تنقيحات وتوضيحات في النقد والتغيير!!


هيثم مناع
الحوار المتمدن - العدد: 3113 - 2010 / 9 / 2 - 13:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نشرت في الحوار المتمدن ومقاربات (العدد 14-15) والجزيرة نت، مقالة بعنوان "المشاركة في ماذا ولماذا". وقد قرأت تعليقا باسم مستعار فيه معلومات غير صحيحة فطلبت حذفه، ثم جاءت تعليقات أخرى حذفتها إدارة التحكم في الموقع. وكان من المؤسف أن هناك ستة ملاحظات محذوفة، لكن من المؤسف أيضا أن تتطرق هذه الملاحظات لمعلومات غير صحيحة واتهامات سهلة. والحقيقة أنني لم أنشر عن الأوضاع السورية منذ قرابة العام، ونشرت هذا المقال بمناسبة صدور العدد الجديد من مجلة "مقاربات" التي تصدر عن مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية. لكنني بخلاف ما يتصور أحد قادة المعارضة (من أن واجبي الإنشغال بحقوق الإنسان، أي حسب تعريفه قضايا المعتقلين، وعدم الحديث في السياسة)، اعتبر الصفة الأجمل التي أطمح لها، مواطن بدون نجوم في هذا العالم، أي مشارك في شؤون البشر برأي ودور. وبالتالي لن أقبل بوضع قيود أو حدود على قلمي.
في عام 1870، نشرت إحدى الدوريات الألمانية مقالا حول هيجل، وحيث أن مكان النشر هو ألمانيا، وفي فترة كان هيجل منسيا هناك، فقد وجد الناشر من المفيد إضافة ملاحظة يقول فيها: بأن هيجل معروف من عامة الناس بوصفه من اكتشف وانتصر للفكرة "الملكية البروسية" للدولة. وقد اغتاط كات المقالة من ذلك وأرسل رسالة إلى صديق مشترك له وللناشر يقول فيها: "هذا الحيوان يسمح لنفسه بطباعة ملاحظات أسفل مقالتي بدون أية إشارة لكاتبها، ملاحظات لا تخرج عن نطاق السخافة المحضة. لقد سبق واحتجيت على ذلك، لكن الغباوة تسيل الآن بشكل تتطلب غلاطته وضع حدٍ لذلك.. هذا الحيوان الذي ركب سنوات عديدة حصان التعارض المثير للسخرية بين القانون والقدرة دون القدرة على الخروج من ذلك، كجندي المشاة الذي الذي وضع على حصان أهوج مغلق عليه في ميدان ترويض الخيل. هذا الجاهل عنده الجرأة لمحاولة القضاء على شخصية مثل هيجل بكلمة "بروسي"، كفى، من الأفضل أن لا ينشر لك من أن تُقدم.. كالجحش". وقد أجاب الصديق حال استلام الرسالة: "لقد كتبت له أن من الأفضل له أن يخرس عن ترديد الجحشنات القديمة لروتيك وفيلكر.. حقيقة أن هذا الشخص من البلادة بمكان".(1)
الناشر المسكين هو فيلهلم ليبكنخت، أحد كبار قادة الاشتراكية الديمقراطية الألمان، كاتب الرسالة الأولى هو فريدريك إنجلز، والصديق الذي أجابه هو كارل ماركس.
وضعت هذا الاستشهاد للتذكير، بأنني ترعرعت في مدرسة نقدية حادة، وفي أيام التزامي التنظيمي الحزبي في 1971-1978، كنت مع الفقيد معن معلا نمثل الإتجاه الماركسي غير اللينيني، لأننا كنا نشعر بعلاقة تشد لينين إلى الوصول إلى السلطة باعتبارها السبيل لتغيير العالم، في حين كانت قناعتنا بأن وعي الحاملات الاجتماعية للتغيير، هو السبيل الأمثل لتغيير هذا العالم. وكشخص ولد وترعرع في حوران، منطقة على حافة الحدود والصحراء، فقد سمعت صغيرا أكثر من مرة أن أبناء المنطقة يتعلمون كلمة "شكرا" في الجامعة ويفتتحون نهارهم بكلمة (قوّك) أي كيف حال قواك. أي باختصار يوجد في أعماق شخصيتي جلافة الريف وحزم النقد الماركسي الذي بقي معي مع ثلاثية صغيرة تتلخص في مقت العشيرة والدولة والملكية الخاصة.
أردت أن أبدأ هذه الملاحظات بهذه وتلك، لأذكر الأصدقاء وغيرهم، أن القدرة على النقد موجودة في تكويني، لكنها ليست قائمة على النقد من أجل النقد أو الإساءة، الأمر الذي لم يسمح لي به اكتشافي المبكر لمفهوم الأخلاق عند مختلف المنشقين عن الأرثذوكسية الإسلامية (أي عن إيديولوجية السلطة المعروفة في الثقافة السائدة بالفرقة الناجية).
استوقفني صديق مساء الأمس برأي قال: "حسب القرآن الكريم "المنافقون في الدرك الأسفل من النار"، لاحظ يا صديقي المنافق وليس الكافر أو المشرك أو الديمقراطي أو العلماني في الدرك الأسفل من النار.".
