أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - الثقافة عند سلامة موسى















المزيد.....


الثقافة عند سلامة موسى


حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق


الحوار المتمدن-العدد: 6776 - 2021 / 1 / 1 - 04:44
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مفهوم الثقافة عند سلامة موسى
" لكي نعيش في سلامة الضمير والجسم والذهن، يجب أن نكون مثقفين، ننشد الثقافة العالمية، لإيجاد حضارة عالمية. سلامة موسى، كيف نربي أنفسنا، ص49"
إن مفهوم الثقافة من المفاهيم التي تعددت الآراء حولها، وحول تعريفها منهم من يرى أن المثقف هو الذي يلم بجميع العلوم ومنهم من يرى المثقف هو الذي يلم بجزء أو شيء بسيط من جميع العلوم، ومنهم من يرى بأن المثقف هو المتخصص في عمله، ومنهم من يرى بأن المثقف هو الذي يتعاطى أدوات الحضارة، ونحن نعتقد أن المثقف هو من تجتمع به الصفات الأخلاقية والعلمية، وهو من يقبل الحوار بأوسع معانيها، فالمثقف هو من يسعى جاداً بعدته الفكرية والمعرفية إلى إيقاظ الهمم وتحريك ضمائر المجتمع. ومع ذلك إن المفهوم السائد للثقافة كما لاحظنا ذلك عند العامة أو الطبقة المتعلمة هو العصرنة، أي الذي يستعمل الأدوات العصرية، وبذلك أن مفهوم الثقافة من المفاهيم التي تم تناولها بالدرس والشرح من قبل الكثير من المفكرين العرب، إلى درجة أنه هناك الآلف التحليلات والمواقف من هذا المفهوم، وإلى درجة أنه ألتبس على القارئ، واصبح مفهوماً غامضاً بعض الشيء، وبدورنا نرى أن مفهوم الثقافة هو ليس فقط استعمال الأدوات العصرية أو قراءة الكتب، بل الأهم من كل ذلك العمل بالثقافة، والثقافة هنا هي التعامل الأخلاقي بكل جوانبه. إن الثقافة تتكون من مجموعة من العناصر الرئيسية والتي تختلف وتتغير من ثقافة إلى آخري وتتطور بتطور المجتمع، وتنتقل من جيل إلى آخر من خلال انتقال الصفات الثقافية من الآباء إلى اطفالهم وهكذا...، ويتداخل مفهوم الثقافة مع مفاهيم أخرى ويختلف معناها باختلاف ظروف استعمال المصطلح فصفة الثقافة للفرد، تختلف جذرياً عن صفة الثقافة للمجتمع، كما أن للثقافة فروعها المتعددة ومواردها الكثيرة، هذا التعقيد الذي امتاز به المفهوم، أدى إلى تشويش كبير على المعنى وتعدد في التعريفات والتغيرات، لكن القدرة على استنباط تعريف واحد من كل تلك الصفات لا تبدو مستحيلة. ونلاحظ أيضاً كثيراً ما يرتبط مفهوم الثقافة بالمعرفة، حيث يعتبر كل العاملين بالشؤون المعرفية من الطبقة المثقفة كالكتاب والشعراء والمخرجين والممثلين، كما نجد أن هذه الصفة تكسب صاحبها احتراماً اجتماعياً، حيث تعتبر الطبقة المثقفة مسؤولة بشكل مباشر عن المساهمة في تطوير الثقافة العامة في المجتمع، وتحمل على عاتقها الهموم الاجتماعية للناس، وينظر للمثقف على أنه المدافع عن حقوق وقيم المجتمع، والمثقف ليس هو الذي يوجد الثقافة فهي موجودة بدونه، لكن المثقف هو الذي ينقلها من السكون إلى الحركة ومن