أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الفرد عصفور - في اربعينية حزيران الحلقة الثانية















المزيد.....

في اربعينية حزيران الحلقة الثانية


الفرد عصفور

الحوار المتمدن-العدد: 1938 - 2007 / 6 / 6 - 05:48
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


حرب 1967
تضييع الممكن في سبيل المستحيل

الحلقة الثانية: الفرص الضائعة

بعد انتهاء الحرب طفق القادة العرب يلملمون الجراح ويبحثون عن حل يعيد اليهم ماء الوجه والكرامة التي هدرت.

بعد ان استوعبوا الضربة وذاقوا مر الهزيمة، وتفقدوا خسائرهم وعرفوا حدود مصيبتهم، تباحث هؤلاء القادة بشان ما اسموه ازالة اثار العدوان. وكانت هذه العبارة هي كلمة السر التي تعني: اجراء مفاوضات مع إسرائيل واستعادة الاراضي وإحلال السلام في المنطقة ونسيان ما ضاع عام 1948.

الدول التي حاربت وخسرت بشرف كانت تسعى للسلام اما الانظمة التي كانت السياسة لديها لعبة وهواية فتمسكت بالشعارات ورفضت التوجه نحو السلام.

الحرب لم تحل مشكلة إسرائيل. فلم يركع العرب ولم يتوسلوا السلام منها. لكنهم وضعوا صيغة تحفظ لهم الحد الادنى من الكرامة. التقى الملك حسين بالرئيس عبد الناصر في القاهرة. وبعد الاجتماع سافر الحسين إلى واشنطن يحمل تفويضا من عبد الناصر بان يحاول كل ما يستطيع مع الولايات المتحدة ووعدا بعقد مؤتمر قمة عربي يمكن من خلاله وضع الامة امام مسؤولياتها. وقد تعهد عبد الناصر للملك حسين ان يضع كل نفوذه السياسي وراءه في أي شيء يتوصل اليه للمحافظة على عروبة الضفة الغربية وانه على استعداد "لان يخرج بنفسه علنا للدفاع عن أي اتفاق يصل اليه الحسين ويكون من شانه ابعاد مطامع إسرائيل عن الصفة الغربية".

بعد ان تكشفت اطماع اسرائيل، ورات الادارة الأميركية ان إسرائيل تجاوزت الهدف الذي وضعته لها واشنطن وكان اسقاط عبد الناصر، شرعت الدول الكبرى والأمم المتحدة السعي لحل المشكلة.

اجتمع الملك حسين في واشنطن إلى الرئيس جونسون الذي كان رأيه انه لا بد من الوصول إلى تسوية عن طريق المفاوضات المباشرة تصل إلى صلح نهائي يحل مشكلة الشرق الاوسط من اساسها.

كان صدور قرار 242 عن مجلس الامن محاولة اولية لإزالة اثار ذلك العدوان، وصيغة تمهيدية لتطويق الحجج التي تعتمدها اسرائيل لتبرير سلوكها العدائي المتمادي في المنطقة العربية منذ البداية. وكان من اهم المبادىء التي اكدها ذلك القرار اعلان عدم شرعية اكتساب الاراضي بقوة السلاح وبالتالي الدعوى الى الانسحاب من جميع المناطق التي جرى احتلالها منذ الخامس من حزيران 1967. والدعوة الى معالجة القضية الانسانية الكبرى، قضية اللاجئين.

وفي الامم المتحدة كان رأي الأردن واضحا: على اسرائيل ان تختار بين الحصول على السلام او الاحتفاظ بالأرض ولكنها لن تتمكن من الاحتفاظ بالاثنين معا. كان الملك حسين يرى ان "الشرط الاساسي الكبير للسلام هو العدل، عندما يتحقق العدل في الشرق الاوسط سيتحقق السلام فيه."

كان الأردن متفائلا يرى ان المفاوضات هي الوسيلة الوحيدة لاسترداد الارض. فكانت القمة باقتراح وإلحاح من الأردن لبحث الاوضاع بهدوء بمعزل عن الانفعال.

كانت عبارة ازالة اثار العدوان في القرار الثاني من قرارات القمة هي التفويض. لكن القرار الثالث وان اكد على فكرة ازالة اثار العدوان الا انه تضمن ثلاث لاءات اصبحت مرادفة للقمة. لا مفاوضات مع إسرائيل، ولا صلح معها، ولا اعتراف بحقها في الوجود. ومع ان هذه اللاءات جاءت مخيبة للآمال، فإنها لم تكن عائقا امام الجهود السياسية. فقد عرفت إسرائيل وأميركا انها كانت مجرد شعارات لإرضاء كبرياء الشارع العربي.

تمكن عبد الناصر في قمة الخرطوم من تحويل التفويض الذي سبق وان اعطاه للملك حسين بالبحث عن حل سياسي للضفة الغربية إلى تفويض عربي واسع. فهم منها اجراء اتصالات سواء مباشرة او غير مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة بهدف استرجاع الاراضي المحتلة. وكانت إسرائيل على استعداد للتحدث مع الملك حسين فقط لكنه "لم يكن راغبا في الانفراد والانشقاق عن الشعوب العربية التي وقعت ضحية العدوان."

الجهود السياسية اصطدمت بعقبات كثيرة. عقبات لم تكن كلها موضوعية او معقولة. كان مفهوما ان إسرائيل التي انتصرت في الحرب واحتلت اراضي ثلاث دول عربية لم تكن مضطرة لأي سلام مع العالم العربي. كل ما كانت تريده اسرائيل هو ان يأتيها العرب مستسلمين طالبين منها الرحمة. وان كانت إسرائيل منذ عام 1948 إلى عام 1967 تدعو إلى السلام والمفاوضات فإنها بعد الحرب كانت تماطل ولا ترغب في السلام لأنها لا تريد اعادة الارض. وإذا كان الموقف الإسرائيلي المعادي معروفا ومفهوما فماذا كانت مبررات المواقف الاخرى الرافضة للجهود الاردنية التي سعت لاسترجاع الارض المحتلة؟

في عام 1991 وفي خطابه الى الامة عشية مؤتمر مدريد ، تحدث الملك الراحل الحسين بن طلال عن وضع العرب في حلبة الصراع مع الصهيونية. يقول: "ان المدقق في الخط البياني للقضية الفلسطينية لا يمكن ان يغفل عن ملاحظة ان هذا الخط في انحدار مستمر. فما من فرصة للسلام اتيحت عبر مسار القضية الا كان الممكن تحقيقه منها اقل مما اتاحته الفرصة التي سبقتها. ابتداء من الثلاثينات وحتى يومنا هذا بالرغم من عدالة القضية. وإذا كان لذلك من مغزى فان معناه ان احاطتنا كعرب وكفلسطينيين بالوضع الدولي والإقليمي عند كل فرصة سلام كانت اقل مما هو مطلوب لاغتنامها. فلم نتعامل مع الحدث في اطار الممكن والمعقول الامر الذي ادى الى اضاعة الفرصة اثر الاخرى".

هذا التحليل الرائع للالية التي تحرك فيها العرب ازاء فلسطين لا تعني انه لم تكن هناك اصوات عاقلة جريئة. لكن اصوات الغوغاء كانت اعلى والعواطف اقوى.

لقد حاول عبدالله الاول انقاذ فلسطين من خلال العقلانية لكن جهوده ذهبت ادراج الرياح لان المشاغبين على تلك الجهود كانت لهم اجندتهم التي وافقت هوى القوى الصهيونية والاستعمارية. وقد لاقت تلك الاجندة الدعم والإسناد بحيث كانت دوما ذات صوت اعلى وذات اولوية اقوى.

اما الملك حسين فكان همه منذ اعتلاء العرش تحقيق حل مشرف للقضية الفلسطينية يتضمن العدل للجميع. كانت محاولاته قبل حرب 1967 غير مجدية حيث كان صوت العاطفة اقوى من صوت العقل. لو تمكن عبد الناصر من التغلب على عواطفه وعلى الضغوط التي تعرض لها سواء من قبل جماهير متحمسة او من قادة وزعماء لم يستطيعوا ان يروا ابعد من انوفهم، لربما تغير مسار الاحداث.

لقد فوض الرئيس عبد الناصر اكثر من شخص للاتصال بالإسرائيليين واستيضاح امكانات التوصل إلى حل سياسي. في عام 1954 كلف عبد الناصر الصحفي المصري ابراهيم عزت بنقل رسالة خطية إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي عن طريق وزير الخارجية موشيه شاريت تحتوي على مقترحات مصري لتسوية سلمية واتفاق على عدم الاعتداء بين مصر وإسرائيل.

وفي عام 1955 تدخلت وكالة الاستخبارات الأميركية لترتيب لقاء بين عبد الناصر وموشي شاريت لكن عبد الناصر طلب مبعوثا اسرائيليا إلى القاهرة فجاء ايغال يادين. لكن هذه الجهود اخفقت بسبب ما عرف بفضيحة لافون وما ترتب عليها من اعتقال خلية تخريب إسرائيلية وإعدام اثنين من اعضائها.

لكن تلك المحاولات استمرت عن طريق الملحق الصحفي بالسفارة المصرية في باريس الذي نقل رسالة من عبد الناصر إلى الحكومة الإسرائيلية يطلب منها ان تتفهم موقف القاهرة التي كانت ترغب في اعادة بناء سياستها تجاه إسرائيل بالتدريج لكي "يصل الجانبان إلى نتائج افضل. ولذا ستقدم الحكومة المصرية من جانبها كخطوة اولى بوقف التصريحات العدائية ضد إسرائيل".
كان عبد الناصر يدرك حجم القدرات العربية. وقد اعلن مرة انه لا يملك خطة لتحرير فلسطين. لكن ذلك الاعلان احدث ضجة واسعة في العالم العربي. ويقول هيكل ان كثيرا من الزعماء العرب جاؤا اليه يرجونه ان لا يكرر ذلك الاعلان حتى لا يؤثر على معنويات الامة.

لم تكن الجهود العربية لتحقيق السلام قبل عام 1967 مجدية على الاطلاق. فأي محادثات سلام علنية مع إسرائيل كان سينظر إليها على انها خيانة وخروج عن الاجماع العربي الذي كان هدفه المعلن تحرير فلسطين وإعادة الحقوق الفلسطينية السليبة.

اما الاتصالات الاردنية الإسرائيلية سواء قبل حرب 1967 او بعدها، فلم تثمر أي نتائج ملموسة. فالملك حسين لم يكن يقبل أي تنازل يتعلق بالأرض او الحقوق الفلسطينية. كان يؤكد في كل مرة انه لا بديل عن استعادة كامل الاراضي المحتلة بما فيها القدس الشرقية.

ظل الملك حسين يرفض في جميع حواراته مع الاسرائيليين صيغة التسوية الاقليمية. ظل يرفض رفضا باتا وقطعيا انشاء مستوطنات او مواقع عسكرية إسرائيلية على طول نهر الأردن ولا حتى مجرد نقطة مراقبة على الجسور.

كان الملك حسين يرى ان السلام ممكن في أي وقت، ولكن لا بد ان تعيد إسرائيل كافة الاراضي التي استولت علها في حزيران 1967 وهذا امر الزامي لا غنى عنه. اما القدس "فيمكن ان تظل موحدة وان تصبح نقطة تلاقي للديانات المسيحية والإسلام واليهودية".

والآن، وبناء على التحليل الذي اشار اليه الحسين في خطابه عشية مؤتمر مدريد، لو استعرضنا مختلف الحلول التي عرضت لحل القضية الفلسطينية، مستثنين الحلول الاستسلامية غير المنطقية، لوجدنا ان كل حل كان في مزاياه ومكاسبه للفلسطينيين اقل من الحل الذي سبقه. لقد كان الأردن اكثر الدول العربية نشاطا على الساحة الدولية يشرح الموقف العربي ويقدم المطالب العربية بطريقة عقلانية واضحة ومباشرة.

لكن فرصا كثيرة ضاعت بسبب السياسات التي اتسمت بالسطحية من جانب بعض الجهات العربية حيث سيطرت العاطفة وغاب العقل.
فمن هي الجهات التي كانت تعوق الحلول السلمية بعد ان قررت الدلو العربية ان السلام خيارا استراتيجيا لا رجعة عنه، الامر الذي يعني ان ما يهم العرب من السلام هو عودة إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 ؟

في بداية الجهود السياسية كانت إسرائيل هي العائق الاكبر امام تطبيق قرار مجلس الامن. لكن جهات عربية كانت تدعم الموقف الإسرائيلي من حيث تدري او لا تدري. قد يكون ضربا من الخيال لو اعتقدنا ان الجهود السياسية قبل حرب اكتوبر كان يمكن ان تثمر عن شيء ايجابي. ولكن الاحداث على الساحة العربية ما بين 1967 و 1973 لم تكن احداثا بريئة على أي حال.

كانت إسرائيل تريد الاستفراد بالأردن دون ان تعيد الاراضي بالكامل. وكان الأردن يريد تفويضا عربيا علنيا وواضحا قبل الاقدام على أي تسوية. بعد حرب اكتوبر تغيرت المعادلات وتغيرت الحقائق على الارض. وبصدور قرار قمة الرباط عام 1974 بحصر التمثيل الفلسطيني بمنظمة التحرير الفلسطينية طويت صفحة هامة في تاريخ الشرق الاوسط.

لقد كان هناك وراء قرار الرباط ما وراؤه. فإسرائيل التي ترفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية كانت ترفض الحديث مع الفلسطينيين. وجاء القرار ليضيع الحقوق ويضيع معها سنوات من الجهود الضائعة. فالأردن الذي كان يمكنه ان يفاوض ويستعيد الارض بتفويض عربي واضح لم يعد يملك أي اوراق للتفاوض. ومنظمة التحرير التي أنيط بها مسؤولية التمثيل الفلسطيني حصرا، غير معترف بها من قبل إسرائيل ولا من الولايات المتحدة ولا من معظم الدول الغربية.

جهود هائلة بذلت ولكن دون جدوى وسنوات طويلة زادت فيها معاناة الفلسطينيين ونضوب موارد عربية هائلة. إلى ان جاءت مفاجأة الرئيس انور السادات التي خلطت الاوراق مجددا في المنطقة وضاعت سنوات اخرى.

كانت السنوات تضيع لان الكثير من القيادات العربية ظلت تهوى لعبة الهروب من الواقع بطرح المزيد من الشعارات ونسج المزيد من الاوهام والأحلام والمضي في المزيد من تضليل شعوبها على حساب مصالح تلك الشعوب حتى لكأن من قدر هذه الامة ان يحبط اندفاع مسيرتها بالوقوع الدائم في الحلقة المفرغة حلقة الفشل و التضليل.

كان هناك من يقول نتركها للاجيال القادمة. ولكن اليس في هذا تهرب واضح من المسؤولية. اليس كل جيل مسؤول عن الحقبة التي يعيش فهيا؟ ما الذي يجعلهم يعتقدون انم ظروف الاجيال القادمة ستكون مواتية لتحقيق ما يتجنبون هم تحقيقه. وأين الحكمة في توريث الاجيال القادمة تركة ثقيلة قابلة للتراكم اكثر من قابليتها للتناقص؟ كان هذا تهربا من المسؤولية.

في منتصف الثمانينات كان الموقف الدولي يرى ان بالإمكان "استرجاع الارض المحتلة من خلال صيغة اردنية فلسطينية ترتب على الطرفين التزامات يعتبرها العالم ضرورية للوصول الى تسوية سلمية عادلة ومتوازنة". وبناء على هذه الرؤيا كان الأردن يجاهد في سبيل حشد التأييد لعقد مؤتمر دولي تحضره الاطراف المعنية إلى جانب الدول الكبرى والأمم المتحدة. ومن هنا كان هناك الاتفاق الاردني الفلسطيني الموقع في شباط 1985. كان ذلك الاتفاق بداية العمل الصحيح على طريق التسوية. استند هذا الاتفاق الى مبدأ مقايضة الاراضي العربية المحتلة عام 1967 بالسلام وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الامم المتحدة وحل القضية الفلسطينية من جميع جوانبها وصولا لحل نهائي لنزاع مزمن.

لقد اوجد هذا الاتفاق فرصة لا سابقة لها للاطراف ذات العلاقة لتنشيط عملية السلام ترتكز على مبدأ اعادة الارض مقابل السلام من خلال مفاوضات ترتكز على مبادىء تضمنتها قرارات مجلس الامن الدولي.
حتى شباط 1986 استطاع الملك حسين بجهوده وحنكته وقدراته الدبلوماسية ومكانته على الساحة الدولية ان يحقق ما كان يصنف في دائرة المستحيل وفتح من المسالك ما كان يقدر بأنه ممتنع وتمكن من الوصول عمليا الى تنفيذ قرار القمة العربية في فاس الى ما قبل مرحلة عقد المؤتمر الدولي الذي نص عليه. وكان يجب ان لا تفوت هذه الفرصة. لكنها فوتت وضاعت او ضيعت.

في اجتماعات ماراثونية في عمان واتصالات وحوارات معمقة مع الجانب الأميركي حول ضمان صيغة تؤدي إلى بدء التفاوض وفق الصيغة الجديدة المتفق عليها بين الأردن ومنظمة التحرير، ظل الرئيس عرفات يقول بأنه بحاجة الى التشاور مع القيادة الفلسطينية حول الموضوع.

بطبيعة الحال كانت منظمة التحرير قد اتخذت قرارها النهائي برفض القرار 242 في اجتماع القيادة الفلسطينية في بغداد في 24/11/1985 دون ان يبلغ الأردن رسميا بذلك.

