التطرف الوجه الآخر لأزمة التعليم في المغرب وتونس.


سعيد الكحل
الحوار المتمدن - العدد: 4213 - 2013 / 9 / 12 - 15:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

حدثان بارزان أعادا التعليم في كل من المغرب وتونس إلى واجهة اهتمام الرأي العام الوطني والرسمي ووضعاه في صلب النقاش السياسي داخل البلدين . حدث الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب الذي دق أجراس الخطر لما آل إليه قطاع التعليم ؛ وحدث الكشف عن نسبة المنقطعين عن الدراسة بسبب تأثير عقائد التطرف على التلاميذ التونسيين وأسرهم . لنأخذ كل حدث على حدة لمعرفة طبيعة الأزمة المعرفية والقيمية التي تنخر هذا القطاع . إذ لم يعد الأمر يقتصر على ضعف التكوين والتأهيل المعرفي والتقني لولوج سوق الشغل ، مما ترتب عنه تراكم أفواج المعطلين وتصاعد احتجاجاتهم أمام البرلمان ومقرات الأحزاب المسئولة على الشأن الحكومي ، بل ظهر متغير جديد وشديد الخطورة على المجتمع والدولة معا ؛ فبعد أن كانت مؤسسات التعليم الجامعي تخرج معطلين يفتقرون إلى الكفاءة والخبرة المطلوبتين في سوق العمل ، صارت الجامعة ومعها مراكز تكوين الأساتذة تخرج متطرفين وانتحاريين متشبعين بفكر القتل والتدمير . وما كشفت عن التحريات الأمنية والتحقيقات القضائية من كون الخلية الإرهابية التي تم تفكيكها مؤخرا ويتزعمها عادل أوموسى تضم في عضويتها ثلاثة أساتذة لمادة التربية الإسلامية والرابع يحمل دبلوما جامعيا في شعبة الدراسات الإسلامية . وهذا الكشف يضع منظومتنا التعليمية موضع شكوك في قدرتها على بناء الشخصية الوطنية المعتدلة . منذ سنوات تعالت أصوات عدد من الآباء والمربين محذرة من خطورة التطرف الذي ينشر عقائده أساتذة متشددون بين التلاميذ ، بدءا من تغيير مظهرهم وانتهاء باستقطابهم داخل التنظيمات المتطرفة التي ينتمون إليها . لكن الجهات المختصة ظلت تغض الطرف عن تلك الأنشطة التخريبية التي تستهدف عقول التلاميذ وضمائرهم وأذواقهم وتهيئهم لأدوار تدميرية وتفجيرية تهز استقرار وطنهم وأمنه . فالأساتذة أعضاء الخلية المفككة ليسوا وحدهم من يحمل عقائد التطرف ويشيع ثقافة القتل والانتحار وسط التلاميذ ، بل غيرهم كثير اتخذ من حجرات الدرس مقرات للشحن الإيديولوجي والطائفي بعلم من الإدارة التربوية وهيئة المراقبة . فأن تتحول هيئة التلاميذ في كل المستويات الدراسية وخلال شهور معدودات ، أمر لا يمكن لمسئول تربوي إنكار العلم به . ممارسات شاذة تحدث داخل الفصول بتواطؤ من الأطراف التربوية تجبر التلاميذ ، في نهاية المطاف على الرضوخ والاستسلام للشحن العقائدي والابتزاز الممنهج مقابل الحصول على معدلات لا تعكس عملهم بقدر ما تترجم درجة الخضوع وحسن الاستسلام . اليوم يحق ويجب على الجميع ، الوزارة والأسرة والمصالح الأمنية ، أن يتساءل عما كان يلقنه هؤلاء الأستاذة المتطرفون للتلاميذ ، وعن حجم الخطر الذي يشكله الأساتذة إياهم والتلاميذ الذين تشبعوا بعقائد القتل والتدمير أو الذين ظلت تلك العقائد كامنة سيظهر مفعولها حين تتفاعل مع مواقف اجتماعية أو نفسية يمر بها التلاميذ خلال فترات عمرهم . فلا شيء من تلك العقائد يفنى ، بل يظل في حالة كمون إلى حين . فضيحة التعليم أنه لم يعد يخرج معطلين ، بل انتحاريين أيضا. فالتعليم ، كما جاء في الخطاب الملكي ، غدا أسوأ مما كان عليه قبل 20 سنة .والسوء هنا درجة ونوع . ها هو قطاع التعليم الذي تصرف عليه الدولة ثلث ميزانيتها العامة يتحول إلى مشتل لتفريخ المتطرفين والانتحاريين وإلحاقهم بجيوش المعطلين خريجي الجامعات ، فيما الوزارة منكبة على وضع لوائح المستفيدين من المنح الدراسية أو المساكن الوظيفية أو الغشاشين من التلاميذ الذين جرفتهم الخريطة المدرسية إلى مستويات لم يكونوا مؤهلين لاستيعاب مقرراتها الدراسية . إنه متغير جديد مطروح على الحكومة المغربية كما الحكومة التونسية التعامل معه باستعجالية متبصرة . وإذا كانت المدرسة المغربية تفرخ الأساتذة المتطرفين ، فنظيرتها التونسية تفرخ متطرفين من كل الأصناف : التكفيري والجهادي والانتحاري والنكاحي. تونس أدركت ، عكس المغرب ، خطر التطرف على قطاع التعليم الذي عكسته الأرقام الرسمية التي نشرتها وزارة التربية والتي كشفت عن ارتفاع أعداد المنقطعين عن الدراسة بنسبة 30 في المائة لتصل إلى 100 ألف تلميذ ، بعد أن كان عددهم يتراوح بين 60 و70 ألفا سنويا. وخطورة هذا الرقم ليس فقط في ارتفاع نسبته قياسا إلى السنوات الماضية ، بل أساسا في أسباب هذا الانقطاع ؛ إذ اعتبر الكاتب العام للنقابة العامّة للتعليم الثانوي أنه من الأسباب التي ساهمت في ارتفاع عدد المنقطعين عن الدراسة تعدد الأنشطة والخيمات الدعوية التي تنظمها جمعيات تابعة لتيارات دينية متشددة أمام المؤسسات التربوية على طول السنة الدراسية المنقضية على مرأى ومسمع من الجميع.مضيفا أن الخطب الداعية إلى التطرف والكراهية التي كانت تلقى في هذا الإطار دفعت بعشرات الشباب إلى الذهاب إلى الجهاد في سوريا بالإضافة إلى التصريحات المنددة بالاختلاط في المدارس بين الأولاد والبنات. فتونس التي كانت تحتل المراتب المتقدمة في نسبة التمدرس وجودته صارت مدارسها مرتعا للتطرف ومشتلا للانتحاريين . ستفشل حتما كل الإستراتيجيات لمحاربة التطرف والإرهاب إن ظلت تهمل قطاع التعليم مناهج وبرامج وطرق التلقين .