الصحراء الغربية: مفاوضات نيويورك على خلفية التطورات الأخيرة في النزاع

فاطمة الغالية الركيبي

الحوار المتمدن-العدد: 1948 - 2007 / 6 / 16 - 09:54
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    

جولة جديدة في عمر النزاع حول الصحراء الغربية تبدأ الأسبوع القادم في نيويورك، وهذه المرة، قد يكون التاريخ مع موعد لا يكرر فيه نفسه، فهناك من المستجدات والتحولات الكثير مما يوحي بأن العام 2007 وقرار مجلس الأمن 1754 سجلا المنعطف الذي طال انتظاره أزيد من ثلاثين عاما لكي يحرك الوضع الراكد في المنطقة.
المرحلة المقبلة ترسم معالم مختلفة على طريق حل النزاع، وذلك بفضل المبادرة المغربية بشأن التفاوض حول منح الحكم الذاتي الموسع في الصحراء الغربية، وهي المبادرة التي جاء التقرير الأممي الأخير ليؤكد بدون أن يدع أي مجال للشك أو النقاش نجاحها الكبير الذي تحقق خلال فترة التعريف بها في العواصم الدولية لمختلف القارات قبل أشهر، وأنه كان حقيقة وواقعا، لأن المبادرة تضم عناصر الحل والإرادة الصادقة وحسن النية والشجاعة، ما جعلها تبعث الأمل من جديد في المنتظم الدولي الذي أعياه النزاع دبلوماسيا وماليا وعسكريا.
ويعقد المنتظم الدولي على أولى المفاوضات بين أطراف النزاع في مشكل الصحراء الغربية آمالا كبيرة هذه المرة، وذلك بناء على التطورات التي حصلت في الفترة الأخيرة التي سبقت الإشارة إليها، وضمنها أيضا لجوء مجلس الأمن لأول مرة إلى تسريع وتيرة الحصول على نتائج عملية في ظرف شهرين من صدور قراره 1754. ورغم أن اللقاء الأولي التي ينعقد يومي 18 و19 في ضواحي نيويورك يطبعه الطابع التقني، فإن أهم هدف قد يبلغه هو التوصل إلى تذويب الجليد السائد بين أطراف النزاع، والوقوف على صيغ توفيقية على قاعدة شروط القرار الأمميي الباحث عن حل سياسي توافقي ومتفق بشأنه لانطلاق جولات المفاوضات، وقد اشتملت المبادرة المغربية لمنح الحكم الذاتي الموسع على هذه الشروط، بانفتاحها على النتائج التي ستتوصل إليها المفاوضات، في تطابق مع الشرعية الدولية المؤكدة للحق في تقرير المصير، هذا الحق الذي لا تؤدي ممارسته حتميا إلى الحصول على الاستقلال، في وجود خيارين هما الحكم الذاتي والاندماج، مراعاة لئلا يؤدي إلى تهديد الوحدة الترابية وتمزيقها، كما هو منصوص عليه في المواثيق الأممية المتعلقة بمسألة تقرير المصير..
وجاء القرار الأممي 1754 الصادر في الثلاثين من أبريل الماضي مدينا للحملة المضادة التي قادتها الدبلوماسية الجزائرية بكل ثقلها رفقة البوليساريو للطعن في مقترح المغرب الساعي لحل معقول ومقبول من الجميع. وكما تذرو الرياح الهشيم أو الرماد، كتب على مجهودات الشقيقة الجزائر وإخواننا في جبهة البوليساريو أن تذهب كلها هباء منبثا، وكأنها لم تكن أصلا.
ولا شك أن الجزائر وجبهة البوليساريو استشعرتا حينئذ أن ما قامتا به لم يكن بذي جدوى، بل من الممكن أن يكون قد خدم المغرب أكثر مما أساء إليه حسبما أراد الحليفان. ومن المرجح أنه لو كان كتب لهما النجاح في ذلك الوقت، وتمكنا من إرجاع ولو ثلث المجموعة الدولية التي استقبلت المسؤولين المغاربة أثناء حملة التعريف بالمبادرة عن مواقفها المؤيدة، لما كان ظهر إلى الوجود شيء يسمى مقترح البوليساريو لحل النزاع.
ومع ذلك، ولنفس السبب الذي لم تفلح فيه الحملة الجزائرية المضادة، فشل مقترح البوليساريو في إثارة الانتباه في الأمم المتحدة لدى تقديم الأمين العام الأممي لتقريره حول الوضع في الصحراء. وبالكاد أشار القرار 1754 إلى وجوده، بدون أدنى ترحيب أو تقييم، وذلك لأنه لم تكن له مقومات النجاح والصمود أمام المبادرة المغربية التي تجدر الملاحظة بشأن تسميتها، أي بشأن الوجه التي تقدم به نفسها إلى مخاطبيها، أنها لا تدعي الاكتمال، ولا تفرض تصورا نهائيا للحل، بل تقدم تصورها المنفتح للتفاوض، على نقيض مقترح البوليساريو الذي ولد من عدم.. أو ليس من العدم محاولة بعث الحياة في الموتى؟ ومقترح البوليساريو بهذا المعنى لم يأت بجديد كما عبر العديد من المتتبعين والخبراء الدوليين، بل إن مسؤولين أميين كبار طعنوا في جديته وجدته، ضمنهم المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء السيد بيتر فان والسوم.
وصرح الدبلوماسي الهولندي أمام الصحافة الدولية في نيويورك عقب المشاورات التي جمعت أعضاء مجلس الأمن حول الصحراء الغربية بعد تقديم بان كي مون تقريره أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن مقترح البوليساريو "فاجأه" هو الذي كان قد قضى مدة لا بأس بها ( 18 شهرا) في المنطقة في مهمة لاستطلاع التطورات، دون أن يقع على مقترح البوليساريو والجزائر، فهو لم يكن "في أي لحظة على علم بإعداده"... وحدد فالسوم أهم عوامل شعوره ب"المفاجأة" في اليقين الذي خرج به بعد الاطلاع على المقترح، إذ تبين له أنه " لم يأت بجديد"...
وإذا كان هذا رأي رجل مفتاح في الهيئة الدولية المشرفة على حل النزاع، فمن المؤكد أن الذين يشاطرونه الرأي كثيرون داخل الأمم المتحدة وبين أعضاء مجلس الأمن الدولي الذي انتصر بالإجماع لهذه الحقيقة، لأن المبادرة المغربية لم تأت من عدم، بل كانت بحسب تعبير المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة نفسه "ثمرة لمجهود طويل الأمد ولمسلسل مشاورات موسعة على المستويين الوطني والدولي"، وهذا ما ترجمه القرار الأممي الذي نعتها " بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدماً صوب التسوية"، منوها بجهود المغرب بشأنها
وسجل القرار أن أية مفاوضات ينبغي أن " تأخذ بعين الاعتبار التطورات الأخيرة في قضية الصحراء"، ولم يكن هناك من تطورات في القضية إلا ما كان وراءها المغرب بمبادرته التي غيرت الوضع القائم بجمود منذ عقود..

#فاطمة_الغالية_الركيبي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات