أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون النبواني - مغامرات أليس في بلاد العساكر















المزيد.....

مغامرات أليس في بلاد العساكر


خلدون النبواني

الحوار المتمدن-العدد: 3339 - 2011 / 4 / 17 - 21:55
المحور: الادب والفن
    


شعرت أليس بملل كبير وهي تتصفح كتاب "التربية الوطنيّة" الذي يتحدّث بلغة خشبيّة تُذكّرها باجتماعات الطلائع عن بطولات زعيم الأُمة الذي هزم لوحده أشباح الليل وعمالقة الحكايات ومنع سكان المريخ من احتلال الأرض. كادت أليس أن تغفو على مقعدها في الحديقة وسقط الكتاب من يدها إلا أن أرنباً أبيض مرَّ سريعاً من أمامها وهو يصرخ ناظراً إلى ساعته: لقد أزفت الساعة لقد أزفت الساعة وعليَّ ألا أتأخر.
كانت تلك هي المرّة الأولى التي تسمع فيها أليس أرنباً يتكلم فجرت خلفه يدفعها فضولها، وما هي إلى لحظات حتى ولج الأرنب جذع شجرة ضخمة فما كان من أليس إلا أن تبعته، ولكن ما أن دلف نصف جسمها إلى الداخل حتى هوت في حفرةٍ بدون قرار فراحت تسقط سقوطاً حُرّاً ساعاتٍ وساعات حتى ظنت أنها قد بلغت مركز الأرض وأنها قد سافرت في الزمان إلى عصور ما قبل التاريخ إلى أن ارتطم جسمها بأرضيةٍ صلبة. استعادت أليس نفسها بعد ثوانٍ وعندها لمحت الأرنب الأبيض وقد دلف باباً صغيراً جدّاً. حاولت أليس اللحاق به ولكن المدخل كان أضيق حتى من أن تُدخل رأسها. شعرت أليس بإحباطٍ كبير وتضايقت من حجمها الذي يعيقها عن متابعة الأرنب ومعرفة سره وهنا لمحت على الباب رسالةٍ مطوية مكتوبٌ عليها بحروف صغيرة كلمة "اقرئيني". ركزت أليس نظرها فاستطاعت أن تقرأ "شعار بلاد العساكر": "نحن رعايا بلاد العساكر نقسم بالروح وبالدماء أن نظل على العهد أوفياء لسيدة الكُبة خالقة الأرض والسماء والصيف والشتاء التي كوّرت الأرض ورفعت السماء وسمحت للشمس بالشروق وللعصافير بالغناء أمنا الحنون والسيدة الأولى وأجمل النساء التي تمنحنا الحياة وتأخذها منا كيف تشاء وحين تشاء"
ما أن انتهت أليس من قراءة هذه الكلمات حتى أخذ حجمها البشريّ يتقلّص بسرعةٍ كبيرة وبدأ الأفق من حولها ينكمش بل وشعرت أنها قد فقدت إدراكها وإحساسها بالعالم. مكّنها تضاؤل حجمها من أن تلج إلى "بلاد العساكر" والتي ما أن خطت أولى خطواتها فيها حتى رأت العجب العجاب. كان أول ما لفت انتباهها في بلاد العساكر هو أن الطرقات كانت جميعها باتجاهٍ واحدٍ إجباريّ كما أنها لاحظت أن إشارات المرور كانت كلها بلون واحد فقط هو اللون الأحمر. ولكن أليس كانت تشعر أيضاً بشعورٍ غريبٍ مٌلق فقد كانت تحس بأنها مُراقبة وأن آلاف العيون تتربص بها في الخفاء. لم يكن حدسها خاطئاً فما هي إلا لحظات حتى سمعت صوتاً يصرخ فيها: توقفي! وما أن التفتت تجاه الصوت حتى كادت أن تفقد وعيها من هول المفاجأة. لقد ذُهلت قبل ساعات حين سمعت أرنباً يتكلم، ولكنها في هذه اللحظة تقف وجهاً لوجه أمام ورقة لعب هي ستة البستون إلا أنها من لحمٍ ودم.
ـ مرحباً. قالت أليس بتلعثم.
فرد عليها ستة البستون بحقد: اخرسي!
ـ أريد فقط أن اعرف في أي بلاد أنا.