ولهذا غادر عرفات عمان على ان يعود اليها بعد ايام حاملا الجواب بالموافقة على كل ما تم الاتفاق عليه. لكنه غادر عمان ولم يعد اليها. وضاعت فرصة لم تتكرر. وأعلن الملك حسين وقتها "عدم التمكن من مواصلة التنسيق سياسيا مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية حتى تكون للكلمة منها معناها التزاما ومصداقية وثباتا" .

من الطبيعي ان تؤدي هذه الحالة إلى تجميد الجهود السياسية الرامية للوصول إلى حل في الوقت الذي تستغل فيه إسرائيل الوقت لتغيير الوقائع على الارض بحيث عندما يأتي وقت المفاوضات لا يكون هناك شيء للتفاوض عليه. بالنسبة لإسرائيل كانت الأرض الفلسطينية هي الهدف وبالنسبة لبعض العرب وبعض الزعماء كان الهدف اطماع شخصية وطموحات فارغة. كان يبدو ان هناك تيارات في الساحة العربية والفلسطينية منها على وجه الخصوص لا تدرك مخاطر التأخير.


منذ ذلك الوقت سنوات طويلة ضاعت ودماء زكية كثيرة سالت وشباب اهدروا حياتهم بلا ثمن. كان المواطن العادي يعتقد ان رفض تلك الجهات والقيادات لفرص السلام يعني ان لدى تلك الجهات والقيادات بدائل افضل وستأتي لجماهيرها بنتائج احسن، ولكن تبين عندما قامت تلك الجهات والقيادات بالتفاوض مباشرة مع إسرائيل، لم تأتي بما هو افضل ولم تحقق ما هو احسن بل كان ما وافقت عليه وما قبلت به ادنى مما كان معروضا عليها قبل سنوات وقبل التضحيات الكثيرة والخسائر الجسيمة التي تحملها الشعب.

وحتى عندما وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على مؤتمر مدريد في عام 1991، لم يكن قادة المنظمة خارج الاراضي الفلسطينية راضين عن طريقة تفاوض الوفد الفلسطيني. عدم الرضا هذا ليس لان الوفد لم يكن يفاوض جيدا، على العكس بل لان الوفد كان متصلبا وشديدا في مفاوضاته مع إسرائيل ومتمسكا بالحقوق الوطنية. ولان الهدف كان مصالح شخصية وأطماعا سياسية، كان الالتفاف على المفاوضين في واشنطن من خلال ما عرف باتفاق اوسلو الذي ادخل قيادات الخارج في اللعبة السياسية. اتفاق اوسلو وان حقق شيئا ملموسا على الارض، فقد كشف كم كان الامر مجرد لعبة سياسية. ووافق فريق اوسلو على كثير من التنازلات التي كان يتباهى قبل المفاوضات بأنه لن يتنازل عنها.

منذ هزيمة حزيران 1967 وحتى معاهدة كامب ديفيد ومن كامب ديفيد إلى الانتفاضة الأولى ومنها إلى مدريد واوسلو كل ذلك عبارة عن فرص ضائعة بينما الوقائع على الارض الفلسطينية تتغير لمصلحة إسرائيل. وعندما دخلت القيادة الى الاراضي الفلسطينية لم تحسن التعامل مع الوقائع الجديدة وظلت تراوح مكانها إلى ان وصلت الان إلى مرحلة تكاد تفقد فيها مواقع اقدامها.

كان يمكن لكل هذا الخسران ان لا يقع. وكان يمكن ان يعيش الشرق الا وسط حياة اخرى مختلفة ويوفر على انسانه وموارده ومستقبله الكثير من الفظائع التي شهدها سواء في فلسطين او العراق او لبنان. ولكن في السياسة كما في التاريخ فان كلمة "لـو أن" لا تجوز. ومع ذلك يظل الانسان يرددها من باب اليأس الذي وصل اليه الوضع الذي نعيشه الان. لقد اضاع العرب الكثير من الفرص منذ بدء القضية الفلسطينية. والأوضاع الحالية التي تعيشها القضية تجعل من المؤكد ضياع المزيد من الفرص وإهدار المزيد من الدماء وتبخر الكثير من الوقت قبل ان يستيقظ العرب على واقع جديد حيث لا ينفع الندم.

يتبع الحلقة 3



#الفرد_عصفور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكمة باثر رجعي: تضييع الممكن في سبيل المستحيل . الحلقة الا ...


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - الفرد عصفور - في اربعينية حزيران الحلقة الثانية