كيف تنال تونس رضا الإسلاميين المعتدلين والأقل اعتدالا وكيف تحقق المصالحة الوطنيةوالإسلام


رجاء بن سلامة
الحوار المتمدن - العدد: 1966 - 2007 / 7 / 4 - 12:00
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

يفيد أهل الأخبار من الإسلاميّين المخلصين لبلدهم، وتفيد "وكالة الأخبار الإسلاميّة-النّبأ" الغيورة على بيضة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، ومنابر أخرى إسلاميّة غرّاء أنّ هذا البلد الصّغير تونس امتلأ على صغره بالشّرور والمفاسد.
فقد بلغ السّيل الزّبى، وطفح الكيل، ووصل الأمر إلى حدّ "فتح المهاجع الجامعية المختلطة، مما أدّى إلى وقوع كوارث جنسية وخلقية في الجامعات التونسية فظيعة، وصل إلى حدّ توزيع "العازل المطاطي" جهاراً نهاراً على الطلاب والطالبات." هذا ما تقوله وكالة النّبإ الإسلاميّة، في تقرير لها يتّسم بالموضوعيّة والشّفافيّة والحرفيّة العالية.
وتفيد وكالة الأنباء نفسها في التّقرير نفسه أنّ تونس "ركّزت لجان تغيير البرامج في القطاعات والاختصاصات كافة، وفيما يخص مادة التربية الإسلامية، رسّخت "النزعة التي تنحو منحى التشكيك في كل شي‏ء بما في ذلك المعلوم من الدين بالضرورة، مثل الأنبياء والعصمة والملائكة والقرآن والسنّة ونحوها من مسائل غيبية."
ولذلك فليس من الغريب أن تنتشر عبادة الشّيطان في هذه البلاد "المعروفة بانفتاحها الكبير على الغرب" المادّيّ المتخبّط في ذيول الشّيطان.
فليس صحيحا أنّ ما يهدّد هذا البلد هو شبكات ما يسمّى بالإرهاب، بل إنّ ما يهدّده هو "خروج مجموعات عبادة الشيطان في تونس من السرّية إلى العلنّية... في ظل عدم صرامة أجهزة الدولة مع مظاهر الجرائم الأخلاقية التي تتوفر فيها الأركان القانونية وفي ظلّ عدم الحزم مع الجرائم الأخرى ذات العلاقة المباشرة بالاعتداء على الممتلكات والأنفس في وضح النهار"، بحيث أنّ "140 ألف شرطي في غيبوبة عن مجموعات دموية تعشق القتل والاغتصاب !" (موقع "وطن").
أما البهائيون "الذين يؤمنون بنسخ الشريعة الإسلامية و لا يؤمنون باليوم الآخر ولا بالجنة ولا بالنار و ينكرون صيام شهر رمضان (...) و يؤدون صلاة عبارة عن ركعتين متجهين في قبلتهم نحو "عكا" بفلسطين المحتلة، فيتواجد عدد منهم في بعض الأجزاء الجامعية في العاصمة وفي ولايات الساحل الثلاث". (موقع "نواة")
كلّ ذلك والبوليس التّونسيّ يغطّ في نومه‼

ورغم صغر حجم البلد، فإنّ أشراط السّاعة ظهرت فيه قبل أن تظهر في بقيّة أرجاء العالم الإسلاميّ. فمن ذلك مطالبة النّساء المدسوسات على الإسلام بالمساواة في الميراث، ومطالبة بعض أهل الشّبهات بتكوين جمعيّة تدافع عن اللاّئكيّة، ومن ذلك كثرة النّساء المتشبّهات بالرّجال إلى حدّ أنّ عدد المتولّيات للقضاء فاق نسبة 25 في المائة، والنّائبات في المجالس البلديّة وصلن إلى 26 بالمائة، والمتخرّجات الإناث من الجامعات يمثّلن 60 بالمائة... والغالبيّة العظمى من هؤلاء النّساء غير متحجّبات بل متبرّجات، أي "حرائر بلباس الجواري"، بل إنّ الكثيرات منهنّ لا يستنكفن من لباس المايوهات الفاضحة في الشّواطئ والمسابح. وهو ما يؤكّد الإعجاز العلميّ النّبويّ. فقد تنبّأ الحديث النّبويّ الشّريف بأشراط السّاعة هذه منذ خمسة عشر قرنا : عن أنس رضي اللّه عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أشراط السّاعة أن يقلّ العلم، ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النّساء ويقلّ الرجال، حتى يكون لخمسين امرأة القيّم الواحدُ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "من أشراط السّاعة، أن تظهر ثيابٌ يلبسها نساءٌ كاسيات عاريات".

