لمن تبنى هذه المساجد ... ؟؟

رضا عبد الرحمن على

الحوار المتمدن-العدد: 1949 - 2007 / 6 / 17 - 12:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

لا أدرى من أين أبدأ الحديث , لكن لابد أن أتكلم لأن الموضوع في غاية الأهمية والخطورة ..
ظهرت في السنوات الأخيرة ظاهرة بناء المساجد بطريقة زائدة عن الحد تحتاج دراسة وتفكير ونظرة بعيدة المدى ..
ـ فهناك من يبنى مسجداً ليُسَهـل على نفسه الحصول على تراخيص المباني و تيسير توصيل المرافق إلى المبنى . ، الذي يتحول فجأة لعمارة سكنية فخمة ويصبح المسجد طابقا أرضيا ضمن طوابق العمارة ..
ـ ومن يبنى المساجد بهدف البحث عن وظيفة لأبنائه وأقاربه أو أهل بلدته مقابل مبلغ من المال طبعا..
لكن الجديد في الموضوع أن تظهر جمعيات خارجية تقوم ببناء مساجد خمس نجوم تكلفة المسجد الواحد لا تقل عن نصف مليون جنيه بل يزيد ..
لكن هذه الجمعيات لها شروط في بناء مساجدها : لابد أن يكون المسجد على طريق عمومي وغالبا يكون المسجد في عزبة أو نجع أو قرية صغيرة جدا لا يزيد عدد سكانها عن خمسمائة نسمة وعلى الرغم أن سكان هذه العزب والقرى والنجوع منهم من لا يجد عملا يتربح منه ليعيش أقل درجات العيش وأغلبهم يشكوا من ضيق الحالة وعدم وجود دخل ثابت , ومعظم سكان هذه المناطق يعيشون في بيوت من الطوب اللبن ولا يوجد فيها أبسط قطع الأثاث ـ فهم يعيشون حياة بدائية جدا , رديئة جدا .. فهل يعقل أن هؤلاء المساكين يحتاجون إلى مسجد خمس نجوم يصلون فيه .. مسجد به سجاد وموكيت وحمام سيراميك وخلافه ، ويغلق بعد الصلاة خوفا من السرقة ـ شيء مضحك جدا ـ إن مثل هؤلاء المساكين يمكنهم إقامة الصلاة في أي مكان كما يقول الدين الإسلامي العظيم , ولا غبار على ذلك .. فهم بحاجة إلى مشاريع تستوعب البطالة التي حولت حياتهم إلى جحيم , وهم بحاجة إلى بناء مدارس يتعلمون فيها , وهم بحاجة إلى وحدات صحية للعلاج ومعاملتهم كالبشر .. أظن أن مبلغ نصف مليون جنيه أو أكثر يكفى لعمل مشروع يعمل به شباب ورجال هذه القرية البسيطة ليحول حياتهم إلى الأمان والاطمئنان على لقمة العيش ، وهذه أبسط درجات الحياة , سيكون ثوابه أكبر من بناء الجامع . هل يعقل أن أطلب من إنسان بلا عمل وبلا دخل ولا يملك قوت يومه أن يذهب للصلاة في مسجد خمس نجوم كهذا , وبعد بناء هذا المسجد الفخم يتم تصويره بكاميرات الفيديو في يوم جمعة بحضور عدد من رجال هذه الجمعيات الخيرية وطبعا يتم تصوير هؤلاء المساكين أهل القرية وهم يُسَلمُون على بناة المسجد في غذاء فخم خمس نجوم أيضاً..
ما هذا ؟؟
هل يريد أصحاب هذه الجمعيات تحويل القرى والنجوع إلى قاهرة المليون مآذنه ، التي بها خمسة ملايين عاطل ، بلا دخل , وأربعة ملايين يسكنون المقابر , أو يُعد هذا مشروعا وهابيا مدروسا للسيطرة على مصر من خلال هذه المساجد المنتشرة في أنحاء مصر , ومحاولة نشر الفكر السلفي الوهابي داخل البلاد , لأن هذه الجمعيات يتم تمويلها من جماعات جذورها سعودية , وهذا الموضوع منتشر في أغلب محافظات مصر , والطريف أن مندوب الجمعية يريد بناء تسعة وتسعون مسجدا أسوة بأسماء الله الحسنى ..
هل بناء المساجد بهذه الطريقة أفضل أو بناء المصانع والمشاريع ليعمل بها الفقراء والمساكين المحتاجين ومعدومي الدخل ـ ، إذا كانوا فعلا يريدون عمل الخير.. هل بناء هذه المساجد أفضل أم بناء المعاهد والمدارس والمستشفيات التي ترتقي بمستوى معيشة الإنسان علميا وصحيا ..
وأنا أجزم أن البلاد التي تبنى فيها هذه المساجد بها أكثر من مسجد يستوعب المصلين في هذا البلد وأكثر ..
وبها أيضا معهد آيل للسقوط ويحتاج إلى إعادة بناء وبها مدارس ليس بها مقاعد للطلاب بل يجلسون على الأرض كما توجد قرى بدون مدارس أصلا ويقطع الأطفال مسافات طويلة في البرد أحيانا والحر أحيانا أخرى للوصول إلى المدارس المجاورة .. وبها فقراء بدون عمل وبدون أي دخل ورغم ذلك يكون الإصرار على بناء المساجد الخمس نجوم بجوار معهد آيل للسقوط وبه رطوبة وصلت للسقف ، ويوما ما سينهار على التلاميذ , والأمثلة موجودة وكثيرة ..
فإذا كانت هذه الجمعيات أو هؤلاء الأشخاص يريدون فعلا فعل الخير فلماذا لا يفكرون في عمل مشاريع للفقراء لتستقر حياتهم , وبناء مدراس ومعاهد ومستشفيات أو وحدات صحية لرفع مستوى معيشة هؤلاء الفقراء والمساكين وكله بثوابه وكله عمل خير إذا كانت النية فعلا هي عمل الخير ..
أم أنهم يريدون هؤلاء المساكين فقراء على حالتهم ضعافا ينتظرون العطف كل عيد وكل موسم وكل رمضان حتى يستطيعوا السيطرة عليهم مع مرور الوقت وتجنيدهم وتحويلهم إلى عتاد يستخدمونه في تنفيذ أعمالهم المعروفة، بهدف الوصول إلى السلطة..
إن الصلاة يمكن إقامتها في البيت أو العمل أو الحقل أو أي مكان.. فالصلاة في أي مكان على الأرض جائزة ولا خلاف على ذلك..
وأعمال الخير لها طرق كثيرة ولا تقل أهمية عن بناء المساجد لكن إذا كانت النية الحقيقية هي فعل الخير..
سؤال يطرح نفسه :
هل بناء المساجد في مصر أصبح أهم من إطعام الفقراء وكسوتهم وعلاجهم وتعليمهم... ؟؟؟

#رضا_عبد_الرحمن_على (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات