أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال حمد - ناجي العلي والمقام العالي..















المزيد.....

ناجي العلي والمقام العالي..


نضال حمد

الحوار المتمدن-العدد: 198 - 2002 / 7 / 23 - 08:35
المحور: الادب والفن
    


 

 

يوم 22 تموز الحالي يكون ناجي العلي قد أكمل عامه الخامس عشر في عالم الشهداء الأحياء, عالم الرجال الذين طاولت جباههم قمم الجبال وعلت صورهم سحاب السماء وغيمها العابر والآخر الثابت بيننا وبين ما خلف أو ما بعد السماء. لو قدر له أن يعيش حتى هذه الأيام لكان اكمل عامه الخامس والستون.

ولد الشهيد الخالد ناجي العلي عام 1937 في قرية الشجرة الفلسطينية قرب طبريا التي احتلها الغزاة بعد معارك عنيفة ودامية سقط فيها أكثر من ألف شهيد معظمهم عربا من جيش الإنقاذ وكان معهم أيضا الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود صاحب الأبيات الشهيرة:

"سأحل روحي على راحتي وأمضي بها

في مهاوي الردى

فإما حياة تسر الصديق

وأما ممات يغيض العدى.."

على نهج هذه الأـبيات ووهجها الحار والمضيء عاش ناجي حياته وأختار رسالته وعنوانها الواضح.

نزح ناجي العلي مع عائلته إلى لبنان وعاش طفولته في مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا الساحلية في جنوب لبنان. بدأ العمل كفراش في مجلة الطليعة قبل أن يذيع صوته ويصبح كقهوة الصباح للقارئ العربي, وعمل في مهن عديدة وفي أعمال شتى, كمزارع وكهربائي ورسام. بعد فترة وجيزة أصبح أحد أهم الأعمدة الأساسية للصحافة الحرة والمستقلة في الوطن العربي الكبير.

الرسم هي المهنة التي خلقت إبداع ناجي وألتقط هو بدوره سر النجاح فيها, فأصبح رسام الكاريكاتور الأول في العالم العربي, والمبدع بلا منازع في مجال تحديد الهدف وتشخيص الحدث بدقة. ولم يكن الوطن العربي يومها أحسن حالا من يومنا هذا. إذ كان لازال يعج بالتخبطات السياسية وانعدام الديمقراطية والمساواة وحكم الشخص والعائلة والأقلية والجنرالات وأولياء العهود وأصدقاء الصهاينة اليهود.

من محاسن الصدف أن يكون الأديب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني هو الذي نشر العمل الأول للفنان الكبير والمبدع. لكن من تعاسة الصدف أيضا أن يستشهدا في نفس الشهر ولو اختلفت السنة والأيدي التي ارتكبت الجريمة مع أن الهدف النهائي للقتلة كان واحدا وهو قتل رموز الإبداع الفلسطيني وتغييبهم.

عمل في الكويت بداية الستينات في حقل الرسم وكانت بداياته مع مجلة الطليعة ثم السياسة فالوطن والقبس, وفي بيروت كان يرسم للسفير منذ بداياتها وكذلك للشراع وصحيفة الخليج الإماراتية في الشارقة وتعاون كذلك مع جريدة الشعب في عمان. كما أن معظم الصحافة الفلسطينية والتنظيمية التي انتشرت في حقبة السبعينات والثمانينات تسابقت على نشر رسومه الكاريكاتورية التي تحكي واقع حال الوطن والقضية والشعب, كما أنها كانت تعتبر أقوى موقف سياسي وتحليلي لواقع الوطن العربي من النهر إلى البحر..

كان هدف ناجي العلي قول كلمة الحق وإيصال الحقيقة كل الحقيقة للجماهير الفلسطينية والعربية المغيبة، المستعبدة، والمستبعدة من دوائر صنع القرار. لذا لم يبحث عن المجد ولا عن الشهرة والسمعة والألقاب والجوائز والأموال, مع أنه لو أراد مالا لانفتحت عليه كنوز الحكام والأثرياء ممن كانوا ضيوفا في رسوماته اليومية. ناجي كان من النوع المغاير تماما, كان أبنا بارا للمخيم ووفيا للفقر الجائع وللبؤس المتشرد ولعراة الأزقة الضيقة والطرقات المحفرة وخيام الحرمان في المخيمات التي قادت الثورة وأنجبتها وقوتها وعززتها بدماء أبناء المخيمات المقموعة, تلك التي ثارت على المخابرات والظلم والقمع, كما حدث في هبة 29 نيسان 1969 في مخيمات لبنان, حيث أستشهد أصدقاء ومعارف للفنان ناجي العلي.

لم يقبل أن يكون شاهد زور أو مجرد شاهد لم يرى حاجة, بل على العكس تماما كان الشاهد الذي يدلي بشهادته على الفور والناقد الذي يبدي رأيه بلا خوف وبلا تردد أو حساب وعقاب. كان أبا للفقراء وناطقا رسميا باسم ملايين العرب الغلابة والجياع والمقموعين والمخدوعين بأنظمة لم تجلب لهم سوى التخلف والتشرذم والتسلط والتبعية والقمع بكل معانيه.

كان للفقر واللجوء والحرمان والاضطهاد والتفرقة والبؤس الذي تعاني منه المخيمات الفلسطينية اكبر الأثر في تكوين شخصيته الإنسانية, عداك عن تكوينه الوطني الفلسطيني والقومي العربي والامتداد الفكري الثوري و الأممي الذي ساعد في اختيار ناجي العلي لدرب التمرد والمواجهة والتحدي وتعرية الزيف والخداع والظلم ورفع راية العدالة والمساواة والحري

ة والديمقراطية والدفاع عن البؤساء والفقراء والكادحين والمعدومين وقبل كل شيء راية الكفاح والمقاومة وتحرير فلسطين من الرمل إلى الرمل.هذه الأصالة العريقة في إنسانية هذا الرجل الأصيل والفنان العريق جعلته هدفا لسهام الأعداء والمتربصين, أولئك الذين ضاقوا ذرعا برسوماته ونقده اللاذع لهم ولحاشيتهم وزبانياتهم ومخابراتهم. كان ناجي في كل صباح يقلع شوكة من جسد الوطن العربي الكبير المهشم بالأشواك والجروح, وذلك من خلال رسمه الصباحي الجميل والمعبر الذي كان يشفي غليل الملايين.

منذ البداية اختار ناجي العلي طريقاً معدوم السلامة وغير آمن وممتلئ بحقول الألغام وبالحواجز والعوائق. أختاره بإرادته وعن قناعة تامة بأن الدرب المعبد بالأشواك هو الدرب الصحيح لأنه الأقرب للجماهير الكادحة والمقهورة, الأقرب للاجئين والمشردين والمتعبين, للفقراء وللبؤساء, لجيش الثورة الآتية لا محالة والبنادق التي سوف تعيد للشجرة الفلسطينية ثمارها المنهوبة وللجليل الفلسطيني سكانه المشردين ولفلسطين الحرية والاستقلال والجبين العالي والمقام الذي يليق بها في وطن العروبة الكبير.

كان شعار ناجي العلي ولازال قائما مهما حاول النسيان وغبار المرحلة طيه أو تغطيته, التراب الوطني كاملا, لم يكن يرضى بأي بديل عن الشجرة وطبريا والجليل وبأقل من فلسطين التاريخية.

في رسوماته كان التراب الوطني فوق الجميع وأقدس من الرؤساء والحكام والوزراء والمتنفذين وأصحاب القرارات. إذا خرج أحدهم عن خط الكمال والتربة الكاملة, أو مال عن البوصلة التي حددها الشعب, سرعان ما ذكره ناجي بأن وراءه جمهوراً وخلفه أمة تنتظر الوضوح في المواقف والشفافية في العمل والمحاسبة والعودة إلى الاتجاه الصحيح والطريق الصواب والخط السليم. لم يستثني من انتقاداته أحدا لا من اليسار ولا من اليمين ولا من المنظمة أو المعارضة أو من التابعين أو المنشقين. كان الرقابة المركزية والمفتش العام لشعب الشهداء ولمنظمة التحرير التي ابتلت بالأوباش وبداء الفساد ووباء الاستزلام والمحسوبيات وأجهزة الأمن التي توزعت على قادة المصادفة من أبي الطيب قائد جهاز الـ 17 حتى أبو الزعيم عميل المخابرات الأردنية المعروف وزعيم الأمن العسكري السيئ الصيت والسمعة و الذي أختطف المعارض السعودي ناصر السعيد وسلمه للنظام السعودي حيث تم إعدامه بطريقة غير إنسانية من خلال رميه من طائرة في صحراء الربع الخالي.