ـ قلتُ لكِ أن تُقفلي فمكِ. ألا تعرفين قوانين بلاد العساكر التي تنص على أن الأمن هو الوحيد المخوّل بطرح الأسئلة وما على الآخرين سوى الإجابة وتنفيذ الأوامر وبدون أية كلمة.
ذُهلت أليس من وقاحة هذا "الشخص" وشعرت بالخوف من الحقد المجانيّ المتفجر في عينيه.
ـ اشحطوها! صرخ ستة البستون عالياً فظهر عندها مجموعة من أوراق اللعب الأخرى من البستون والكُبة والسبات والديناري برتب مختلفة من الخمسات والأربعات والثلاثات والجويزات. انقضوا عليها جميعاً فشدوها من شعرها وراحوا يضربونها ويركلونها ويبصقون عليها متهمين إياها بالعمالة والتجسس والخيانة بينما هي تتقي ضرباتهم دون أن تفهم شيئاً من كل ذلك.
حشروها في عربة الكروكيت التي راحت تسابق الريح وتوجهوا بها صوب قصر سيدة الكُبة التي ما أن رأت أليس حتى صرخت: ياااااااع ابعدوها من أمامي فمنظرها البشريّ يقرفني! القوا بها في السجن!
فأجاب ستة البستون: ولكن سجوننا مليئة بالمعتقلين يا سيدتي ولم يعد هناك متسعٌ لأحد.
ـ إذن اشنقوها! قالت سيدة الكُبة.
كانت أليس لا تفهم شيئاً مما يدور حولها ولم تدرِ كيف استعادت نفسها لتقول: ولكن لا يمكن شنقي بدون محاكمة!
أثارت كلماتها ضحك كل من كان في قاعة القصر وسُمع صوت سيدة الكُبة في حين كان كل جسدها يرتجف من القهقهة: ههههه ... مُحاكمة، منذ زمن لم أسمع بهذه الكلمة؛ ثم أضافت: الشنق أولاً والمحاكمة ثانياً. إذن الآن سنشنقكِ وبعد ذلك نحاكمك وعندها يمكن لكِ أن تقولي ما تريدين. ما أن انتهت سيدة الكُبة من كلماتها تلك حتى انقض العساكر على أليس ليقتادوها إلى المشنقة، ولكن الأرنب ظهر مرّة أُخرى وهو يصرخ ناظراً إلى ساعته من جديد: الثورة .... الثورة، لقد وصلت الثورة إلى بلاد العساكر.
اتسعت أحداق سيدة الكُبة وزوجها شب الكُبة وكبار القادة العسكريين من الشباب والبنات وراحوا يرتجفون رعباً وهلعاً.
فواصل الأرنب: لقد أخذت الأوراق تختلط وتتجمع في مجموعاتٍ صغيرة هُنا وهناك وهي تهتف بصوتٍ واحدٍ وعالٍ: "الأوراق تريد تغيير نظام اللعبة" وها هم يقتربون الآن من القصر وعددهم يتضاعف باستمرار.
ـ ما العمل؟ صاح شب الكُبة وهو يتوسل بعينيه حلاً سحرياً من زوجته التي قالت:
ـ لا بد من زرع الفتنة بينهم وإرهابهم وقتل كل من سوّلت له نفسه الاعتراض على دستور لعبة الكُبة.
توجهت أولاً بأوامرها إلى شيخ الديناري وشيخ البستون وشيخ السبات وشيخ الكُبة:
ـ اسمعوا! عليكم أن تقوموا جميعاً بإصدار فتاوى إلى فئاتكم تقولون فيها أن التظاهر فتنة من الشيطان وعقابها جهنم وبئس المصير وعليكم أن تقنعوا الناس أن حُكم الكُبة هو أمر إلهيّ قد ورد ذكره في كتاب لعبة الورق المقدّس.
ـ أما أنتم (كانت هنا توجه كلامها لشب الكُبة وشب البستون وشب الديناري وشب السبات) فعليكم أن تزودوا جنودكم بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة وأن تقوموا بقتل من تستطيعون إليه سبيلا ثم تمثّلون بجثثهم حتى يصبحوا عبرةً لغيرهم.