الخمول إلى النشاط، وقد اعتاد بعض الكتاب التمييز بين مثقف ساكن ومثقف متحرك، الأول لا دور له في مجتمعه، والثاني ينهض بدوره في المجتمع، وبين مثقف منغلق ينتج ثقافة الجمود ومثقف منفتح ينتج ثقافة التجديد، الأول يعيش خارج الزمن فمسيرته إلى التوقف، والثاني يواكب الزمن ويعيش فيه ومسيرته متجه إلى النمو، ويميز بين مثقف النخبة الذي يعيش بعيداً عن الناس ويتحدث بخطاب القلة أو النخبة، ومثقف الجمهور الذي يعايش الناس ويتحدث بخطابهم، أي خطاب الجمهور والكثرة، ويميز بين مثقف مستبد يتحول قلمه إلى رفض الآخر ولا يتحدث إلا بلغة الرفض والنفي والإقصاء ومثقف ديمقراطي يتحدث قلمه بلغة التعددية والتعايش والتسامح ويمارس الحرية والعدالة، ويميز بين مثقف السلطة الذي يكرس الاستبداد ويمارس الظلم ويعشق المال ومثقف الأمة الذي يعشق العلم وينشر العدل ويزرع الحرية. إن المثقف هو الذي يمثل دور النبي لا الفيلسوف، فهو الذي ينطلق من جوهر مفهوم الثقافة ويفترض فيه التحرك لنشر رسالته الثقافية داخل المجتمع وعلى الصعيد الإنساني والعالمي.
الثقافة والمثقفون ((Intelligentsia كما هو معروف مفهوم استعمل أول الأمر في روسيا، وكان يطلق على الصفوة المتعلمة، التي تلقت معارفها في الجامعات الغربية أو الجامعات الروسية الحديثة، وقد انتشر المفهوم من روسيا إلى اوروبا الغربية ومن ثم إلى المشرق العربي.(1) وقد اعتاد البعض على أن يرى مفهوم الثقافة هو مفهوم مناهض للرأسمالية ويرى أن مفهوم اقتصادي أو يشمل الاقتصاد، وبمرور الزمن بدأ المفهوم يتداخل مع مفهوم السياسة والاقتصاد والدين والخ ... من المفاهيم. وتعني كلمة ((Coulter سكين المحراث، وهي الكلمة القرينة لكلمة ثقافة ((Culture ومضى زمن طويل قبل أن تعني كياناً، إذ كانت كلمة الثقافة تعني أول الأمر عملية مادية كاملة واضيفت آنذاك مجازياً في غير موضعها على شؤون الروح، ثم انتقلت كلمة الثقافة من حياة الريف إلى حياة الحضر ثم أخذت تطلق على السكان الذين يسكنون ويعملون في المدينة، وهنا نلاحظ إن مفهوم الثقافة في بداياته يدل على العصرنة، ثم تدرج واندمج مع عدة مفاهيم فظهر المثقف السياسي والمثقف الديني والاقتصادي والاجتماعي والخ... إذ تعددت دلالاته واستعمالاته.(2) أما في اللغة العربية يدل جذر المفهوم ثقف على معان عدة اهمها الحذق والفهم وفي لسان العرب (ثقف الرجل ثقافته، أي صار حاذقاً ضابطاً لما يحويه قائماً به ويقال ثقف الشيء وهو سرعة التعلم وثقفت الشيء حذقته، وثقفته إذا ظفرت به، وقد وردت كلمة ثقف في القران الكريم ( ثقفتموهم، يثقفوكم، ثقفوا، تثقفنهم) وهنا جاءت بمعنى الاحاطة بالشيء والغلبة عليه حساً، وهو الاصل فيها من دون الإحاطة بالشيء فهماً وإدراكاً. أما المعنى الاصطلاحي عند العرب فاستعمل بمفهوم التأديب والتهذيب، إذ جاء في اساس البلاغة للزمخشري( أدبه وثقفه، ولولا تثقيفك وتوفيقك لما كنت شيئاً)، وقد ورد واستعمل بمعنى العلم بأمور ذهنية وعملية والحذاقة