ناجي لم يهادن أبداً بل كان العين الساهرة على كل صغيرة وكبيرة تخص الوطن الكبير والقضية الكبرى. ويعتبر ناجي العلي من الفنانين الذين حطموا أرقاما قياسية في عدد التهديدات التي وصلته على خلفية أعماله الفنية وانتقاداته ومواقفه السياسية. مع هذا تابع مشواره ولم يرتعد أو تهن له عزيمة بل كان يزداد قوة وعنادا مع كل تهديد يصله من هذه الجهة أو تلك ومن هذا الطرف أو ذاك.

كان ناجي يقول عن نفسه: "أنا إنسان عربي فقط, اسمي حنظلة, اسم أبى مش ضروري, أمي اسمها نكبة ونمرة رجلي لا اعرف لأنني دائما حافي.. ولدت في 5 حزيران 1967.."

هذا الفنان الأبي, صاحب العقل المتفتح والقلب الكبير, الإنسان الوفي والمبدئي والذي يحتكم للقلب وللعقل في كل عمل يفقد المعنيين به رباطة الجأش والعقل والصبر, لم ترهبه رزمة التهديدات التي تلقاها من الأقارب والأشقاء ومن العقارب والأعداء ولم يمنعه المنفى البريطاني من التواصل مع العالم العربي عبر الفاكس.

فبعد أن تم ترحيله من الكويت بناء على رغبة البعض الفلسطيني الذي لم يعد يحتمل رؤية رسومات ناجي اليومية وهو عاجز عن قمعه أو حرق أصابعه عبر وضعها في الأسيد. فمارس الضغط على الكويتيين الذين طردوا ناجي بدورهم كي لا يتحملوا فاتورة اغتياله فيما بعد. فكان من الواضح أن حياة ناجي في خطر وأن أعداءه كثيرون ومن كافة الأصناف والأنواع والأشكال وأنهم بالمرصاد ويتربصون به وينتظرون تعليمات أسيادهم, كما أن الفرصة أصبحت الآن سانحة أكثر من ذي قبل لتصفية الحساب معه.

يوم الأربعاء الواقع في 22 تموز 1987 وأمام المنزل رقم واحد بشارع "ايفز" أطلق مجهول النار على ناجي العلي فأصابه أصابة مباشرة في وجهه, نقل على أثرها إلى المستشفى وبقي في حالة غيبوبة إلى أن وافته المنية يوم 29 أب 1987 .. وهذه الحالة التي عاشها ناجي العلي تذكرني بالشهيد الشاعر علي فودة الذي استشهد جراء إصابته بقذيفة بارجة حربية صهيونية اثناء حصار بيروت فبقي لعدة أيام فاقدا الوعي إلى أن استشهد. دفن ناجي العلي في لندن ولم يتمكن من الرقود في مقبرة الشجرة أو مقبرة مخيم عين الحلوة لنفس الأسباب التي جعلته يموت في المنفى. هذا ليس غريبا علينا لأن كثيراً من عظماء فلسطين لازالت قبورهم منتشرة في الشتات.

ان الوفاء لناجي وتخليد ذكراه يكون بالحفاظ على حنظلة طفله المستيقظ دائما والساهر على حراسة الأمة والقضية وعبر البحث عن قتلته وتقديمهم للمحاكمة ومحاسبتهم على جريمتهم البشعة. وهذا العمل يتطلب جهدا فلسطينيا كان في الماضي مفقودا بسبب دور البعض الفلسطيني المشبوه والمحتمل في اغتيال ناجي العلي.

*الكاتب فلسطيني يقيم في أوسلو- النرويج.



#نضال_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تموز 1987 ناجي العلي المقام العالي
- الصهيونية شكل من أشكال العنصرية, مع سبق الإصرار..


المزيد.....




- غادر بلاده سرا... ترحيب حار بالمخرج الإيراني رسولوف في -كان- ...
- تردد قناة توم وجيري نايل سات Tom & Jerry لمتابعة الأفلام الك ...
- الان متابعة مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 161 مترجمة على قناة ال ...
- المخرج السعودي توفيق الزايدي: أحب صناعة سينما للتاريخ ومهرجا ...
- مهرجان كان السينمائي: -نورة- أول فيلم سعودي يشارك في مسابقة ...
- فوق السلطة- ما علاقة الإمام محمد الشعراوي بالفنان عادل إمام؟ ...
- اشغلي أولادك بيها وفرحيهم.. Tom and Jerry استقبال تردد قناة ...
- الفلاسفة والحب.. كيف عاشوا حيواتهم العاطفية؟
- نقد رواية العوالم السبع للروائي عبد الجبار الحمدي سردية أعتر ...
- مهرجان كان السينمائي: مسك الختام مع -بذور التين البرية- للإي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال حمد - ناجي العلي والمقام العالي..