أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - ماو تسي تونغ - قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -3-















المزيد.....


قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -3-


ماو تسي تونغ

الحوار المتمدن-العدد: 1949 - 2007 / 6 / 17 - 12:59
المحور: الارشيف الماركسي
    


و لننتقل الآن ، بعد أن أوضحنا ضرورة القواعد و أهميتها ، إلى القضايا التي يجب فهمها و حلها عند إنشاء القواعد ، و هذه القضايا كما يلي : أنواع القواعد ، مناطق حرب العصابات و القواعد ، الشروط اللازمة لإنشاء القواعد ، توطيد القواعد و توسيعها ، أنواع التطويق المتخذ من قبل قوات العدو و قواتنا .

المبحث الأول : أنواع القواعد :

إن قواعد حرب العصابات المناهضة لليابان هي على العموم من ثلاثة أنواع : قواعد في الجبال ، و قواعد في السهول ، و قواعد في المناطق التي تكثر في الأنهار و البحيرات و الخلجان .

و يعرف الجميع فوائد إنشاء القواعد في المناطق الجبلية ، و القواعد التي أنشأناها سابقا أو ننشئها الآن أو نستعد لإنشائها في جبال تشانغباي [i][1]و وو تاي[ii][2] و تايهانغ[iii][3] و تايشان[iv][4] ويانشان[v][5] و ماو شان[vi][6] ، هي جميعا من هذا النوع . و إن هذه القواعد ستكون خير أماكن تستطيع حرب العصابات المناهضة لليابان أن تصمد فيها مدة طويلة ، و سوف تصبح حصونا مهمة في حرب المقاومة . إن من واجبنا أن نشن حرب العصابات و ننشئ القواعد في جميع المناطق الجبلية الواقعة في مؤخرة العدو .

و من المؤكد أن السهول هي أقل ملاءمة من الجبال في هذا المضمار ، لكن هذا لا يعني مطلقا أنه يمكن شن حرب العصابات في السهول أو إنشاء قواعد فيها . إن حرب العصابات قد قامت على نطاق واسع في سهول خبي و في سهول شمال شاندونغ و شمالها الغربي ، و يدل هذا على أن حرب العصابات يمكن أن تجرى في السهول . أما إمكانية إقامة قواعد تستطيع الصمود طويلا في السهول فليس هناك ما يثبتها حتى الآن ، لكن قد ثبتت إمكانية إقامة قواعد مؤقتة فيها ، كما أن إنشاء قواعد خاصة بوحدات صغيرة أو قواعد موسمية يجب أن يعتبر أمرا ممكنا . فنظرا لأن العدو لا يملك تحت تصرفه قوات كافية ، و هو ينفذ سياسة لا سابق لوحشيتها ، بينما الصين تملك أرضا شاسعة الأبعاد و تضم عددا هائلا من أبناء الشعب الذين يحاربون اليابان ، فقد وفر ذلك كله الشروط الموضوعية من أجل خوض حرب العصابات في السهول ، و من أجل إنشاء قواعد مؤقتة فيها أيضا ، فإذا وجدت القيادة العسكرية الصحيحة بالإضافة إلى ذلك ، فإن إقامة قواعد غير ثابتة و لكن دائمة لوحدات العصابات الصغيرة بالطبع يجب أن يعتبر أمرا ممكنا [vii][7]. إن العدو ، حين ينهي هجومه الاستراتيجي و يتحول إلى الدفاع عن المناطق التي يحتلها ، سيعمد بلا شك إلى شن هجوم وحشي على جميع قواعد حرب العصابات ، و من الطبيعي أن القواعد في السهول ستكون أول هدف لضرباته . و حين يقع ذلك ، فإن فرق العصابات الكبيرة التي تعمل في السهول لن تتمكن من مواصلة القتال فيها طويلا ، و من تم يجب عليها أن تنتقل بصورة تدريجية إلى المناطق الجبلية وفقا للظروف ، مثلا تنتقل من سهول خبي إلى جبال وو تاي و جبال تايهانغ ، و من سهول شاندونغ إلى جبل تايشان و إلى شبه جزيرة شاندونغ الشرقية . و لكن لا نستبعد ، في ظروف الحرب الوطنية ، أن في إمكاننا أن نترك كثيرا من الوحدات الصغيرة و نوزعها في محافظات مختلفة على السهول العريضة فتعمد إلى أسلوب القتال المتنقل ، أي تنتقل من قاعدة إلى قاعدة أخرى بين حين آخر . أما الاستفادة من الستار الأخضر من المزروعات الطويلة السيقان في الصيف و من الأنهار المتجمدة في الشتاء للقيام بحرب العصابات الموسمية فهذا أمر ممكن بالتأكيد . و نظرا لأن العدو يعجز اليوم عن السيطرة على السهول و أنه سوف يصعب عليه أن يسيطر عليها في المستقبل كل السيطرة فإنه لمن الضروري كل الضرورة أن ننتهج اليوم سياسة شن حرب العصابات في السهول على نطاق واسع و إنشاء قواعد مؤقتة فيها ، و أن ننتهج في المستقبل سياسة مواصلة حرب العصابات فيها بوحدات صغيرة ، أو مواصلة حرب العصابات الموسمية على الأقل ، و إنشاء قواعد غير ثابتة .