والاتقان فيها. ثم استعمل كمقابل للمفهوم الغربي(Culture)،ويشار مفهوم المثقف إلى الاشخاص الذين يدافعون عن القيم، وخاصة القيم الإنسانية مثل مناهضة العنف، ومن هنا بدأ المثقف يحاول أن يعدل مسار السلطة ومن هنا ظهرت العداوة بين المثقف والسلطة، مما أدى إلى وجود مثقفين السلطة، أو السلطة بدأت بالالتجاء إلى المثقفين لغرض الدفاع عن سياساتها. وهنا نذكر أن المناكفة بين السلطة والمثقفون قديمة جداً وخير مثال على ذلك ما حصل مع سقراط الذي اتهم من قبل المتنفذين في السلطة واتهامه بإفساد الشباب وغيره الكثير من الأمثلة من محاكم التفتيش وغيرها، أما في الوطن العربي فقد شهد الكثير والكثير من استعداء واضح للمثقف، والبعض منها وصلت للقتل عن طريق الصاق التهم فيه أو اغتياله أو نفيه، ونأمل أن نصل ما وصل إليه الغرب، إذ في الغرب يعتبر المثقف كنز ومقياس الحضارة.(3) وينظر البعض لمفهوم الثقافة كمرادف أو ترجمة للفظ الغربي(Culture) لا يمنع من وجود اختلاف كبير في الدلالات الأصلية بين المفهومين، فكلمة الثقافة في اللغة العربية من ثقف أي حذق وفهم، أما لفظ (Culture) تعني الغرس والحرث أي أن الثقافة كلمة ذاتية تخص الإنسان. ومع بداية الاتصال الفكري بين المجتمع العربي والغربي انتقل مفهوم (Culture) إلى القاموس العربي واتخذ اتجاهين، الاتجاه الأول: ترجمة بمعنى الثقافة وكان سلامة موسى أول من ترجم هذا المصطلح إلى كلمة ثقافة وقد عرفها بأنها المعارف والعلوم والآداب والفنون التي يتعلمها الناس ويتثقفون بها وميز بين الثقافة (Culture) المتعلقة بالأمور الذهنية، والحضارة (Civilization) التي تتعلق بالأمور المادية. الاتجاه الثاني: وقد ترجم كلمة (Culture) بالحضارة.
وكلمة ((Culture في اللغات الأوروبية تنطوي على معنين احدهما ذاتي وهو ثقافة العقل وثانيهما موضوعي هو مجموعة العادات والأوضاع الاجتماعية والآثار الفكرية والمنجزات الفنية والعلمية والتقنية وانماط التفكير والفهم السائد، أما في اللغة العربية فهناك تمييز واضح بين كلمة حضارة التي تدل على جملة المنجزات والمكتسبات الإنسانية في كافة الميادين، وكلمة ثقافة التي تعني مظاهر التقدم الفكري والعقلي، وبهذا المعنى يقال الثقافة العربية والثقافة الغربية والأمريكية والصينية والخ... وتعد الثقافة من مظاهر رقي المجتمعات بشكل عام، وهي ضرورية للفرد والمجتمع على حد السواء، فكما هي للمجتمع عنوان في رقيه فهي في الوقت ذاته عنوان الوعي للفرد وسعة اضطلاعه في شتى ميادين الحياة، فهي مجموعة من الأشكال والمظاهر لمجتمع معين، وتشمل عادات وممارسات وقواعد ومعايير كيفية العيش والوجود، من ملابس وطقوس وقواعد السلوك والمعتقدات، فالثقافة تعبر عن حياة اجتماعية وواقع فكري وسلوكي يفعله أفراد المجتمع في حياتهم اليومية، وتعد الثقافة أحد المعايير المهمة لتمييز المجتمعات عن بعضها البعض من حيث العقائد والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف والقوانين.
