أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - ما وراء كتاب الشوباشي















المزيد.....

ما وراء كتاب الشوباشي


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 1001 - 2004 / 10 / 29 - 11:30
المحور: الادب والفن
    


الشاهد أن أحدا لم يتطرق لبعض أفكار وردت في متن كتاب الشوباشي أخالُها أكثرَ أهميةً وأشدَ خطورةً من شأن الرغبة في أو إمكانية تغيير اللغة العربية أو تبسيطها. هي الأمور التي أود أن أشير إليها في ورقتي هذه.
وأظنني لن أغور كثيرا في مسألة اللغة، ففضلا عن كونها قد قُتلت سجالا، ما بين مهاجم للمؤلف أو متعاطف معه، أو معتدل يقبل طرح الفكرة ويخالف التكتيك، فقد سبق وأدليت بدلوي في الشأن اللغوي في الندوة التي عُقدت حول الكتاب. وتلخصت كلمتي أن منطلقَ النحو والصرف العربيين منطلقٌ موسيقيّ بحت. فالعربية منشغلةٌ بالموسيقى، ربما بسبب نشأتها الأولى في مجتمع شفاهيّ غير كتابيّ مما جعلها خاضعةً لثقافة الأذن. وأنا من المتحمسين للفصحى، ليس لكوني شاعرة، بل أظن أن ما جذبني إلى دنيا الشعر هو تنبهي لعبقرية علم النحو تحديدًا. فيكفي المرء أن ينطق جملةً عربية سليمةً من دون أن يلحنَ نحويًا أو صرفيًّا ليحصل على قدرٍ من الموسيقى. ولهذا السبب ننزعج حين تباغتنا مذيعة بالتلفزيون بخطأ نحويّ. نحن في الواقع لم نقم بإعراب الجملة لندرك أن خطأً قد وقع، فقط تصطدم أذننا بما يؤرق حسَّها الفطريّ المجبول على الموسيقى.
ولا أتفق مع من سيقول إن السبب هو الاعتياد، لعدة أسباب، أهمها أن الهوّة الواسعة بين الفصحى من ناحية، وبين اللهجات الكثيرة الدارجة على طول الوطن العربي وعرضه من ناحية أخرى، تجعلنا لا نتكلم بثقة عن مسألة الاعتياد. لأن الفصحى تتعامل مع ذاكرتنا البصرية وحسب بفعل القراءة والتعليم في المدرسة، بينما تنبني الذاكرة السمعية من خلال الدارجة التي يتبناها البيت والشارع ووسائط الإعلام الخ.
من الدلائل الأخرى على عبقرية الموسيقى في علم النحو مادة "الممنوع من الصرف"، ليس فقط في الاختيار المدهش للكلمات التي يجب ألا تُصرف لدواعي موسيقية مثل (مساجد- كنائس – مصر- مكة - سجاجيد.... الخ)، لكن الأجمل هو علامة (جر) تلك الكلمات وهي (الفتحة) عكس ما هو سائد في اللغة وهي (الكسرة) كعلامة للجر. دعنا نجرّب جرَّ مفردةٍ ممنوعة من الصرف بالكسرة سنجدها تلتبس ( سمعيًا) مع ياء الملكية بسبب عدم إمكانية تنوينها. ولنضرب مثالا: "تتجلى العمارة القطوية في (كنائسِ) كثيرةٍ"، تلك الكلمة سيتلقاها السامع وكأنها (كنائسي: أي الكنائس التي تخصني)، لأننا لم نستطع أن نقول (في كنائسٍ) بسبب منعها من الصرف. من هنا كان الحل العبقريّ الموسيقي في جرّها بالفتحة ( في كنائسَ كثيرةٍ)، هنا فقط ترتاح الأذن. وتنطبق النزعة الموسيقية كذلك على مخالفة التمييز لنوع المميّز على نحو: ستة أقلام، ثلاث زهرات الخ. من هنا ارتأيت أن محاولة تغيير النحو العربي يهدد الموسيقى، لأنه يقوم في الأساس عليها (وليس على العروض الفراهيدية).
ما أود أن أبرزه من الكتاب هو مجموعة من الأفكار المهمة التي خفتت للأسف تحت وطأة عنوان الكتاب الملتبس الذي استفز الكثيرين. فالبعض قد أوّل ( لتحيا اللغة العربية: يسقط سيبويه) على إنه هتافٌ أو شعار تعبوي على غرار: لتحيا مصر، ليسقط الاستعمار! والشاهد أن الشوباشي لو قصد ذلك لقال "وليسقط سيبويه"، وبما أنه أسقط (اللام)، فذاك يعني أن الجملة شرطية أي ( من أجل أن تحيا اللغة العربية يجب أن يسقط سيبويه). وأزعم أن تلك الجملة الشرطية البسيطة لم تكن لتثير كل تلك العواصف التي أثارتها الهتافية التي حُمِّلَت على العنوان غُبنًا، وكأن سيبويه هو مبتكر اللغة العربية.
أشار الكتاب إلى بعض المشكلات المتجذرة في الذهنية العربية والتي ربما يعود إليها،في رأيي، معظم الأزمات التي نحياها. سوف ألمح إلى تلك النقاط ثم أورد تعقيبي السريع عليها:
• ميل العقل العربي إلى المبالغة .
• ميل العربيّ إلى الكلام أكثر من سعيه إلى الفعل.
• خوف العربي من مواجهة الواقع وجنوحه للوهم عوضا عن ذلك.
• التباس مفهوم اللغة عند العربي، فهو مازال يعتبرها غاية في ذاتها لا وسيلة للتواصل مع الآخر.
• ميل العربي إلى المراوغة في الخطاب عوضا عن المباشرة.
• العرب أبناء حضارة اليقين.
• اهتمام العرب بالشكليّ على حساب الجوهريّ.
وقبل إبداء وجهة نظري باختصار فيما سبق أعلن أن قد وصلني منذ الوهلة الأولى لقراءتي الكتاب، وبدون أدنى جهد، أن الدافع الوحيد الذي حث المؤلف على الكتابة هو دافع قومي عروبي وغَيرة على العربية وحزنٌ على غيابها من خارطة اللغات المعترف بها عالميا. وأتفق معه في معظم ما أورد بشأن أزمة العقل العربي الراهن والذي أفرز قدرًا من الجمود والركون إلى السلبي انتظارا لحلٍّ قد يهبه الغيب أو يضن به. أوافق أننا أبناء ثقافة الأذن وربما كان ذلك سببا وراء كوننا نقليين أكثر منا عقليين. ومن أسفٍ أننا لا نكتفي بالنقل من السلف بغير سعي للتطوير أو التجاوز، بل نركن إلى النقل من الآخر الغربي ثم نلعنه لأنه سبب تخلفنا. وأتفق معه أننا نحفل كثيرا بالشكليّ أكثر من سعينا لبناء النسغ الحقيقي لمعظم المبادئ، فلم نر رجل دين قد اتهم أحدا بالخروج عن الدين لأنه لم يراع حقوق الآخر ولم يتقن عمله ولم يعمل على نظافة بيئته بصريا وسمعيا وفكريًّا. وأتفق معه كذلك في كوننا أبناء ثقافة المبالغة في القول إلى درجة أن جملة تخلو من (جدا – للغاية – إلى أقصى درجة الخ) تُحسب على الحياد ولا يعوّل عليها كثيرا. وأن ثمة هوةً واسعة بين خطابنا والخطاب الغربي نتيجة اعتيادنا تضخيم الكلم والركون إلى امتلاك اليقين. لكنني أود أن أشير إلى أن الكتاب قد خلط بين لونيْن من الخطاب: الخطاب البلاغيّ الأدبيّ، والخطاب الحياتيّ الإيصاليّ. اللون الأول من الخطاب يندرج تحت باب الفن فيجوز له – ككل فن – أن يجنح نحو المبالغة وعدم المباشرة بل والمراوغة في الخطاب. وأحيله إلى الفن التشكيليّ، بعيدا عن التباسات اللغة، فالبورتريه الذي يصوّر وجها بنسبه الحقيقة تماما سيكون خاويا من الفن، لأن الكاميرا تتفوق عليه دقةً وتحديدًا، ويبدأ الفن حين تنحرف النسب عن الحقيقيّ والمرئيّ. لأن الفن انحرافٌ عن الواقع. ينطبق الأمر تماما على الخطاب الشعري والأدبي. عكس الخطاب الثاني الذي هدفه الأساس الإيصال، وهو ما يجب أن يتسم بالمباشرة والوضوح والتخلص من الديابيج والمقدمات والنتوءات التي قد تعوّق التلقي. بل إنني أتمادى أكثر وأقول إن اللغة على إطلاقها – حتى اليومي منها وبعيدا عن الأدب – لا يمكن أن تخلو من المجاز. وهو ما حاول إثباته مؤلفا الكتاب الأمريكي"Metaphors We Live By " (المجازات التي بها نحيا). أحدهما عالم لغويات والآخر عالم اجتماع. أثبتا خلال الكتاب أننا نتحدث بالمجاز طوال الوقت وتتراسل المعاجم طوال الوقت. فحين تناقش فكرة (الجدل) لابد أن تستعير معجم (الحرب) فتقول: تراشقنا بالكلمات لكنني صرعته في الأخير– كان الجدال حامي الوطيس، نازلته فمُنّي بهزيمة نكراء ومن ثم كسبت أرضا جديدة ..... الخ. ولننتبه أن الكتاب أمريكيّ مكتوب باللغة الأنجلو- أمريكية التي أقرَّ المؤلف ونقرُّ معه أنها لغة متقشفة محددة تنأى عن البديع في القول ومن ثم استحقت لقب اللغة الأولى في العالم. إذن ليس للأمر علاقة بأزمة خاصة في اللغة العربية بقدر ما هو إشكالية آلية نقل الفكرة من العقل إلى اللسان. أي تحويل الفكرة الهيولية في المخ البشري إلى مفردة ذات دلالة. وهي عملية ذهنية شديدة التعقيد وليست مقصورة على العربية وحدها، وهذا ما يجعلنا نتكلم دوما عن قصور اللغة. وأنا هنا لا أنفي الصعوبة عن اللغة