بعد ذلك قالت لحُجابها: ابعثوا لي حالاً وراء الجوكرين المُهرجين واطلبوا منهما أن يخطبوا في الأوراق من على كل المنابر وأن يقنعوهم أن هناك فتنة ومؤامرة خارجية تهدد المربع الوطنيّ الذي نحن فيه وأن انتقالنا إلى مربعٍ آخر من شأنه أن يقضي علينا جميع ويجعلنا لقمة سائغة للأعداء.
ـ أما أنتن (وهي هنا توجه كلامها لبنات الديناري والسبات والبستون) فعليكن من هذه اللحظة أن تقمن بفرز الورق في مجموعاتٍ ثلاث كل واحدة منكن تفرز مجموعتها على حدة فأنا لا أريدهم مختلطين بعد اليوم. بعد فرزهم عليكن أن تقنعوهن أن كل فئة تكره الأُخرى وتريد القضاء عليها وأنه لا يمكن لهم أن يحيوا مجتمعين. أريدكن أن تزرعن الفوضى والرعب لدى كل فئة من الفئات الثلاث.
ـ ولكن ماذا عن فئة الكُبة يا سيدتي؟ قالت بنت الديناري
ـ لا تقلقي سأتولى أمرها بنفسي وسأوهمها أن مصيرها وحياتها مرتبطين ببقائي سيدة جميع الأوراق وسأقوم بوسائلي الخاصة بتأليبهم ضد الجميع.
ـ هيّا باشروا أعمالكم بينما سأتظاهر أنا فيما بعد أمامهم بجهلي التام بما فعلتم وتفعلون وسأبدي دهشتي عندما يشتكون إليّ تصرفات الجميع ولكن لا تقلقوا فلن أحاسب أحداً منكم في حين سأهدئهم ببعض الوعود. قالت هذا وغمزت بعينها الحضور.
فتدخل شب الكُبة قائلاً:
ـ ولكن، .... إذا استجبتِ إلى مطالبهم يا عزيزتي وفعلتِ ما يريدون بتغيير أحكام اللعبة فسنخسر كل امتيازاتنا وقد تنهار لعبة الكُبة من أساسها فتتحول مثلاً إلى باصرة ويصبح هؤلاء الحثالة مساوون لنا في القيمة.
ـ هي مجرّد وعود أيها الأحمق، ولكن علينا أن ننحني قليلاً الآن حتى تمر العاصفة وبعدها سننتقم منهم جميعاً. يبدو أنني قد منحتهم في السابق مساحة من الحرية أكثر من اللازم وها هم اليوم يتطاولون على أسيادهم. يجب أن نبقى زعماء لعبة الورق إلى أبد الآبدين وكما ورثتُ سيادة اللعبة عن أُمي فإنني سأورثها من بعدي إلى ابنتي وهكذا إلى الأبد.
انصرف الجميع لينفذوا ما طُلب منهم بينما ظلت أليس تستمع إلى كل ما يجري حولها فاغرةً فاهها غير مصدقةٍ لما تسمع، ولكن ما قطع عليها دهشتها كانت تلك الأصوات التي أخذت تقترب من القصر الملكيّ وهي تصدح بالحريّة. لقد فشلت كل محاولات سيدة الكُبة في إثارة الخوف والتفرقة بين الأوراق التي اختلطت من جديد بكل فئاتها بما فيها فئة الكُبة التي لم تصغي لنداء التفرقة بل تقدمت الحشود لأنها أدركت أن لعبة الورق لا يمكن أن تكون إلا بفئاتها المختلفة وألوانها المتعدّدة. كانت الأصوات تقترب فيهز صداها جدران القصر الذي صار يتصدع بعد أن فرغ وغدا خالياً تماماً.
كان لكلمات الحريّة التي تتردّد على ألسنة المتظاهرين مفعول السحر على أليس فقد استطاعت بفضلها أن تستعيد حجمها الإنسانيّ الطبيعي في حين راحت دموعها تسيل بكل صدقٍ على وجنتيها حين رأت الأوراق وهو يقومون بإعادة بناء لعبتهم مبتدئين بتغيير لافتة اسم بلدهم من بلاد العساكر إلى بلاد الحريّة....



#خلدون_النبواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بركان جبل العرب الخامد: السويداء والعطالة الثورية
- تحية لطيب تيزيني مثقفاً ملتزماً


المزيد.....




- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خلدون النبواني - مغامرات أليس في بلاد العساكر