أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - بعد 48 عاما على 1967، و67 عاما على 1948















المزيد.....

بعد 48 عاما على 1967، و67 عاما على 1948


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4834 - 2015 / 6 / 11 - 13:59
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ليس بفعل الثورات العربية تراجعت فلسطين عن كونها "قضية العرب الأولى". الأمر سابق لذلك. قبل أن تكون لهم "قضية أولى"، فلسطين صنعت العرب وعرفتهم بدلالة مواجهة المحتل الإسرائيلي، ومن وراءه من قوى كانت تستعمر أكثر بلدانهم قبل حين وجيز. هذا معطى أساسي: "العرب" (لا الفلسطينيين، ولا المسلمين) في مواجهة إسرائيل. برنامج "تحرير فلسطين" المضمن في هذا التعريف كان يتجاوز قدرات العرب وقتها، واليوم. لكن كان إنجاز القومية العربية المهم هو تعريب الفلسطينيين، وتعريب العرب أيضا، أعني تشكلهم في صورة جديدة، تتمحور حول استعادة فلسطين. فلسطنة العرب، على ما كان يأمل يسار فلسطيني وعربي في سبعينات القرن العشرين، اصطدم بوقائع الدولة في المشرق العربي، في الآردن، ثم في لبنان، وفي سورية أكثر منهما، وإن بطريقة مختلفة. وهو ما أفضى في النهاية إلى مشروع فلسطنة الفلسطينيين عبر اتفاق أوسلو (1993) وما بعده.
وبقدر ما تشكلت العقيدة القومية العربية حول فلسطين كقضية أولى، سيرتبط مصير "القضية الأولى" بمصير هذه العقيدة.
هناك روايتان ممكنتان لمصير القومية العربية، تشتركان في القول إنه مصير حزين، وتفترقان في تفسيره. تتكلم رواية أولى على حروب وصراعات ومؤامرات، منها "النكسة" في 1967، والحرب اللبنانية، والصلح المصري الإسرائيلي، واحتلال بيروت 1982، وحربا الخليج، وحروب إسرائيل اللبنانية والفسلطينية، وتقدم السيطرة الأميركية في الإقليم، واحتلال العراق ثم الانسحاب الأميركي منه، وصولا إلى "الربيع العربي" الذي يميل القومي العربي التقليدي إلى النظر إليه بتشكك، إن لم يعتبره مؤامرة صريحة على "الأمة". القومية العربية أُضعفت، في النهاية، بفعل حروب ومؤامرات خارجية أساسا، وهذه هي الرواية القومية العربية عن حال "الأمة العربية".
لكن هناك رواية أخرى، متنحية، ترى أن مشكلة القومية العربية تتمثل بالأحرى في تمركزها الجيوسياسي، وكونها سردية سياسة عليا (هاي بولتكس) منشغلة بالعواصم والرؤساء والملوك والفاعلين الكبار، لا تمتنع فقط عن قول شيء عن مشكلات العمل والتعليم والمعيشة والحياة اليومية لعشرات ملايين البشر، ولكنها السردية القامعة لولادة قول متماسك في هذه الشؤون.
بمحصلة عقود من تفريغ المجتمعات من التنظيم والسياسة والنقاش والمبادرة، آل الأمر بالقومية العربية إلى أن تكون إيديولوجية دولة تفرض من فوق، وليست شيئا يعتقده السكان من تحت. من هم القوميون العرب أو العرب القوميون في سورية اليوم أو منذ عشرين عاما؟ ومن هم في العراق اليوم، أو قبل الاحتلال الأميركي؟ بل من هم العرب بالذات؟ وهل جعلت القومية الفوقية والقسرية، المعزولة عن حياة السكان، أي "الأمة"، هذه الدول أقوى أم أضعف في مواجهة أي خصوم خارجيين؟ انفصال القومية عن الأمة ردّ الأولى إلى دعوة مجردة، والثانية إلى قطاعات سكانية منكفئة على نفسها.
