الدين لله والوطن للجميع


محمد منير مجاهد
الحوار المتمدن - العدد: 3232 - 2010 / 12 / 31 - 21:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

طالعتنا جريدة الأهرام بمقال غريب للأستاذ أحمد موسى في عموده الأسبوعي "على مسئوليتي" في 22 ديسمبر 2010 بعنوان " البهائية ليست دينا‏...!‏"، ذكر فيه أن الحرية فقط في الأديان السماوية الثلاثة الإسلام ــ المسيحية ــ اليهودية وخلافها لا يعد دينا، ولست أدري ما هو الأساس الذي اعتمد عليه – باستثناء وجهة نظر وزارة الداخلية – في هذا الحكم الغريب.

فكلمة الدين من منظور اللغة تعني "المعتقد" أو "الطريقة" كما في قوله تعالى: "لكم دينكم ولي دين" (الكافرون:6)، فالكفر دين، وعبادة الأصنام دين، وأي رؤية تتعلق بإله هي دين، بالطبع يختلف الناس في ما يمكن اعتباره الدين الحق، بل ويختلفون داخل الدين الواحد حول ما يعتبرونه صحيح الدين، ولكن هذه قضية شخصية، وعلى كل واحد منا أن يحسمها لنفسه ويقرر ما هو الدين الحق بالنسبة له، وما هو صحيح الدين بالنسبة له أيضا، ولا ينبغي لأي منا أن يفرض رؤيته على الآخرين، وبالنسبة لنا معشر المسلمين فقد أخبرنا الله عز وجل بأن "اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" (الحج: 69).

الاختلاف في المعتقدات الدينية – سواء كأديان أو مذاهب – وجد بين البشر منذ قديم الأزل وسوف يستمر، ولكن لا يجب أن يتحول هذا الاختلاف إلى خلاف وشقاق وعداوة، فأنا كمسلم أعتقد وبقوة أن الدين عند الله الإسلام وأن من ابتغى غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، ولكنني في نفس الوقت أدرك أن هناك آخرين في الوطن وفي العالم لديهم معتقدات دينية مخالفة ولكنهم يؤمنون بها بنفس القوة التي أؤمن بها في معتقداتي الدينية، ومن حق هؤلاء أن يتمسكوا بقناعاتهم وألا يشكل هذا عائق في وجه تمتعهم بالحقوق والحريات الشخصية والمساواة الكاملة مع غيرهم من المواطنين.

يعيب الأستاذ أحمد موسى على المستشار مقبل شاكر مقابلته لمجموعة من المصريين البهائيين لبحث شكاواهم وقضاياهم، ويقول أنها قضايا تحتاج لرجال الدين وليس القانونيين، وهو فهم يرسخ للدولة الدينية لأن رجال الدين هم الذين سيقررون صحة معتقدات أصحاب الأديان الأخرى وما يترتب عليها من حقوق، ولا أرى هنا فارق بين الأديان "السماوية" وغيرها، لأن جميع الأديان لا تعترف ببعضها البعض، ويرى أتباع كل دين أن الطريق الوحيد للجنة هو دينهم ومعتقدهم الديني، ومن ثم لا ينبغي أن يكون رجل الدين هو الخصم والحكم بالنسبة للأديان الأخرى، من ناحية أخرى فإن للدولة أدوار محددة ليس من بينها إدخال المواطنين الجنة، وواجبها هو حماية حق جميع المواطنين على قدم المساواة في الاعتقاد، وفي إظهار الدين أو المعتقد الديني بالتعبد وإقامة الشعائر الدينية الخاصة بهم سرا وعلانية، وفي الدعوة الدينية دون قيود أو مضايقات طبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ويعيب أيضا الأستاذ أحمد موسى على البهائيين مطالبتهم بحقوقهم، ومنها الإعلان عن دينهم في الوثائق الرسمية، والاعتراف بعقود الزواج والطلاق البهائية طالما أن الدولة لا يوجد بها نظام مدني للأحوال الشخصية كالمعمول به في معظم بلدان العالم، وينصحهم بـ"ألا يكونوا الشوكة التي تبحث عنها قوي خارجية لتصعيد مشاكلهم‏،‏ لكي يتدخلوا في شأن وطننا جميعا‏"، وهو لوم للضحية على أنينها من الظلم ولو أن هناك اهتمام حقيقي بأمن الوطن لاهتم الأستاذ أحمد موسى ومن يؤيدوه في التمييز الديني بين المواطنين بتفعيل مبدأ المواطنة المنصوص عليه في صدر الدستور المصري لسد أي ثغرات يمكن أن ينفذ منها المتربصين بهذا الوطن، باستغلال أخطاءنا في حق مواطنينا المختلفين في الدين أو العرق أو الموطن الجغرافي أو الانتماء السياسي، أي ببساطة أن تكون مصر لكل المصريين.