يعرف تايلور(1832_1917) الثقافة في كتابه الثقافة البدائية الصادر عام 1871، بأنها تلك الوحدة الكلية المعقدة التي تشمل المعرفة والإيمان والفن والاخلاق والقانون والعادات بالإضافة إلى أي قدرات وعادات أخرى يكتسبها الإنسان بصفته عضواً في مجتمع. أما مالينوفسكي(1884_1942) يرى أن الثقافة وسيلة تحسن من وضع الإنسان، حيث يستطيع مواكبه التغيرات الحاصلة في مجتمعه أو بيئته عند تلبية حاجاته الأساسية. وينظر سابير للثقافة على أنها مصدر يتصف بها الإنسان ويكون مصدرها الإرث الاجتماعي، وهي مجموعة من الأفكار والمعلومات والخبرات التي تنتشر في مجتمع ما بسبب التأييد الاجتماعي، أو هي مجموعة من الأفكار التي تدور حول الحياة والاتجاهات العامة ومظاهر الحياة التي يتميز بها شعب ما وتكسبه مكانة خاصة في العالم. ويعتقد مالك بن نبي(1905_1973) في الثقافة أنها لا تخص المعرفة فقط، بل هي سلوك حياة اجتماعية، أي تجربة تعاش وتمارس، فهي مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعوريه في العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه. ويرى مالك أن كلمة الثقافة في الوطن العربي لم تكتسب بعد قوة التحديد الضروري لتصبح علماً على مفهوم معين، وهذا ما يفسر لنا أنها بحاجة دائماً إلى كلمة أجنبية تقرن بها لتحديد ما يراد منها في الكتب التي تتصدى لهذا الموضوع، أو بعبارة أخرى إنها لا تزال في اللغة العربية تحتاج إلى عكاز أجنبي مثل كلمة(Culture) كي تنتشر. ويعتقد مالك أن فكرة الثقافة فكرة حديثة جاءت من اوروبا فمهوم الثقافة ثمرة من ثمار عصر النهضة، عندما شهدت أوروبا في القرن السادس عشر انبثاق مجموعة من الأعمال الأدبية الجليلة في الفن والأدب وفي الفكر، ومن هنا يرى مالك بن نبي أن كلمة الثقافة في اللغة العربية لم تكتسب القوة التي عليها الكلمة الغربية(Culture) وأننا مضطرون من أجل هذا إلى أن نقرنها بكلمة((Culture في مؤلفاتنا حتى تأتها دعامة تشد من أزرها في عالم المفاهيم.(4) أما محمد عابد الجابري(1935_2010) ينظر للمثقف هو شخص يفكر بصورة أو بأخرى مباشرة أو لا مباشرة، انطلاقاً من تفكير مثقف سابق يستوحيه ويسير على منواله ويكرره ويعارضه ويتجاوزه، إذ ليس هناك مثقف يفكر من الصفر.(5) وينظر علي حرب (1941_؟) للمثقف بصفته يستعمل سلطة الكلام أو الكتابة، ويعمل في حقل الإنتاج الرمزي، أي ينتج أو يستعمل هذه السلع الرمزية المتمثلة بالعقائد والمعارف أو بالنصوص والخطابات ويمثل النخبة الممتازة أو الصفوة المختارة.(6)
يستخدم سلامة موسى مفهوم الثقافة وفق المفهوم الغربي للإشارة إلى ثقافة المجتمعات الإنسانية ويعتبرها طريقة حياة تميز كل مجموعة بشرية عن مجموعة أخرى، والثقافة يتم تعليمها ونقلها من جيل إلى آخر، ويقصد بذلك مجموعة من الأشياء المرتبطة بنخبة ذلك المجتمع أو متأصلة بين أفراد ذلك المجتمع، وقد أهتم موسى بمفهوم الثقافة كثيراً، إذ الكثير من كتبه موجهه للتثقيف، وهنا يركز كثيراً على الشباب، لأن الشباب هم بناة المجتمع، ويربط موسى كثيراً مفهوم الثقافة بالتربية أو لعله يرى أن الثقافة تصل إلى الشباب عن طريق التربية فهو يريد أن يربي جيلاً مثقفاً واعياً يقبل الحوار بكل اشكاله. المثقف هو من يوضح ويتصدى للمخربين بكل اشكالهم سواء كانوا في الدين أو السياسة أو غير ذلك، لذلك كانت الكثير من السلطات تمنع قراءة الكتب وتضع حدود للكتابة وهنا نذكر سلطة الكنيسة في العصور الوسطى كانت لديها محاكم التفتيش، ومنع ترجمة الكتاب المقدس، وذلك للسيطرة على الشعب وابقاء الشعب جاهلاً وبذلك يستطيع الطامعين من السيطرة عليهم بسهولة، وهنا نذكر الكثير من العلماء والمثقفون ذهبوا ضحية اصحاب السلطة سواء في الوطن العربي أو في الدول الغربية في السابق، إن إبقاء الشعب جاهلاً هي من سياسات بعض الدول، وذلك لتمرير مصالحهم الشخصية.