من حقي القول أنني لم أنافق يوما في رأي، وأنني كما قال ماركس، لم أدفع متليكا واحدا من أجل الشعبية، لم أسكت عن وضع اعتبرته خطأ، وآثرت دفع ضريبة النقد على مكافآت المسايرة والمراضاة.
للشاعر السريالي المصري الكبير جورج حنين جملة معبرة ومؤثرة عندما سؤل: لماذا تركت الأممية الرابعة؟ قال: "امتلك تروتسكي قوتين، القناعة والعشق la conviction et la passion، ومن الصعب النضال بعناد بغياب أحدهما".
لذا لا أعتبر نقطة ضعف استقالتي من أي وضع منظم لم أعد أملك القناعة بالجدوى الموضوعية للبقاء فيه، خاصة عندما تتغير قواعد النضال والبرنامج والتحالفات وأسلوب العمل. ومنذ عام 1971، وضعت شرطا لأي نضال مشترك وطني أو إقليمي أو دولي: مناهضة العنف والطائفية والشوفينية وقبول حق الإختلاف. عندما شعرت، في كل تجاربي التنظيمية، السياسية والحقوقية، بأن الحس التآمري يفوق الإنتاج النضالي أو يضعفه، أو بتلطيشات طائفية أو شوفينية، حذرت، وعندما لم يُجْدِ التحذير انسحبت، وأوضحت عند الحاجة أسباب ذلك. لأتابع نضالي حيث لا يوجد تمييز بين الأشخاص بسبب انتمائهم أو أصولهم وضمن برنامج يجسد القوتين، القناعة والعشق.
عندما تترك تنظيما أو تختلف مع قيادته، لديك أحد ثلاثة حلول: 1- الاستقالة من العمل العام كليا، 2- أن تنشق عنه وتكّون قيادة جديدة باسمه (مثل انشقاقات الحزب الشيوعي أو الجبهة الشعبية)، 3- أن تتابع نضالك بالوسائل المتاحة دون المزاحمة على إسم أو هيكل أو عدد من الزملاء أو الأخوة أو الرفاق (حسب التسمية).
وحتى اليوم اخترت عندما اختلفت مع أي تجمع أو هيئة، الموقف الثالث. علما بأن الأيام وحدها تبين خطأ أو صحة تصرف الأشخاص. أحيانا بسرعة، كالمصير الذي توقعته لما عرف بجبهة الخلاص منذ التحضير لها، وأحيانا بعد حين.
كمناضل من أجل حقوق الإنسان، أرفض من حيث المبدأ أن يكون الشخص نكرة كذلك زيف التواضع. مع التمييز بين الأنانية وحب الظهور والدور، ومع التأكيد على أن المشاركة في الحياة العامة والمقاومة المدنية معركة تطوعية واجب المرء أن يقدم فيها لا أن ينتظر تعويضات أو مكافآت. فإلانسان حسب معارفنا في العلوم والفلسفة والأديان اليوم، تجربة وحيدة وفريدة، وليس لنا أن نهمّش الكائن الإنساني إرضاء لعقيدة شمولية، ولكن من المفترض الإشارة إلى شخص مثل الحسن البصري باعتباره يمثل قطيعة مدنية مع السلطان، وبالتالي رفضه التمويل والمعاش والأجر من الحاكم حتى في عمله بالقضاء بين الناس. وأشخاص اعتبروا عطايا السلطات أو السفارات، جزءا طبيعيا من نضالهم تحت مبدأ (لا تسأل السياسي من أين جاءت النقود؟).
الإتهامات في أوساط أية معارضة، جزء من عدوى التسلط الشمولية، وأستشهد دائما، بجملة أصلان عبد الكريم عندما كان مناضلين من الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) يتحدثون عن اختراقات أمنية أو علاقات أمنية لحزب العمل الشيوعي مع السلطة، كان يجيبهم: "من أجل مصداقيتكم وسمعة الحركة الشيوعية، من الأفضل أن تقولوا بأن حزب العمل الشيوعي يخدم موضوعيا السلطة من أن تقولوا فلان أو الحزب عملاء للسلطة". وليس لي أن أطالب بأكثر مما طالب به شريكي في سنوات السرية.
على حد علمي، ويحق للموقع تصحيح ما أقول، لم يمنع "الحوار المتمدن" أي كاتب من التعبير عن رأيه. باسمه أو باسم مستعار مقابل حد أدنى من الجدية والمسؤولية، لذا لا أجد مبررا لأن يكتب شخص ملاحظات شتائمية أو غير صحيحة باسم مستعار لتصفية حسابات لا يعرفها إلا مالك الغيب. من هنا أدعو كل من لديه ملاحظات على ما أقول أو أفعل لأن يبديها لتكون فائدة لي وله وللناس، ففي أسوأ الأحوال ينطبق عليها قول الشاعر الأندلسي:
عُداتي لهم عليَّ فضل ومنَّةٌ فلا أذهب الله عنَّى الأعاديا
هم بحثوا في زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فإكتسبت المعاليا



1) من كتاب إريك فيل، هيجل والدولة، باريس، 1970، الطبعة الثالثة، ص 15-16 (بالفرنسية).