العربية، لكنني أردُّ الأزمة إلى مأساة نُظُم التعليم في الوطن العربي كلّه، ليس في مادة اللغة العربية وحسب، لكن في مختلف فروع العلم. سياسة التعليم العربي تقوم على النقل وحشو الأدمغة بغير تفعيل حقيقي لعمل العقل. أما عن زخم المترادفات (غير المهجورة) في اللغة العربية فأراه ملمح ثراء لها وإن كنت أتفق بقوة مع الشوباشي حول قصور النحو العربي عن تحديد دقيق لزمن الفعل الماضي قياسا باللغات الأخرى. فالزمن الماضي عندنا واحد ولا يمكنك تحديد ترتيب أزمنة وقوع الأفعال من خلال تصريفها مثلما في الإنجليزية أو الفرنسية، وهو ما يستشعره كل ما أقدم على الترجمة من وإلى العربية. إذن فإشكاليات المبالغة في القول واستبدال الكلام بالفعل الخ، مردها طبيعة في نمط التفكير تخصنا نحن كعرب أكثر مما تخص لغتنا، أي إنها أزمة صياغة وتعامل مع الكلمات لأن ذات اللغة بوسعها خلق خطاب رشيق محايد لا يعوزه المنطق ولا تصدعه مبالغة وإطناب. والعربيّ المبالغ سوف يرتكب المبالغة لو تكلم بلسان فرنسي.
أظن أن أزمة الخطاب اللغوي العربية حديثة ومرتبطة بتدني المستوى الثقافي للفرد العربي الآن، ودليلي على ذلك هو كنز صغير أمتلكه : مجموعة من الخطابات بين جدي وجدتي خلال فترة خطوبتهما. جدي لم يكن معه سوى ليسانس حقوق في حين لم تحصد جدتي سوى البكالوريا القديمة(الثانوية العامة)، أدهشني كم الرقي الفكري والثقافي واللغوي بل والإنساني لديهما معا. اللغة العربية هي هي بل كانت أشد تعقيدًا وأقرب إلى المنفلوطية حينئذ، والعقل العربي هو هو، الفارق هو ما تلقاه هذان العروسان من تعليم في عصرهما مقارنةً بما يتلقاه الطلبة التعساء الآن. نسيت أن أقول إن جدتي هذه كانت تحفظ إلى جوار المقطوعات الموسيقية التي تجيد عزفها على البيانو الكثيرَ من الشعر الجميل والذي ظهر في رسائلها. أستاذ شريف، أهنئك بالفعل على الكتاب الذي نكأ الكثير من الجروح بشأن إشكاليات حقيقية في آلية التفكير ورؤية العالم والتعامل مع الوجود تخصنا ككيان عربي، وهو ما أشرتَ إليه في كتابك الراهن واستفضت فيه في كتاب " الداء العربي". أتفق معك أننا في أزمة مروّعة وحقيقية بل ومُهدِّدة لوجودنا. نحن ننحدر ونتقزم وسائرون بدأب وانتظام نحو هاوية. لكن هل تكمن الأزمة في (اللسان) أم في (العقل)؟ لماذا نطالب اللغةَ أن تُحني هامتَها من أجلنا، لماذا لا نحاول نحن أن نعلو قليلا ؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوء الظن بالنفس وبالآخر
- لمن تُقرَع الأجراس في باريس ؟
- شيخُ الطريقةِ
- شيخُ الطريقةِ
- المُتْعَب
- ثقوبٌ تشكيليةٌ لا تُغْضِبُ المرآة
- المُتْعَب
- ثقوبٌ تشكيليةٌ لا تُغْضِبُ المرآة
- ماو تسي تونج
- صِفْرٌ أزرقْ
- الخروجُ من مرعى الخليل تركي عامر، ألن يعود إلى المرعى؟
- جابر عصفور يعتنق النقدَ ... في محبة الأدب
- راصدًا متتاليةَ القمع في الثقافة العربية في القرن العشرين حل ...


المزيد.....




- السفارة الروسية في بكين تشهد إزاحة الستار عن تمثالي الكاتبين ...
- الخارجية الروسية: القوات المسلحة الأوكرانية تستخدم المنشآت ا ...
- تولى التأليف والإخراج والإنتاج والتصوير.. هل نجح زاك سنايدر ...
- كيف تحمي أعمالك الفنية من الذكاء الاصطناعي
- المخرج الأمريكي كوبولا يطمح إلى الظفر بسعفة ذهبية ثالثة عبر ...
- دور النشر العربية بالمهجر.. حضور ثقافي وحضاري في العالم
- شاومينج بيغشش .. تسريب امتحان اللغة العربية الصف الثالث الاع ...
- مترو موسكو يقيم حفل باليه بمناسبة الذكرى الـ89 لتأسيسه (فيدي ...
- وفاة المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد عن 70 عاما
- بسررعة.. شاومينج ينشر إجابة امتحان اللغة العربية الشهادة الا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - ما وراء كتاب الشوباشي