يرى موسى أن مشكلة الثقافة تعادل مشكلة السياسة والدين، ويعتقد أن الاستعمار هو من يحاول تجهيل المجتمع، إذ يرى أن الاستعمار لم يؤسس وزارة للمعارف، ويفرض قيود كبيرة على من يريد إصدار المجلات، ويحث موسى على العلم والثقافة فإن وطأة العلم على المجتمع قد اشتدت، وأن الثقافة قد أصبحت ضرورة لكل إنسان، ويجب على الوطن العربي أن يتغير ويتكيف ويتطور، لأن الركود في مثل هذه الظروف جريمة والتغير الذهني بالارتقاء الثقافي هو بعض هذا التطور، والثقافة هي دائمة التطور والتغير، وإذا تحجرنا على ثقافة ما فهذا يعني إننا سوف نعيش في عزلة وركود، ونرفض المعرفة وننساق في المجتمع كأننا حطامة يحملها التيار بلا وجدان أو دراية بموقفنا. والمجتمع الراقي هو من يؤمن بحرية الثقافة ويسن القوانين ويضع الأنظمة ويساعد على رواج الكتب والمجلات، ويعتقد موسى أن هناك الكثير من الوسائل تساعد على التثقيف مثل المجلة والجريدة والكتاب والراديو والتلفاز والمتحف والنادي، وكل واحدة منها يمكن أن يكون وسيلة قوية للتثقيف، وهنا نلاحظ أن موسى يركز على الأشياء العصرية في التثقيف وهذه من المشاكل المتعلقة بمفهوم الثقافة، إذ هل المثقف هو من يتعاطى ويستعمل الأشياء العصرية؟ لربما هذا ما ينظر إليه الكثير سواء من المجتمع أو المفكرين وبذلك ارتبط مفهوم الثقافة كثيراً بالغنى، على اعتبار أن الرجل الغني يستطيع أن يشتري الأشياء العصرية، ولا اعرف هنا لماذا لا يعتبر رجل الدين ليس رجل مثقف ولذلك نشاهد الكثير من رجال الدين بدأوا باستعمال احدث وسائل التواصل الاجتماعي، وبيان أن الدين لا يخالف العصرنة بل يحث عليها، ولعل هذا التصرف فيه جانب إيجابي. ويقارن هنا موسى بين المجتمع والمدرسة أو الجامعة، ويرى أن المجتمع هو من يربي والمدارس هي من تعلم وهنا التربية أوسع من التعليم، والثقافة في المدارس والجامعات أسلوبية تسير على قواعد ببغاوية أما الشاب الذي يربي نفسه في المجتمع يتجه اتجاهاً ابتكارياً في ثقافته، ولهذا السبب أكثر حرية في تفكيره من طالب الجامعة، وهنا موسى يعتقد على المؤسسات التعليمية أن تعطي الحرية للتعليم وتخريج طالب مفكر لا متعلم، إذ للثقافة فائدة كبيرة هي التخلص من الحياة البائسة بكل معانيها، فالإنسان يجب أن يثقف نفسه حتى لا يفسد وأن الحياة الناضجة تحتاج إلى ثقافة، والحياة الخاوية تحدث سأماً لا تتخلص منه إلا بالثقافة التي تبعث على الاهتمامات الذهنية وتبسط الآفاق، ويستطرد موسى ويرى أن المدارس والجامعات لا تكفي لتربيتنا، لأن المعارف أكبر من أن تحتويها، لهذا السبب يجب أن نكون طلبة مدى الحياة نحس النمو الثقافي، ويرى أن التطور العلمي ودخول الآلة إلى المعمل قد إلى انخفاض ساعات العمل، ولربما في المستقبل سوف تتناقص ساعات العمل ويصبح الفراغ كبير، لذلك من واجب المدارس والجامعات أن تعلم التلاميذ كيف يقضون أوقات فراغهم وحثهم على القراءة والمطالعة، بدل تركهم فريسة للجهل، والشعب المثقف تجده مزدهر جداً من حيث الصناعة والتجارة والوعي الاجتماعي والخ... وتجد معدلات الجريمة منخفضة جداً. ويرى موسى هناك عوائق تنشأ احياناً من الشخصية، واحياناً من البيئة الاجتماعية وتجعل التثقيف شاقاً، فمثلاً هناك الشخصية الانبساطية الذي يميل إلى إيثار الاجتماع على الانفراد، ولا بد من أن يتعود الشاب على الانفراد ويفرد نفسه لكي يتعود الدراسة والقراءة، ونعتقد أن من معوقات الثقافة الكبرى هي سياسة الدولة، إذ الدولة هي المسئولة المباشرة عن الشعب وهي التي لديها القدرة على تثقيف الشعب أولاً، وأيضاً من معوقات الثقافة كما يرى موسى التخصص، فالمتخصص يصاب بالجهل وكبرياء تخصصه وهذا يكون أشد جهلاً من الأمي، ومن الاسباب أيضاً هي عدم التكافؤ بين الزوجين، إذ كانت الزوجة مستوى تعليمها منخفض فإنها سوف تعارض زوجها كثيراً، فتعارضه فيما ينفق من وقت، وترى في الكتاب ضرتها ، وقد يضطر في النهاية إلى مسايرة زوجته فيكف عن شراء الكتب أو يرضى بتجميد ذهنه إيثاراً للسلام العائلي، ولكنه إذا كان على شيء من المتانة الأخلاقية يستطيع أن يتغلب على جهل زوجته ولو في مشقة، وخير هذه الوسائل هي تعليم الزوجة حتى ترتفع إلى مستوى زوجها، ولكن هذه الوسيلة شاقة، ومن عوائق الثقافة أيضاً الاقتصاد، فالرخاء الاقتصادي يساعد على الثقافة، أما القلق الاقتصادي فهو يساهم في تشويش عقل الرجل، وهذا القلق يجعله يحمل هموم مختلفة تجعلهم ينفقون كل وقتهم تقريباً في جمع المال، كي يطمئنوا على عيشهم هم وأولادهم، وهنا نلاحظ في المجتمع كثيراً ما نرى رجل استغنى فبدأ ينفق ثروته أما على الزواج، ولابأس في ذلك إن كان يعدل بين نساءه، أو على أشياء محرمة ومضرة بالصحة( الخمر والقمار) وهذا ينافي أن الثقافة مرتبطة بالاقتصاد. وبذلك أن للثقافة قيمة اجتماعية وعالمية وبشرية فالأمة التي ترقد ثقافتها، وتستحيل إلى قواعد وأساليب يرتد مجتمعها وتقف جامدة بعيدة عن الرقي، وقد حدث هذا في القرون الوسطى، بل أن هذا الحال لا تزال قائمة أيضاً في بعض الأمم.(7)
المثقف عند موسى لا يطيق الظلم، ولا يرضى بالجمود، لأن ثقافته قد امتزجت بدمه واصبحت جزءاً من روحه وإرادته، وهو لا يمكنه أن يحبس في نفسه أفكاراً عن الرقي و الإصلاح، وهذا الروح الشريفة هي روح الاستشهاد في سبيل الحق والشرف والرقي الإنساني ومثل هذا الرجل لا يمكنه أن يميل إلى الاستبداد، لأن ذهنه حافل بالجهود التي بذلت في سبيل الحرية، ولا يمكنه أن يتعصب لفكرة ما أو مذهب ما، ويتعصب على الاضطهاد والكراهية، لأنه يعرف قيمة التسامح في التاريخ، ويكره الحرب، لأن تاريخ العلم قد أشعره بالأخوة البشرية، ثم هو إذا كان علمياً في مزاجه التفكري متديناً في مزاجه العاطفي، فإنه يحب الرفاهية ويرجو الخير لمستقبل الإنسانية، والمثقف ليس هو ذلك الذي يدعوا إلى ثقافة عربية أو إنجليزية أو ألمانية، وإنما هو الذي يعتنق ثقافة عالمية، لا هي شرقية ولا غربية وإنما هي ثقافة هذا الكوكب. وعلى المثقف أن يدرس:
1_ مشكلات العصر الحديث الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لأنها خير الأبواب التي تفتحها لدراسات أخرى ومطالعة الأخبار اليومية.
2_ أن يدرس علماً معيناً من العلوم العصرية كي يقف على كنه العوامل التي تغير الدنيا.
3_ أن يدرس تاريخ هذا الكوكب بجميع الأمم وأقطاره.
4_ أن يدرس جميع الاديان التي تغيرت بها النفس البشرية منذ الأساطير الأولى حين آمن بها الإنسان البدائي إلى المذاهب الفلسفية الجديدة التي تحاول أن تجعل المعرفة العلمية أساساً للإيمان بدلاً من العقيدة الموروثة، والآداب والفلسفات القديمة تجري مجرى الأديان من حيث إنها تحاول الاهتداء إلى العيش الأمثل عن طريق التصور لا التجربة.
5_ يجب على المثقف أن يتعلم لغة أجنبية ويفضل موسى أن يتعلم اللغة الانجليزية أو الفرنسية لما لها من أثر كبير جداً في الثقافة والعلوم العصرية.
6_ أن يؤمن بالصناعة والتجارة وممارسة الصناعات لأنها فيها إلغاء الفقر، فالمصانع هي التي أوجدت العلوم وهي التي تحفز على الاختراع والاكتشاف وليس العكس، والحرية والديمقراطية واستقلال والمرأة هي جميعها نتيجة المصانع، ولا يمكن وسطاً زراعياً أن ينتج هذه النتائج.
7_ يجب على المثقف أن يكون موسوعياً، وهذه القيمة العامة للشعب من التوسع الثقافي، والقيمة الشخصية هي أن يفهم الحضارة التي يعيش فيها حتى يلتئم بها، ولا يصطدم بالغريب، فلنكن موسوعيين ندرس التاريخ والأدب والفلسفة، كما ندرس الاقتصاد والاجتماع والكيمياء والأصول العلمية التي بنيت عليها الحضارة، وعندما نكون موسوعيين نكون أيضاً عالميين، فلا ننشد الرقي المادي فقط لوطننا، بل ننشد تلك المثليات العالمية الكبرى فنحقق لأنفسنا الرقي الروحي بالجهاد لهذه المثليات وتكون لنا شخصية جهادية متطورة.