ومع هذا فإنّ الشّعب التّونسيّ مسلم إلى النّخاع، والإسلاميون هم الممثّلون الشّرعيّون له والمتحدّثون باسمه. إلاّ أنّه يشكو منذ الزّمن البورقيبيّ، بل وقبله، من مرض تجفيف المنابع. وهو ما يعني أنّ إسلام التّونسيّين راسخ لكنّه يحتاج إلى المزيد من التّرسيخ والتّثبيت والدّعم والتّقوية، ويحتاج إلى استحداث طرق علميّة لشحن أدمغة أفراده بجرعات متزايدة من الإيمان حتّى تمتلئ الينابيع والمنابع المجفّفة، وتخرج من مجاريها، وتفيض على البلاد بالبركة والخير العميم.

إخواني في اللّه والوطن،
إنّ أوّل ما ينبغي أن نقوم به لإنقاذ هذا البلد الطّيّب من الشّرور والمفاسد هو القيام بإصلاح جذريّ لمقاومة سياسة تجفيف المنابع ومؤامرة التّغريب. وأهمّ النّقاط في هذا البرنامج هو تغيير فحوى المنشور (108) الذي يمنع الحجاب في الجامعات والمدارس والإدارات العامة، واستبداله بمنشور يمنع التّبرّج في كلّ الأماكن، ويعاقب عليه بالجلد والتّعزير. وعلى هذا البلد المبارك أن يلغي منع تعدّد الزّوجات، فهو تحريم لما أحلّ اللّه، وبدعة تخالف المعلوم من الدّين بالضّرورة، والدّليل على ذلك أنّ تونس وحدها تمنع تعدّد الزّوجات وتجرّمه. وعلى هذا البلد الحبيب أن يُلحق قاضياته بسلك الفقيهات المتخصّصات في الحيض والبيض وأحكام العدّة، حتّى يرشدن النّساء إلى ما فيه صلاحهنّ. وعلى السّلطات أن تملأ أماكن العمل بالمساجد والمصلّيات والميضات، وأن تقيم الآذان بالأجهزة المكبّرة في كلّ شبر منها، وأن تعيد العمل بالأوقاف حتّى تزدهر الجمعيّات الدّينيّة وتقيم مدراسها ومستشفياتها ووكالات أنبائها ولجانها التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتراقب غير المقيمين لصلواتهم والمفطرين في شهر رمضان المعظّم.
ولأنّ صادرات هذا البلد من الفتاوى منعدمة، نتيجة تسلّط الدّولة على الدّين منذ العهد البورقيبيّ، فعليه أن لا يَحرم العالم الإسلاميّ من الكفاءات التي تفتي في البول والغائط ورضاع الكبير ورتق غشاء البكارة، وعلى كلّ التّونسيّين أن تكون لهم في مصر وفي الأزهر الشّريف أسوة وأيّ أسوة. فليعهدوا مثلا إلى رجال الدّين بالمراقبة المسبقة على كلّ إنتاج علميّ وفكريّ وفنّيّ، لنصرة الإسلام ومنع تخرّصات المنافقين والزّنادقة.
ثمّ على السّلطات أن تغلق المدارس لتعوّضها بالكتاتيب التي تعنى بحفظ القرآن وتجويده، وعلى المعاهد والجامعات أن تعوّض تدريس نصوص الطّاهر الحدّاد بفتاوى الشّعراوي والقرضاويّ، وعلى الكلّيّات التي تدرّس تاريخ الأديان والأديان المقارنة أن تعوّضها بعلم الفقه، وأن تخرّج مختصّين في نقائض الوضوء بدل تخريج مختصّين في الحضارة الإسلاميّة أو التّاريخ. ثمّ ما بال كلّيّات الطّبّ في هذا البلد لا تدرّس الطّبّ النّبويّ، ولا تعالج بالعسل والحبّة السّوداء، ممّا يضطرّ التّونسيّين إلى جلب الأدوية النّافعة من الخارج؟