و بالنظر إلى الظروف الموضوعية ، فإن خوض حرب العصابات و إنشاء القواعد في المناطق التي تكثر فيها الأنهار و البحيرات و الخلجان يتمتع بإمكانية أعظم مما في السهول و أقل مما في المناطق الجبلية . إن من سموا ب "القراصنة " و " لصوص الأنهار " في عصور تاريخنا قاموا بأعمال كثيرة لا حصر لها على مسرح الحرب ، و في أيام الجيش الأحمر استمرت حرب العصابات في منطقة بحيرة هونغخو سنوات عديدة ، و يثبت هذا كله إمكانية خوض حرب العصابات و إنشاء القواعد في المناطق التي تكثر فيها الأنهار و البحيرات و الخلجان .

غير أن الأحزاب السياسية و الجماهير الشعبية المناهضة لليابان لم تعر هذا الأمر حتى الآن سوى اهتمام ضئيل . و على الرغم من أن الشروط الذاتية لم تتوفر بعد ، فمن المؤكد أن الواجب يدعونا إلى الاهتمام بهذا الأمر و المبادرة إلى العمل . يجب تنظيم حرب العصابات جيدا في منطقة بحيرة هونغتسه الواقعة في شمال نهر اليانغتسي ، و في منطقة بحيرة تايخو الواقعة في جنوب النهر ، و في الأراضي التي تكثر فيها الخلجان في جميع المناطق التي يحتلها العدو على ضفاف الأنهار و السواحل ،و يجب كذلك إنشاء قواعد دائمة في الأنهار و البحيرات و الخلجان و بالقرب منها . و نعتبر ذلك جانبا من جوانب العمل لإجراء حرب العصابات على نطاق البلاد كلها. و إذا أهملنا هذا الجانب فمعنى ذلك أننا نسهل على العدو استخدام المواصلات المائية ، الأمر الذي يشكل ثغرة في الخطة الاستراتيجية لحرب المقاومة ضد اليابان ، و هي ثغرة ينبغي سدها في الوقت المناسب .


المبحث الثاني : مناطق حرب العصابات و القواعد :


بالنسبة إلى حرب العصابات التي تجري في مؤخرة العدو فإن مناطق حرب العصابات تختلف عن القواعد . إن المناطق التي يطوقها العدو و لكنه لم يحتلها ، أو المناطق التي سبق أن احتلها ، لكنها قد حررت ، مثل بعض المحافظات في جبال وو تاي ( أي منطقة حدود شانشي ـ تشاهار ـ خبي ) و بعض الأماكن في منطقة جبال تايهانغ و منطقة جبل تايشان ، هي قواعد جاهزة تستطيع قوات العصابات بالاعتماد عليها أن تشن بسهولة حرب العصابات . لكن الوضع يختلف في أماكن أخرى من هذه المناطق ، مثل الأقسام الشرقية و الشمالية من منطقة جبال وو تاي أي بعض القطاعات الواقعة في غرب مقاطعة خبي و جنوب مقاطعة تشاهار ، و الأماكن العديدة الواقعة في المنطقة الممتدة شرق باودينغ و غرب تسانغتشو ، فإن قوات العصابات لا تستطيع احتلال هذه الأماكن بصورة تامة في بداية حرب العصابات ، و كل ما تستطيعه هو أن تشن عليها الغارات بين حين و آخر ، و هذه الأماكن تصبح تحت سيطرة قوات العصابات حين تأتيها ، و تقع من جديد تحت السلطة العميلة حين تغادرها ، فهي ليست بعد قواعد حرب العصابات ، بل هي مناطق حرب العصابات . و ستتحول هذه المناطق إلى قواعد بعد أن تمر بمراحل ضرورية من حرب العصابات ، أي بعد إفناء عدد كبير من قوات العدو أو إلحاق الهزيمة بها ، و تحطيم السلطة العميلة ، و إثارة حماس جماهير الشعب ، و تكوين منظمات شعبية مناهضة لليابان ، و إنشاء قوات شعبية مسلحة ، و إنشاء سلطة سياسية مناهضة لليابان . و إذا ضممنا مثل هذه المناطق إلى القواعد الأصلية التي سبق إنشاؤها فقد وسعنا رقعة القواعد . و بعض المناطق التي تجري فيها حرب العصابات هي بمجموعها مناطق لحرب العصابات في بداية الأمر ، كمنطقة شرق خبي ، حيث قد قامت السلطة العميلة منذ وقت طويل ، فالأراضي التي تعمل فيها القوات المسلحة من الأهالي الثائرين و فصائل العصابات المرسلة إليها من منطقة جبال وو تاي هي بمجموعها منطقة لحرب العصابات في البداية . و ليس في مقدور قوات العصابات هذه في الأيام الأولى من نشاطها إلا أن تنتقي في هذه المنطقة مواقع صالحة لتجعل منها مؤخرات مؤقتة لها أو بتعبير آخر قواعد مؤقتة لها . و لا يمكن لمنطقة حرب العصابات هذه أن تتحول إلى قاعدة ثابتة نسبيا إلا بعد أن يتم فيها إفناء قوات العدو و تتطور كثيرا أعمال استنهاض الجماهير الشعبية .

و هكذا يتبين لنا أن تحويل منطقة حرب العصابات إلى قاعدة هو عملية تتطلب بذل جهود مضنية ، فإن إنجاز هذا التحويل يتوقف على مدى النجاحات في إفناء قوات العدو و تعبئة الجماهير الشعبية في هذه المنطقة .

و هناك مناطق عديدة سوف تظل على حالة مناطق حرب العصابات زمنا طويلا .و هي مناطق يبذل العدو كل جهوده للسيطرة عليها و لكنه لا يستطيع أن يقيم فيها سلطة عميلة متوطدة ، كما أننا سنبذل كل جهودنا لتطوير حرب العصابات فيها و لكننا لا نستطيع إنشاء سلطة سياسية مناهضة لليابان فيها ، و من أمثلة ذلك المناطق القريبة من الخطوط الحديدية و المدن الكبرى التي يحتلها العدو ، و بعض المناطق في السهول .

و أما المدن الكبرى و محطات السكك الحديدية و بعض المناطق في السهول ، التي تسيطر عليها قوات كبيرة للعدو ، فإن قوات العصابات يمكن فقط أن تعمل بالقرب منها و لا ينبغي أن تقتحمها ، إذ توجد فيها سلطة عميلة متوطدة نسبيا . و هذه حالة أخرى .

و يمكن للأوضاع الآنفة الذكر أن تنقلب إلى نقيضها نتيجة لأخطاء نرتكبها في عملنا القيادي ، أو لضغط العدو الشديد ، أي أن القاعدة يمكن أن تتحول إلى منطقة لحرب العصابات ، و أن منطقة حرب العصابات يمكن أن تتحول إلى منطقة محتلة متوطدة نسبيا في يد العدو . و هذا وضع يمكن أن يحدث ، و هو يستوجب كل اليقظة من جانب قادة حرب العصابات .

و لذا فإن جميع المناطق التي يحتلها العدو ، ستتحول إلى ثلاثة أنواع من المناطق بنتيجة حرب العصابات و الصراع بين العدو و بيننا : أولا ، القواعد المناهضة لليابان ، الخاضعة لسيطرة قواتنا من العصابات و سلطتنا السياسية ؛ ثانيا ، المناطق المحتلة الواقعة في قبضة الإمبريالية اليابانية و السلطة العميلة ؛ ثالثا ، المناطق الوسطية التي يتنازع عليها الطرفان ، أي مناطق حرب العصابات . و إن واجب قادة حرب العصابات هو أن يبذلوا كل جهدهم كي يوسعوا المناطق التي هي من النوعين الأول و الثالث و يضيقوا المناطق التي هي من النوع الثاني . هذه هي المهمة الاستراتيجية لحرب العصابات .


المبحث الثالث : الشروط اللازمة لإنشاء القواعد :


إن الشرط الأساسي لإنشاء قاعدة من القواعد هو وجود قوة مسلحة مناهضة لليابان تستخدم من أجل قهر العدو و تعبئة الجماهير الشعبية . و هكذا فإن مشكلة إنشاء القواعد هي قبل شيء مشكلة إنشاء القوة المسلحة . و لا بد لقادة حرب العصابات أن يبذلوا قصارى جهودهم من أجل تكوين وحدة أو عدة وحدات من قوات العصابات ، و تطوير هذه الوحدات بصورة تدريجية في سياق النضال حتى تصبح فرق عصابات بل وحدات نظامية أو مجموعات جيوش من القوات النظامية . إن إنشاء القوة المسلحة هو الحلقة الأساسية الأولى في إقامة القواعد ، فلا يمكن أن نفعل شيئا إذا لم تكن لدينا قوات مسلحة أو إذا كانت قواتنا ضعيفة . ذلك هو الشرط الأول .

و إن الشرط الثاني الذي لا بد منه لإقامة القواعد هو استخدام القوات المسلحة من أجل قهر العدو بالتعاون مع الجماهير الشعبية . إن جميع الأماكن التي يسطر عليها العدو هي قواعده و ليست قواعد لحرب العصابات ، فمن البديهي أنه لا يمكن تحويل قواعد العدو إلى قواعد لحرب العصابات إلا بقهر العدو . و حتى المناطق التي تسيطر عليها قوات العصابات يمكن أن تقع في يد العدو إذا لم ننجح في سحق هجماته ونهزمه ، و بالتالي تصبح إقامة القواعد فيها أمرا مستحيلا .

و إن الشرط الثالث الذي لا بد منه لإقامة القواعد هو استخدام كل القوى ، بما في ذلك القوات المسلحة ، من أجل شن النضالات الجماهيرية ضد اليابان . و إن من واجبنا أن نسلح الشعب في سياق هذه النضالات ، أي ننظم فصائل للدفاع الذاتي و فصائل للعصابات . و من واجبنا في سياق هذه النضالات أن نشكل منظمات جماهيرية ، فيجب أن ننظم العمال و الفلاحين و الشباب و النساء و الأطفال و التجار و أرباب المهن الحرة ، وفقا لدرجة وعيهم السياسي و حماستهم الكفاحية ، فيما تقتضيه قضية مقاومة اليابان من منظمات مختلفة ، كما يجب أن نوسع هذه المنظمات بصورة تدريجية . فإذا لم تكن جماهير الشعب منظمة ، فلن تتمكن من إظهار قوتها في مقاومة اليابان . و إن من واجبنا في سياق هذه النضالات أن نصفي قوى المتعاونين مع العدو المكشوفين منهم أو المستترين ، و هذه مهمة لا يمكن إنجازها إلا بالاعتماد على قوة جماهير الشعب . و إنه لمن المهم بصورة خاصة أن نعبئ الجماهير الشعبية في سياق هذه النضالات لإنشاء أو توطيد السلطة السياسية المحلية المناهضة لليابان . فإذا كانت منطقة من المناطق سلطة سياسية صينية لم يدمرها العدو يجب علينا أن نعيد تنظيمها و نوطدها بالاعتماد على تأييد الجماهير الشعبية الغفيرة ، أما إذا كانت هذه السلطة قد دمرها العدو فإن من واجبنا إعادة بنائها على أساس مجهود الجماهير الشعبية الغفيرة . إن هذه السلطة السياسية يجب أن تنفذ سياسة الجبهة الوطنية المتحدة ضد اليابان و أن توحد جميع القوى الشعبية من أجل النضال ضد عدونا الوحيد ، الإمبريالية اليابانية و أذنابها ـ المتعاونين معها و الرجعيين .

