أتسندون جائزة ابن رشد لمن يفضّل العقل على النّقل؟


رجاء بن سلامة
الحوار المتمدن - العدد: 4612 - 2014 / 10 / 23 - 23:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أسندت مؤسسة "ابن رشد للفكر الحر"، التي تتخذ من برلين مقرا لها جائزتها لعام 2014 إلى السّيّد راشد الغنّوشيّ، زعيم حركة النّهضة، وجاء هذا القرار قبل بضعة أيّام من الانتخابات التّشريعيّة التّونسيّة. هل هذا من باب الصّدفة؟ وعلى أيّ أساس أسندت إليه الجائزة، وهو ، خلافا لابن رشد، من أهل النّقل لا من أهل العقل؟
لا شكّ أنّ السّيد راشد الغنّوشيّ قدّم مع حركته تنازلات في صياغة الدّستور التّونسيّ الجديد في ما يخصّ حرّيّة الفكر والمعتقد، ولكن بعد مدّ وجزر وبعد أن ضغط المجتمع المدنيّ التونسيّ، وضغطت النّخب التونسيّة، وضغط أطراف ما سمّي عندنا بـ" الحوار الوطنيّ". ثمّ إنّني أذكّر المؤسّسة المانحة الموقّرة بما يلي :
1- نسخة الدّستور التي أرادتها حركة النهضة وحاولت فرضها بعيدة جدّا عن طموحات التّونسيّين إلى إقرار مبدإ الحرّيّة. وقد كلّفنا هذا التّعارض مسيرات ووقفات احتجاجيّة وكلّف النّخب التونسيّة جهدا وجدلا ومقالات رأي وندوات.
2-عندما حكم على شابّين تونسيّين بالسّجن سبع سنوات بسبب معتقدهما، لم يحرّك السّيد راشد الغنوشيّ ساكنا، ولم يساعد لجنة مساندة الشّابين على نصرتهما أو حتّى على تخفيف ظروف السّجن لأحدهما، بل كان رحيما بالتّكفيريّين، قبل أن تتصدّى المؤسّسة الأمنيّة نفسها للدّفاع عن البلاد، وكان يعتبرهم مبشّرين بثقافة جديدة، وكان يقول إنّهم يذكّرونه بشبابه.
3- في يوم 13 جوان 2012، كادت تونس تحرق بسبب معرض رسوم، اتّهم الإسلاميّون منظّميه والمشاركين فيه بالمسّ بالمقدّسات. ما كان موقف السّيّد راشد الغنوشيّ؟ ساير دعوة أيمن الظّواهريّ إلى التّظاهر من أجل نصرة المقدّسات، ودعا إلى التّظاهر، ولولا رفض وزارة الدّاخلية ترخيص هذه المظاهرة التي كانت ستخرج من المساجد بعد صلاة الجمعة، لغرقت البلاد في الدّماء والرّماد. وطيلة سنة 2012، تكرّرت الاعتداءات على المثقّفين والفنّانين، دون أن يجدوا نصرة من السّيد الغنّوشيّ، وحزما من حركته التي كانت مقاليد الحكم بيدها أساسا.
4-أدعوكم إلى النّظر في الوثيقة الجامعة التي تعدّ المرجع الفكريّ لحركة النّهضة، وهي تعود إلى سنة 1986، فهي وثيقة أصوليّة تحافظ على كلّ أحكام الفقه بما في ذلك حكم الرّدّة. وقد تمّ تجديد التّمسّك بها سنة 2007. وأدعوكم كذلك إلى النّظر في مؤلّفات الغنوشيّ التي أعاد طبعها سنة 2011. هل نجد فيها مراجعات حقيقيّة تؤدّي إلى أقلمة الإسلام مع الحرّيات الفرديّة بمعاييرها الكونيّة؟ لا أعتقد.

كنت أتفهّم إسناد هذه الجائزة للسّيّد الغنّوشيّ لو كان في فكره وسلوكه السّياسيّ منسجما غير معتمد للازدواج منهجا، ولو كان يعتمد مبدأ ابن رشد : “إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم العقل”، وهو مبدأ مناقض تماما لمشروع الإسلام السّياسيّ القائم على التّمسّك باللّفظ، وبالأحكام الفقهيّة. وكنت أتفهّم منحه جائزة “الإسلام السّياسيّ” أو جائزة “الإخوان المسلمين”، أو جائزة “الإمام الغزالي”، أو جائزة “محمّد بن عبد الوهّاب”، أمّا أن يرتبط اسمه باسم ابن رشد، فمجاملة تبعث على الاستغراب، وعلى الشّفقة على ابن رشد نفسه. وإن كان إسناد هذه الجائزة يستند إلى النّجاح النّسبيّ للانتقال الدّيمقراطيّ في تونس، فإنّ الشّعب العقل التّونسيّ هو الأجدر بها. فهو الذي دافع عن بنفسه عن التّنوير، ودافع عن رموزه، من الطّاهر الحدّاد إلى الحبيب بورقيبة، وهو الذي ردّد في جنائز ضحايا الإرهاب الإسلامويّ شعارات مناهضة للظّلاميّة وللاتّجار بالدّين.