محمد حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 3392 - 2011 / 6 / 10 - 21:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
« La pensée ne se constitue que dans ce rapport où elle risque toujours de sombrer ».
GILLES DEEUSE
القرن الماضي كان بحق قرن "النهضة" على جميع الأصعدة . علميا جل المفاهيم التي تساعد على رسم الكون أعيد تعريفها كالفضاء , المادة , الزمن, والحتمية ,....
العلم و الديمقراطية ازدادا توأمين أكثر من عشرين قرنا .لتحرير الإنسانية من خوف الآلهة ," ديمقريط " و ليكريس" إستغاتا بالذرات الأبدية .
يبقى غليلي رمز البحث الغير القابل للترويض عن الحقيقة العلمية بتجرأه بالقول مع " كوبرنيك " و " كبلر " بأن الشمس بدل الأرض هي مركز للكون ضاحدا بذلك " فيزياء" أرسطو وسيجد نفسه في مواجهة الكنيسة و محاكم التفتيش التي أحرقت " جيردانو برينو " حيا .
و على خطى غليلي , فإن المعركة من أجل حرية النقاش العلمي هي التي صنعت العلم الحديث . و كان لابد من " هارفي " و باسكال" و " نيوتن " و ما ينعتوا بالتجربيين " لتكتشف الإنسانية كيف تسائل الطبيعة و فهم صياغة الأسئلة ,لإيجاد الأجوبة المؤقتة بدل التأملات أو الإيحالة على " السلط|" .
العلم و الديمقراطية ازدادا توئمين و تقدما جنبا لجنب . العلم في حاجة حيوية للحرية لأنها هي الماهية نفسها لمعرفة إعادة النظر في يقينياته و تقويم طرق اشتغاله .والديمقراطية المعاصرة في حاجة أيضا للعلم لأن هذا الأخير هو التعبير الأكثر قوة و الأكثر سخاء لروح الإنسانية و يتأسس على المساواة التامة أمام الحقيقة , و يتجاهل الحدود اللغوية و الجنسية و الدينية بين الدول , و يستبعد الغش و المساومات .العلم مدرسة للصرامة و الصدق و التسامح .
الديمقراطية محتاجة للعلم لأنه قوي و فعال . و هما معا يشكلان البناء الأنبل لإنسانية تائهة داخل هذا الكون الشاسع .فإذا كان العلم عقلنة للنشاط الذهني الإنساني و اكتشافا للواقع القائم و ظواهره كموضوع , فإنه يؤسس لواقع ممكن و محتمل , أي البحث عن حقيقة نسبية .
العلماء يتحاشون الحديث عن الحقيقة لأنها مشحونة بالأوهام . فالأساسي ليس أن يكون خطابنا حقيقة بل ان يكون منسجما و صادقا و أصيلا .
العلم معرفة إنسانية تنمو باستمرار, ساهمت في تكوينها كل الأجناس و كل الشعوب , الآشوريون و البابليون ( الكتابة ) , المصريون القدامى ( العمران و الطب ) , الإغريق (الفلسفة و الرياضيات )., الرومان ( الزراعة و الفنون و الهندسة ) , المسلمون في المشرق و الغرب الإسلامي ( الفلك, الرياضيات الطب , الملاحة) , الغرب ( الميكانيك , الكهرباء , الفنون , العلوم الاجتماعية , الثورة الصناعية , الثورة المعلوماتية ), و ارتبط تطور العلم بتطور الحضارات و تطور المدنية .
الدولة المدنية تأسست على مركزية العلم الذي أصبح سلطة تساهم إلى جانب السلط الأخرى في توجيه المجتمع لان المجتمعات الحداثية فيها استقلالية نسبية للحقول و الوظائف , أما المجتمعات ما قبل الحداثة فالتراتبية فيها شرعية و المجتمعات القرسطية وظيفتها زبونية .
إن انتقال مجتمعنا إلى مجتمع العلم و المواطنة يتطلب إسقاط منظومة القيم السائدة : النزوح نحو الرأي الوحيد , الاحتراز من الاختلاف , سمو الجماعة على الفرد , سيادة مفهوم الرعية , احتقار العمل , تبدير الزمن , تبدير المال العام و الخاص , توسيع فضاء المقدس ,سيادة العلاقة النفعية , قهر المراة و الطفل , تهميش الأقليات , سيادة الفعل الموسمي و استراتيجيات الساعة ..... و مع منظومة القيم هاته, تبقى المحددات الثقافية الإيديولوجية هي أساس العلاقة مع الآخر . أما قيم المواطنة, فتقتضي أن تكون المصلحة الموضوعية هي أساس العلاقة مع الآخر . و المنشود هو احترام الاختلاف , و مسؤولية المواطن الفرد , و تثمين العمل كقيمة محررة , وصيانة الزمن كرأسمال, و تقليص فضاء المقدس ,و التدبير العقلاني للمال, و سيادة رابطة القانون ,و المساواة بين الرجل و المرأة , و ضمان حقوق الطفل , و صيانة حقوق الأقليات , و تدبير و برمجة الفعل ....
المواطنة إذن إنتماء فكري و قانوني إلى الدولة و ليس إنتماءا عرقيا أو دينيا . و الدولة الحداثية العصرية ترى في المواطنين أعضاء متساوين يتمتعون جميعا بحقوق الإنسان بما في ذلك الحقوق الطبيعية , المدنية , السياسية و الاقتصادية
تضمنها لهم الدولة .
دخول عصر الحداثة رهين بنشر الثقافة العلمية من خلال إصلاح النظام التعليمي, وتصبح التنمية بهذا المعنى ممكنة لما يصبح العلم ثقافة .
إن تأصيل " روح المواطنة " يمكن أن يعد ضمن الاعتبارات القيمية في تكوين الشباب الجامعي و يعني تأكيد حق الوطن في كل ما يتعلق برؤية الفرد و جهوده لتحقيق ذاته و مكانته , و نظرا للبعد القيمي الكامن في كل من " الكفاية " و
" المواطنة " تتضح مسؤولية الجامعة في تنمية قيم المواطنة و التفوق العلمي .
يعد مفهوم " المواطنة " بمثابة المدخل الحقيقي لفهم ماهية الديمقراطية و يكفيه ممارستها ,و في الوقت نفسه فإن التربية من أجل الديمقراطية لابد أن تستند على مفهوم واضح للمواطنة و الديمقراطية السياسية تعد مدخلا رئيسيا لمجتمع العلم و المواطنة .
إن حركة 20 فبراير كحركة احتجاجية مواطنة أكدت و بحق على إلغاء الميثاق الوطني للتربية و التعليم و البرنامج الاستعجالي المفتون بالنزعة التجارية و المقاولاتية .
فالمطلوب هو إصلاح شمولي للقضاء على الزبونية بكل أشكالها أي ربط إصلاح التعليم بإصلاح النظام السياسي المغربي لإرساء علائق اجتماعية خاضعة لرابطة القانون . إصلاح يشجع الكفاءة و الابتكار و ينمي الثروة الوطنية ,و يقر بتساوي الفرص و يستحضر التوافق الوطني المنتج و التصور الوطني الحديث المتمركز على الإنسان و على سيادة العلم و المعرفة .
إصلاح يربط الشكل بالمضمون على الصعيد التربوي و الهدف بالوسائل على صعيد التكوين و الدمقرطة و الفعالية على صعيد البنيات .
إن دمقرطة التعليم تعد شرطا لإرساء نظام تربوي قادر على تأطير الموارد البشرية و تنميتها ,للفعل إيجابا من مواقع مختلفة في تطوير المواطنة و التنمية .
#محمد_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