إن جميع القواعد لحرب العصابات لا يمكن أن تشيد بصورة فعلية إلا بعد أن تتوفر الشروط الأساسية الثلاثة بصورة تدريجية أي إنشاء القوات المسلحة المناهضة لليابان ، و قهر العدو ،و تعبئة الجماهير الشعبية .

و فيما عدا ذلك ، فلا بد من الإشارة إلى الشروط الجغرافية و الاقتصادية .

أما فيما يتعلق بمسألة الشروط الجغرافية فقد أشرت إلى ثلاثة أنواع مختلفة في مبحث " أنواع من القواعد " ، و سوف أقتصر هنا على ذكر المطلب الرئيسي و هو وجود أرض واسعة . فإذا أردنا ، في المناطق التي يطوقها العدو من ثلاث جهات أو أربع ، أن نقيم قواعد تستطيع الصمود طويلا فإن وجود مناطق جبلية فيها يوفر بطبيعة الحال أفضل الشروط لذلك ، لكن الشيء المهم هو ضرورة توفر مجال واسع تستطيع قوات العصابات أن تقوم بمناوراتها فيه ، أي اتساع رقعة الأرض . و إذا توفر هذا الشرط ـ اتساع رقعة الأرض أمكن لحرب العصابات أن تقوم و تصمد حتى في السهول ، فضلا عن المناطق التي تكثر فيها الأنهار و البحيرات و الخلجان . و إن هذا الشرط متوفر على العموم لحرب العصابات في الصين بفضل سعة الأراضي الصينية و افتقار العدو إلى القوات الكافية . و وهذا الشرط يعتبر شرطا مهما ، بل أول شرط مهم تتوقف عليه إمكانية القيام بحرب العصابات ، و في بلدان صغيرة مثل بلجيكا ، فإن إمكانية القيام بحرب العصابات ضئيلة جدا ، بل معدومة ، بسبب انعدام هذا الشرط . أما في الصين ، فليس هذا شرطا يجب السعي من أجل الحصول عليه أو مشكلة تنتظر الحل ، بل هو شيء قد وفرته الطبيعة لنا ، و ليس علينا إلا أن نستغله .

و شأن الشروط الاقتصادية كشأن الشروط الجغرافية إذا نظرنا إليها من زاوية الطبيعة . ذلك أننا لسنا نناقش هنا إنشاء القواعد في الصحراء حيث لا يوجد أعداء ، بل إنشاء القواعد في مؤخرة العدو ، وطبيعي أنه يوجد سكان صينيون منذ زمن طويل في جميع المناطق التي يمكن للعدو أن يصل إليها ، و توجد فيها طبعا أسس اقتصادية من أجل العيش ، إذن فلا تواجهنا مسألة اختيار الشروط الاقتصادية عند إنشاء القواعد . إن واجبنا هو أن نعمل قدر المستطاع على شن حرب العصابات و إقامة قواعد دائمة أو مؤقتة في جميع الأماكن التي يوجد فيها سكان صينيون و توجد فيها قوات العدو ، مهما تكن الشروط الاقتصادية فيها . بيد أن الشروط الاقتصادية ، إذا نظرنا إليها من الناحية السياسية فهي تختلف عن الشروط الجغرافية ، إذ تواجهنا مسألة في هذه الناحية ، هي مسألة السياسة الاقتصادية التي تتحلى بأهمية عظيمة بالنسبة إلى إنشاء القواعد . يجب أن تطبق في سياستنا الاقتصادية الخاصة بقواعد حرب العصابات مبدأ الجبهة الوطنية المتحدة ضد اليابان ، أي يجب أن نطبق فيها مبدأ توزيع الأعباء المالية بصورة معقولة و حماية التجارة ، و لا يجوز أبدا للسلطات السياسية المحلية أو قوات العصابات أن تخرق هذا المبدأ ، و إلا فستعرقل إنشاء القواعد و مواصلة حرب العصابات . و إن التوزيع المعقول للأعباء المالية يعني تطبيق مبدأ " من يملك المال فليساهم بالمال " ، لكن على الفلاحين أيضا أن يقدموا مقادير معينة من الحبوب لقوات العصابات . إن حماية التجارة يجب أن تتجسد في تقيد قوات العصابات بانضباط دقيق ، فلا يجوز لها مصادرة أي محل تجاري ، باستثناء تلك المحلات التي يملكها أولئك الذين أثبتت البراهين القاطعة تعاونهم مع العدو . و هذه قضية شاقة ، لكنها سياسة مقررة ينبغي تنفيذها .


