق بالمغرب ويزداد مداها ؛ هناك نهب واستغلال وفساد ولا حكومة تحرك ساكنا لوقف النهب ، وهناك إفساد رسمي بتشجيع الإجرام والتغاضي عن المجرمين الذين يقتلون المواطنين ويطاردونهم في الشوارع العامة والأزقة والأسواق ، ويقطعون الطرقات ، ونادرا ما يتم التحرك. وحين يطلب المواطن الأمن أو الدرك ويستغيث بهم يصدونه بجواب واحد "واش كاين الدم" ؟ رجال الدرك هؤلاء والقوات المساعدة الذين يفترض فيهم حماية المواطنين من اللصوص والمجرمين يمتطون خيولهم في الشواطئ ، ليس لحماية المصطافين ولكن لابتزاز العشاق وكل من وجدوه رفقة فتاة وإن كانت زوجته ولا يحمل عقد زواجهما . فهل نحن في الصومال أم تحت حكم الطالبان ؟؟؟؟؟ خوفي على المغرب يزداد لأني أرى الآتي أشد حلكة وسوادا ، بينما "الحداثيون" ومدعو الحداثة تعجبك أقوالهم في الندوات والمقاهي وسرعان ما يبلعون ألسنتهم يوم يجد الجد . فإما نتكاثف ونشكل صمام الأمان لقيم الحداثة والديمقراطية ،وإلا سنفقد ليس فقط الكرامة ولكن الآدمية حتى .
قضية اعتقال أطفال الناضور تفرض على كل النواب الذين يزعمون أنهم تقدميون وديمقراطيون وحداثيون وليبراليون عليهم أن يتصدوا لمثل هذه الفظاعة التي مارستها النيابة العامة لما اعتبرت التعبير عن الحب خرقا للقانون وأن القُبلة جريمة تستوجب التعجيل باعتقال فاعليها أكثر مما تستدعيه الجرائم التي تتهدد أمن الوطن والمواطنين في كل شوارع المغرب وبواديه وحقوله وأسواقه وغاباته . إنه الإجرام والاغتصاب ونهب المال العام . قد تتذرع النيابة العامة بكونها تحركت بناء على شكوى تقدم بها شخص ما ، وفي هذه الحالة سيكون عذرها أقبح من زلتها من وجوه عدة : أولها أن التقبيل ليس جريمة وإنما تكيفها النيابة على الوجه الذي تريد . ثانيها أن التقبيل ليس بالجريمة التي تستوجب التعجيل بالاعتقال خوفا على الأمن العام أو على أرواح وممتلكات المواطنين . ثالثها تحرك النيابة بهذه السرعة يقتضي أن يكون دأبها مع كل الشكاوى المقدمة إليها مهما كانت طبيعتها . رابعها أن هناك جرائم خطيرة لم تحظ بالأولوية لدى النيابة العامة مثلما حظيت به قضية القبلة . خامسا أن المؤسسات التعليمية لها نظامها التأديبي الداخلي ، إذ كان من الأولى عرض ملفها على إدارة المؤسسة بدل سجن الأطفال وما سيترتب عنه من آثار نفسية واجتماعية خطيرة قد تجعل منهم منحرفين أو مرضى نفسيين . سادسا ، أن القبلة لم تتم في الأماكن العامة حتى تُوجه للأطفال تهمة المس والإخلال بالحياء . سابعا أن الطرف المشتكي تجسس على صفحة الأطفال على الموقع الاجتماعي فسطا على الصورة وقدمها دليل إدانة الأطفال ، وفي هذا تشهير بالأطفال واعتداء على خصوصياتهم . قبل هذا وبعده ، نستحضر قوله تعالى(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ). والقُبلة من اللمَمَ ، فلا نقسو على الأطفال ونحمّلهم مسئولية أخطاء الدولة والمؤسسات والمجتمع والأسرة .