|
إِنُّهُ وَطَنِي
عماد عبد الهادي
الحوار المتمدن-العدد: 5841 - 2018 / 4 / 10 - 00:28
المحور:
الادب والفن
نَبْضٌ مِن فَرِحٍ يَسْهُو فِيهِ الجُرْحُ، وَعَلَى فِرَاشِ الأَنِينِ يَغفُو فِينَا الأَلَمُ، فَيَنتَفِضُ الأَمَل مَارِدَاًُ وَيَشْرَئِبُّ كَأَشرِعَةٍ مِن بِريقٍ بَيّنَ أَموَاجٍ مِن مَرَايَا مُتَكَسِّرَةٍ، فَتَتَرَاءَى مِن وَرَاءَ الأُفقِ كَنَائِسٌ تَتَرَاقَصُ طَرَباً، وَمَآذِنٌ تَتَمَايَّلُ فَرَحاً بَقُدُومِ رِسُولٍ يَتَغَنَى بِالسَّلَامِ، فِي وَطَنِ السَّلَام.. إِنَّهُ وَطَنِي. يَتَوَسَّدُ أَنِينُ التَّعَبِ رُبَاهُ، وَيَغفُو حَمَامُ الدَّوحِ عَلى أَغصَانِ الحُزْنِ، وَيَهدِلُ بِصَمتٍ فِي سِرِّهِ نُوّحاً، وَيُجَفِّفُ الدَّمعَ بِزَفِيرِ الوَجَعِ، وَفِي طَرِيقِ الآلَامِ يَبُوحُ بِأَنَّهُ مُبَارَكٌ قَبلَ التِّينِ وَالزَّيّتُونِ وَطُورِ سِينِينَ، وَأَنَّ اللهَ قَد أَحَبَّهُ، فَبَارَكَهُ دُونَ الأَوطَانِ.. إِنَّهُ وَطَنِي.
يَعرُجُ فِيهِ الشُّهدَاءُ وَدُعَاءُ المَظْلُومِ إِلَى السَّمَاءِ، يَستَمطِرَانِ الغَيّمَ زَخَّاتٍ مِن ثَأْرٍ وَغَضَبٍٍ، لِتَروِيَ أَرضْاً تَشَقَّقَتْ عَطَشاً وشَوقاً إلَى أَهْلِهَا، وَوَطَناً تَزَوَّجَ الحُزْنَ فَأَنْجَبَ ثُوارَاً، تُجَّارَاً، ثَكَالَى، يَتَامَى، أَّيَامَى، لَطَامَى، تَوَائِماً مِنْ إِنتِقَامٍ، وَأَجْيَالاً مِن أَمَلٍ وَأَمَلْ.. إِنَّهُ وَطَنِي.
لِلّشَقَاءِ فِيهِ أَطعُمٌ، وَللّحَيَاةِ طَعمٌ وَلِلّمَوتِ طَعمَانِ، فِيهِ قَبْلَ المَوتِ عَيّشٌ، وَفِيهِ بَعدَ المَوتِ عَيّشٌ ثَانٍ، إِنَّ النَّاسَ يَمُوتُونَ فِي العُمرِ مَرَّةً، وِفِيهِ يَمُوتُونَ النَّاسُ مَرَّاتٍ وَ مَرَاتِ، لِيُجَرِبُوا المَوتَ، فَيَتَخَيَّرُونَ كَيّفَ يَمُوتُونَ حُبَّاً فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا.. إِنَّهُ وَطَنِي.
بِدَمِ الشُّهْدَاءِ تَحَنّى، فَبَاتَ تُرَابُهُ مِن كَبدِ الأَوِزِ أَغْلَى، فَقَأْتُ مَرَارَتِي شَوقْاً وَمَلَأَتُ أَقْلَامِي، وَشَمْتُهُ عَلَى قَلْبِي حَمَامَةً تُرَفْرِفُ حَولَ ذَبِيحٍ يشَّرِفُ، الطِّفْلُ فِي المَغَارَةِ وَأُمُهُ مَريِّمٌ وَجْهَانِ يَبْكِيَانِ فَمَن الَذِي يُكَفْكِفُ؟. وَطَناً مَصْلُوباً لَمْ يُشَّبَه إِلَيهِم غَيّرُهُ.. إِنَّهُ وَطَنِي.
مَا أَكثَرُ الشُّهدَاءُ وَالأَنْبِياءُ فِيهِ، وَمَا أَكثَرُ التُّجَارُ عِنْدَ آذَانِ الفَجرِ، وَالصَّلاةُ خَيّرٌ مِنَ النَّومِ، فِيهِ اسْتَمرأَ الشُّيوخُ الصَّلاةَ وَالفُتْيَةَ، وَغَزَوا وَسَبَوا وَغَنِمُوا مَا شَاءْوا بِاسْمِ اللهِ وَالدِينِ، فَعَاشُوا فِيهِ أَحبَارَاً فَوقَ رِيحِ القَتَرِ.. إِنَّهُ وَطَنِي.
مَلَئْتُ رِئَتَايَّ مِنْ صُبْحِهِ وَتَنَفَّسْتَهُ فِي غُرْبَتِي، فَفَاحَ عَبقُ نَسِيمِهِ فِي صَدْرِي كَأَسْرَابِ فَرَاشَاتٍ، بَنَتْ مَدَائِناً مِنْ نُورٍ فِي عَتمَةِ شَرَاييِنِي، فَتَراَنِي أَلمَحُ أَفْراسَهُ تَقْرَعُ أَجْرَاسَ الصَّهْيلِ بِوِحدَتِي، وَمَازَالَتْ خُيُولُنَا إِلَيِّهِ تَصْهَلُ كُلَّ يَومٍ.. إِنَّهُ وَطَنِي.
حَمَلْتَهُ نَسْراً عَلَى كَتِفِي، طُفْتُ بِهِ أَوطَاناً بُيُوتُهَا مِنْ وَرْدٍ وَأَسْطُحُهَا مِنْ يَاسَمِينٍ، نَظَرْتُ وَجْهَ وَطَنِي فَرَأَيّتُهُ يَتَصَبَّبُ طِيباً، عَبَقْتَهُ وَهَتَفْتُ بِأَعْلَى حَنِينِي، لَيّسَ لَنَا وَطَناً سِوَاكَ، وَلَا نَهْوَى إِلَّاكَ، إِيَّاكَ نَعشَقُ وَإِيَّاكَ نَسْتَكِينُ.. إِنَّهُ وَطَنِي.
#عماد_عبد_الهادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هي
-
منقار الارض
المزيد.....
-
“مترجمة Hd” مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 24 عبر قنوات عرض
...
-
وفاة الفنان العراقي عبدالستار البصري بعد معاناة مع المرض
-
تحت الركام
-
ألعاب -الفسيفسائي- السردية.. رواية بوليسية في روايات عدة
-
لبنان.. مبادرة تحول سينما -كوليزيه- التاريخية إلى مسرح وطني
...
-
MAJID TV “تثبيت تردد قناة ماجد 2024” .. نزلها في خطوة واحدة
...
-
الروائية ليلى سليماني: الرواية كذبة تحكي الحقيقة
-
-الرجل الذي حبل-كتاب جديد للباحث والأنتروبولوجي التونسي محمد
...
-
شارك في -صمت الحملان- و-أبولو 13?.. وفاة المخرج والمنتج الأم
...
-
تحميل ومشاهدة فيلم السرب 2024 لـ أحمد السقا كامل على موقع اي
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|