ولأنّ هذا البلد يضمّ شرذمة ضالّة تريد الدّفاع عن اللاّئكيّة وتريد تأسيس جمعيّة تدافع عن الأفكار الهدّامة، فيجب أن تحيل السّلطات الأعضاء المؤسّسين لهذه الجمعيّة المشبوهة إلى لجنة "تقصّي الحقائق العقائديّة"، لأنّ هؤلاء في الحقيقة يريدون إخفاء إلحادهم ورغبتهم في بثّ جرثومة تجفيف المنابع وراء قناع المطالبة بالفصل بين الدّين والسّياسة. ولأنّ الإسلام دين المحبّة والتّسامح، فيمكن استتابة هؤلاء المرتدّين قبل قتلهم، على أن يوقّعوا التزاما بعدم العودة إلى أباطيلهم.

وعلى تونس أن تحلّ الجمعيّة التّونسيّة للنّساء الدّيمقراطيّات، لأنّها تريد إبطال شرع اللّه وتعطيل ثوابت الأمّة، وعليها أن تستحدث بدلها "جمعيّة حماية تعدّد الزّوجات"، وجمعيّة "الدّفاع عن المنقّبات". ولأنّ الإسلام كرّم المرأة، نظرا إلى قول الرّسول عليه الصّلاة والسّلام "رفقا بالقوارير"، فعليها أن تنشئ"جمعيّة الرّفق بالنّساء"، على أن تكون مهمّة هذه الجمعيّة تحديد المعايير الشّرعيّة التي يجب مراعاتها في اختيار العصا التي يضرب بها الأزواج زوجاتهنّ، إن كان الرّجل يريد اتّخاذ العصا، وعدد اللّكمات والرّكلات إن كان يريد الضّرب بيده أو رجله، ذلك أنّ في الاختلاف رحمة، والإسلام دين يسر لا عسر.
ولا بدّ أن تنشئ الدّولة مؤسّسة تسمّيها "الدّيوان القوميّ للتّطهير الدّينيّ"، بهدف تقوية الإيمان، وتنقية القلوب من الشّوائب، ومقاومة التّغريب والغزو الثّقافيّ. على أنّ هذا التّغريب لم يبدأ مع الزّمن البورقيبيّ، بل بدأ منذ أن استحدث التّونسيّون من سكّان المدن الجبّة بدل الدّشداشة، والشّاشيّة الحمراء بدل العقال، والسّفساري الأبيض بدل العباءة السّوداء والحجاب الإسلاميّ، والفوطة والبلوزة الكاشفتين للمفاتن بدل الجلابيب الفضفاضة.
ولأنّ تونس بلد إسلاميّ، ولأنّ الإسلام يجبّ ما قبله وما بعده، فلا معنى لكلّ الآثار "التّاريخيّة" المنتشرة في البلاد والتي تعود إلى ما يسمّى بالعهد البونيقيّ أو الرّومانيّ أو غيره، ولا معنى للوحات الفسيفساء وللأوثان التي تعجّ بها المتاحف والمواقع الأثريّة. فالإسلام ظهر منذ علّم اللّه آدم الأسماء كلّها، وهبط على أرض إفريقيّة بهبوط آدم على الأرض. ويجب أن تحوّل المعابد اليهوديّة التي يزورها اليهود إلى اليوم إلى مساجد، فهي دخيلة على تونس بلد جامع الزّيتونة، إضافة إلى كونها تجلب شبهة التّطبيع مع العدوّ الصّهيونيّ.
وفيما يخصّ الفجور الذي انتشر بالجامعات، فعلى السّلطات أن تأخذ بزمام الأمور، وأن تنشئ في كلّ المؤسّسات الجامعيّة لجان "دعم العفّة"، وأن تعرض كلّ الطّالبات على الفحص الطّبّيّ الشّرعيّ للتّأكّد من بكارتهنّ قبل الإعلان عن نتائج الامتحانات، على أن يتمّ إبعاد الطّالبات غير الأبكار إبعاد الأبعرة الجرباء، حتّى لا تنتقل عدوى ممارسة الجنس قبل الزّواج. هذا ويقتضي التّوسّط والاعتدال أن لا يطبّق على هؤلاء حدّ الزّنا، في انتظار تكفّل الدّولة بتغيير قوانين البلاد للالتزام بتطبيق الشّريعة. ولْتوضع الطّالبات المتعاطيات للجنس في مراكز لإعادة التّأهيل الأخلاقيّ، فالإسلام دين رحمة ومحبّة وتسامح.
ولأنّ الإسلام هو الحلّ، فقد أوجد حلولا عديدة لمشكـل العلاقات الجنسيّـة قبل الزّواج، وهي :
1. الزّواج.
2. الصّلاة والإكثار منها
3. الرّياضة أو الجهاد في سبيل اللّه
4. زواج المتعة والمسيار والمصياف، عملا بالكثير من الفتاوى التي تفتّقت بها قرائح المصلحين والمجتهدين من رجال الدّين الشّيعة والسّنّة، على أن يلتزم الرّجل بإعطاء أجر المرأة، وأن يسرّحها بعد ذلك بإحسان.
5. ولمن استنكف من زواج المتعة والمسيار والمصياف، ولم تنفعه الصّلاة أو الرّياضة، ولم يجد سبيلا إلى الجهاد، نقول : لم استعجال ملاذّ الدّنيا وقد وعد الله المؤمنين بالآلاف المؤلّفة من حور العين الأبكار اللاّتي يتجدّد غشاء بكارتهنّ في كلّ دفعة؟
ثمّ إنّ على مراكز الرّعاية الصّحّيّة والصّيدليّات أن تمتنع كلّيّا عن توزيع أو بيع العازلات المطّاطيّة، حتّى يتبيّن الزّاني من العفيف، وينزل اللّه عقاب فقدان المناعة (الأيدز) على كلّ الفاسقين والمستهترين والفاسقات والمستهترات.