الدولة التي توسلت القومية لضبط الأمة ارتدت إلى وكالة جيوسياسية، تقوم بدور الوساطة بين المراكز الدولية وبين السكان المحليين. الوكيل الوسيط يخوِّف المحليين من مؤامرات الخارج ومخاطره الداهمة ومفاسده، فيفاقم من عزلته وانكفائه على نفسه، ويخوف المراكز الدولية القوية من وحشية محكوميه وتعصبهم وإرهابهم. وهو يضمن لنفسه، عبر هذه اللعبة المزدوجة، درجة من الاستقلالية عن هؤلاء وأولئك، بما ييسر تركيز السلطات والثروات في جيوب "القرايب والحبايب" دون تنغيص.
أسوأ: توافق تدهور القومية العربية، كشكل سياسي فوقي وقسري للعرب تفرضه دولة وكيلة لا مبدأ لها في الواقع غير دوامها الذاتي، مع زوال العرب ذاتهم، على ما نشهد بخاصة في "القطرين" الذين حكمهما حزب البعث: سورية والعراق. في البلدين اليوم سنة وشيعة، وعلويون ودروز واسماعيليون، ومسيحيون وإيزيديون، وكرد وآشوريون وتركمان وأرمن...، والجماعات هذه راسخة في إدارة ظهرها لبعضها، هذا حين لا تكون منخرطة في حروب إبادة.
ترى، أليست هذه نكبة تصمد للمقارنة مع نكبة الفلسطينيين؟ إسرائيل ذاتها لم تستطع تحقيق ما تحقق من نزع العروبة في زمن البعثيْن. بالعكس، يبدو أنه لم يبق عرب في المشرق، خارج الإثنية، إلا في فلسطين التي تحتلها إسرائيل. في لبنان، وفي العراق وسورية، لا يوجد عرب. في الأردن والخليج، العرب واقعة إثنية، لا دلالات سياسية أو ثقافية متعدية لها.
الواقعة المكملة لزوال العرب هي وقوع المشرق تحت نفوذ قوة إقليمية صاعدة، ليس فقط لا يعرف عنها ود حيال العرب العيانيين، ولا أنها منبع قوي للطائفية والتنازع الطائفي بينهم فقط، وإنما هي لا تخفي تطلعاتها القومية التوسعية. وعينها في ذلك كله على الغرب، والمركز الأميركي بخاصة. ولا يبدو أن نفوذ البلد الجار يقتصد في دم العراقيين والسوريين واللبنانيين، والأفغان، يبدو بالأحرى سخيا بالغ السخاء فيه. وينعكس الإضعاف المتمادي للبلدان الثلاثة قوة لمصحلة طهران وحدها. ويبدو أن المركز العالمي الأميركي، ومعه المركز الإقليمي الإسرائيلي، قد طورا من الخبرة ما يجلعهما يرتاحان إلى قوى منظمة، قد تكون منافسة، لكنها تتميز بـ(1) أنها تستطيع القتل، وتمتلك غريزة القاتل الذي لا تتناهبه الوساوس، و(2) تضمن "الاستقرار" بالقوة ضد أي مشاغبين محليين، و(3) يمكن التنبؤ بسلوكها وتفي بتعهداتها حيال الأقوياء؛ وهذا خلافا لقوى قد لا تكون خصما، لكنها لا تتحكم بشروط استقرارها الداخلية الخارجية، مثل بلدان الخليح العربية. "حزب الله" خصم، لكنه منضبط و"عقلاني" ومعلوم التبعية، وهو في ذلك مفضل على حركة قد تكون أضعف منه وأقل مخاصمة، لكنها أقل سيطرة على مجالها، وقد تنشأ في كنفها أو ضدها مجموعات لا يمكن توقع ماذا تفعل.
ولعله لاعتبارات كهذه، لا يبدو مثلا أن إسرائيل مستاءة أبدا من توسع السيطرة الإيرانية في بلدان المشرق الثلاثة، أما اقتران هذه السيطرة بحرب شيعية سنية مفتوحة، فيبدو بالأحرى أنه مصدر بهجة إسرائيلية.