القوة القافية في المجتمع ضرورية لبناء دولة، ولربما القوة الثقافية تعادل القوة العسكرية، فبالثقافة نستطيع أن نحل الآلف المشاكل، إذ كثيراً ما نرى أن هناك حروب للأسباب تافهة بين الشعوب، وتنشئ هذه الحروب عندما تغيب الثقافة، وليس الحروب فقط بل المشاكل الاجتماعية أغلبها هي قلة الوعي الثقافي، فالثقافة حياة تعاش، حياة تمارس، إن لم نفهم الثقافة بهذا المعنى لا ندعي أننا نمتلك الثقافة، ومن الغرائب كثيراً ما نشاهد اشخاص لديهم معارف كبيرة وفي كل المجالات، لكن هو لا يطبق منها شيء، وتشاهد يتصرف بتعالي، ولهذا السبب نحن نعيش كما يسمينا الغرب وهو محق بهذه التسمية( دول العالم الثالث) نحن نعيش التخلف إلى حد النخاع، أن من أهم صفات المثقف هي أن يطبق قول الحبيب المصطفى محمد(ص) " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" الرجل المثقف هو من يحترم الإنسانية، من ينظر للإنسان الاخر هو أخيه بغض النظر عن لونه وعرقه ودينه هو من يطبق قول الأمام علي(ع) " إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق"
ويعتقد موسى أنه يجب أن تكون الثقافة هواية يتعلمها الصبيان منذ الصغر، وهنا دور التربويين هم من يستطيعون أن يحببوا الاطفال بالثقافة، والدور الثاني للآباء ويجب أن يشجعوا صبيانهم على اقتناء الكتب والاشتراك في المجلات وقراءة الجرائد، حتى تغير هذه الأدوات بعض المناخ الحضاري الذي يعيشون فيه ولا يمكنهم في المستقبل الاستغناء عنها، إذ غاية الثقافة بل الغاية السامية هي الحياة أي الوصول إلى أسلوب سامٍ نعيش به، ومن هنا يجب أن تكون الثقافة تطبيقية، وغايتها مثل غاية الفلسفة والدين، معرفة ثم رأي ثم عاطفة، ثم الأسلوب الذي نعيش به.(8) الثقافة تكسبنا جميعاً مزاجاً معيناً نتجه به في سيرتنا ومعاشنا ونؤسس بها مجتمعاً مثقفاً.(9)
الهوامش:
1_ينظر عبدالله حنا: المثقفون في السياسة والمجتمع، دار الأهالي، دمشق، ص5.
2_ينظر تيري إيجلتون: فكرة الثقافة، ترجمة شوقي جلال، المشروع القومي للترجمة، ص7_12_14.
3_ينظر مجموعة مؤلفين: دور المثقف في التحولات التاريخية، المركز العربي للأبحاث، بيروت، ص17_18.
4_ينظر مالك بن نبي: مشكلة الثقافة، ترجمة عبدالصبور شاهين، دار الفكر المعاصر، بيروت، ص25_26_130.
5_ينظر محمد عابد الجابري: المثقفون في الحضارة العربية( محنة أبن حنبل ونكبة أبن رشد)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص7.
6_ينظر علي حرب أوهام النخبة أو نقد المثقف، المركز الثقافي العربي، بيروت، ص38.
7_ينظر سلامة موسى: كيف نربي أنفسنا، دار هنداوي، القاهرة، ص7_8_9_12_15_18_19_20_23_30_32_35_36_43_51.
8_ينظر المصدر نفسه، ص58_59_62_65_96_97_99_205.
9_ينظر سلامة موسى: ماهي النهضة، دار هنداوي، القاهرة، ص83.



#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تناول 700 حبة بأقل من 30 دقيقة.. براعة رجل في تناول كرات الج ...
- -كأنك تسبح بالسماء-.. عُماني يمشي على جسر معلق بين قمتين جبل ...
- روسيا غير مدعوة لمؤتمر -السلام- وسويسرا تؤكد ضرورة وجودها -ل ...
- شاهد: موسكو تستهدف ميناء أوديسا بصاروخ باليستي وحريق هائل يص ...
- روسيا تنفي اتهام أمريكا لها باستخدام أسلحة كيماوية في أوكران ...
- بولندا تقترح إنشاء -لواء ثقيل- لأوروبا دون مشاركة الولايات ا ...
- عقيد أمريكي سابق يكشف ماذا سيحدث للولايات المتحدة في حالة ال ...
- سيئول تنوي مضاعفة عدد الطائرات المسيرة بحلول عام 2026
- جورج بوش الابن يتفرغ للرسم.. وجوه من خط في لوحاته؟
- من بيروت.. رئيسة المفوضية الأوروبية تعلن عن دعم بمليار يورو ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حيدر جواد السهلاني - الثقافة عند سلامة موسى