إخواني في اللّه والوطن،

لكي يلتحق هذا البلد المبارك بركب البلدان والتّنظيمات الإسلاميّة التي حقّقت النّصر على الشّيطان وعلى أعداء اللّه، لا يكفي أن يخلي سجونه من المعتقلين السّياسيّين، بل عليه أن ينتهج هذا النّهج السّويّ في نشر الفضيلة والبركة، وهو نهج يريده الشّعب التّونسيّ المسلم ويتوق إليه. إنّ الشّعب التّونسيّ أسرة واحدة، والإخوة في الدّين كأسنان المشط في اجتماعهم على كلمة الحقّ، وكالبنيان المرصوص في نبذ التّفرقة والفتنة، ولا حاجة لهم في أباطيل التّعدّديّة والاختلاف.
وإذا تحقّق هذا البرنامج الإصلاحيّ، فإنّنا نكون قد ضربنا خمسة أو ستّة عصافير بحجر واحد : نرضي اللّه ورسوله، ونرضي الإسلاميّين التّونسيّين والمشارقة، ونرضي التّنظيم الدّوليّ للإخوان المسلمين، ونرضي قناة الجزيرة وكلّ المنابر الإسلاميّة، ونحقّق المصالحة في الدّاخل ومع الخارج.

اللّهم أخرج بلد عقبة بن نافع والعبادلة السّبعة من الجاهليّة وأعده إلى حظيرة الإسلام الحنيف، اللّهمّ أنزل على قلوب الإسلاميّين والتّنظيم الدّوليّ للإخوان المسلمين وعلى قناة الجزيرة محبّة هذا البلد، اللّهم ألقم الملحدين واللائكيّين وأهل البدع حجرا، ويتّم صغارهم، ورمّل نساءهم، وخرّب ديارهم. اللّهمّ أنزل على المتبرّجات غير المحجّبات أشدّ العذاب والنّكال في الدّنيا قبل الآخرة. اللّهمّ أرسل ريحا صرصرا على المراقص والملاهي والحانات، وأنزل صواعك على الشّواطئ التي لا تلتزم بالمايوهات الشّرعيّة. آمين يا أرحم الرّاحمين.