شيء واحد يفلت من العقلانية المشتركة للثالوث الأميركي الإسرائيلي الإيراني: قضايا العدالة والحرية والمساواة والكرامة، ومن وجه آخر قضايا الظلم والعبودية والتمييز والإذلال، كل ما ما كانت القومية العربية سوغت نفسها به أصلا، وما يفترض أنها الأسس الأخلاقية والمعرفية الأصلب للاعتراض على الكيان الإسرائيلي.
على أعتاب نصف قرن من النكسة وثلاثة أرباع القرن من النكبة، لدينا 3 أو 4 فلسطينات اليوم بدل فلسطين واحدة، وإسرائيلان على الأقل بدل واحدة. ولدينا ما يقارب امحاء المركز العربية المشرقية الكبرى في العراق وسورية، ومصر أيضا. إن كانت إسرائيل تعرف نفسها بمواجهة العرب تحديدا (لا "الفلسطينيين"، ولا "المسلمين، سنتهم وشيعتهم)، فهل يكون زوال العرب غير انتصار عظيم لإسرائيل؟
لا يغير من الأمر شيئا أن القومية العربية المنشغلة بالجيوسياسي حصرا هي التي مهدت الأرض الفكرية والنفسية للسيطرة الإيرانية، وأن ما بقي منها يرتضي لنفسه دور التابع الصغير للسيد الإيراني.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأسيس الإبادة
- من السيادة إلى ... السياسة أم الإبادة؟
- رزان زيتونة: قوة الرمز
- تحديق في وجه الفظيع: مساهمة في النقاش السوري حول الصور
- الثورة السورية ومصير التدين المقاتل
- ثلثا قرن على النكبة
- عن منفى السوريين، عن سورية كمنفى
- الأمل، تأملات عن هشاشته وقوته
- الثقافة كميدان كفاح تحرري/ مقابلة
- من -القاعدة- إلى -داعش-: الإرهاب والمخابرات
- تعاقد سوري جديد: تخلص مترابط من الأسديين والسلفيين
- صادق جلال العظم: مراحل وأدوار في عمل مثقف من دمشق
- السجن والكتاب: تجربة من سورية
- سير لسورية المنسية: تحرير الذاكرة من السجون
- قبر للمرء جميعه: تبدلات موت السوريين وتغيرات حياتهم
- مقدمات التحول السلطاني في سورية
- في نقد عبدالله العروي ”المثقف العربي“ برنامجاً لتحقيق الحداث ...
- في الأصول البنيوية لانقسامات المعارضة السورية
- في مواجهة ثلاث عقائد تمييز، أين ثقافة التحرر؟
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/6- سميرة، رزان، وائل، ...


المزيد.....




- للمرة الأولى في فرنسا... محاكمة غيابية لمسؤولين بالنظام السو ...
- الشركة المنتجة لمروحية الرئيس الإيراني المنكوبة تصدر بيانا ...
- ماذا لو أصدرت الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق قيادات إسرا ...
- تمر بأربع مدن.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني ومرافقيه تبدأ ال ...
- برلين وواشنطن تنتقدان خطوة -الجنائية الدولية- ضد نتانياهو
- وزيرة الخارجية الألمانية تصل كييف في زيارة مفاجئة
- ألمانيا تدعو لتشكيل تحالف لتزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي
- -بوليتيكو-: الاتحاد الأوروبي سيبدأ في يونيو مفاوضات رسمية حو ...
- الجنائية الدولية -تسجن- نتنياهو في إسرائيل
- تحذير من الإفراط في تناول الشاي الأسود


المزيد.....

- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - بعد 48 عاما على 1967، و67 عاما على 1948