المبحث الرابع : توطيد القواعد و توسيعها :


لكي نحصر العدو الذي دخل الصين في مراكز قليلة ، أي في المدن الكبرى و على جانبي خطوط المواصلات الرئيسية ، يجب على قوات العصابات في القواعد المختلفة أن تبذل قصارى جهودها لتوسيع حرب العصابات نحو سائر المناطق المحيطة بها و الضغط على جميع مراكز العدو و بذلك تهدد وجوده و تحطم معنويات قواته بينما توسع القواعد في الوقت نفسه . و هذا شيء ضروري جدا . و لابد في هذا المجال من مكافحة نزعة التحفظ في حرب العصابات . فإن نزعة التحفظ ، سواء كانت ناشئة من الحرص على الراحة أم من البالغة في تقدير قوة العدو ، ستسبب خسائر لحرب المقاومة ضد اليابان ، و تضر في الوقت نفسه بحرب العصابات و قواعدها ، هذا من جهة ، و من جهة أخرى يجب علينا أن لا ننسى قضية توطيد القواعد ، و المهمة الرئيسية في هذا المجال هي تعبئة جماهير الشعب و تنظيمها و تدريب وحدات العصابات و القوات المسلحة المحلية . إن توطيد القواعد ضروري من أجل المثابرة على حرب طويلة الأمد و من أجل توسيع القواعد في الوقت نفسه ، إذ لا يمكن توسيعها بصورة فعالة بدون توطيد . و إذا ما عنينا فقط في حرب العصابات بتوسيع القواعد و أهملنا توطيدها ، فإننا لا نستطيع أن نصمد أمام هجمات العدو ، فتكون نتيجة ذلك فقدان الأرض التي نكون قد كسبناها في سياق التوسيع ، و في الوقت نفسه تعريض وجود القواعد للخطر . إن المبدأ الصحيح هو التوسيع على أساس التوطيد ، هذه طريقة جيدة لضمان إمكان الانطلاق من قواعدنا لمهاجمة العدو و إمكان الدفاع عنها في الوقت ذاته . و إذا كانت الحرب حربا طويلة الأمد فإن مسألة توطيد القواعد و توسيعها تظل قائمة بالنسبة إلى كل وحدة من قوات العصابات . و يجب علينا عند حل هذه المسألة أن نعمل وفقا للظروف . و هكذا يمكن في مرحلة من مراحل جعل التوسيع مركز الثقل لأعمالنا ، أي توسيع مناطق حرب العصابات و توسيع قوات العصابات ، و في مرحلة أخرى يمكن جعل التوطيد مركز الثقل لأعمالنا ، أي تنظيم جماهير الشعب و تدريب القوات المسلحة . و لما كانت مهمتا التوسيع و التوطيد مختلفتين في طبيعتهما ، و كانت التخطيطات العسكرية و الأعمال الأخرى مختلفة تبعا لذلك ، فلا يمكن حل هذه المسألة على وجه حسن إلا بالتشديد على إحدى المهمتين في مرحلة و على المهمة الأخرى في مرحلة ثانية وفقا للظروف .


المبحث الخامس : أنواع التطويق المتخذ من قبل قوات العدو و قواتنا :


إذا أخذنا بعين الاعتبار حرب المقاومة ضد اليابان ككل ، فلا ريب أننا مطوقون استراتيجيا من قبل العدو ، ذلك لأن العدو يشن هجوما استراتيجيا و يقاتل في الخط الخارجي بينما نحن في حالة الدفاع الاستراتيجي و نقاتل في الخط الداخلي . و هذا هو النوع الأول من التطويق الذي يفرضه العدو علينا . و بما أننا نطبق مبدأ الهجوم و عمليات الخط الخارجي على مستوى الحملة و المعركة ، بقوات متفوقة عدديا ، ضد قوات العدو التي تتقدم نحونا من الخط الخارجي في أرتال متعددة ، فإننا نجعل كلا من الأرتال المعادية المتقدمة بصورة منفصلة واقعا تحت تطويقنا . و هذا هو النوع الأول من التطويق الذي نفرضه على العدو . و إذا نظرنا إلى قواعد حرب العصابات في مؤخرة العدو وجدنا أن كل قاعدة من هذه القواعد المنعزلة يحاصرها العدو من أربع جهات مثل منطقة جبال وو تاي ، أو من ثلاث جهات مثل المنطقة الشمالية الغربية من شانشي . و هذا هو النوع الثاني من التطويق الذي يفرضه العدو علينا . و لكننا إذا نظرنا إلى القواعد المختلفة و ربطنا بينها ، و نظرنا إلى قواعد حرب العصابات المختلفة و ربطناها بجبهات القوات النظامية ، وجدنا أننا نطوق عددا كبيرا من قوات العدو ، و مثال ذلك أننا طوقنا في شانشي خط سكة حديد داتونغ ـ بوتشو من ثلاث جهات ( جانبي الخط الشرقي و الغربي و نهاية الخط من الجنوب ) ، و طوقنا فيها مدينة تاي واي من أربع جهات ، و يمكننا أن نجد أيضا تطويقات مماثلة في بعض المقاطعات مثل خبي و شاندونغ . و هذا هو النوع الثاني من التطويق الذي نفرضه على العدو .

و نظرا لأن كلا من الطرفين يفرض على الطرف الآخر نوعين من التطويق ، فإن الأمر يشبه على العموم ما نجده في لعبة ويتشي[viii][8]: فالعمليات التي يقوم بها كل من الطرفين ضد الطرف الآخر على مستوى الحملة و المعركة تشبه عملية أكل قطع اللعبة ، ومراكز العدو و قواعدنا لحرب العصابات تشبه خانات شاغرة على رقعة اللعبة . و إن ضرورة وجود " خانات شاغرة " تظهر أهمية الدور الاستراتيجي الذي تلعبه قواعد حرب العصابات في مؤخرة العدو . و حين تطرح هذه القضية في حرب المقاومة ضد اليابان ، فإن معنى ذلك أنه من واجب السلطات العسكرية في البلاد كلها و قادة حرب العصابات في مختلف المناطق أن يضعوا في جدول أعمالهم مهام تطوير حرب العصابات في مؤخرة العدو و إقامة القواعد حيثما أمكن ، و ينفذها باعتبارها مهمام استراتيجية . و إذا ما نجحنا على الصعيد الدولي في تشكيل جبهة مناهضة لليابان في منطقة المحيط الهادي ، باعتبار الصين كوحدة استراتيجية فيها و الاتحاد السوفياتي كوحدة استراتيجية و كل من البلدان الأخرى التي يمكن أن تشترك فيها كوحدة استراتيجية ، فإننا سنفرض على العدو نوعا ثالثا من التطويق ، الأمر الذي يشكل في منطقة المحيط الهادي خطا خارجيا يمكننا أن نطوق من اليابان الفاشية و نقضي عليها . و طبيعي أنه ليس لذلك مغزى عملي بعد في الوقت الحاضر ، لكنه ليس من المستبعد حصول مثل ذلك في المستقبل .






#ماو_تسي_تونغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -4-
- قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان
- حول الديمقراطية الجديدة (1940)- الجزء الثاني
- حول الديمقراطية الجديدة (1940)- الجزء الأول
- فلنصلح دراستنا
- ضد الليبرالية
- في الممارسة العلمية، في العلاقة بين المعرفة و الممارسة العلم ...
- ضد عبادة الكتاب


المزيد.....




- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)
- طريق الشعب.. الفلاح العراقي وعيده الاغر
- تراجع 2000 جنيه.. سعر الارز اليوم الثلاثاء 16 أبريل 2024 في ...
- عيدنا بانتصار المقاومة.. ومازال الحراك الشعبي الأردني مستمرً ...
- قول في الثقافة والمثقف
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 550


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - ماو تسي تونغ - قضايا الاستراتيجية في حرب العصابات المناهضة لليابان -3-